قضايا وآراء

علي خضر الساعدي وشرخ في الوجدان .. نجوم في سماء ألإبداع / خالد محمد الجنابي

والد سلمى لتحتمل عاديات الزمن دون أن يذبل غصن من هنا أو غصن من هناك وكي تبقى زقزقة العصافير التي تجد فيها ملاذا آمنا تؤنس أهل الدار، ذاك الدار الذي فارقته مرغمة سلمى لتصير بعد مغادرتها دمية أو أيقونة من مقتنيات محمود الذي خذلها وأذلها في كل وقت بدافع الحقد الدفين الذي كان يسري بقلبه بدل الدم، محمود اللعين الذي عاقبها بزوجة ثانية لأنها ما أنجبت له الطفل الذي يريد، كم كانت مسكينة سلمى؟ حين عوقبت بضرة ومحمود كان هو العقيم ! عوقبت سلمى على ذنب لم تقترفه وحتى لو لم تكن تنجب أطفالا فإنها إرادة الله سبحانه وتعالى، هذا السرد التراجيدي الشجي الذي أتحفنا به علي خضر الساعدي عاد بي الى ذكريات حادثة وقعت في قديم الزمان بين الذئب وحمل صغير جدا، الذئب كان يسيل لعاب فمه ويحاول أن يأكل الحمل، فذهب اليه وقال للحمل : أأنت الذي في غير جرم شتمتني؟ فرد عليه الحمل قائلا متى ذا؟ أجابه الذئب : ذا عام أول ! أجابه الحمل قائلا : ولدت العام بل رمت غدرة فكلني دونك لاهنا لك مأكلُ ! فما كان من الذئب اللعين إلا أن يأكل الحمل الصغير، هكذا كانت سلمى، هكذا تعامل محمود مع سلمى، كان يعلم انه عقيم وكان بكل ماأوتي من نذالة يعاقب سلمى، يستمر المبدع علي الساعدي في انتقاله السلس يحدثنا عن سلمى وكان يسمو بين كل مراحل مدخل المجموعة القصصية حتى جعلنا نسمع صوت القبور حين كانت تنادي سلمى طالبة منها ان ترحل حين أزف موعد الرحيل، عندما حان وقت ألأفول .

لقد منحتني سطور الخديعة وألآمال الضائعة متسعا كبيرا للتعرف والوقوف عن قرب على مايدور في مخيلة رجل غريب ألأطوار يحاول أن يتمتع بعودة شبابه وهو قد جاوز الستين من العمر، كان يعني مايقوله لشياطينه وزملائه الخرفين الذين تصوره عبقريا في حين كان أشد غباءا منهم ومن قهقهاتهم ونخب كؤوسهم القذرة، واحلامهم التي أفاقوا منها بعدما أنكسرت تلك القارورة المزيفة وعاد كل شيء الى نصابه القديم فلا الشباب عاد ولا المشيب ولى .

لمحات الحزن كانت تتراءى من بعيد على ذاك الخد الذابل كذبول الزهور حين يفارقها الماء، بكل ألم الفراق الذي راح يحرق صوتها المبحوح قالت إنه إبني يرقد هنا في هذه الحفرة الباردة حين سألها، علام تبكين؟

في ذات الوقت كان ذاك اللص اللعين يعلن توبته المتأخرة بعد أن خسر كل شيء، سنوات العمر التي ضاعت في غياهب السجون والزوجة الرقيقة التي لم تقترف ذنبا بحقه، هل كانت توبة اللص توبة ندم؟ هل كانت تكفيرا عن الذنب؟ أم تلك مايسمى بالهروب الى الامام؟ يروى عن صحابة النبي محمد صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم أن رجلا ذهب إليه ذات يوم وقال يارسول الله أريد أن أتوب أجابه عليه الصلاة والسلام ماهو عملك، قال كنت أدق على الطبلة وأرقص وأنفخ في المزمار، قال عليه الصلاة والسلام، دق على الطبلة اجاب الرجل أن يدي لاتساعدني على الدق، قال عليه الصلاة والسلام، أرقص، قال الرجل جسمي لايساعدني، قال عليه الصلاة والسلام، أنفخ في المزمار قال الرجل انفاسي لاتساعدني، فقال له النبي محمد صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم، إنك لن تأت لغرض التوبة ! أن عجزك هو الذي قادك إلينا ! هكذا كانت توبة اللص بعد ان خرج من السجن وهو رجل ذو سبعين خريفا .

وأنت يامن إستدرجك بدر الى الخيطيئة، لماذا تبكين عليه؟ ألأنه مات؟ أم خوفا من الفضيخة؟ ألم يكن شرخ وجدانك بسببه حتى هرمت من تعب السنين، هل تناجيك سعاد؟ هل تعيد إليك أيام الصبا التي تعثرت بأذيال الخطيئة، تمر اللحظات، تغفو فضيلة، تبرد، يصفًرُ وجهها، تمضي في نومتها، إنها نامت نومة اللحود !

شرخ في الوجدان مجموعة قصصية سلطت الضوء على متفرقات من الحياة اليومية التي تترامى أطرافها هنا وهناك، بين باحات وسطوح البيوت العتيقة وقبور ألأحبة التي ضمت بين ترابها أشلاء وأشلاء لمن كانوا بالأمس في عداد ألاحياء واليوم حين نذكرهم نقول رحم الله فلان وفلان وفلان !!!

المبدع علي خضر الساعدي سار بنا من خلال مجموعته المذكورة بين ضفاف ألأنهار البعيدة، تلك ألأنهار التي ماكنا لنذهب اليها وحدنا لولا أن صحبنا اليها من خلال تلك السطور الرقيقة والشامخة كشموخه، الساعدي خاطبنا وخاطب المجتمع من خلال مجموعة شرخ في الوجدان التي كانت تمثل لوحات جميلة كنا نشاهدها ونمعن النظر فيها كي نمتع البصر بتلك اللوحات التي إزدادت تأنقا كلما إستمر السرد القصصي بحيث كان الاسترسال الشجي والعفوي في ذات الوقت يضفي طابعا سحريا طالما منح صفحات المجموعة متسعا كبيرا من الروعة الممزوجة بألألم والشعور بالحزن على كل ماهو ظاهر وحقيقي في عالم يصعب تصوره بحقيقة ظاهرة .

شرخ في الوجدان تعبير عن احساس صادق جاء من خلال لغة رصينة تفنن في نسجها وايصالها الينا المبدع علي خضر الساعدي من خلال تلك العبارات التي نقل لنا من خلالها النزر القليل من نتاجه الثر .

 

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1553 الجمعة 22/10/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم