قضايا وآراء

النقد الادبي: السياب ولميعة يلتقيان في نهر قصيدة .. قراءة انطباعية لقصيدة علوان حسين: لميعة تخيط لشاعرها ثوبا من ضباب

بتقديم نص واحد أو نصين في الشعر والسرد فقد كان من الصعوبة بمكان المفاضلة بين نصوص كثيرة متميزة.. لكننا ومن منطلق وما حيلة المضطر إلا ركوبها لابد من ترشيح نص ربما سيثير ترشيحه موجدة من أدباء آخرين وأديبات أعزاء علينا.. وعزيزات.

 وعليه لابد من التأكيد ثانية وثالثة ان  ترشيح نص ما لا يلغي حق النقاد من تقديم نصوص أخرى للنقد ولا نشترط سوى ان هذا النص منشور  على صفحات المثقف لاغيرها..ولابد من التأكيد ان من بين المعايير التي نعتمدها في الترشيح .. قدرة النص على إثارة الأسئلة بما يحقق تفاعلا بين النص  والنقاد..وجمهرة المتلقين..

 ونص الشاعر العراقي المغترب علوان حسين (لميعة تخيط لشاعرها ثوبا)   امتلك مبررات طرح الأسئلة سلبا وإيجابا. بدءا من العنونة مرورا بإشكالية بناء النص وإشكالية العلاقة المعروفة بين الشاعر الخالد السياب والشاعرة الكبيرة لميعة كما ثبتها مؤرخو سيرتهما. أو ما تحفل به مخيلة الشاعرعلوان حسين من انثيالات وانزياحات .. منطلقا من ثيمة تلك العلاقة ليحقق ترميزاته الخاصة به.. وما يريد ان يوصله للمتلقي..

 القصيدة تنتمي شكلا الى السرد الشعري المرسل الذي يعتمد الجملة الشعرية   وإيقاع الانتقال السردي بين ثيمة وأخرى بسلاسة وهدوء.. وكما ان لميعة في النص تخيط ثوبا من ضباب شفيف  لم يبتعد النص في لغته عن تلك الأجواء المغلفة بضباب شاعري .. لقد كان الضباب حاضرا  على امتداد النص من البداية الى النهاية..

 في اخرة الليل..

 السياب يكتب قصيدته..

 بما يتساقط من ضوء القمر..

 .. ثمة سؤال... لماذا في اخرة الليل. وليس في آخر الليل؟؟. ربما لتعميق الفكرة ان الوقت كان أكثر قربا من ساعة السحر..

 والسياب هنا يكتب بما يتساقط من ضوء وليس على ما يتساقط.. قصيدته  تكتب بضوء القمر لا عليه !!.. و تلك صورة مبهرة تستحق الوقوف. وفيها من الجمال الكثير.

 لكن الشاعر حسين.. ينتقل بسرعة ليقول لنا

 كان كالقمر لاينام الا في خيال بنات الجلبي..

 السياب في حقيقته التاريخية كانت رؤاه وخيالاته تدور حول بنات الجلبي. لا العكس.

 هنا الشاعر عكس  الحقيقة.. فبنات الجلبي ما كن ليلتفتن لشاعر فقير مطارد (ولا مستقبل له!!!).. وكما فعل السياب قبل نصف قرن (فأبصرت ابنة الجلبي مقبلة الى وعدي.. ولم أرها.. هواء كل أشواقي.).. يفعل الشاعر علوان حسين فيرسل الأوهام  والأحلام كحقيقة واقعة..

 ويحشد الشاعر كل مفردات واستعارات السياب الأليفة في نصه في انسياب غير مفتعل.. لتؤدي وظيفة إيحائية او ترميزا ما..

 ليوصل فكرته هو(فكرة الشاعر حسين)..

 ان التناص مع السياب امر شاق محفوف بمخاطر تقزم النص امام عملقة لغة السياب. لكن الشاعر استطاع ربما اعتمادا على صدق عاطفته وحرفية مكتسبة من اختصار المسافة المعبأة بتلك المخاطر..

 هذه الفكرة تنتابني كلما مررت على  قصيدة من قصائد الشاعرة هناء القاضي المتناصة مع روح السياب وقصائده وسيرته لاكتشف ان الحب حين يقترن بحرفية الشاعر قد يحقق نصا راقيا.. وذلك كان يتحقق مع قصائد هناء القاضي ونص الشاعر الاستاذ علوان حسين هذا..

 لقد رصدت المفردات السيابية  وكثافة استعمالاتها فوجدت إنها ..

خيالات بنات الجلبي. 2ماء بويب 3 وفيقة وشباكها الازرق..4 عيني ميدوزا التي تحول  كل ماتراه الى حجر.....

 بقيت الابيات التي يغور فيها الشاعر في عمق  تأملاته حول السياب  بجمل شعرية شفيفة  تنبض بالأسئلة والصور العميقة..

 كان السياب نجمة

 سقطت.. سهوا..

 في هاوية.. دمعة..

 هطلت من عيون..

 النخيل.....

................

 

 كذلك المقطع الذي يقول فيه.

 لم يرسم فائق حسن لوحة للسياب.

ربما ان الشاعر لم يكن يجيد ركوب الخيل..

 ربما لو كان رسمه.

 لتخيله وهو يركب موجة..

 او وهو على ظهر غزال

 ربما كان فارسا..

 يحارب طواحين الهواء

........

 

هذا الرسم بالكلمات ينم عن قدرة واعية على استكناه روح الشاعر الخالد

 وعندما يصل الى انه كان يحارب طواحين الهواء كدون كيخوته.. نتلمس مدى معرفة الشاعر بعمق معاناة شاعره الخالد.. لكن الفرق بين السياب ودون كيخوتة.. ان السياب كان ينير ظلمة الليل بقصائده الخالدة.. وذاك كان لايحارب الا طواحين الهواء..  لكنهما يلتقيان في الامنية.. عالم نبيل خال من الظلم.. والظلمات..

 بقيت لي ملاحظة أشاكس فيها الشاعر علوان حسين..

 نصك اظهر الشاعرة لميعة عاشقة مولهة بالسياب وتكتب له القصائد من بين دموعها.. ونحن نعرف ان العلاقة بينهما على عكس ذلك..

 فلميعة هي التي ملكت قلب السياب زمنا برقتها وثقافتها العالية ورغم شغفها به شاعرا. ما كانت لتصل عاطفتها الى ما وصفها به نصك الراق.

وكان السياب يسميها (الامبراطورة) أو الملكة لشموخها وكبريائها..

 أي ان  الصورة جاءت معكوسة.. فالسياب كان يكتب لها ورفيقته الدمعة.

 أما هي فقد كان يلذ لها ان يعشقها الشاعر ولكن لم تصل الى ان تتوسله بدمعة؟!!!

 كل ما طرحت  محاولة متواضعة لاثارة الاسئلة.. والنص معروض بين يد القراء والنقاد.. وعندهم القول الفصل. وليس لنا من فضيلة الا التقديم..

للاطلاع

لميعة تخيط لشاعرها ثوبا ً من ضباب / علوان حسين

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1553 الجمعة 22/10/2010)

 

 

في المثقف اليوم