قضايا وآراء

تجربة التسامح النيجيرية والحالة العراقية / صالح الطائي

أما مساحتها فتبلغ 923,768 كم2 أو حوالي 356,667 ميلا مربعا، ولها حدود جغرافية مع كل من بنين في الغرب وتشاد، والكاميرون في الشرق والنيجر في الشمال وخليج غينيا في الجنوب.

تتكون نيجيريا من سبع وثلاثين ولاية إضافة إلى العاصمة الاتحادية (أبوجا) وهي أكبر مدنها وعاصمة البلاد منذ عام 1991 بدلا عن (لاغوس) القديمة

يقال أن تاريخ وجود السكان فيها يعود إلى سنة 500 قبل الميلاد، حيث استوطنتها قبائل "الهاوسا" و"كانوري" و"الفولاني" ثم سكنتها بعد ذلك قبائل "يوروبا" و"إيجبو" وقبائل أخرى.

ونيجيريا بلد متعدد القوميات والأعراق واللغات حيث يوجد فيه 250 قومية، وتبعا لهذا التعدد العرقي تعددت اللغات واللهجات المستعملة واختلفت نسبة انتشارها بين السكان حيث تمثل لغة "الهاوسا والفولاني" ما يقرب من 29% ولغة "اليوروبا" 21% ولغة "الايكَبو" 18% ولغة "الايجاو" 10% ولغة "الكانوري" و"الايبيبيو" و"التيف" 10% وباقي اللغات 12 %

وكما تخلصت الهند من مشكلة تعدد اللغات وصعوبة التواصل بين أفراد الشعب باعتمادها اللغة الإنكليزية لغة رسمية للبلاد، كذلك قامت نيجيريا باعتماد اللغة الإنكليزية لغة رسمية للتخلص من هذا الإشكال، ونجحت في ذلك.

أما ديانات نيجيريا الأصلية القديمة فهي مجموعة ديانات بدائية اغلبها شركي طوطمي وقد دخلها الإسلام في القرن الثالث عشر الميلادي، وفي تاريخ لاحق انتشرت فيها الديانة المسيحية تزامنا مع دخول الاستعمار الغربي إليها. ووفقا لمسح أجري في عام 2003 تبين أن 50.5 % من مجموع سكانها من المسلمين الذين تشكل نسبة المذاهب السنية منهم بحدود 95 % أما نسبة الشيعة فهي 5 % أما المسيحيون فهم بحدود 48.2 % منهم 15 % بروتستانت و 13.7 % كاثوليك والباقي طوائف مسيحية أخرى فيما شغل أتباع الديانات الأخرى النسبة المتبقية البالغة 1.3 %.

نيجيريا بلد غني بثرواته الطبيعية المختلفة مثل النفط، الغاز الطبيعي، خامات معادن، الفحم، القصدير، حجر الكلس، الأخشاب،المنتجات الزراعية، وتأتي بالمرتبة الثالثة عشرة في قائمة أهم البلدان المصدرة للنفط عالميا، وبحسب تقديرات أوبك لعام 2001 بلغ حجم احتياطيها النفطي بحدود 30 مليار برميل، وحجم احتياطي الغاز الطبيعي 4.5 تريليون قدم مكعب. وتصدر من إنتاجها النفطي بحدود 2.26 مليون برميل يوميا. ولذا يمثل النفط نسبة 20% من الناتج المحلي الإجمالي، و95% من إجمالي حجم تجارتها الخارجية و65% من مدخولات ميزانيتها، أما عملتها الرسمية فهي "نايرا" أو "النيرة" النيجيرية (NGN)

 

وكما هي باقي البلدان الغنية الضعيفة التي تضم أرضها خيرات كثيرة كانت نيجيريا مطمعا وهدفا للآخرين ولم تسلم من سطوة الاحتلال الغربي حيث أحتلها البرتغاليون عام 1885 ثم احتلها الإنكليز بعد ذلك وأخيرا استقلت في الأول من أكتوبر / تشرين الثاني عام 1960

ومثلها مثل أغلب الدول المستقلة حديثا سيطر القادة العسكريون على مقاليد الحكم فيها بعيد التحرير بقليل وتحديدا منذ عام 1966واستمروا في الحكم حتى عام 1979، ثم آلت مقاليد الحكم إلى حكومة مدنية أصدرت في العام نفسه دستور البلاد الذي منح المواطنين حق انتخاب أعضاء الحكومة. غير أن العسكر أطاحوا ثانية بالحكومة المدنية في عام 1983 وقام الانقلابيون بحل الأحزاب السياسية في البلاد. لكنهم في نهاية الثمانينيات شرعوا باتخاذ خطوات جادة لتسليم السلطة إلى حكومة مدنية مرة أخرى. حيث تم تسليم السلطة للمدنيين سنة 1999 وقامت الحكومة المدنية الجديدة في العام نفسه بوضع دستور جديد للبلاد.

هناك في نيجيريا نوع من المحاصصة في الحكم قريب الشبه بالمحاصصة العراقية الحالية، حيث يتوجب أن يكون الرئيس الذي ينتخبه الشعب لمدة أربع سنوات مسيحيا ورئيس الوزراء الذي ينتخبه الشعب أيضا من المسلمين ومن صلاحيات الرئيس المنتخب تعيين أعضاء مجلس الوزراء تبعا لمبدأ المحاصصة أيضا.

أما الهيئة التشريعية (البرلمان) فيتكون من مجلسين هما مجلس النواب الذي يضم 360 عضواً، ومجلس الشيوخ الذي يضم 109 أعضاء، ينتخبون لمدة أربع سنوات. وفي كل ولاية من ولاياتها السبع والثلاثين هناك مجلس تشريعي وحاكم منتخب يعين المجلس التنفيذي للولاية بما يشبه مجالس المحافظات القائمة اليوم في العراق، من حيث النوع فقط طبعا وليس من حيث الأداء.

في عام 1992 وبدوافع اقتصادية بحتة بسبب مشكلة بسيطة حول تغيير مكان أحد الأسواق بنقله إلى مكان آخر، وقعت مشادات وخلافات بين المسلمين من جهة والمسيحيين من جهة أخرى، وتساوقا مع أنماط الأزمات في البلدان التي لا يزال الجانب الديني فيها فاعلا ومؤثرا فضلا عن وجود تنوع ديني مختلف، وقوى خارجية مؤثرة، أخذت الأحداث منحى دينيا بحتا وصبغت بصبغة دينية بعيدا عن أسبابها الحقيقية، مما دفع البلاد إلى خوض حرب أهلية مدمرة ذهب من جرائها مئات الضحايا الأبرياء، ودمرت البنى التحتية فيها.

من هذه الخلاصة نجد أن هناك الكثير من المشتركات التي تجمع بين صراعنا الحالي وبين ما دار في هذه الجمهورية الأفريقية التي لا تملك تاريخا مثل تاريخنا ولا عراقيين متآخين مثل عراقيينا ولكنها نجحت في تجاوز الأزمات والصراع السياسي الدموي وعادت إلى بناء إنسانها والسير به نحو المستقبل.

 وبناء عليه نتمنى أن نستفيد من واحدة من خبرات أهل هذه البلاد في حل النزاع العراقي القائم من خلال الحوار والتعاون بين الأطراف المتنازعة وبدعم من المجتمع العربي والدولي بعيدا عن التهديد والتلويح باستخدام السلاح دون الإلتفات إلى نتائجه المدمرة.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1563 الأثنين 01 /11 /2010)

 

في المثقف اليوم