قضايا وآراء

طعام المناسبات عند العرب / صالح الطائي

 متناهية الدقة والصغر سواء من حيث المناسبة أو العمر أو اللون أو الحجم أو الاستخدام وما شابه ذلك، وعليه تجد في لغتنا للأسد والسيف والجمل والحصان وغيرها معان فريدة نادرة متنوعة.

وفي الوقت الذي دأب فيه المعاصرون الحاضرون من العراقيين على تسمية مناسبات الأكل الجماعية الخاصة والعامة باسم (عزيمة) حتى بات يفهم من هذه التسمية المعنى المقصود منها حرفيا والمقرون عادة بإعداد الطعام الكثير في المناسبات فرحها وحزينها نجد أن أجدادنا الأوائل أفاضوا في الحديث عن كلمة (عزيمة) ومصدرها فقالوا:

عَزَمَ فلان: عزما وعزيما وعزيمة وعزمة ومعزِما: جد وصبر، وفي التنزيل العزيز (فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم)

وعزم الله لي: أي خلق لي قوة وصبرا. وعزم فلان على فلان: أمره وشدد عليه. ويقال: عزم الراقي: أي قرأ العزائم

العزم: الصبر والجد، وألو العزم من الرسل: الذين صبروا وجدوا في سبيل دعوتهم، وفي التنزيل العزيز (فأصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل)

والعزّام: الشديد العزم، ومبالغة من العزم، والأسد. والعزمة: الحق، يقال: هذا عزمة من عزمات الله: أي حق من حقوقه.

عزائم الله: فرائضه التي أوجبها، وفي الحديث [ إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه] والعزمي: الوفي بالعهد. والعزيمة: ما عزمت عليه (1)

ومنه نعرف أن إطلاق لفظ (عزيمة) على طعام المناسبات قد أخذ من هذا المعنى أي أن فلانا عزم على صنع الطعام للمناسبة الفلانية، وسميت نيته هذه: عزيمة، ثم توسع معناها ليطلق على كل مناسبة إطعام كبيرة! وهناك من يستخدم لفظ (وليمة) ليطلقه على كل عملية إعداد طعام للضيوف، ومع شيوع تداول هذا اللفظ واستخدامه في كل المناسبات نجد أن العرب يطلقونه تحديدا على طعام العرس دون سواه، ومعنى هذا أنهم أخذوا الجزء وأطلقوه على الكل.

غير ذلك نجد في خصوصيات إعداد الطعام في المناسبات ان هناك معان كثيرة أخرى أفرد كل معنى منها للدلالة على  المناسبة وصار متعلقا بها لا يطلق على غيرها، فهم يسمون طعام الزفاف، والطعام المعد للمسافر القادم من السفر: النقيعة

ويسمون طعام حفل الختان: الأعذار

وطعام الولادة: الخرس

وطعام الاحتفاء ببناء الدار: الوكيرة

هذه التخصصية الفريدة يستحيل وجودها في اللغات الحية الأخرى إلا ما ندر، وهي دلالة على حياة وحيوية لغتنا، لتؤكد أن لغة العرب قابلة للتطور والتماهي مع النمو والتطور الحضاري بكل جوانبه، وأن لها قدرة وإمكانية مسايرة تسميات المكتشفات والمخترعات الجديدة بأي لغة كانت، وتطويع تسمية هذه المستجدات الأعجمية لتصبح أكثر قربا للسان العربي.

 ومنه أرى أن لا عجب من اتخاذ الله سبحانه وتعالى لهذه اللغة العظيمة لغة للقرآن الكريم رغم أن الإسلام دين عالمي المنهج جاء لكل الأمم والشعوب والألسن واللغات.

 

نظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، ص 650

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1556 الاثنين 25/10/2010)

 

 

في المثقف اليوم