قضايا وآراء

الشاعر عبد الحسين أبو شبع .. الشاعر المقاوم شاعر الروح الحية / حميد الحريزي

- ولد في مدينة النجف – طرف الحويش – في عام 1912 .

- ينتسب لعائلة كادحة فقيرة ووالد يعمل بالحياكة أو الطين.

- يقرأ ويكتب –

- متزوج وله عدد من الأولاد والبنات .

- توفي مسموم في   29\1\1980 في عهد سلطة الدكتاتور صدام حسين.

 

ونحن نكتب عن الشاعر الشهيد عبد الحسين أبو شبع لا نريد أن نتطفل على لغة النقد الشعرية لذوي الاختصاص في الشؤون الفنية والأدبية وخصوصا الشعر وإنما جل ما نتوخاه أن نقرع أجراس الذاكرة النجفية لتوقظ في ذوات معاني الوفاء للرموز الوطنية في مختلف مجالات ومسارب كفاح الإنسان من اجل بناء مستقبل أفضل لأبناء وطنه وأبناء جنسه , وخصوصا عندما يتميز هذا الرمز بأكثر من صفة وأسلوب في مجرى هذا الكفاح الوطني الإنساني عندما يكون هو المناضل السياسي مقتحم حصون الظلم والاستغلال باللافتة والتظاهرة والتوعية كما هو حامل راية النضال الابقى والأمضى بقوة وغزارة وعمق إنتاجه الشعري معبرا أفضل وأجمل وأكمل تعبير عن هموم وطنه ومواطنيه وممزقا أقنعة زيف وجوه الاستغلال والقهر ودك أستارها مهما عظمت . وكما يقول هيغل عن الشعر مفرقا ومميزا إياه عن العمارة والنحت والرسم باعتباره يصوغ خلجات الروح الإنسانية من بحر كلمات اللغة المنغمة دون الاستعانة بالإشكال الخارجية حيث يقول (قوة الخلق الشعري تكمن في صياغة الشعر للمضمون داخليا دونما استعانة بأشكال خارجية أو بتعاقب من الأنغام وهو بعمله هذا يحول الموضوعية الخارجية إلى موضوعية داخلية يظهرها الروح برسم التمثيل في الشكل عينه الذي تكون عليه هذه الموضوعية ويتحتم أن تكون عليه في الروح) (1) .

ومن هو الشاعر فهل هو ذلك المجنون مسلوب العقل كشرط ليهذي شعرا حيث يقول أفلاطون (الشاعر في الحقيقة شيء خفيف كالأثير مجنح ومقدس لا يستطيع أن ينظم ليستحق اسم الشعر دون أن يكون ملهما أو مجنونا أو أذا بقي في رأسه عقلا إطلاقا , فبينما يحتفظ الإنسان في رأسه بأي جزء مما يسمى عقلا لا يستطيع أن يبدع شعرا أو يقدم نبؤات) (2)

أم إن الشاعر هو ذات فاعلة ومنفعلة تتكثف في ذاتها الخصائص الفيزيولوجية الخاصة بالفرد بالإضافة إلى الظروف الاجتماعية والبيئية التي يعيشها حيث يحيى بحالة من الصراع ضمن واقعه الحياتي المعاش كي يولد الشعر وكما ذكر ذلك د.نوري جعفر عندما يتحدث عن مخاض الإبداع فيقول (هو حالة خاصة من الصراع الحاسم الذي يحصل بين المجاري المخية التي تحمل الفكرة الجديدة أو الصورة الشعرية لتقذف بها خارج المخ وبين المجاري المخية الأخرى التي تحاول الاحتفاظ بها على نسق الصراع الذي يحدث بين مسارب دفع الجنين إلى خارج الرحم وبين التي تحاول الاحتفاظ به) (وعندما يستكمل المولود الفكري الجديد الفكرة العلمية أو الصورة الشعرية بالطبع مستلزمات وجودها المستقل فانه يرى النور في اللحظة الحاسمة بشكل حتمي لأمراء فيه تماما كما هي الحالة في الجنين) (3) .

وبذلك فان الشعر لا يمكن أن يوصف بالجنون أو فقدان العقل وإنما هو ظاهرة مادية ذات ميزات خاصة يتصف بها بعض الأفراد دون غيرهم معبرين عن ذلك بكلمات ذات دلالات مقصودة تحمل تاريخ تطورها ضمن وضع اجتماعي تاريخي محدد وكما يقول كلودويل واصفا الكلمات في عصرنا الراهن (4) الكلمات هو نقود السوق الإيديولوجية للبشر) .

وان أداة هذا الكلمات كما يرى العلامة نوري جعفر حيث يقول (5) (إن القشرة المخية التي هي الأداة الجسمية للفكر أو عضو التفكير بجميع مستوياته وبخاصة الأصيل منه تقوم إثناء ممارستها عمله اليومي المعتاد وإثناء الابتكار في مجال العلم أو الفن بعمليتين متكاملتين متلاحمتين ومتميزتين متنافرتين في إن واحد هما عملية الإثارة وعملية الكف) .

ويؤكد إن ما يميز الفنانين (6) (تتطلب عندهم المنظومة الاشاريه الأولى (أو الحسية) على المنظومة الاشاريه الثانية (أو اللغوية) وتتطلب الأقسام الدماغية الواقعة تحت المخ (المسئولة عن المشاعر) على المخ (عضو التفكير) (وكلما ازداد مقدار النشاط المخي الحسي عند هذا الفنان أو ذاك أصبح أكثر براعة وأرقى).

