قضايا وآراء

فرات أسبر: لا زهرة أمل في الجبال العارية / حسين سرمك حسن

توقظ جسدي من نومه

تاريخ من الطين لم يكتمل

أيتها الزوارق العابرة في ماء الحياة

كيف نطلق سراح الحواس؟

الطائر حر!!

يمضي إلى المجهول.. ).

عن دار "بدايات" للطباعة والنشر في سورية صدرت المجموعة الشعرية الأولى للشاعرة (فرات أسبر). ضمت المجموعة أربعين قصيدة منها: يبتسم الصباح ولا يراني، الحنين ثوب ممزق، عندما ينام وحش الكآبة، دم على خصر الأفق، على طريق الحرير، مطر تحت جلدي، المرأة الاستوائية، المؤنث لا يؤنث، أفق آيل للسقوط... وغيرها.

أقرأ نصوص فرات أسبر، وأسائل نفسي وأنا أشتغل على نقد الشعر وفق منهج أدخلته إلى الثقافة العراقية هو "علم نفس الإبداع" منذ ربع قرن، لماذا صار شعراؤنا لا يقنعون المتلقي- وفق تصورهم- إلا إذا كتبوا شعرا ملغزا ومزحوما بالصور المعقدة. تقرأ هنا شعرا شعرا مفعما بالصور المتفردة وبالاستخدام المقتدر للمفردة واللعب على أوتارها .. يلاعب مشاعرك ويثير في ذهنك التساؤلات .. ويحرك المعضلات الملغزة .. فماذا تريد من الشعر أكثر من ذلك ..

وعندما تدقق في مضامين نصوص الشاعرة، يقفز إلى ذهنك وصف "الأميرة المخلوعة" كتعبير شديد الإحكام عن حال الخطاب الشعري فيها.. أنوثة مغدورة هي التي ينبغي أن توضع أصلا على عرش الكون... وليس عبثا أن أول إله عبد في الكون وعلى أرض سومر كان أنثى.. إلى أن جاءت السلطة الذكورية المقيتة لتزيحها عن عرشها وتملأ الكون دما وعدوانا.. (يبتسم الصباح ولا يراني

يمضي

ينوء بثقل

ويبكي على نهار باع إرثه

غيرني الحب لم أعد الزهرة

أو عطارد

امرأة، أنا

تجوب البراري بنعل أحلام صدىء.. )

هذه الخيبة المريرة تلقي بظلالها القاسية على نصوص المجموعة بـأكملها تقريبا.. شعور قاتم –تلطفه العصا السحرية للغة الشعرية طبعا- بالمرارة بفعل الإحباط الذي يحاصر وجود الشاعرة من كل جانب.. شعور ملتهب بالإنخلاع والتجريد القسري من "إكسسوارات" البهاء الأنثوي:

(عبّأت حزني في جرار الأمل

قلت للعسل المرّ:

أن يشهد نضج حليبي

لا أساوري ذهب

لا خواتمي فضة

أنا كرمة ذابت

في مياه الغروب ..).

والكآبة.. الحزن المتطاول الخانق الذي يبلّد مشاعر الفرد.. الغلالة السوداء التي تشوش بصر وبصيرة الإنسان المسحوق.. هي من اشد مضاعفات هذا الشعور بالإحباط ضراوة.. حتى في ضوء النهار تكون إطلالة الفرد المسحوق على الحياة يائسة منكسرة من نافذة مظلمة، إطلالة نفضت يديها من تراب الأمل.. إحساس ثقيل بالإختناق.. باللاجدوى.. بجفاف الرحم الأنثوي/ الفردوس الأول في المخيال البشري الذي اشتقت منه الصورة الباذخة للجنة والاستراحة الخرافية والنعم الأسطورية التي يتمتع بها سكانها:

(في الليل، عندما ينام وحش الكآبة

ترقّ قشرة الأرض من البكاء

في الصدر، تعزف ألحانها الرطوبة

بلا أصابع، الليل يصفّق للظلام

في صدورهن لا ينام الحليب

النساء يتركن المطر يسرح

جفاف الأرض

يأخذ ما تتركه لحظة الصدق من مطر ..).

