قضايا وآراء

السياسة المالية والسياسة الضريبية / خالد محمد الجنابي

والسياسة الضريبية إحدى الأدوات المركزية للسياسة المالية التي تفعل الأنظمة الاقتصادية المختلفة، تعبّر عن”عموم الإجراءات والتدابير والقوانين التي تضعها السياسية المالية، مجسدة الكيفية التي تجبى بها بعض مكونات الإيرادات العامة للدولة، مع تسبب لهذه الإجراءات وتحديد المناهج والإجراءات والمصادر والوسائل، وكذلك الكم والكيف لتحقيق ذلك، وأحياناً أوجه الانفاق التي تنتظر الإيرادات المتحققة من جراء هذه الضرائب “،والأنظمة الضريبية قديمة قدم المجتمعات والأنظمة السياسية القائمة على التكافل الاجتماعي، ويعكس هذا النظام مستوى ودرجة وعي ونضوج العلاقات الاقتصادية والاجتماعية وعلاقات الانتاج والتوزيع والمبادلة، وكذلك المستوى التكنولوجي وطبيعة الاقتصاد سواء كان زراعياً أم صناعياً أم ريعياً أم خدمياً، لقد كانت الضرائب وما زالت تفرض بموجب القانون وبما تمتلكه الدولة من سلطة قانونية وتشريعية وتفويض اجتماعي، من أجل تحقيق مجموعة من الوظائف والأهداف الاجتماعية والاقتصادية، كما أن هناك ضوابط وإجراءت لتسهيل جبايتها وتحديد الكيفية وأوجه التصرف بإيراداتها، وقد اجتهد علماء القانون وخبراء الاقتصاد في وضع وتشذيب وتكييف القوانين المتعلقة بالضريبة بحيث تكون متلائمة ومنسجمة مع الواقع، وبما يحقق الأهداف التي تقررها النظرية الاقتصادية وتحظى بالقبول القانوني والاجتماعي، وبما يحقق تعظيماً للمنافع المتبادلة بين المتبادلين، ويخلق مردوداً مهماً للموازنة يستخدم في تمويل المشاريع الاقتصادية ذات النفع الاجتماعي، ان السياسة الضريبية يتعاظم دورها وأهميتها مع تعاظم الانفتاح الاقتصادي وزيادة التدويل للحياة الاقتصادية وزيادة السكان، ونمو الطلب العالمي وزيادة تأثير ثورة المعلومات والاتصالات والتطور التكنولوجي، وهي أمور تفرضها مقتضيات الحياة الاقتصادية العصرية والثورة العلمية التكنولوجية المعاصرة، وهذا يفرض ايلاء هذه السياسة اهتماماً خاصاً لتحقيق مجموعة من الأهداف الاقتصادية، بما يستدعي فهم وتطوير العلاقة بين السياسات الاقتصادية الكلية عموماً مع كل من السياسة المالية والسياسة الضريبية، بمعنى أن تكون السياسة الضريبية دوماً ضمن سياق أهداف السياسة الاقتصادية الكلية، وليكمل عمل هذه السياسة ويحفز ويخدم عمل السياسات الاقتصادية الأخرى، ولا يكون قيداً عليها كما لا يقبل أن يكون دور السياسة محايداً بل مسعفاً ومعضداً للسياسات الأخرى  البعد الاقتصادي للسياسة الضريبية، أهم الوظائف الأساسية للسياسة الضريبية هي أن تكون أحد المصادر المهمة لتمويل خزينة الدولة بالموارد المالية، إذ تعتبر الإيرادات المتأتية من الضرائب مورداً مالياً هاماً يرفد الاقتصاد الوطني، لذا تعد رافداً يعول عليه في مراحل العجز المالي وقصور الايرادات الكلية عن مقابلة النفقات الكلية، فتكون سبباً في توازن ميزانية الدولة وتجاوز أزمتها المالية يمكن أن تسهم في تحقيق إعادة توزيع الدخل بين أفراد المجتمع، وهو أمر تحتاجه البيئة الاجتماعية بشكل دائم، حتى تحافظ على النسيج الاجتماعي من التهشم، وحتى تسوي به ومن خلال الثغرات التي تنشأ في البنيان الاقتصادي والاجتماعي من جراء الأداء الاقتصادي القائم على آلية السوق وحرية ممارسة النشاط الاقتصادي،تقييد نمو الاستهلاك الخاص من أجل زيادة حجم الموارد المتاحة للاستثمار”إذ أن هناك علاقة وثيقة بين النمو الاقتصادي ومستويات الضريبة “ ، تحويل الموارد من القطاع الخاص إلى القطاع العام، ومع افتراض بقاء العوامل الاخرى على حاله، فانه كلما كانت نسبة الضريبة للناتج المحلي الاجمالي عالية ارتفعت حصة الموارد المتاحة للحكومة لمواجهة النفقات الاستثمارية والتجارية، وأشهر المقاييس المستخدمة لمقارنة الأهمية النسبية للنظام الضريبي الذي يقيس نسبة الضرائب إلى الناتج المحلي الإجمالي .

 

محددات الواقع العملي للسياسة الضريبية في العراق

 على الرغم من أن العمل الضريبي في العراق ليس حديث العهد، وعلى الرغم من تراكم التجربة والخبرات في هذا الميدان منذ أقدم الأزمان، إلا أن العمل الضريبي تكتنفه بعض الصعوبات وتقيده بعض المعوقات، مما يجعل أداءه أقل مما يتأمل منه من الناحية النظرية، وقد انعكس هذا بالتالي على ما يلي

1 . ان الصعوبات انعكست على الهيئات والدوائر الضريبية، مما عقد من عملها وأضاف إلى مسؤولياتها أعباء مضافة، وضيع عليها العديد من الفرص التي كانت من الممكن أن تشكل عوامل قوة للدوائر الضريبية عموماً، وذلك متأت من صعوبة الظرف الذي تعمل به هذه الهيئات وتزايد وسائل التهرب الضريبي .

2 . ضعف الإمكانات المادية والفنية والبشرية والتكنولوجية التي يفترض ان تتوافر لدى السلطات الضريبية على وجه العموم، وتقادم الكثير منها فنياً وتكنولوجياً بسبب القدم وقلة المتاح منها .

3 . النظام القانوني يعتبر من العوامل الحاكمة والحاسمة في عمل أي نشاط انتاجي أو خدمي، والإطار القانوني المناسب أحد أهم أسباب نجاح أي عمل في كل زمان ومكان، والأنظمة القانونية السائدة التي تؤطر أسلوب عمل الضرائب في العراق بحاجة دائمة الى التطوير والديناميكية من أجل مواكبة سرعة المتغيرات والظروف المستجدة، ولا يقتصر النظام القانوني على الجانب التشريعي بل لابد أن يشتمل على إجراءات وقوانين في الجانب الإجرائي والتنفيذي ونظام العقوبات الذي يفترض أن يكون حاسماً لكي يقطع الطريق على كل المتلاعبين وعلى كل الخارجين عن القانون وضعفاء النفوس .

4 . قلة وضعف الوعي الاجتماعي المتعلق بأهمية العمل الضريبي وضعف دور الرأي العام وقلة تعاون واستجابة الرقابة الاجتماعية والشعبية، ومحدودية الدور الذي تؤديه المؤسسات العامة الأخرى لمساعدة الدوائر الضريبية بما فيها وسائل الاعلام .

 

هذه بعض الحقائق التي تشكل صعوبات تتحدى الدوائر الضريبية في العراق في الظروف الراهنة وهي صعوبات جدية، انعكست على أداء السلطات الضريبية، يجب العمل على تجاوزها وإنجاز التكييف القانوني والمؤسسي الذي يضمن تحييد وتقليل وإزالة هذه العوائق مع الزمن وهذا لا يتم إلا من خلال حشد المزيد من الجهود والموارد وتسخير الموارد المادية والبشرية وصياغة الاطار الإداري المناسب لعمل هذه المؤسسات .

ان الظرف الاقتصادي الذي يمر به العراق يلقي أعباء استثنائية على السلطة الضريبية، وهو امتحان عسير لقدرتها وجدارتها، وعلى الرغم من كل ما حققته هذه المؤسسة وكل ما فاتها تحقيقه، فان الميدان والمدى ما يزال رحباً ومتسعاً لتطوير هذه السياسات والهيئات بما يحقق أهدافها، ولا يتم هذا إلا بعد أن تتفهم الجهات التخطيطية العليا في السياسة الاقتصادية مجتمعة الظروف المحيطة بعمل هذه المؤسسة من ناحية، والعمل على إزالة العوائق التي تقف بوجه إجراءاتها من ناحية أخرى، وفي هذا السياق يمكن أن تكون مستلزمات تحسين أداء السياسة الضريبية في الوقت الحاضر والمستقبل على النحو التالي :

 

1 . العمل على التكيف القانوني الدائم للأنظمة والقوانين الضريبية التي تحكم عمل السلطة الضريبية، وكلما كان ذلك ضرورياً من وجهة نظر القائمين على تخطيط وتنفيذ السياسة الضريبية، ففي النظام القانوني يكمن سر نجاح وفشل الإجراءات الضريبية ويبقى القانون هو العامل الحاكم في العمل الضريبي، وكلما كان النظام القانوني متحركاً ومتناسباً مع حركة المتغيرات المحيطة كلما كان الأداء أكثر سلاسة .

2 . العمل على مد السلطة الضريبية، بما تحتاجه من إمكانات مادية وبشرية ممكنة وبما يسمح به واقع القدرات العامة مع محاولة مجاراة التطور التكنولوجي والإداري في المعاملة الضريبية، وأن تحدد إمكاناتها بدعوى الكلفة العالية، لأن ما يترتب على عدم كفاءة السياسة الضريبية ستكون تكاليفه أكبر وأخطر من التكلفة المادية المجردة .

3 . من الضروري العمل على تحسين تدريب وتخصص وتعليم الملاكات البشرية العاملة في الأجهزة الضريبية، وأن توجد الأقسام أو المعاهد المختصة بتخريج ملاكات متخصصة في هذا الميدان والافادة من الخبرات القديمة والمتراكمة لدى الذين تركوا الخدمة، لذلك من أثر مهم في تحسين العمل الضريبي وأن يتم اختيار القوى الوظيفية العاملة وفقاً لمعايير أداة مجردة، وتنمية مهاراتها بالتدريب المستمر الداخلي والخارجي .

4 . أن تعمل وسائل الاعلام والمؤسسات الشعبية والجماهيرية والمنظمات المعنية على التبصير بأهمية التعاون مع السلطات الضريبية، وأن تفعل الرقابة الشعبية في محاولة لزيادة الوعي بمشروعية واهمية العمل الضريبي.

5 . من المناسب الإشارة إلى ضرورة عدم التهاون القانوني وفرض وتشديد الإجراءات العقابية المناسبة على كل المسيئين والمتجاوزين على تقاليد وواجبات العمل الضريبي، سواء من قبل منتسبي هذه المؤسسات بصور الفساد الإداري أو ما شابه أو من عموم العاملين في النشاطات غير المشروعة من متهربين ومتعاونين معهم ومساعديهم ومفسدي الذمم، وأن تشدد العقوبات تبعاً للظرف الاقتصادي واعتبار ذلك من الجرائم الموصوفة بجرائم التخريب الاقتصادي والاجتماعي، مع تفعيل القوانين الخاصة بها .

6. الانفتاح على تجارب الأنظمة الضريبية المتقدمة والافادة منها في مجالات العمل المختلفة .

أخيراً فان العمل الضريبي أمانة اجتماعية واقتصادية، ويبقى بحاجة إلى جهود كل الخيرين والمخلصين لكي يسهموا في حماية الاقتصاد الوطني وتحقيق الأمن الاقتصادي والاجتماعي، وهي أهداف محورية تشكل غايات اجتماعية سامية يجب أن تتضافر الجهود لتحقيقها.

 

[email protected]

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1571 الثلاثاء 09 /11 /2010)

 

 

 

في المثقف اليوم