فما أعظم مقدار النشاط المخي الحسي كما نلمسه من جمالية وعمق ودقة صور وغزارة إنتاج شاعرنا الشهيد وكما يروي لنا الأخ أبو نبيل ابن أخ الشاعر بأنه بدأ يقول الشعر في سن السابعة أو السادسة من عمره وكما يقول انه يفضل أن لا يتحدث إلا شعرا . هذا من الناحية البايلوجية للشاعر ......... إما من الناحية البيئية والاجتماعية للشاعر , إن اغلب من يحيط به من أفراد أسرته هم من الشعراء أو ممن يتعاطون الشعر وبهذا الخصوص فان هناك ما يلفت النظر إن العديد من الشعراء ومن ذوي النزعات الثورية هم من الحرفيين الصغار – الحياك – حيث إن العديد من البو شبع وهم أصلا من عشيرة بني كلاب كانوا يمتهنون الحياكة مما نتج من ذلك بالإضافة إلى عيشة الكفاح التي يحيياها الحائك فانه يعاني من الاضطهاد والنظرة الدونية في ظل العلاقات الاجتماعية الإقطاعية وشبه الإقطاعية السائدة آنذاك للكثير من الحرف والمهن اليدوية وخصوصا مهنة الحائك والبقال وبائع الخضر (الحساوي) وبائع اللبن (ألمعيدي) باعتبارهم من المعادن الخسيسة في حين يرون إن المفكرين والفلاسفة من التنابلة الطفيليين الذين يعيشون من جهد وعرق العاملين  من المعادن النفيسة هذه الرؤيا الأفلاطونية الموروثة من عصر العبيد .

إن لهذه المهنة (الحياكة) بالذات خصوصية انفراد الحائك بنفسه منعزلا عن الآخرين وهو يمارس مهنته بالإضافة إلى ما تتميز به من حركة إيقاعية لأيدي وأرجل وحتى رأس الحائك وأدواته في حالة النسج والعمل فكأن هذا العمل الإيقاعي الموزون يمر عبر عملية مخية معقدة يتميز بها الإنسان إلى لغة مقفاة موزونة تكثف مشاعر ومشاهدات وانفعالات الشاعر لتولد القصيدة كما نرى وكما يذكر يوري فرولوف (7) (خلال عملية الشغل يغير الإنسان الطبيعة كما يغير ويطور نفسه في نفس الوقت) .

بالإضافة إلى البيئة الاستفزازية التي عاش فيها الشاعر بين حالة من التضور عطشا في مركز المدينة النجف المحيطة بالضريح الشريف للأمام علي (ع) حيث كان النجفيون يعتمدون في ذلك الوقت على المياه المستخرجة من الآبار البالغ عمقها أكثر من خمسة أو سبعة عشر مترا يخرج ماءا مالحا لا يصلح لغير غسل الأواني وبعض الشؤون المنزلية الأخرى والمياه الموردة للنجف عن طريق السقاية المحمولة على ظهر الحيوانات والذي لا يتمتع به سوى الأثرياء وان للنجف قصص طويلة في وصف هذه المهانات كما ذكر المؤرخ حسن الاسدي (كانت على الدوام في أزمات ماء خانقة ومستمرة يشرب الأغنياء خلالها الماء مما يجلب من الكوفة بكلفة غالية وكان الله في عون الفقراء) (8) في حين تعاني مدينة الكوفة التي لاتبعد إلا بعض الكيلومترات عن مركز النجف من حالة طغيان نهر الفرات العذب والذي تردد إليها الشاعر مع عمه ومتبنية الشيخ إبراهيم أبو شبع والد ومصدر ما نرويه بخصوص الشاعر جميل الشيخ إبراهيم أبو شبع أبو نبيل ابن عم الشاعر . والتنافر الشديد بين وصف هندسة ومعمار درابين وأزقة مدينة النجف في أطرافها الأربعة وكأنها صممت كمتاهة لمن لم يعتاد عليها وذلك لأسباب أمنية بالدرجة الأولى وكمصدات طبيعية للبشر الغازي والريح اللاهب العاصف الصحراوي المحيط بالمدينة. على خلاف من انفتاح وفسحة الرياض والبساتين والاهوار والمزارع الممتدة بامتداد الأفق في الكوفة وابوصخير من ناحية الشرق والجنوب ولا نهائية الصحراء من جهة الغرب والشمال , كذلك حالة الفوارق الطبقية الصارخة تنتج عنه حالة الشبع حد التخمة (والشبع جوعا) لابو شبع حيث يتنعم فئة التجار والإقطاعيين والمرابيين وسماسرة الاستعمار التركي والبريطاني بالجاه والسلطة والمال في الوقت نفسه تعاني أغلبية السواد ألنجفي من الجوع والحرمان والبطالة والأمية والمرض وخصوصا على اثر ما تتعرض له المدينة من المحاصرة والفتك بأهلها لأكثر من مرة من قبل غزو المستعمرين الأتراك والانكليز والوهابيين وغزو المرض الفتاك نتيجة لتردي الوضع الصحي والمعاشي للأغلبية الساحقة من سكان المدينة .

 وان ما أعطى المدينة ميزة خاصة هو وجود ضريح الإمام علي (ع) (الذي أقام له الرشيد بناية من الطين عام 786 م وفي عام 902 م بني محمد بن زيد أول قبة محترمة على القبر وفي عام 978 م أشاد عضو الدولة البويهية أعظم وأفخم عمارة بنيت إلى ذلك اليوم . وفي عام 1354 م احترقت عمارة المرقد فأعيد بناءه من قبل الايلخانيين وقد أصلحها الشاه عباس الأول عام 1354 م (9) .