إنه احتضار الكائن الحي وهو يتحول إلى قبر يتمشى.. أول علامات هذا الإحتضار هو جفاف نبع الأحلام.. فالإنسان فوق أنه حيوان ناطق واجتماعي كما يصفه الأخ ارسطو فهو "حيوان يحلم".. حيوان رومانسي.. في اللحظة التي يتوقف فيها نهر الأحلام –أحلام الليل أو اليقظة، الفنطازيا- عن الجريان معبرا عن الرغبات اللائبة يتحول الفرد إلى حجر.. ومحنة الشاعرة أن سيقان أحلامها من قصب الريح – يا له من وصف رائع-:

(سيقانها قصب الريح

تلك الخائنة- أحلامي-

أراها

نساء تسافر

أو وجوها تغادر ..)

حتى تلك الأحلام الودودة التي كانت الشاعرة تتشارك بها مع رفيقة عمرها الباكر/ شقيقتها، جرفتها رياح الخيبة المدوية، وحملتها بعيدا، كانت كل منهما تحلم بأن تقطف لأخيتها وردة من أعالي الجبال.. فصار ألم كل منهما ينافس الآخر.. أصبح عاليا أكثر من درجات البيت:

(سأقطف لك زهرة من أعالي الجبال وأضيء

الطريق

سامية

هل تذكرين؟

كان لنا أحلام نعلقها على حبل الغسيل

ونكتب..

.. إفرحي.. إفرحي .. فأنا مثلك أرض منهوبة ..)

وحين أقول إن الأنثى مهيأة للموقف المازوخي اصلا فهذا ليس عيبا، إنه بنية- structure حاكمة ومتأصلة.. الأنثى تخترق في لحظة الإفتراع.. في أي مواقعة لاحقة.. في الحمل.. في الولادة.. هو الإختراق المازوخي المبارك المسؤول عن بهاء الحياة وديمومتها وألقها.. لكن الكارثة تقع حين يقوم هذا المجتمع الأرعن بتحويل هذه السمة الخالقة إلى واقع إنذلال صخري ومهانة مسننة، حينها يصبح هذا النزوع الآسر شكلا من أشكال تدمير الذات:

(حياتي

أحرقها كل يوم

بحطب أجمعه

من تعب أيامي ..)

والمشكلة الضارية هنا هي في صحوة الذاكرة.. والذاكرة ماض وليست مستقبلا.. وفي العادة تزدحم الذاكرة بكل الأحاسيس المضنية المرتبطة بالشعور بالذنب.. بالخسارات التي نحمل ذواتنا لاحقا آثام ضياعها.. بالسعادات التي خسرناها وولت بلا رجعة:

(الذاكرة

القلب

وأطراف الجسد

تلك اللعينى لا تنام

وإن نامت

نامت مجروحة ..)

عذاب حارق هذا اللهاث المتوحش للماضي وهو يلحق خطواتنا الحاضرة.. يربكها.. يتعلق بها.. ويوقعها في مطبات الحاجة للتكفير التي تأتي في صورة استعادة مازوخية له.. استعادة مازوخية الأنثى مهيأة لها بطبيعتها. تلخص الشاعرة هذا الصراع الخرابي في صورة عز نظيرها، سيفسدها التأويل النقدي حتما.. صورة مكتفية بذاتها:

(الماضي يلهث مثل كلب

أعطيه المسكنات كي يهدأ ..).  

يقول المبدع "محمد خضير": آثامي هي الحي الذي لا يموت.. والألم غبار الروح.. هل قالها أحد قبلي".. وشقي المقولة مترابطين ومنصهرين.. فلا ألم أشد وفاقا منع الروح المعذبة من ذاك الذي يجلدها بسياطها هي نفسها:

(بعد الظلام

يأتي النور

من ينقذني من أخطائي؟

المجهول يتقدم كحطّاب ..)

هذا حال الـ "فرات" التي دفعها إحساسها النرجسي المشروع إلى وصف ذاتها في إحدى القصائد- وما هو الحال الفعلي لدلالة اسمها- بأنها العذب المصفى، لكنها تستميت في أن يتكرم عليها النبع- وهي النبع- بأن يغسل وجه وجودها المجرّح الذي علاه غبار الآلام ورملها الحارق:

(الطريق

أسرار

تضىء

واسمي عذب مصفّى

يا نبع اغسل بدمعك وجهي

عمر من الأسى فوق ظهري

وضلع كسيح

ما رأيت ظلا لأنام

ولا حجرا لأضىء

يا وجهي

نورك ظلمة ..)

القدر الجائر،صراع عمى الليل السادي ضد بصيرة القلب المازوخية، يجعل الماء يتوسل بالماء.. يجعل النبع يتوسل النبع!!:

(عتبت على الليل، عماه

وعتبت على قلبي، بصيرته

نمشي ونمشي ولكن بحذر من السقوط

لا تفاجئني بضرباتك

أطلق السهم من الذاكرة

فأنا ماء ظامىء إلى الماء ..).

تستثمر فرات رموز الانوثة، الرموز العشتارية التي صنعت الشعر، بل الأدب بأكمله، ولاحظ أن أغلب أسماء نتاجات الأجناس الأدبية مؤنثة:قصيدة، رواية، قصة، مسرحية.. إلخ الأوعية التي تحتوي وتضم مشتقة من فعل الرحم الأمومي.. أما "الأفعال" فهي مذكُرة تخترق وتخرّب- لهذا حديث آخر-.. الرموز العشتارية هي رموز الحياة الخالقة: الماء، الطير، النبع، الشجرة، الزهرة، الشمس، الفراشة، الطين، التراب، الأرض، الكرمة ...إلخ....و..و.. السمكة التي يهمني أن أتوقف عندها قليلا.. الأنثى هي "سمكة" الحياة الوحيدة.. الكل يحاول اصطيادها وحبسها والتهامها.. ناسين أو متناسين أن في هذا الفعل خراب الحياة.. الأنثى ابنة الماء.. هي سمكة لا تستطيع العيش خارج ماء أحلامها.. حنى اساطير الخليقة الأولى اشتقت من "العماء" المائي المحيي الذي يسم المحيط الرحمي.. لكن هذا القهر المتوحش والموحش يجعل حتى القلب النابض سمكة مجففة لا تنفع في بعث الحياة فيها حتى عصا موسى:

(غفوت في مهب الذاكرة

مبللة كخشبة

أيها السمك المجفف، قلبي

يا دربا تمشي عليه الآلام

لا عصا موسى تهشّك

ولا جبّ يوسف أرمي إليه بالأسرار ..)

وليس شرطا أن يتم القضاء على وجود سمكة القلب بضربة عزوم مميتة، أو بالسم الزعاف، لكن حين يتحول الماء الزلال.. ماء الله الذي جعل منه كل شىء حي إلى ماء من الأسى والمحاصرة والقهر واللوعة:

(أحب المطر الذي يلامس ظهرك

ظلك يعبر في الماء.. أتخيل نفسي سمكة

وأحلم أني عبرت المحيط إليك

أساي نهر يطوف وعلى الجانبين أيام شقاء

لا عطر لها ..)

وتلعب فرات على الوجه الآخر للعملة الرمزية حيث لا يوجد وجه دلالي واحد لأي رمز، الرمز دائما مزدوج الدلالة:أنثوي وذكري بنسب متفاوتة يفرضها الموقف النفسي .. يبدو أنها حكمة الحياة التي اقتحم دائرة أنوثتها الوجود الذكري.. أو- وهذا تفسير يتطلب بحثا واسعا- أن الظل الذكوري في شخصية الأنثى حسب كارل غوستاف يونغ.. أوالموقف الأمومي من الجنين فالمولود الذكري الذي سيصبح حبيبا وزوجا حسب معلم فيينا، تلعب الشاعرة على رمز السمكة فتعطيها الطبيعة الذكورية المدمرة المميتة:

(سأقطع النهر

وعلى الضفة المقابلة

تجدين ثيابي

بين أسنان سمك القرش

بصرخاتك الصامتة

تشهقين بالدمع

على امرأة لم تكن من زمانك ..).

