قضايا وآراء

عالم ماريو بارغاس يوسا: تقلبات السياسة وثبات التجربة السردية / الخير شوار

وأصبح أكثر اقتناعا أن الكتابة ليست أفعالا فقط، بل يجب أن تضاف إليها أشياء أخرى.

 

عندما ترشح للانتخابات الرئاسية في بلده قبل عشرين سنة، لم يشأ البيروفيون انتخابه رئيسا لهم، واختاروا بلده الياباني الأصل فوجيموري، والذي عُزل بعد ذلك لاتهامه بالفساد، ربما امتنعوا عن التصويت بالقدر الكافي ليوسا، بسبب اعتقاد البعض أن الأمر مجرد تجربة روائية جديدة، تختلط فيها الواقعية بالفانتازيا على الطريقة التي عودّهم بها هذا الروائي المثير للجدل منذ تربته الأولى ''المدينة والكلاب'' والتي وضعته على رأس أشهر الكتّاب في أمريكا اللاتينية إلى جانب كوكبة أخرى من أمثال الكولومبي غابريال غارسيا ماركيز والشاعر الشيلي بابلو نيرودا والغواتيمالي ميغال أنكل أستورياس وغيرهم• ولئن اشترك يوسا مع ماركيز وغيره من أقطاب الواقعية السحرية في أمريكا اللاتينية ب ''الدكتاتورية'' التي عانت منها شعوب تلك المنطقة، إلا أن ''دكتاتور'' يوسا يختلف بعض الشيء عن ''دكتاتور ماركيز'' والذي صوّره بشكل كاريكاتوري مدهش في عمله الكبير ''خريف البطريرك''، لكن ملامحهما العامة تكاد تكون واحدة رغم العداوة الظاهرية بين الروائيين الشهيرين والتي امتدت لسنين طويلة، والتي اختلطت فيها الذاتية مع الموضوعية (الإيديولوجيا)، ويوسا عُرف بعد ذلك بتقلباته السياسية المثيرة دوما للجدل، فعندما كتب الصحفي الشاب ''ماريو بارغاس يوسا'' ذلك العمل ''المدينة والكلاب'' إنما كان أسير ''بابا الوجودية'' جون بول سارتر من جهة، وقائد الثورة الكوبية فيدال كاسترو من جهة أخرى، ولئن بدأت تعرية الدكتاتور ''الكائن الأسطوري الوحيد الذي أنجبته أمريكا اللاتينية'' بتعبير الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، عند يوسا مع ''المدينة والكلاب''، إلا أنه يبدو في أوضح صورته مع ''حفلة التيس'' التي صور عالم الدكتاتور تروخييو الذي اغتيل في المدينة التي أسماها باسمه سنة 1961 والذي استخدم الروائي يوسا كل مهاراته السردية بكل سخريتها اللاذعة من أجل تصوير شخصيته وقد قيل أنه يكتفي برقابة الناس في سلوكاتهم الخارجية، بل وتجاوز ذلك إلى مراقبة ضمائرهم الباطنية وحتى أحلامهم وكوابيسهم.

لكن الكاتب الشيوعي الثائر سرعان ما ''يرتد'' إلى الليبرالية بداية من سنة 1984 عندما صدر عمله الروائي ''قصة مايتا''، والتي أثارت جدلا تجاوز البيرو وأمريكا اللاتيية إلى العالم كله، خاصة مع الاهتمام العالمي الكبير بأدب أمريكا اللاتينية مع فوز غابريال غارسيا ماركيز بجائزة نوبل للآداب سنتين قبل ذلك (1982)، وأهم ما صوّرته تلك الرواية الشهيرة هي ''ارتداد'' يوسا بشكل رسمي عن الشيوعية التي اعتنقها سابقا بسبب'' خيبته'' الكبيرة في ملهمه السابق الزعيم الكوبي فيدال كاسترو. ويوسا الذي بدا مع تقلباته الفكرية المفاجئة حذرا من السياسة التي قال عنها أنها مصدر كل عنف وتعسف سرعان ما يجد نفسه في قلبها وهو ينضم إلى ''تجمع ليبرتاد'' المناهض للشيوعية وسرعان ما استهوته تلك اللعبة والتي قادته إلى الترشح للانتخابات الرئاسية، وعندما اعتقد الكثير أن يوسا شفي تماما من الكتابة الروائية وانخرط في السياسة بشكل كلي، عاد من جديد إلى الرواية سنة 1993 مع ''ليتوما في جبال الأنديز'' التي تناولت تجربته السياسية الفاشلة إضافة إلى وقائع مجزرة ''جبال الأنديز'' سنة 1983 والتي راح ضحيتها ثمانية صحفيين.

ولئن شفي ماريو بارغاس يوسا تماما من فيدال كاسترو، إلا أنه بالمقابل لم يشف بشكل كامل من جون بول سارتر، لكنه بدأ يحور بعض مقولته وأهمها قول ساتر أن الكلمات ما هي إلا أفعال والتي تحولت معه إلى أنه أصبح أكثر اقتناعا أن الكتابة الروائية هي تعبير عن الحياة مع إضافة أشياء إليها، وقد يكون الكذب أبرز الإضافات للحياة حتى تكتمل روائيا.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1542 الاثنين 11/10/2010)

 

في المثقف اليوم