كان البويهيون في القرن الرابع الهجري أول من أسس قواعد المرقد الشريف وشيدوا المساجد بجواره لمن أقاموا هناك في عام 1743 م تم تذهيب قبة المرقد العلوي . وذلك من قبل نادر شاه الذي زار النجف فأمر بذلك ووضع في الخزانة العلوية تحفا غالية). وما لهذا الضريح من حب وقدسية بين الشيعة في العراق والعالم الإسلامي فالبس المدينة ثوبا من القداسة الدينية طوال تاريخها وللان فأصبح قطب جذب للشخصيات الدينية من مختلف القوميات والأعراق لمجاورته وخصوصا الإيرانيين وغالبا ما يكونون من علماء الدين الشيعة المتنورين اللذين يهربون من الملاحقة والمضايقة والاضطهاد من قبل السلطات الشاهنشاهية في إيران . وكون النجف أصبحت نظرا لموقعها مركزا تجاريا مهما في العراق حيث كانت (القوافل تنصب عليها من الصحراء باستمرار حاملة مختلف البضائع والنقود الذهبية لتعود محملة بالرز والقماش والأغذية و (العباءة) الصوفية والوبرية والمضارب وغيرها وكلها من إنتاج العراق أو النجف نفسها . وقد كانت مركز بيع جميع المنتجات الزراعية والصناعية التي تنتج في الشرق الأوسط وبذلك كان فيها عدد غير قليل من البيوت التجارية مثل آل مرزة وال شلاش وال عجينة وال شعبان وال ألحبوبي وال شكر وغيرهم) وكان هناك عدد من الصيارفة وأصحاب المخازن الكبيرة (الخانات) (10)

وذلك ما افرز حراكا فكريا واجتماعيا نشيطا في مثل هذه الأوساط وخصوصا من دعاة حركة المشروطة (الدستورية) بقيادة كاظم الخراساني وهي حركة متنورة دستورية مضادة للحكم المطلق والمستبد في تركيا وإيران وبقية أرجاء العالم الإسلامي ممثلة بذلك طليعة الطبقة البرجوازية الناهضة في هذه البلدان ومنها العراق ويضمنها مدينة النجف وكأنها تماثل البروتستانتية في الديانة المسيحية حاملة الغطاء الديني للنهوض البرجوازي ضد الاستبداد الملكي المطلق في أوربا بداية النهضة الصناعية . ومما يؤكد ذلك وجود نقيضها من جماعة (المستبدة) بقيادة السيد كاظم اليزدي وهي فئة محافظة (كاثوليكية) موالية للسلطات الحاكمة يتبعها ذوي الثروة والسلطان التقليدي من المرابين والإقطاعيين وإتباعهم . وقد تأثر النجفيون ومنهم عائلة الشاعر من البو شبع بالفئة الأولى كونهم كما أسلفنا من العمال الحرفيين المعدمين ولما تمتاز به هذه الحركة من نهج تحرري ومساندة العدالة والحرية . ومن تاريخ ولادة الشاعر في 1912 في طرف الحويش احد الإطراف الأربعة التي تشكلت بعد إعلان الحكومة المحلية النجفية بعد انتصارها على السلطة العثمانية في المدينة في عام 1915 من زعماء المحلات الأربعة والبارزين من التجار والمثقفين (11)

وكذلك وعيه لإحداث ثورة النجف ضد الانكليزي في 19 مارت 1918 وما رافق ذلك من آلام وماسي وبطولات في تلك الفترة حيث كان عددا من أباء وأجداد الشاعر من المشاركين في الثورة ومن المنفيين بعد فشلها وهم كل من (الحاج محمد أبو شبع وعباس حسون أبو شبع وهادي أبو شبع وعبد يوسف أبو شبع وخليل أبو شبع وهو جد الشاعر)

(12) . كذلك أحداث ثورة 1920 الوطنية التحررية ضد الاستعمار الانكليزي .

أما من أين أتت تسميت البو شبع فلا علم لي بها ولكن المعروف إن سكانها وكمظهر وخاصية أصيلة للمدينة الحديثة إن يكنى كل مجموعة أسرية وقرابية من السكان باسم جد العائلة أو بمهنته مثل البو سيد سلمان والبو جريو والبو غنيم والبو شربه والبو المعمار والبو الصايغ والبو كلل والبو ألبنا وال كاشف الغطاء ... الخ , وكأنهم بذلك وتحت سطوة علاقات العمل والإنتاج في المدينة يريدون قطع صلتهم بالقبيلة والعشيرة الأم على الرغم من انتماء اغلب هذه العوائل لعشائر وقبائل عربية أصيلة ذلك متوازيا ومتحمسا مع ما تكنى به ورمز الحوزة الدينية في النجف باسم المدن أو المهن مثل الشيرازي والتبريري والطبطبائي واليزدي والبرجوردي والخراساني ..... وغيرها وهو ما سار عليه اغلب سكنة المنطقة الغربية بالخصوص مثل التكريتي وإلهيتي والراوي والعاني والسامرائي...الخ وهذا أمر يحتاج التوقف عنده  لمعرفة أسباب  تفضيل اسم المدينة على السم العائلة بالنسبة يسكان المدن العراقية في الوسط والجنوب والغرب.

