قضايا وآراء

الروائي الكبير "حنا مينا" و"كوكب حمزة" في لمّة أهلنا: هل تعلمنا ... الدرس؟ زيد الحلي

كتب (مينة) وصية قبل اكثر من عام، وهو يرفل بكامل الصحة وقد رأيته مؤخراً منتشياً صحبة الصديق الرائع الملحن " كوكب حمزة " ومجموعة من الأدباء والفنانين السوريين في كافتريته المحببة (لمّة اهلنا) في منطقة جرمانا بدمشق، وفي أعقاب صدور رائعته (عاهرة ونصف مجنون) .. ونشرها في الصحافة السورية وسط ذهول الوسط الأدبي .

هل تعرفون بما أوصي هذا الروائي الكبير؟ لقد قال (.. رغبتي أن لا يحتفي بي ميتا وأن لا يبكني أحد، ولا يحزن علي أحد وأن لا يقام في حفل تأبين ... وجنازة بسيطة وأربعة أشخاص غرباء يحملون النعش من دائرة دفن الموتي ثم يهيلون علي التراب وينفضون من بعد ذلك ... وكأن أمراً لم يحصل) !!!

ولعل ما أثار الحزن والتساؤل والذهول عبارته الأخيرة في الوصية حيث قال (ليس لي أهل، لأن أهلي جميعاً لم يعرفوا من أنا في حياتي) ؟!!

إن القارئ لما هو غاطس في بحر سطور الوصية، يتلمس مقدار الاغتراب الذي يحس به هذا الأديب وجرعات الغدر التي يبدو أنه تلقاها، بحيث تبدو لك أنها جرعات لا يكاد يصحو من واحدة منها، حتي تنغرز أخري في منتصف القلب إلي درجة حولته إلي مرفئ أحزان .. ولعل في وصيته ما يشيء بذلك، بالرغم من حصوله علي تكريم رفيع المستوي، متمثلاً بوسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة المقدم من الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد قبل أعوام .. كما تم تكريمه بإصدار أمانة دمشق، كتاب عنه حمل عنوان (حارس الشقاء والأمل) المتضمن نبذة عن حياته وأعماله ..

المعروف عن (حنا مينا) محبته إلي العزلة، لكنها عزلة، منتجة، قرأنا له خلالها العديد من الأعمال مثل رواية (المصابيح الزرق) وثلاثيته الرائعة (الشراع والعاصفة والعقل وحكاية بحار)

إنها ثلاثية تؤكد أن للأدب رسالة ووظيفة، هي النفاذ إلي جوهر الحياة والنفس البشرية وتصوير أغوارها وصراعاتها ..

لم تعجبه الأضواء، وتحس في كتاباته، أنه يطالبنا بأن نلجم أنفسنا الضغينة بشكيمة العقل، حتي يتبين المصلح من المفسد والبريء من المجرم .. ويبدو أنه شعر بأن النهار، أظلم عليه، في وقت هو فيه مثل إطلالة الفجر في بواكير نيسان .. إنها مفارقة بين المرئي واللامرئي .

هل أراد حنا مينة في وصيته، أن يصور لنا بأن كل الأشياء، أصبحت متساوية لديه، فلا عاد يفرق بين الضوء والعتمة والحركة والسكون، وهو الغارق في التفاصيل، للحد الذي يشعرك وأنت تقرأ روايته،إن أبطالها يحدثونك ويسيرون معك وينامون إلي جانبك !

وهل أقنع، نفسي، بأن صاحب الروح العلوقة بالتمرد والتنوع والمحبذ للسفر إلي اللامحدود، باحثاً عن لذة الاكتشاف، كتب وصيته، لمجرد إثارة زوبعة في مياه الأدب العربي الراكدة .

حالياً .. لا أظن ذلك .. إنه أقدم بفعلته عن وعي ليشير إلي واقع مؤلم يعيشه المبدعون في كافة المجالات، فكم من أديب رحل عنا بصمت مريب، واكتفينا برثاء أو حزن كاذب أو طالبنا بإقامة حفل كإسقاط فرض لتكريم إنسان ميت !..

نعم أراد حنا مينة أن ينبه إلي حالة المبدعين المأساوية في وطننا العربي، فالرجل الذي حمل علي أكتافه 86عاماً، ستون منها،كانت عطاءً ثراً، وهو أديب ملتزم، يحس بمعاناة المبدعين ويؤمن بالحرية، لذلك فهو لم يستأثر بحرية أحد وقد أنضجته نار المعرفة فجعلته يرفض الحياة المترفة والمبنية علي أسس مادية بحته .. والجهل عنده يؤدي إلي الغضب والحقد ... لأن ذلك يتضارب مع الحب .. وما (حنا مينه) إلا بحيرة من الحب.

وصيتك، وصلت رسالتها .. فليتعلم منها من يدير وجهه إلي الخلف وهو يمشي في طريق، فإنه لا بد أن يرتطم بالمعوقات ..ومن عاش لنفسه، خسر نفسه .. وخسر حتي المقربين منه .. فهل نتعظ

 

[email protected]                                       

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1546 الجمعة 15/10/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم