قضايا وآراء

تذكار من اليمن.. / بسام الهلسه

عندما دحروا الإحتلال الحبشي واستردوا الإستقلال في القرن السادس للميلاد، فإن أحفادهم المعاصرين قد حققوا أول انتصار عربي غداة هزيمة حزيران ـــ يونيوـــ 1967، بإنجازهم استقلال الشطر الجنوبي من اليمن وطرد الإحتلال البريطاني في الثلاثين من تشرين الثاني ـــ نوفمبرـــ1967م.

وإذا كان النصر اليماني الأول بقيادة "سيف بن ذي يزن" قد أحدث أثره في القبائل العربية، فتجاوبت معه بإرسال وفودها المهنئة، في علامة تشير إلى بواكير وعي قومي، حسبما رأى مثقف ومفكر لامع في أواخر القرن التاسع عشر: "فريدريك إنجلز" في إحدى رسائله، فإن النصر اليماني الثاني قد أنهى ثاني أطول إحتلال لأرض عربية (بعد الاحتلال الفرنسي للجزائر)، وأزال أكبر قاعدة عسكرية بريطانية في الشرق الأوسط، بعد خسارتها لقاعدتها الرئيسة في قناة السويس إثر فشل العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م.

*    *    *

جاء النصر ثمرة لحرب التحرير الشعبية الوطنية التي خاضها اليمانيون بقيادة "الجبهة القومية"، الأداة العسكرية التي أنشأها فرع "حركة القوميين العرب" في اليمن، بعدما أطلقت ثورة 26 سبتمبر-أيلول-1962م في الشطر الشمالي ضد حكم أسرة "حميد الدين" الذي امتد قرابة ألف سنة، قوى الشعب اليمني الحبيسة، ووفرت "القاعدة الارتكازية" لأحرار اليمن، فباشروا الكفاح المسلح إنطلاقاً من جبال "ردفان" في منطقة "لحج" في الرابع عشر من تشرين أول ـــ أكتوبرـــ عام 1963م، لينهوا في غضون أربع سنوات فقط، الإحتلال الذي جثم على أرضهم طوال 128 عاماً.

*    *    *

ففي العام (1839م) احتلت بريطانيا عــدن، لتأمين سلامة خطوطها البحرية من وإلى الهند، فجعلتها مركزاً للتموين البحري، ازدادت أهميته بعد اكتشاف النفط في الخليج، وازدادت أكثر بعدما فقدت بريطانيا قناة السويس، فجعلتها قاعدة عسكرية كبرى.

ولتوطيد وإدامة سيطرتها, عززت الإنقسام الداخلي بين اُمراء وسلاطين وشيوخ مناطق وقبائل الجنوب الذين تجاوز عدد كياناتهم العشرين إمارة وسلطنة ومشيخة.

وأمام المد الوطني والقومي التحرري الوحدوي الذي تتأجج في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، حاولت بريطانيا قطع الطريق بإقامة إتحاد شكلي أسمته "إتحاد الجنوب العربي"، وهو ما جوبه برفض أحرار اليمن الذين كانوا يتوقون لتحرر ووحدة حقيقيين, وهما الهدفان اللذان أنجزتهما الثورة في نوفمبرـــ تشرين الثاني ـــ1967، لتشرع من بعد في تحقيق الهدف الأصعب المتمثل في بناء دولة عصرية حديثة عادلة على أنقاض الإحتلال والسلطنات والمشيخات العديدة المتخلفة.

وما زال هذا الهدف العزيز هو ما يسعى رجال ونساء اليمن، حملةُ رايات ومبادئ ثورتي سبتمبر وأكتوبر وعموم أبنائها الخيِّرين لتوطيده، خصوصاً بعدما أنهوا عهد "التشطير" بتوحيد شطري اليمن عام 1990م.

وإذ نهنئ أهلنا اليمنيين على ما حققوه من إنجازات كبيرة بكل المعاني، في حياة جيل واحد فقط (التحرر والوحدة)، ونستذكر الدور المهم والمتميز الذي نهض به اليمانيون في التاريخ العربي والإسلامي،

فإننا نشاركهم الشوق إلى اليوم الذي تحقق فيه اليمن ما يؤهلها لاسترداد اللقب الذي استحقته قديماً بجدارة منجزات حضارات أسلافها("مَعِيْن" و"سَبَأ" و"حِمْيَر"):

"بلاد العرب السعيدة".

 

[email protected]

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*كُتبت هذه المقالة تكريماً لذكرى ثورة 14 اُكتوبرـــ تشرين الأول ـــ الوطنية التحررية في الجنوب العربي.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1568 السبت 06 /11 /2010)

 

 

 

في المثقف اليوم