قضايا وآراء

البناء النفسي ..متى يهتز عند الانسان؟ / اسعد الامارة

دعونا نتفحص هذا البناء عندما لا تحدث تسوية متناغمة بين هذه العناصر الثلاثة (الذات الممثلة بالانا، والرغبات المتوحشة الممثلة بالهو، والضمير الممثل بالانا الاعلى) هل تهتز الشخصية ؟ هل تنحدر النفس نحو الاضطراب برغم معرفة الشخص بكل ما يجري ام في غفلة من كل ذلك فيرفض انه انحدر نحو الاضطراب فتكون الطامة أكبر وهو الاضطراب العقلي.. انه الصراع الذي يسبق هبوب عواصف  التغييرفي ذواتنا !!واذا لم يحسم الصراع بقبوله في تسوية صحيحة سيحدث التنافر والشقاق في النفس.

اننا وخلال معايشتنا للاحداث اليومية في حياتنا نتعرض لكثير من المواقف الضاغطه بعضها يعود الى تكوين نفسي بقبول الحدث وتضخيمه وبعضه الاخر حدث طارئ ولكننا نجسمه ونكبره حتى يتضخم مثل الغيرة، المنافسه،الشك، الصراع، الاحباط،،ضغوط الحياة وتكاليفها ..الخ مما يؤدي الى انواع الادمان ومنها الادمان على المشاكل او الادمان الكحولي او الادمان على تعاطي المخدرات هروبا لا مواجهة لاحداث الحياة اليومية وبذلك يؤدي الى اهتزاز البناء النفسي لدى الفرد.

ان الفردية والانانية والسعي وراء الامتلاك اللامحدود جعل الانسان اليوم عرضة للاضطرابات النفسية ويقول علماء النفس أن معظم الاضطرابات النفسية سببها صراع ذاتي وتفكير في النفس واضطراب في التوازن الداخلي، صحيح ان المؤثرات الخارجية لها علاقة مباشرة ولها تأثير ولكنها تعمل من خلال تكيف الجهاز الذاتي الداخلي، لذا نقول لايوجد حل للهروب من الذات ومن النفس إلا بمصالحة النفس.

يقال أن عداء الانسان المستتر لذاته هو الذي يولد الاضطراب النفسي والعقلي وخصوصا اذا ارتقى الى رغبة الفرد في تدمير الذات وهو ما نجده لدى مضطربي الاكتئاب الذهاني –السوداوي وهو اشد انواع الاكتئاب العقلي. بينما صداقة النفس هي اساس التوازن والتوافق النفسي وتساؤلنا:

كيف تصبح صديقا ً لنفسك؟

هل المصالحة مع النفس ممكنة؟

وما هي اساليب المصالحة؟

نقول ان المصالحة مع النفس اصعب من المصالحة مع الاخرين.. وان صداقة النفس تتطلب رحلة شاقة ومعاناة طويلة حتى يقتنع الفرد فهم ذاته وصراعاته واهدافه الواقعية ويقوم بتبديلها طوعيا ويقلل من العمليات الدفاعية مثل الكبت والتبرير والاسقاط والمبالغة والنقل ويلجأ الى التسامى في سلوكه .

 ان من  الصعب ان يقتنع الفرد حينما يكتشف نفسه بنفسه وان يتعرى امام ذاته بدون قيود او موانع يصطنعها، ان يرى حجم الشر بداخله مقارنة بالطيبة، ان يرى جزءا ً من اناه العليا المتمثلة بالضمير وهو مسلط على رقبته ازاء ملذات لا قيمة لها سوى اشباع رغبات آنية غير دائمة وربما زائلة ووقتيه تمضي اسرع من السراب.

يقول علماء النفس ان مصالحة النفس تحتاج الى نضال حقيقي وجهاد مع النفس، انه سلسلة من النضال بين المألوف وغير المألوف ويقول"مصطفى زيور" نحن نفطن لمعارف جديدة دون جهاد ضد معارف سابقة ويصدق ذلك أكثر ما يصدق على العلم بأحوال النفس لان ادراك الجديد عنها تقويض لألفتنا بها حتى لنكاد نمسي غرباء عن انفسنا،بل إن هذا الاغتراب يفقدنا الطمأنينة ويذيع إلى النفس إشفاقا ً يهز الكيان فتدعونا فطرتنا إلى الانكار والاستنكار.. هنا تكمن الصعوبة الجمه في المصالحة مع النفس بل ان الفرد حينما يفطن الى ان مقاومة الكشف عن أعماق النفس لاتأتيه من الخارج بل من داخل نفسه، فكيف به يصمم على ان يزيل هذه العقبات حتى يظفر بالحقيقة كاملة .. اذا نجح فأنه يعيد بناءه النفسي بدون ان تهتز النفس ولسنا مغالين اذا قلنا ان صداقة الغير تصل بنوع من الرضا والاشباع والارتواء أكثر من صداقته النفسية، وايضا مصالحة النفس صعبة جداً لان هذا يعني التناسق والتناغم والتوفيق بين قدرات الفرد الذاتية الحقيقية بدون مبالغة واهدافه وترويضه لذاته الحقة بدون رتوش، وهذا من الاستحالة ان استطاع الانسان العاقل ان يمارس هذه الطقوس النفسية بعيدا عن التضخيم والمبالغة ..

من الافضل الاعتراف بأن هناك اشكالا متعددة من التصرفات والسلوك اليومي يقترب من الحالات البينية المتاخمة بين السواء النفسي (الصحة) والاختلال (الاضطراب) نجدها قريبة الشبه من حالات الاهتزاز في الشخصية التي ستؤدي الى اضطرابات حتما ً لأن صاحبها مهيأ لان يكون في جانب الاضطراب اكثر من السواء، أليس من الاحرى بنا بدلا من السعي نحو اعادة تقييم الاخرين ان نعترف بأن فينا الخلل وهو يعبر عما يدور في دواخلنا من انساق غير متناسقة؟ اليس التكوين الصراعي بدواخلنا وتفاعله مع الظروف الاجتماعية الخارجية يسبب اختلال التوازن النفسي الذي ينعكس على الاسرة اولا ثم على علاقاتنا الخارجية ثانيا.  اليس  شقاء الانسان يبدأ من اهتزاز شخصيته وبناءه النفسي حتى ترتبك احواله رغم ما يحققه من مكاسب مادية او وظيفية وما تحققه له من متعة آنية ولكنه يشعر بالهم ويدركه تماما كجزء من شخصيته حتى وان هرب من مواجهته.   

 

د. اسعد الامارة

استاذ في الاكاديمية الاسكندنافية الامريكية

[email protected]

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1545 الخميس 14/10/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم