قضايا وآراء

جرائم القتل .. تحليل اجتماعي – نفسي (1-4) / قاسم حسين صالح

 الا انها جميعا" تحرّم اشكالا" من السلوك يمكن ان تقضي على المجتمع لو اطلق لها العنان، ويطلق اسم التحريمات الشاملة  أو الممنوعات الشاملة على انماط السلوك التي تحرّمها المجتمعات البشرية كافة.

 ان هذه التحريمات أو الممنوعات الشاملة هي ضرورة تفرضها طبيعة التركيب الجسدي البشري  من جهة وطبيعة التنظيم الاجتماعي من جهة اخرى.مثال على ذلك التحريم القائم في كل النظم البشرية المعروفة ازاء القتل . فالمجتمعات البشرية جميعها تحّرم القتل في داخل التنظيم الاجتماعي ،وقد يكون التحريم :(لا تقتل فردا من افراد قبيلتك)،او عائلتك او دينك او معتقدك...بينما قد يسمح للمرء ان يقتل فردا من قبيلة اخرى او دين آخر او معتقد آخر ..وقد يشجع على ذلك او يفرض عليه مقابل الانظمام الى فئة معينة في المجتمع،او الحصول على امتيازات خاصة. ان مثل هذا التحريم ،كما يرى بعض العلماء،هو شكل من اشكال الحماية للنظام الاجتماعي من التفكك من جهة ومن الاخطار الخارجية من جهة اخرى.

 ولو نظرتا الى انظمة المنع هذه نجد انها متباينة التبريرات ..فقد تكون غير مبررة منطقيا اطلاقا ،وقد تكون ضرورة منطقية لازمة.فقد تحرّم بعض الأنظمة تناول المرأة الحامل لاضلاع الحيوان المعد للطبخ اذا كان اخو زوجها مسافرا!.و قد تحرّم مجتمعات اخرى أكل الفاصوليا يوم الجمعة!..بينما تنظمّ المجتمعات الاخرى امور الزواج لمعرفة اصول النسل في المجتمع.

 ومهما كانت طبيعة المجتمعات فان التحريمات او الممنوعات(مهما كانت درجة خطرها على المجتمع)معرّضة للخرق ،ويصعب او يستحيل طرح مثال على منع او تحريم او تابو لم يخرق من قبل بعض افراد الذي يفرض فيه ذلك التحريم .لذلك فان المجتمعات دوما تضع العقوبات على خرق هذه الممنوعات .وقد تحدد هذه العقوبات وفقا للعرف او التقاليد او القوانين .وتقوم سلطات محددة في المجتمع بفرض هذه العقوبات التي قد تتراوح بين الاعدام والعزل الاجتماعي كالنفي،والعقوبات الطفيفة مثل التوبيخ اللفظي.

 موضوع مسلسلنا هذا ،جرائم القتل، هو من اخطر اشكال التهديد للحياة البشرية في المجتمع .والقتل هو التسبب في انهاء حياة شخص مع سبق الاصرار .بهذا المعنى فان موضوع مسلسلنا هذا لا يدخل فيه القتل غير العمد مثل القتل بسبب الدهس الخطأ.

 لقد أشرنا في أعلاه الى ان كل المجتمعات تحرّم هذا الشكل من أشكال السلوك ،لكنها قد تختلف في كيفية فرض العقوبة عليه.ففي المجتمعات العشائرية في العراق سابقا ،كان يترك لذوي القتيل قتل القاتل ثأرا ، أو يفرض على القاتل وذويه دفع الديّة التي يحددها العرف..أو قد يعمد الى نفي القاتل من العشيرة ليلجأ الى مدينة او يحتمي بقبيلة أخرى .اما القانون العراقي المعاصر فيحدد بنصوص قانونية طبيعة الفعل وطبيعة العقوبة ويترك لمؤسسات معينة مهمة متابعة ايجاد القاتل وفرض العقوبة عليه.

 لذلك ،أي بسبب النسبية الاجتماعية للجريمة والعقوبة،فاننا سنبحث في جرائم القتل في العراق على وفق النظام القانوني العراقي وضمن اجراءاته. وهذه القضية مهمة جدا في مسألة تعريف الجريمة.فمن هو المجرم؟

 لنفترض ان شخصا كان ينوي القيام بجريمة قتل ،وأنه خطط لها بشكل متقن..ولم ينفذها..فهل يعدّ مجرما؟. بكلمة أخرى ،هل نية القتل كافية لاعتبار الفرد قاتلا او مجرما؟.وبنفس المنطق،لو كانت القرائن تدل على ان شخصا ما قام بتنفيذ جريمة ولكنه في الواقع لم يقترفها ،فهل نعدّه قاتلا؟

 ان عالم النفس الاجتماعي لا يستطيع حل هذه المشكلات ضمن الأطر الحالية للمعرفة العلمية والمحددات القانونية.لذلك عليه ان يعتمد على معيار آخر لتحديد الجريمة..وهو في بحثنا هذا ،تعريف الجريمة استنادا للقانون العراقي،وتعريف المجرم استنادا للأجراءات التنفيذية والقانونية التي تفرضها السلطات الجنائية والقضائية ..فالمجرم هنا هو ذلك الشخص الذي حكمت عليه المحكمة حكما نهائيا وقاطعا لا رجعة فيه بأنه مجرم قد اقترف جريمة قتل.

فما هي العوامل الاجتماعية والنفسية التي تجعل الفرد يتخطى التحريم الاجتماعي الشديد ويجازف بعقوبة اجتماعية هي اشد العقوبات ..الموت؟!

 هذا هو السؤال الذي نحاول الاجابة عنه في مسلسلنا هذا الذي نحلل فيه الجريمة من منظور اجتماعي نفسي بوصفها عدوانا موجها من بشر نحو بشر!.

   

أ.د.قاسم حسين صالح

رئيس الجمعية النفسية العراقية

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1539 الجمعة 08/10/2010)

 

 

 

 

في المثقف اليوم