وقد أدت هذه الصفات وطوال تهديد المدينة امنيا وخشيتها من الخارج ما بعد السور ووجود أقلية أجنبية متعددة دائمة القلق على مركزها ونفوذها الديني والاجتماعي إلى تمركز أهل المدينة وبالخصوص من الوجهاء والأعيان والأثرياء اصلاء وغرباء إلى التمركز حول الذات ونفورها وخوفها الدائم ممن تسميهم بالغرباء حتى ولو كانوا من سكنة القرى والأرياف المجاورة على الرغم من كون قبائل وعشائر هذه المناطق غالبا ما يهبون لنجدة ومؤازرة أهالي مركز النجف على طول تاريخ صراعها مع الغزاة الأجانب والعرب الطامعين والطائفيين وهذا على عكس ما يجب أن يتصف به سكان المدينة باعتبارها مركز ديني وسياحي وتجاري هام وضرورة انفتاحها على الجميع وكأن هذه الميزات قد سلبت من قبلهم من خارج المدينة ويخشون أن يستردها أصحابها (الغرباء) في يوم من الأيام ولم تأتي هذه المكانة نتيجة لتطور طبيعي لعوامل جغرافية واقتصادية وثقافية تمتلكها المدينة دون غيرها، أو تمتلكها كما يمتلكها مثيلاتها من مدن العراق والعالم وللأسف الشديد لم تزل مثل هذه النظرة الخاطئة تهيمن على فكر وسلوك ليس فقط بعض العوام ولكن من وجوه وأصحاب الشأن والسلطة في المدينة ممن يزعمون أنهم من النجفيين الاصلاء  هذا السلوك الذي يمكن أن نسميه بالشوفينية المدينية وهو سلوك متناقض بين موضوع يتطلب انفتاح غير مشروط وواقع منغلق ممقوت ولا شك إن لهذا الأمر وما افرزه في سيكولوجيا سكان المدينة يتطلب دراسة منفصلة ومعمقة من قبل اختصاصي علم النفس والاجتماع وهو ليس موضوعنا على كل حال .

 بقية النجف طوال تاريخها لغاية ألان تشكل هاجسا مقلقا للسلطات الحاكمة في العراق فقبل قتل شهيدنا الشاعر مسموما في 1979 بثلاث سنوات أي في عام 1976 شهدت النجف انتفاضة كبيرة ضد سلطة نظام البعث زامنةالزيارة الأربعينية للإمام الحسين (ع) وقد أخمدت بقسوة مفرطة من قبل السلطة الفاشية حيث استخدمت فيها الدبابات والطائرات واعدم العديد من الثوار واعتقل المئات إن لم يكن الآلاف وهرب العشرات . وبذلك فان شاعرنا الكبير قد عاش وسط هذا الحراك الاجتماعي الشديد الفوران حينا وراكد شديد السكون حينا أخر. بين نزعة التحرر والانعتاق ونزعة المحافظة والخنوع والخضوع من جانب أخر .  بين محيط خانق وفضاء لا منتهي بين عطش قاتل وارتواء طاغي بين ثراء فاحش وفقر مدقع وفي هذا الجانب نستشهد بما قاله العلامة الكبير د. نوري جعفر بخصوص الجوانب السيكولوجية للأديب وان يأخذ الباحث في نتاج الأدب أو المبدع وخصوصا الشاعر بعين الاعتبار عوامل ثلاثة كبرى متلاحمة ومتبادلة الأثر فلا بد من النظر

أولا : إلى طبيعة الفترة الزمنية التي سيبقى فيها الأديب موضوع البحث خصائصها التاريخية البارزة المتميزة ومن ناحية التناقضات الاجتماعية الكبرى الشائعة إثناء تلك الفترة للكشف عن مدى تغلغل الأديب في أعماقها ومدى انعكاس ذلك التغلغل في أدبه بشكل صريح أو ضمني

ثانيا : لا بد من إماطة اللثام عن نزعة الأديب الاجتماعية العامة وخصائصه السيكولوجية وروابطه الإيديولوجية وانتماءاته السياسية والاقتصادية ومدى نضجه الفكري وحرارة مشاعر ومهارته الأدبية وأصالته الفنية الجمالية وسعة الإحكام التي يطلقها على الأحداث والأشخاص والظواهر المحيطة به وسلامة تلك الأحكام وعمق الاستنباطات الاجتماعية التي يتوصل إليها كما يبدو ذلك كله في إنتاجه الأدبي .

ثالثا : لا بد من النظر إلى فنه اللغوي وبراعته في التعبير عن أرائه في ضوء الأسلوب الأمثل الشائع في مجتمعه مع ملاحظة دفة ألفاظه وغزارتها وأناقتها وانسجامها في العبارات والفقرات) د. نوري جعفر (الجوانب السيكولوجية في أدب الجاحظ) ص6 دار الرشيد 1981  .وفي ما أسلفنا استطعنا أن نوفي بشكل مختصر الناحية الأولى من هذه الاشتراطات النورية (نسبة للمفكر العراقي المعروف  نوري جعفر) . أما من ناحية الاشتراط الثاني فان شاعرنا كان وفيا لقيم ومبادئ أو عرف أجداده وأعمامه من البو شبع وعموم أبناء طبقته العاملة المحرومة في مساندتها لابو الأحرار والثوار ضد الترك والانكليز في جبهة المشروطة والتي تعبر كما أسلفنا عن تطلعات الطبقة البرجوازية الوطنية الناشئة والتي تمتاز بالضرورة بالنزعة الثورية والديمقراطية في كفاحها ضد جبهة المستبدة . وبذلك كان موضوعيا أن تساند طبقة العمال إن صح هذا الوصف على فئات المعدمين والحرفيين والمعدمين في تلك الفترة لكفاح البرجوازية الناهضة تحت مظلة المطالبة بالعدل والحرية والديمقراطية ضد الاستغلال والاستبداد للملكية المطلقة وأعوانها وركائزها الاجتماعية للطبقات المحافظة. ومن بعد ذلك انحياز الشاعر للفكر الاشتراكي الثوري الذي امتازت به النجف وخصوصا بعد ولادة الدولة العراقية الحديثة واحتضانها بواكيره الأولى وخصوصا بعد ثورة أكتوبر العظمى في 1917 وقد كان العديد من قادة الحركة الشيوعية واليسارية والقومية والدينية التحررية من مدينة النجف كنتيجة موضوعية لواقعها الثقافي والاقتصادي والاجتماعي والجغرافي سالف الذكر . وقد أعطى البو شبع العديد  من النماذج والرمز الثورية نساء ورجالا من المناضلين ضد القهر والاستغلال والدكتاتورية ومنهم مثلا القائد النقابي المعروف المرحوم شهيد إبراهيم أبو شبع أخ الشهيد الشاعر