هكذا تصبح السمكة/ الرمز العشتاري الأثير إلى رمز افتراسي مروّع.. هكذا يُمسخ المضمون الإنفعالي المعبر عن الوجود الأنثوي حتى في أبعاده الجنسية- وأؤكد الجنسية الرائعة وليس التناسلية الحيوانية الفجة-.. الغريزة الجنسية.. اندفاعة روح الجسد نحو الإلتحام والتفريغ هي سمكة لائبة تحت بطش قبضة الكبت. هذا ما تعبر عنه الشاعرة بصورة تعيد إلى الذهن تأكيد معلم فيينا بأن المبدعين هم أساتذتنا في اكتشاف صراعات النفس البشرية وعقدها وآلياتها الدفينة:

(إلى المحيط أرمي بأسراري

تحت ثقلها يئن جسدي

يا فزاعة الليل

قولي للحصى أن يضىء

بكاء الموج

زبد أبيض

على جسد الصخور

هكذا تصرخ الأسماك ..).

لكن هذا الإحساس الفاجع بالخراب الشامل.. بالفناء الوشيك الماحق.. ليس إحساسا وجوديا يعبر عن أزمة الذات في عدم انطلاق ممكناتها.. ولا هو نتاج صراع نفسي عميق مؤرق أفرز آلياته الدفاعية الخائبة والمعوقة.. ولا هو، أيضا، فعل تشخيص شعري يبغي التصوير الجمالي الأقصى للألم.. هو كل هذا مجتمعا.. لكن مع إضافة عامل آخر موغل في الأذية.. جور البلاد الأم التي تتحول إلى أم ملتهمة- ميدوزا- يتساوى التهامها لأبنائها مع رميهم بلا رحمة في جحيم المنافي:

(غرّبتنا البلاد

رمتنا مثل حجر في محيط

الرسائل لا تصلها

ولا الآهات

عبرنا حدود الخوف، عبرنا أسلاك الكهرباء

المقطوعة

مثل جسد ميت

جسد لم تمر به الحياة ..)       

لكن يبقى الإحساس النرجسي الصحي الذي يتجذر في أعمق أعماق تربة سيكولوجية الأنوثة.. حاكما مهما كانت موجات الإحباط عاصفة وماحقة.. تنفلت حفزاته بين نص وأخر.. نزوع أشبه بالحتمية تعيدنا فيه الشاعرة إلى تلك الأيام الرخية حيث سادت المعايير العشتارية الرحيمة حيث النماء والخصب والمساواة والأمومة المعطاء، الأنوثة ضرورية للحياة أكثر من الذكورة!!، ومنذ قرنين تأكد البشر أن الحيمن الذكري مسؤول عن تخصيب البويضة الأنثوية!:

(لم يكن لي ظل

كنت امرأة

كنت جذرا، ولم أكن شجرة

لي أولاد

ولم يكن لي زوج ..)

وكأنها –أي الشاعرة- تعيدنا إلى اصول الخطاب العشتاري، خطاب أنانا التي كانت تعلن بكل رهاوة القدرة الخالقة، بكل إحساسها الراسخ بالدور الكوني العزوم الذي كانت الذكورة تحسدها عليه:

            (أنا الأول وأنا الأخـــــر

                          أنا البغي وأنا القديســة

                          أنا الزوجة وأنا العذراء

                         أنا الأم وأنا الأبنـــة

                        زوجي من أنجبني

                         أنا أم أبي وأخت زوجي

     

                  وهو من نســلي)

لكن رغم كل أشعاعات الإصرار وتوهجات التاؤل التي تأتي وجيزة وكابية، يبقى البقاء للحي الذي لا يموت .. الخراب .. والإحساس بالفناء الوشيك.. وبالإثم.. مصيدة يجلس فيها ذئب الشعر مستكينا، يرفع راية الاستسلام البيضاء بإذعان وتصافق موحش:

(كما الضوء

أرتفع

أمسك عجزي بيدي

أعطيه مفاتيح الحياة

لا خطوتي، خطوتي

لا أنا، أنا

يا سرّها

لم تعطني ما رجوت ..)

