قضايا وآراء

حرق الكتب والمكتبات وثقافة الطاق طيق طاق (4) / صالح الطائي

 أخرى تدفع الإنسان للإسهاب والإطالة حتى دون إلإلتفات لمدى تقبل المتلقي لهذه المطولات في عصر السرعة والزحمة.

والدافع الذي يقف وراء هذه الإضافة الموجزة التي قد تتبعها إضافات أخرى، كان بسبب رسالة وصلتني من صديق يملك موقعا الكترونيا ملتزما ناضجا يتناول المواضيع السياسية والدينية بكثير من التعقل والمسئولة والحرص يفيدني فيها أن الهاكرز (قراصنة الانترنيت) اخترقوا الموقع ودمروه وتركوا توقيعا طائفيا هو بالتحديد  [HACKED BY ] (هتلر جدة ـ حملة الدفاع عن الصديقة بنت الصديق عائشة)

ويأتي تدمير هذا الموقع الملتزم ضمن سياق حملة طائفية شرسة يقوم بتنفيذها مجموعة من المتطرفين وداعمي الحركات الإرهابية في العالم ضد الكثير من المواقع ولاسيما الإسلامية غير المتطرفة منها لإسكات صوت الحقيقة ومنع الكلمة المنافحة عن وحدة الإسلام من الوصول إلى المسلم المسالم البسيط لكي لا تقف قبالة كلمة الطائفية وسمومها التي باتت تنتشر في مجتمعاتنا كالنار في الهشيم

إن هذا العمل التخريبي يأتي متساوقا بالكامل مع سياسة تحريق الكتب التاريخية فالموقع الالكتروني هو الكتاب المعاصر وتدميره يعني حرقه بطرائق جديدة من دون استخدام النار والبنزين أما الغاية من هذا العمل التخريبي فهي نفسها التي أحرقت لأجلها الكتب البارحة.

وتكاد الحرب الالكترونية اليوم أن تستعيض كليا عن حرب الجنود والآليات وسفك الدماء بحرب الفكر، فالعلم الذي يقود العالم اليوم من خلال الانترنيت والحاسوب لم يعد ملتفتا إلى مقدار الدم المسفوح في الحروب التقليدية بقدر إلتفاته إلى كمية الفكر المسفوح والمهان في ساحات العدو المقابل أو المكون المنافس، بالأمس كان السيف يقود حياة البشر ويدل على السطوة والقوة والتمكن، أما اليوم فالكمبيوتر هو الذي يقودها ومن يملك برنامجا أقوى واكبر وأسرع هو من يفوز بالمنازلة

وكما هو ديدننا وديننا صرفنا الغالي والنفيس ومدخرات أجيالنا ومبالغ تطوير بنيتنا التحتية وحياتنا للحصول على البرامج التخريبية دون سواها من علوم الحاسوب ووضفناها في حربنا مع أنفسنا وأهلنا وعشائرنا وتشعبات وفرق ديننا التي نعتقد نتيجة جهلنا أنها المنافس الأوحد والأخطر في وقت لم تدخر الجهات الأخرى جهدا للحصول على هذه العلوم ولكنها وضفتها للتطور والتقدم مع تخصيص حيز صغير من مشاريعها لتدمير خطوط دفاعاتنا.

 ومما أنتجته المختبرات مؤخرا برنامج فيروس يسمى  دودة "ستكسنت" الإلكترونية وهو برنامج مصمم لاختراق حاسبات وأنظمة تشغيل شركة "سيمنس" الألمانية، ويصيب برنامجاً مخصصاً للتحكم بالتشغيل الآلي الصناعي (نظم السيطرة) من إنتاج هذه الشركة التي تتعامل معها بعض البلدان العربية والإسلامية باعتبار أنها شركة محايدة تختلف عن الشركات الأمريكية والأوربية التي اشتهرت بالانحياز واختراق نظم المعلومات، ومن جانب آخر لجودة منتجاتها!

هناك أكثر من مؤشر على أن هذا الفيروس إسرائيلي الصنع منها الأسماء التي أطلقت على ملفاته مثل "ميرتيس" و"إستير" وتلاحظون أن الاسم الأخير يذكرنا بمسلسل رأفت الهجان المخابراتي، ومنها أيضا إنفراد صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية بالتصريح: أن هذا الفيروس وضع ليستهدف عملية تخصيب اليورانيوم في موقع "نتانز" النووي الإيراني تحديدا عن طريق ضرب الأنظمة التشغيلية في أولى محطات إيران النووية في "بوشهر" وصولا إلى كافة محطاتها، وكأنها تريد التشبه بالمتطرفين العرب من خلال الادعاء أن لديها أكثر من سلاح مدمر ممكن أن يعينها في تنفيذ خططها الشيطانية!

فهل جاء أمر هذا الفيروس ليعلن للعالم أن الرد العسكري ولى زمانه أو كاد، وأن الحاسوب الموجود في مواقع العمل والمحطات الحساسة والبيوت والمدارس والذي لا يستغني عن وجوده أحد سيكون هو السلاح الفعال الذي يستخدم في عصر الحرب الالكترونية  لتدمير  قدرات الآخرين من دون إراقة قطرة دم واحدة؟ وأن الحرق لن يكون بالنار كما هو من قبل بل من خلال التحكم بالفيروسات الكمبيوترية التي تحرق المعلومات وتخرب النظام وتحرم المنافس من منابع قوته ومصادر دفاعه!؟

وإذا كان الجواب بالإيجاب فلماذا لا نتخلى مثلا عن السيف ونقلد الآخرين في خوض حرب الفيروسات وحدها؟ لماذا نبقى مصرين على استخدام السيف والتفخيخ والتفجير ثم نستعين بالفيروس لنجمع الأسلحة القديمة والحديثة سوية؟

ثم هل أننا بقدراتنا العربية والإسلامية المحدودة جدا سوف نساعد عمالقة الحاسوب من خلال التعاون معهم على تدمير ما تصل إليه أيدينا من ممتلكات العربي والمسلم الآخر ما دام هذا السلاح التدميري بحوزتنا وتطاله أيدينا بيسر أم من المفروض فينا أن نتحد لنقف سوية في مواجهة هذه الحرب الجديدة المدمرة التي لا نملك من أسرارها إلا ما يريد لنا الآخر الإطلاع عليه؟

إن العالم المتقدم منع عنا كل أنواع الأسلحة المتطورة غير التقليدية من قبل، فلماذا يبيح لنا استخدام هذه السلاح بهذه السهولة لو لم تكن أعمالنا التخريبية ضد أخوتنا وأهلنا تصب في صالحه وكأننا نقاتل بالنيابة عنه، فنلام ونتهم بالتطرف والانحراف وينجو هو من اللوم واللائمين وفق مفهوم "نارهم تأكل حطبهم"  كما تروج لذلك القنوات الإسلامية الطائفية المتطرفة؟

والسؤال هنا: لماذا لا يرد المتطرفون الإسلاميون من أهل (النصرة) و(الغيرة) و (الحرص على الإسلام) بدل عقد الندوات التحريضية التي تحث المسلم على قتال المسلم، على أعمال المتطرفين من المستوطنين  اليهود المعارضين للعبة مفاوضات السلام الذي أحرقوا مسجدا في الضفة الغربية وما طالته أيديهم من نسخ القرآن الكريم، رغم تكرار حالة الحرق والتدمير للمرة الرابعة حسب أقوال اللفتنانت كولونيل "أفيتال ليبوفيتس" المتحدثة باسم الجيش الاسرائيلي لوكالة BBC: "إن هذا هو رابع حادث من نوعه منذ ديسمبر كانون الأول 2009 "؟

 أم أن صوت الغريبة يطرب وصوت بنت البلد لا يطرب؟ وقتال وتدمير وتخريب ممتلكات المسلم حلال في شرعهم، ومحرم مع من هو من غير المسلمين؟

إنها ليست دعوة لمعاداة الإنسان الآخر أيا كان معتقده أو دينه وإنما هي دعوة للكف عن انتهاج سياسة التحريق وثقافة التدمير لأن استمرار هذه السياسة الهمجية سوف يحرق الكثير من الموروث الإنساني ويدمره

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1540 السبت 09/10/2010)

 

 

في المثقف اليوم