 

توجهاته السياسية

كان  الشاعر ذو هوى يساريا  وظل وفيا لفكره ومنسجما مع منهجه الاشتراكي وتبنيه لقضايا الجماهير الكادحة وكما قال الشاعر السوفيتي الكبير رسول حمزاتوف بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق(إن قصائدي لم تكن عضوا في الحزب الشيوعي)(14) وكذلك فان قصائد  أبوعلي لم تكن عضوا في الحزب الشيوعي العراقي ومن ضمن ذلك توظيفه القصيدة الحسينية وهي تحي بصدق ثورة حقيقية ضد الظلم والقهر وتحمل من المعاني الإنسانية ما يبقيها حية طوال مئات السنين فلم يكن أبو علي بكاء بل كان يقدح بها شرر الوعي الشعبي ويحرضه على المطالبة بحقوقه العادلة . وقد قرأ العديد من الرواد يد قصائد أبو شبع ومنهم سيد كاظم القابجي وعبد الخالق الاعرجي وحسون شيحان وسيد طالب الأشبال وفاضل الراد ود ابن أخ الشهيد الثائر نجم البقال حيث كان صوتا هادرا ويروي بعض مجا يليهم ومتابعي مجالسه الحسينية إن أبو عصري غالبا ما يضيف من عنديته أبياتا يؤجج بها حرارة قصائد أبو علي وخصوصا وهو معتليا المنبر الحسيني وسط جموع الناس في مختلف المناسبات الحسينية وقد تعرض الاثنان للكثير من المضايقة والملاحقة والاعتقال من قبل السلطات والقوى المحافظة في الأوساط الدينية والعشائرية والإقطاعية وإضرابهم من أصحاب الثروة والجاه في النجف وخارجها كما قال رسول حمزاتوف:-

(كلنا سنموت لن يعيش إلى الأبد

ذلك معروف وهو ليس بالجديد

لكننا نحيا ليبقى بعدنا اثر:

بيت اوشجرة اوكلمة اوممر)

وكما قال يمكن للمرء إن يبدل قبعته ولكن لا يمكن لشخص أن يبدل رأسه)(15)

فمات الشاعر بشكل مفاجئ بعد ساعات من عودته من استدعاء إلى محافظة النجف ويؤكد الكثير من الأطراف انه مات مسموما بواسطة شراب قدم له في المحافظة في زمن الدكتاتور عام 1980 . وقد قتل الراد ود في حادث غريب على اثر شجار مفتعل تدور حوله الشبهات وبذلك سكت الصوت القائل والصوت الناقل ليتنفس أنصار التخلف والاستبداد والدكتاتورية الصعداء. ومن هذه القصائد الحسينية وهي كثيرة وتتناقلها الألسن وتحتفظ بها ذاكرة الأجيال لحين الوقت .

يسمعونه يعرفونه نعمل بنهجك يا علي ما نسونه يعرفونه

نهج يتكفل حقوق البشر   بيه الأمم تشهد

تنحفض بيه الحكوكولا فرق ابيض واسود

العمل للمجموع يصبح   عمل فكري لو عمل يد

لا احتكار وسيطرة   اعمال حرة ومثمرة

هذا النهج يا حيدرةنهجك للعمل والجد

واليحرر هو يثمرهذا النهج اهل الوعي يحررونه يعرفونه

 

• قوة وتفرد الشخصية

كان الشاعر الشهيد يتميز بقوة وتفرد الشخصية والعزة بالنفس والعنفوان والإباء حيث يشهد بذلك كل من يعرفه كما تشهد له بذلك سيرته العملية المعروفة وقصائده المنشورة وغير المنشورة ومن الشواهد الشعرية يؤكد ويظهر ذلك بشكل واضح في هذا البيت من الابوذيه ونلفت النظر هنا إننا عندما نذكر شاهدا شعريا لا يعني أن ما نختاره هو كل ما يخص هذه الصفة أو تلك أو هذا الحدث والموقف أو ذاك ولكن ضيق المقال وأحيانا عدم الوصول إلى المصدر ليثرينا بالمزيد من شعر أبو شبع الذي يملأ الكثير من الصدور . يقول أبو علي

 

بعدما انطر بليالي  ولصفار

اعرف لص وكع بشراكي  ولصفار

واحد من اعد روحي وله صفار

شما تكثر تزيد المعنوية

 

وهنا يعد الشاعر نفسه بحق رقما متميزا والبقية أصفارا لا تزيده إلا علوا وعظمة وكبرا واباءا وشاعرنا يؤشر للكثير من الأمراض الاجتماعية التي تتميز بها وتزرعها في حاضنة المجتمع الفوارق الطبقية الصارخة نتيجة للقهر والاستغلال وأنظمة وسلطات القهر والاضطهاد وقوى التخلف والظلام ولكن هذه هي حساسية الشاعر حامل القيم الإنسانية الحقيقية الصادقة كالمحبة والوفاء والشهامة والكرم والشجاعة والى ما غيرها .

ومن  بعض ماسجله الشاعر  ، قصر ونفعيه بعض العلاقات بين بعض من يعتبرهم إخوة واصد قاءا وأحباب حيث يقول :

 

عافتني الأحباب بدرب مخطور   وجان الأمل تدفع عني الأخطار

اثأري هذا المثل مشهور  اخوة وكت كَعدت ليل ونهار

 

وهو يبرر ما حصل له بسبب طيب سجيته ونكران ذاته المجبول عليها في حياته وتعامله مع الآخرين الذين كشفت زيفهم التجربة أثناء  العشرة والرفقة والتعامل

تدري جم صديق العاشر يته كشفته أعله الطمع واتجنبيته

امشي والصديق يطيب كَلبيالوحبيت ماغشيت حبي

اتعب ما يغزر ليش تعبيانه من افعل الزين اشو أجازه بشين

أدور عالوفه ومالكَيته

*  *   *

 

من غراميات الشاعر:-

وقد كان الشاعر مرهف الحس جياش العواطف والمشاعر الانسانية ومنها الغرامية وقد قال في ذلك أجمل الأبيات والقصائد والمواويل الشعرية ومن ذلك وصفه الرائع للملة في قصيدة بعنوان (وحگ شيلة الملة)

 

وحگ شيلة الملة ونور وجنتهايطرب صوتها وتسحر ملاحتها

مملوحة شكل والوجه حنطاويإلها جاذبية أو تجذب الهـاوي

دكتورة غرام اضنونها تداوي تشــافي تمــرض امـروتهـــــا

*  *  *

 

وقوله ودعوته الحبيب إلى ترك الحديث الفارغ و الأقاويل والتفرغ للتمتع بجمال الحبيب والتأمل والاستمتاع بكمال صفاته.

 

لا تشغلني بس بالقال والقيل خليني بخيالي وين ما ميل

أحب أعيون سود بلا كحل ميل

*  *  *

وعلى ضوء أغنية عراقية اشتهرت في حينها للمطرب فاضل عواد بعنوان لا خبر لا چفيه لا حامض حلو لا شربت قال شاعرنا قولا جميلا  نقتطف منه مطلع قصيدة طويلة  في هذا المعنى:

 

لا عهد لا چلمة وفه لا فرحة منچ حصلت

ما چنت ادري بالمهر لمن الحلقة انلبست

لا خبر من عندچ لفه لمن الحفلة انعقدت

او للناس  شحچي  بالخبر بس لو سمعت

*  *  * 

 

ومن طريف ما قاله الشاعر حين داهمت جاموسة هائجة  دائرة مشروع الماء والكهرباء وتغريم العمال ما أحدثته من ضرر بالدائرة التي كان الشاعر يعمل فيها فقال في ذلك مناصرا قضية العمال  وما يتعرضون له من مظلومية في ظل السلطة الحاكمة آنذاك:

 

 هل الشهر صارت علينه هوسه   هم نگيصه وهم نطح جاموسه

احنه عمال المكاين ولسلاكواگفين عله الخطر وعله الهلاك

بدل ما لعامل يگولوله هاك   گاموا ينگصون من  فلوسه

*  *  *

كذلك فان الشاعر من مناصري قانون الإصلاح الزراعي الذي جاء لصالح الفلاح العراقي المعدم وإنصافه من ظلم وتعسف الإقطاع وجبروتهم كأحد المنجزات الهامة لثورة الرابع عشر من تموز حيث قال الشاعر:

 

الإصلاح الزراعي اليصلح الأوضاع  الثمر لهل الثمر والأرض للزراع

*  *  *

ومن طرائفه التي  يرويها الشيخ شنان الخفاجي صديقه ورفيق عمره  حيث يقول(كنا جالسين أنا وعبد الحسين  في مقهى گبون  المجازة في رمضان وقد قدم  أبو علي سيكارة جمهوري إلى حسين الكوفي فرد عليه بأنه صائم فقال له أبو علي شعرا

 

صايم شهر رمضان لبالك ايفيد   قبطت هيجي شجول الجنة متريد

*  *  *

ومن شعره الموصوف بالحكمة  والدعوة لاخيتار الأصدقاء وتحكيم الفرد لعقله في تبني الأفكار.  وان المشورة المسداة يجب أن تكون واضحة جلية ظاهرة غير مرمزه وان يمتلك الداعية لقول الحقيقة بصوت عالي دون خوف او تردد وتوريه:-

 

قارن بين هذا وذاك لتحير وامشي حسب عقلك واتزانه

او للانسان احچيله التفسير موترمزله و اتبسبس بذانه

 

وفي وصفه للقلم باعتباره أداة بيد من يمسك به إن كان نصيرا للحرية أو داعيا للعبودية حيث يقول:

 

يعبر عن ضمير إلي يملكه يسير بحسب توجيه المسير

إذا حر بطريق اللي يسلكهتشوفه أيفهم الناس ويحرر

واذا مستعبد بقيده يهلكه   يخذل من يجي القيده يكسر

*  *  *

وقد كانت للشاعر مواقف جريئة وواضحة في مناصرة ثورة 1958 والدفاع عنها بالنفس والشعر في كثير من القصائد الشعرية التي تدل على وعي متقدم وعميق  في تشخيص أسباب الظواهر والمواقف لمختلف فئات وطبقات وشرائح المجتمع العراقي ومنها مثلا يتساءل بتهكم ويرد بالحجة القوية عن سبب كره بعض القوى المحسوبة على الدين  للاشتراكية التي يراها الشاعر من صلب الدين الإسلامي وسلوك وتعاليم  رموزه فيقول بعض ما يقول في هذا المجال:-

تحرم الاشتراكية عله يا راي  والقرآن گايلها يمولاي

شراكه بالهوه والارض والماي   والاستعمار ما بيه النه تعمير

إذا انته خليفة علي الكرار وتعمل بالقضية وعندك أسرار

اشو تضرب دجاج أبليل ونهار   عاش ومات ذاك ابخبزة اشعير

 

