قضايا وآراء

في مجموعته الشعرية ملائكة الجوع .. علي أبو بكر يؤثث لعالم بلا جوع / سلام كاظم فرج

أن يفلت منها بحرفية شاعر رقيق وان يلونها بألوان بهيجة مغلفة بحزن محبب ذلك لأنه يملك الأمل ..

المجموعة التي تضم إحدى وعشرين قصيدة صادرة عن المركز الثقافي للطباعة والنشر / بابل لست في معرض تقييمها نقديا بل هي محاولة لإعادة قرائنها والتعريف بها والدعوة  لمشاركتي متعة تأمل صورها المرتوية بالشعر في زمن قاحل نأمل ألا يطول في قصيدة سفر الحياء .. يبدأ بـ

سأرزم ما تبقى من حقائب الحياء ..

وارحل ..

على قوارب من تمتمات

صبيا مسافراً للبئر..

ملتحفا قميص يوسف ..

ثم ينهيها  بـ :

سأرزم ما تبقى من حقائب الرماد

من غبار النسيان

بعيدا عن مشاعر الظلام

المحدق بأوردة الستار

بعيداً..

هي إذاً قصيدةٌ متفائلةً..  فبعد أن يبحر بنا في محيطات العسف والفقر والحزن نراه يقطع أحشاء الفراغ والصمت المريب بسكين الابتسام

ليس ثمة ما يدهش

غير صمت الله

وصمتي..

وبعد أن يشبه نفسه ويشبهنا بأصحاب الرقيم في إشارة إلى السبوت والنوم نراه ينتصب ثائرا منتفضا  ..

سأخلع ..

خلسة معطفي المجنون ..

لقد استعمل المصطلحات القرآنية ببراعة ومزج اليأس بالأمل حتى تراه يكتب عن همومنا المعاصرة بمصطلحات غارقة في القدم) ويفتح عيوننا على إمكانية التحرر الفينيقي رغم رماد الماضي وغبار الحاضر ..

وينطلق محلقا رغم ضراوة النسيان والتهميش .. في ملائكة الجوع .. يفزعك حجم الجوع الجاثم على أولاده الصغار..

(كانت بطونهم

أضرحة للفراغ ...

ينامون في أخر كل مساء

على إيقاع الكفين الحافيتين ..)

الكفان كفاه .. هو الشاعر الغارق بهذا الحصار والفقر والفجيعة

كأنهم .. إعجاز نخل خاوية .

استخدام قراني لم يضعه إلا في مكانه .

يبحثون عن لوحة  تضاهي العشاء الأخير ..

 

يقول مارسيل ريموند

" لو قررنا إن الشعر لا يتمتع إلا بتأثير قليل في أيامنا هذه كنا عميا عن الحقيقة الواضحة التي تشهد بان الشاعر منذ الرومنطيقين قد قام بعمل المستكشف على ظهر السفينة إنه لحق إن هناك قراء قلائل لهذا الشعر إلا إن الشاعر يظل هو الأول الذي يتفوه بالكلمة المنتظرة منذ زمن طويل " ..

وأجزم إن (علي أبو بكر) في ديوانه - ملائكة الجوع - قد قال الكلمة المنتظرة منذ زمن طويل.. بنفس رومانسي شفيف .. لتنثال علينا الأسئلة المحرجة باحثة عن أجوبة مقنعة .. لا يستطيع الشعر أن يقولها دون أن يجرح .. إلا إن الشاعر أبا بكر استطاع أن يهمس بها إلينا..

هاهو يكشف لنا سرا ما استطاعت أن تخبئه رومانسيته ..

 

ها أنت باق في عزلتك الأولى

تقرا أل (ايسكرا) سرا

وتخبئ صورة يوسف

خلف الجفون ..

لا يستطيع الشاعر صبرا على إخفاء ماركسيته .. فهو لا يزال يقرا الايسكرا سرا ويخبئ صورة يوسف سلمان (فهد) في جفونه .. بل انه لا يستطيع إلا أن يصرح بان الأجوبة..

بأنه ربما تجد أجوبة على الأسئلة

وطن حر وشعب سعيد

وهكذا نتفق على إن الشاعر(علي أبو بكر) شاعر متفائل يمسك بناصية الأمل رغم الكم الهائل من الحزن الذي يغلف قصائده ...

لم يبق لنا في ختام هذه القراءة الانطباعية المتعجلة للمجموعة الشعرية (ملائكة الجوع) إلا التنويه أن الشاعر علي أبو بكر من المؤسسين الأوائل لمنتدى أدباء الإسكندرية في محافظة بابل..  وهو احد شعراء القصيدة التسعينية  العراقية وما صاحبها من فقر في إمكانيات النشر .. مما اضطر اغلب الشعراء وعلي منهم.. إلى ابتكار طرائق فريدة في النشر بما سمي وقتها بمجموعات الاستنساخ اليدوي الشعرية والقصصية.. ولا بد من الإيضاح إن مفردة الايسكرا تعني باللغة الروسية (الشرارة) وهي صحيفة بلشفية روسية صدرت مطلع القرن الفائت.. والشاعر في ترميزه هذا يشير إلى صحيفة الشيوعيين العراقيين طريق الشعب عندما كانت تصدر سرا..

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1559 الخميس 28/10/2010)

 

في المثقف اليوم