اليأس لا يُولد معنا.. الامومة تعلم التفاؤل.. اليأس نتعلمه.. ونتدرب عليه عبر أسراب الجراد الذي يجتث آمالنا مهما فعلنا.. حين لا يكون أمامنا منفذ للخلاص مهما فعلنا نستكين بمهانة.. نستقر بأخوة لا تنفصم مع الإنذلال –هل ينطبق هذا المبدأ على الشعوب؟!- نسير يدا بيد وكتفا لكتف مع اليأس والشعور بغلفة الوجع:

(قلبي الذي يخفق بالناس غيّروا دورته

أوحيت للأخضر في كل أرض أن نلتقي

لا سنونو مرّ هنا

لا نرجس في الخريف

أيقنت الآن أن الأرض سجن كبير ..)

وكنت أعتقد ومازلت أن فاجعة العيش في المنافي والإنبتات عن الجذور الأمومية.. يكون فعلها في ذات الأنثى أشد مضاء وتمزيقا منه في ذات الذكر.. الولاء والإنتماء يثشتق من الأمومة وهو من عطاياها العظيمة.. من حبل السرة يشتق التصوير الذي يسمى "مجازي" وهو مادي صلب، "الولاء الوطني".. الذكورة بلا وطن.. ممكن.. قد يبدو هذا تحاملا.. لكن أول رحم يرتع فيه الفرد ويجتر ذكريات نعمه وتضحياته مدى الحياة- في لاوعيه طبعا- هو الرحم.. رحم الهناءة الفردوسي الأول.. الوطن الأول.. فكيف ستكون درجة غليان انفعالات هذا الوطن الأصل وهو يُنبذ خارج اسوار الوطن الذي اشتق منه؟!:

(ماذا نقول عن المرأة في المنافي؟

أي حصان تمتطيه أيامها؟

وأي رصاص يُطلق بين ساقيها؟

عاش المنفى.. مات المنفى.. هكذا تتوالى الطلقات..

اقدام تسير إلى المنفى، بوجهين:

وجه اختاره الله، وآخر اختارته الغربة ..).

في المنفى، في جحيمه، حيث يتحقق النبذ النهائي.. حيث معقد كل آفات الخراب التي تداولتها الشاعرة من إنذلال وخيبة وإحباط وجفاف روح وتدمير ذات واختناق سمكة الجسد واحتراق سيقان غابات الآمال وهروب الأحلام بسيقان قصب الريح.. في المنفى تشربنا أيامنا الضائعة التي تنسرب من بين أصابع وجودنا الذابلة كعصير ولا ترتوي:

(جاء الضوء، بتفاح ينخره الدود

ينخره الدود بما تراكم من حلو الأيام، من

حلو ثمرات النضج، كل يوم تسقط ثمرة، كل

يوم نمرّ في مرحلة الحلو والحامض

كعصير تشربنا أيامنا ولا ترتوي

عجبتُ، عجبتُ، مثل نفاحة مقضومة، لا

بأسناني، وإنما بالدود الذي يحفر الأرض

ليستقبل وليمة أجسادنا

نغادر مثل حديقة في الخريف، مثل شمس يشدها الزمان بحبله المقطوع، يشدّها الزمان بحبله القصير، ونحن رقاب معلقة فوق أفقٍ آيل للسقوط ..).

وقفة ختامية:

-------------

تأتي عناوين هذه المجموعة- بتصميم من الشاعرة طبعا- مضيئة متلألئة حتى بسوادها.. سواد مشع.. من رأى منكم امرأة بيضاء حليبية بفستان اسود مشع؟!.. من رآها منكم فلا يغيرها حتى بقلبه الذي هو أضعف الإيمان.. تأتي العناوين كمنديل أحمر يتدلى على صدر جاكيتة بيضاء.. العناوين شكلتها أنامل ماهرة.. شكلتها بحذاقة من طينة النص.. ومن الطين يخُلق الإنسان كـ "عنوان" اصلا. خذ بعض هذه العناوين:

- يبتسم الصباح ولا يراني

- جرّحت عيني أيها المطر

- الحنين ثوب ممزق

- دم على خصر الأفق

- البياض يحب الأعالي

- الينابيع في الغامض المطمئن

- ورد على أطراف جسدي

- فراشات تحوم حول قبري ..

تحية لفرات إسبر..    

 

قراءة: حسين سرمك حسن 

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1548 الاحد 17/10/2010)

 

 

في المثقف اليوم