قضايا وآراء

أنماط الزمن في الرواية (طقوس التسامي) / علي حسين الخباز

ويمكن أن يحدد الزمن في رواية (طقوس التسامي) للقاص علي حسين عبيد بنمطين أساسيين من الزمن، فهناك زمن (الملفوظ القصصي، أي زمن الحكايه نفسها، وهناك زمن السرد، أي ترتيب السارد للأحداث) .

 وعلى أساس هذا يمكن أن نؤشر النمط الأول (زمن الحكاية) في رواية (طقوس التسامي) بالسنوات العشرة التي أعلنها القاص في الفصل الأول وهو يشير الى (المرأة) التي ظلت تؤدي طقوس الوفاء لزوجها الشهيد هيثم في كل خميس مدة عشر سنوات (بدأت بأحد هذه الطقوس وأنتهت بعودة الشهيد مجسداً بشخصية أبنه علي). أما النمط الثاني وهو يخص زمن السرد وترتيب الأحداث فأن القاص علي حسين عبيد لم يتمسك بالتسلسل الزمني في بناء الرواية بدءاً من العام الأول للحصار وصولاً الى عامه العاشر، بل راح يتنقل في هذه الساحة الزمنية  بحرية واضحة، ففي الوقت الذي بدأت فيه الرواية بأحد طقوس الزوجة في السنة العاشرة لزوجها الشهيد، فان حدث الشهادة الفعلي لم نتعرف عليه  الا في الفصل ماقبل الأخير، الأمر الذي يدل على أن الزمن لم يمثل عبئا على الكاتب، فراح يرسم الأحداث على وفق أبعاده الثلاثة (الماضي، الحاضر، المستقبل)، ولكن ضمن حيز زمني راهن يمثل البؤرة الأساس لأستقطاب الأحداث الماضوية والمستقبلية على حد سواء، وهو ما يعزز اهمية هذا النمط الزمني الذي يستوعب أحداث السرد بأزمنتها المتباينة، أذ نسمع في الفصل الحادي عشر الى (حكاية من ذاكرة الجبال) يسردها الاب (أبراهيم) لأبنه (هيثم بطل الرواية) بزمنها الماضي قبل أكثر من ربع قرن في حين يستقطب الزمن الراهن للكتابة زمناً مستقبلياً يتمثل بعودة (الشهيد) هيثم المجسد بابنه (علي) في الفصل الاخير .

لقد طوع القاص هذين النمطين من الزمن وأفاد منهما بعرضه للأحداث في خمسة عشر فصلا ً أشتمل عليها (زمن السرد) الذي مثل وعاءاً واسعاً لأحداث السنوات العشر أبتداءً بالعدوان الثلاثيني الهمجي على الوطن ومروراً بحكاية شخوص الرواية (عبد الرحمن / زكية / فاضل / سعدية / أبو الشهيد هيثم) وقد مثلت هذه الحكايات النمط الثاني من الزمن وهو زمن (الملفوظ القصصي والأحداث التي أحتوى عليها) .

من هذا العرض السريع تتبين قدرة  القاص في تنويع عنصر الزمن الذي يعد من أكثر العناصر أهمية في البناء الروائي على الرغم من أسلوبه السردي الذي يعتمد (فنياً) على الراوي العليم، بيد أننا لاحظنا في الوقت ذاته (حكايات) سردتها شخصياتها، كما يرد ذلك بحكاية الجندي (أبراهيم) وهو يؤدي خدمة العلم شمال الوطن، وكذلك حكاية (عبد الرحمن) عن أخيه (فاضل) الذي قتل غدراً، وأخيراً يمكنني القول أن الأستخدام الفني لتقنيات الزمن في رواية (طقوس التسامي) ينم عن دراية واطلاع في عملية كتابة النص الروائي

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1558 الاربعاء 27/10/2010)

 

 

في المثقف اليوم