وفي قصيدة له يعاتب فيها أبونا ادم (ع)وسبب تركه لجناة النعيم ليحيا هو وأبناؤه من بعده حياة البؤس والشقاء ،ولكنه في ذلك لا يحمل أمنا حواء سبب الخطيئة كما تتناول ذلك الروايات بل يصورها صادقا بأنها ظلمت وقد جنى عليها ادم  وهي التفاتة رائعة ووعي متقدم يخالف التقليد الظالم للمرأة ويتعالى عليه:-

 

شلون ادم لعب لعبه ويانه   ريت لاالله خلقه ولا جانه

جان بالجنه أو حوه بجانبهيشرب وياكل فواكه طيبه

يشرب ابنهر الخمر يستعذبه ونهر ثاني يكرع البانه

*  *  *

 

وله دائما وقفات مشهودة في نصرة الحق والعدل ورموزه والرفع من شان المناضلين والتغني بتضحيات الشهداء الإبطال  الذين سار في طريقهم طريق الكفاح الوطني والطبقي والديمقراطي ومنها ما قاله بحق البطل الشهيد حازم الاعرجي المناضل  الذي أعدمته السلطة الفاشية  يعد إن فشلت  انتفاضة حسن سريع البطولية في معسكر الرشيد وكان الشهيد من رفاق حسن سريع والمشاركين في الانتفاضة حيث وقف على قبره قائلا:-

عيني تشاوف عالدرب وتراب

ومتهزني العواصف بعد وتراب

يرى گبرك الشامت حجر وتراب

ويره التاريخ قبرك  مزهريه

*  *  *

وفي ما ذكرنا من الأمثلة والنماذج الشعرية وفي مختلف الإغراض والحوادث والمناسبات وهي تشهد على براعة التعبير وقوة التأثير وقدرة فائقة على التعبئة والتنوير التي امتاز بها شاعرنا الشهيد.

وبذلك نكون قد أوفينا بعضا من مستحقات العامل  الثالث  للعوامل النورية (نسبة للمفكر والعلامة العراقي الكبير الدكتور نوري جعفر) المطلوبة من الباحث في دراسة وتقييم نتاج  الأديب أو المبدع وخصوصا الشاعر .

مقاومة الشاعر للترهيب والترغيب:-

قد قاوم الشهيد الشاعر أبو علي الكثير من الترغيب والترهيب مقابل أن يكف عن كشف رموز الظلم من القوى المحسوبة على الدين وقوى الإقطاع وممثلي السلطات الحكومية المستبدة التابعة والمتحالفة مع قوى الاستغلال العالمي حيث يذكر ولده حيدر إنهم وعدوه براتب شهري يسد به ضائقته ويعيش مرفها هو وعائلته  ولكنه رفض ذلك, ومما ذكره الحاج أموري شبع بهذا الخصوص  انه في عام 1971 أرسل قائم مقام النجف على أبو علي طالبا منه أن يمتدح السلطة في قصائده الحسينية التي يلقيها الرواد يد من على المنابر وخصوصا في شهر محرم  لأحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين(ع) فرفض أبو علي ذلك معتذرا بان القصائد أعدت للمناسبة قبل سنه ووزعت على الرواد يد  ولا يمكنه استرجاعها منهم واستبدالها ألان مؤملنا إياه بان يعمل بوصيته في السنة القادمة إن بقوا أحياء.... فغضب القائم مقام لهذا الرد وأمر بإيداع الشاعر في السجن وبالفعل بقي محجوزا لمدة ثلاثة عشر يوما وقد كان الناس يزورونه جماعات وبدون انقطاع  مما أثار خشية  وحفيظة السلطة  وردود الفعل المحتملة  من أهالي النجف وغيرهم إن بقي الشاعر في الموقف فتم الإفراج عنه .

وهنا نقول إن هذا الصوت المدوي  والمجلجل  بالحق والعدل ونصرة المظلومين  قد تعرض  للظلم والتجاهل  والجحود من قبل أصحاب السلطة والجاه وإضرابهم ولهم في ذلك عذر  إذ إن الشهيد كان طوال حياته  شوكة في عيون الحكام  والسلاطين  والمستغلين  مصاصي دماء  الشعوب وكذلك تناساه رفاق الأمس الذي دخل السجون وحورب لأنه حمل لوائهم  لا لكونه قد تخلى  عن فكره ومنهجه الاشتراكي الذي تمسك به  طوال حياته ولكن بسبب تفرده وقوة حدسه ووعيه العالي  رافضا أن يكون رقما ضمن قطيع يأمر فيطيع ويعترض فلا يسمع ولا يطاع وهو المتميز برهافة وعمق وأصالة حسه الوطني والطبقي. ولكن ما يخفف من لوعة الحسرة والألم لتجاهل مثل هؤلاء الكبار وهم كواكب تضيء سماء مدنهم وأوطانهم  إن أسماءهم  وأفكارهم  وإشعارهم  عاشت  ولازالت  تعيش  وتزهر في قلوب  وذاكرة  المناضلين  الحقيقيين  وعموم الكادحين والأحرار التواقين  للسلام والعدل  والحرية .

 انه لعجب أمر هذه المدينة  حيث ينصب تمثال لشاعرها العظيم  ألجواهري في مدينة اربيل والسليمانية وكأنه شاعر الكرد الأكبر وليس شاعر العربي الأكبر والعراقي والنجفي الأكبر فتبخل  مدينته عليه حتى باسم  جامعة  أو ساحة  وحتى باسم شارع من شوارعها وكذا هو حال شاعرنا الشهيد عبد الحسين أبو شبع.

  لنا الثقة الكاملة أن لا يطول أمر تجاهل  هذه الرموز  الشعرية والأدبية  ولا نقول السياسية  المضحية  والمناضلة  من الإبطال والشهداء ا لمقاومين للاستعمار والاستبداد والاستغلال والدكتاتورية أمثال نجم البقال وكاظم صبي  وأبو الأحرار كاظم الخراساني وسلام عادل  والشبيبي ومحمد موسى التتنجي  وبحر العلوم وكأنه لازال يترنم بملحمته الخالدة  غافرة ذنوبه وهفواته  معبرة عن مظلومية الجميع مما ذكرنا ولم نذكر وهو يردد باسمهم جميعا أين حقي  أين حقي؟

نأمل أن تكون دراستنا المتواضعة هذه  حافزا لمن لهم القدرة  والاطلاع وسعة المعرفة  بالشاعر  وتراثه الشعري  ومواقفه وهم كثر  لغرض أن يجمع تراث الشاعر المتناثر والذي لا تخلو منه ذاكرة نجفي ممن جايله وعاشره  طوال حياته الثرة . نأمل إن نرى من يرفع صوته  ويشحذ قلمه  لا نصاف الشاعر  الشهيد  وان يحتسب من الشهداء  رسميا  وتتخصص لعائلته راتبا يليق بابناءه وأحفاده  حاملي اسم هذا الشاعر والمناضل الكبير. وإنصافه معنويا برفع اسمه  بأحد الشوارع والساحات الرئيسية وخصوصا التي كانت قصائده تلقى من على منابرها  أو دارا من دور الثقافة  والشعر والأدب في المحافظة  كي تتعرف  وتستذكر الأجيال وتكون وفية لكل من ضحوا  وقدموا التضحيات الجسام  في سبيل العدل والاستقلال والحرية.

 نتمنى على اتحاد الأدباء  والكتاب أن يتبنى  تراثه الشعري  لجمعه  وتصنيفه  وطبعه وإصداره  وتوزيعه  باعتباره رمزا من رموز الثقافة  والأدب الشعبي  وعلما وراية من رايات  الكفاح من اجل عراق حر ديمقراطي  موحد.

(سال تيمورلنگ  في مجلسه الإمبراطوري المهيب  والبالغ العظمة وهو يعتلي عرشه الجبار سال الشاعر كرماني وقد كان اقرب جلساءه إليه:

- ياكرماني بكم تشتريني لو عرضت في سوق البيع؟

فأجابه قائلا: بخمسة وعشرين دينارا .

- قال تيمور لنك في كثير من الدهشة ؟..

ولكن حزامي وحده يساوي هذه القيمة!

فا جابه كرماني إنما كنت أفكر بحزامك وحده لأنك أنت نفسك لا تساوي فلسا واحدا

هكذا خاطب الشاعر ملك الملوك رجل الهول والشر تيمور لنگ

فليرفع مجد الشاعر صديق الحق فوق مجد تيمور لنگ  ولنسبح بحمد الشعراء الذين لا يعرفون غير كلمة الحق الجميلة التي لا تهاب).

هذا ما قاله مكسيم غوركي بحق الشاعر والشعراء وما أورده حنا مينه في كتابه عن الشاعر العظيم ناظم حكمت (16) إما نحن فماذا نستطيع أن نقول ونكتب عن الشاعر عبد الحسين أبو شبع ماهو أكثر بلاغة من ذلك فلا يسعنا إلا إن نثني على قول غوركي

وبالمناسبة نورد قصيدة رائعة للأستاذ الشاعر  كاظم ستار ألبياتي ألقيت في الحفل التأبيني الذي أقامه اتحاد الأدباء في عمل جريء رغم انف الدكتاتورية التي غيبت جسد الشاعر ولكنها لم تستطع تغييب روحه وذكراه العطرة في قلوب مواطنيه من كافة الشرائح الاجتماعية.حيث ألقيت هذه القصيدة بتاريخ 3\12\1999.

تحت عنوان (من سطور التعب)

رتلت حرفك آيا اثر آيات 

  طافت معانيك مابين السموات

وقلت مالم يقله مدع اثر

  يناصـب الحق يدعو للمراءات

 

.................................

الهوامش:

1- هيغل ..(فن الشعر) ص6 ،ترجمة جورج طرابيشي.

2- كرستوفر كودويل ..(الوهم والواقع / دراسة في منابع الشعر) ص54 ترجمة توفيق الاسدي .

3- د. نوري جعفر ..(الأصالة في الفن) ص21 .

4- كرستوفر كودويل .. نفس المصدر السابق ص 149 .

5- د. نوري جعفر ص23 الأصالة في شعر أبي الطيب المتنبي   مطبعة الزهراء –بغداد 1976.

6-  د. نوري جعفر ص27-28. نفس المصدر السابق.

7- يوري فرولوف (العمل والمخ) ص24.

8- حسن الاسدي (ثورة النجف) ص24-310

9- حسن الاسدي (ثورة النجف) ص24-310

10- حسن الاسدي (ثورة النجف) ص24-310

11- حسن الاسدي (ثورة النجف) ص24-310

12 - حسن الاسدي (ثورة النجف) ص24-310

13- د. نوري جعفر(الجوانب السايكو لوجية في أدب الجاحظ ص6.

14- جريدة الزمان العدد (2634) في 4/3/2007.دراسة عن الشاعر رسول حمزاتوف

15- نفس المصدر السابق.

16- كتاب حنا مينه (ناظم حكمت وقضايا أدبية) ص6 .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1557 الثلاثاء 26/10/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم