قضايا وآراء

السوريات يسبقن الرجال في سباق الأبداع.. / زيد الحلي

وقد عزز، ذلك من قناعتي، بان الثقافة السورية بمختلف صنوفها تسير على قدمين متساويين، احدهما لمبدع والثانية لمبدعة ..

وإذا ما تمعنّا، في الأنشطة الثقافية في الشام، نجد ان فرص المناقشات والمحاضرات والاماسي الثقافية، تميل كفتها الى العنصر النسوي والغلبة واضحة لتاء التأنيث .. وربما سيزعل أصدقائي الأدباء السوريين الى إشارتي هذه، لكن الحقيقة كالشمس لا يرى كبدها، إلا من كانت له عين النسر، وقد أعطاني الله هذه العين .

لقد اطلعت على كتاب الناقدة الشهيرة (إيلين شوآلتر) (أدبهن المستقبل) فوجدته  يعالج التجربة الإبداعية النسائية من حيث الإشكالية التي أنتجها المجتمع البشري الذي كان يرى المرأة " حسب ما تؤكد شوآلتر" عنصراً وضيعاً دونياً، ومن الدرجة الثانية، فجاء الوعي النسائي الجديد ليجابه المجتمعات الذكورية (الأبوية) وإعلان المساواة بين الرجل وبين المرأة في جميع المجالات، وتصحيح المسار الخاطئ الذي أوجد المرأة حضوراً جسدياً لا إبداعياً..

لكن هذه الناقدة الشهيرة، لم تشر إلا الى محيطها الغربي في رؤاها لإبداعات المرأة فلم تذكر على سبيل المثال ان للعرب مبدعات في ماضي الزمان، ولعل في ذكر "الخنساء " و "ولادة" ما يعزز القول ان الإبداع، هو أبداع، قبل ان يكون مصدره ايا من الجنسين .. وانها يمكن ان تغير قناعتها لو اطلعت على نتاجات وإبداعات المرأة العربية، والسورية، على وجه الخصوص وهو موضوع مقالتنا ..

ورغم إنني لا أومن، إلا بالنص الأدبي، مكتمل المعاني والمواصفات والعمق والثراء الإبداعي، بغض النظر عمن كان منشؤه ..من الرجال ام من النساء .

لكني وجدت في كتابات معظم من اطلعت على كتاباتهن، أنهن يؤمن بالخصوصية النسوية، مع عدم إيمانهن بالتضاد، وهي خصلة ايجابية تحسب للمبدعة السورية ..

وكان للكاتبة المثابرة " نازك دلي حسن" حصة في الاهداءات التي جئت على ذكرها  من خلال ديوانها الجديد ( ضمأ) الذي أحتوى على 36 قصيدة، قدم لها د. نزار بني المرجة من اتحاد الكتاب العرب ..

وقد عرفنا " نازك " في ثلاث مجاميع شعرية سابقة ولها تحت الطبع (اوراق القلب) وهو سيناريو لعمل درامي ورواية (الشام مهجتي)

ووجدت ان للحب مساحة واسعة في ديوان الشاعرة، فهي تكتب بدفق أحاسيسها ومشاعرها المرهفة وتمزج الوقت مع الروح مع الأمنيات، لتخرج تلك المشاعر كلها .. قصيدة تضج بنبضات قلب شاعرة رقيقة :

         أقبل فكل حمامة في روضنا نشوى

                          تطير على أراجيح النخيل

         أسكب هواك بروح روحي .. ضمني

                         إلا إليك جناح قلبي لا يميل

ويتداخل شعر الحب عند " نازك "، مع شعر المقاومة على صفحات (الضمأ) فنقرأقصيدة "شمس الهدى" التي تخاطب فيها مدينة الطهر والقداسة .. " زهرة المدائن ... القدس " فتقول :

        قد يحرقون الورد والاشجارا

                    لكنهم لن يطفئوا الانوارا

      انت التي ارضعتنا نسغ الهوى

                 حتى غدونا في هواك كبارا

وهكذا تواصل شاعرتنا رحلتها الابداعية في حدائق الروح والوطن والاغاني تبحث كما النحلة عن زهرة هنا ووردة هناك، لتكون قصيدتها شهدا حلوا في عالم الكلام وشدوا عذبا في عوالم الشعر ... تقول الشاعرة :

              فوق اطياف القصيدة

                     امتطي جنح الخيال

          اعبر الدروب وحيدة

                     بين سحر وابتهال

          اه ما احلى الاغاني

                   تحت اغصان الجمال

                *************                  

  جرأة نسوية ... محسوبة

أما " فاديا سعد " فقد اصدرت كتابين في وقت واحد " اللهو مع العاصفة" وهو مجموعة قصصية حملت من الجرأة الشئ الكثير.. والثاني " رواه الانترنيت " وهو جمع لمقالات منشورة للكاتبة ..

وفي لاحظت في كتابها " اللهو مع العاصفة " انها طلبت من كلماتها التي وصفتها بـ (رجع كلمات) ألا تضل الطريق، مؤكدة انها تسجد كل يوم لها مطالبة اياها بأن تنظم نفسها في جوقة تتحرك بالدرب المقرر نحو الشمس .. وأنها ما ان تتفوه بها حتى تتغير وتتشكل في عناق مختلف .. كأنها احتست النبيذ في حانة لتترك الكاتبة وعلى قبرها شاهدة تقول : قتلتها الغيرة والشهوة !

اما إحدى مقالاتها في كتابها " رواه الانترنيت" فأشارت إلى ان بين الحب والجنس فروق من طبيعة حاسمة، تجعل من غير المحتمل ان يكونا من أصل واحد : الجنس حافز بيولوجي.... اما الحب، فتوق انفعالي شديد من إبداع خيال الفرد.. في الأول طلب للإشباع الجسدي أما في الثاني فسعي وراء السعادة.. اولهما يعني بخيار الجسد، اما الأخر فبخيار الشخصية.

للجنس معنى عام، للحب معنى شخصي ... الأول نداء الطبيعة اما الثاني فضرورة الثقافة ... الجنس مشترك بين البشر والبهائم، اما الحب فقد ظل مجهولا ألاف السنين لدى بني البشر ولا يزال مجهولا بالنسبة لملايين منهم الى الان ..

وفي الصفحات، ذاتها نقرأ (... كل يوم تعيش حيوات عدة، فتتناسخ وتتوالد، تصير محترماً في مكان ومهاناً في اخر، محبوبا في بقعة ومكروها في اخرى، شخصا طبيعيا بين الناس وغريب الاطوار بين اخرين ... اليس هذا ما يحصل معنا جميعا في المجتمع الواقعي وبذلك نتقارب جميعا )!

اما الكاتبة والفنانة التشكيلية " نهى الدباغ " فقد، أصدرت قصصاً للفتيان بعنوان    (الأشجار تروي البطولات) ضمت سبع قصص. من أحداها، استوقفتني هذه السطور (لم يتركوا في الكون شراً، لم يحتكروه... هذا ما جاءت به ذاكرة الفتى،حين تراءى لناظريه مشهد الموت الذي حصد أرواح أهله، الأب وإلام والأخت الصغرى .. هذا الفتى الفلسطيني الذي كان شاهدا، أصبح اليوم ثائرا، يحاول صنع المحال لرسم شمس مشرقة، تضئ غد الأجيال القادمة في ارض فلسطين)

.. ويبقى قلق الكلمة مستمراً

وبكلمة اقول ان في سورية، مبدعات، يعشن قلق الكلمة، وهو لا يشبه قلق اخر .. انه خلق انبهار رفيع، وهن في جهاد لأستمراروجودهن والمحافظة على بقاء شعاعهن في المجتمع ، انهن يرسمن مشاهد حياتية بريشة على شكل قلم مداده دافئ وشفاف .. وهاهي المبدعة السورية، كأنها حاضرة بين يدي : أرى جمالها وأرى لآلاء مائها ولمعان حصبائها وأفانين أشجارها وألوان أزهارها ..  

 

    [email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1550 الثلاثاء 19/10/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم