قضايا وآراء

هل ورث العراقيون نزعة الخلاف من أسلافهم؟! / قاسم حسين صالح

 ويندر أنهم حلّوا خلافاتهم بالتفاهم فكانوا أول من قام بانقلاب عسكري في المنطقة (1936)..وأبشع من قتلوا ملوكهم ومثلّوا بجثثهم..ثم صاروا يترحمون عليهم..وما اتفقوا حتى على عبد الكريم قاسم الذي قتلوه ولم يجدوا بجيبه ما يساوي دينارا واحدا!.

لقد تحريت ذلك فوجدت أن أحد أسباب هذه (العلّة) تعود الى أسلافنا السومريين ومن تلاهم.فلقد وجدت أن جدنا السومري هو الوحيد في زمانه الذي كان يعدّ نفسه ابنا لألهه الشخصي وليس عبدا له، بعكس باقي الأسلاف زمنئذ حيث كان الفرد فيها عبدا لألهه..يتوسل لديه أن يحميه، فيما كانت علاقة السومري بالهه علاقة الأبن بالأب..عليه هو أن يحميه قبل أن يسأله.وربما من هذه امتازت شخصية العراقي بالأنفة وتضخم الذات اللتين تعدّان من أهم أسباب الخلاف.

واذا قارنا بين اسلافنا العراقيين والأسلاف المصريين زمنئذ نجد أن أسلافنا دنيويون أكثر فيما أسلاف المصريين اخرويون أكثر.فأسلافنا عدّوا الموت نهاية بشعة وشرّا عظيما، والعالم الآخر مكانا كئيبا موحشا، فيما اتسم موقف المصريين القدماء من الموت بالسكينة والاطمنان وأنه "عطر فوّاح كزهرة اللوتس"كما يصفون!.وكانت لديهم قناعة راسخة بأنهم سوف يبعثون ويعيشون الى الأبد حياة سعيدة يمارسون فيها العمل الزراعي النبيل!.وهذا يعني، سيكولوجيا، ان الانسان الدنيوي يميل الى الخلاف مع الآخر لاسيما اذا تعلق الأمر بالسلطة والثروة، فيما الآخروي يميل أكثر الى الزهد بالدنيا والتسامح مع الآخر.

ويكاد يكون أسلافنا العراقيون الوحيدون في زمانهم الذي شكلّوا آلهتهم على صورتهم هم، ولم يكتفوا بتزويج آلهتهم بل أنتقوا لهم أفضل بغي تستلقي ليلها على السرير الذهبي الوثير بانتظار مجيء الاله.وكانوا هم الذين يحددون نشاط آلهتهم لا العكس(وتأملها في العلاقة بين الفرد والسلطة!).ولأنهم ربطوا آلهتهم الكبار بأجرام سماوية(عشتار مثلا ربطوها بكوكب الزهرة) فانهم كانوا أول من رصد حركة الكواكب وأول من اختلف على تفسير وظائفها.

غير ان الاختلاف فيما بينهم كان سببا للأبداع على صعيد الفكر.ففي العراق نشأت أو ترعرعت أهم المذاهب الاسلامية:الحنفي، الجعفري، الشافعي، والحنبلي. وفيه اختلفت الكوفة بطريقة تفكيرها عن العواصم الاسلامية واختصت بعلم الفقه، فيما اختصت البصرة بعلم الكلام ، وبغداد باحتضان الأضداد.وفي العراق تعايشت بسلام أوسع ثلاثة أديان انتشارا بين الناس:الأسلام والمسيحية واليهودية، الى جانب الصابئة وفرق وطوائف أخرى.والعراقيون هم أول من خرج على قواعد الشعر وابتكروا الشعر الحر. باختصار، كان اختلاف العراقيين في الفكر منبع الابداع في المنطقة..لكن خلافهم على السلطة كان كارثيا!.

ومع ان البعض يفسّر بقاء وحدة العراق بقوة الشعور بالمواطنة بين العراقيين، الا ان السبب الخفي (المنسي) يعود الى الطبيعة.اذ تحدّه من الشرق جبال زاكروس ومن الشمال جبال ارمينيا ومن الغرب البادية السورية ومن الجنوب الخليج العربي..وبها صار محصّنا جغرافيا..وأن تفتيت وحدته الى دويلات يفضي الى حرب حتمية تغير فيها دويلات الصحراء على دويلات النفط..تنتهي ، بعد سفك الدماء كالعادة!،  الى اقتناع العراقيين جميعا بأن لا استقرار ولا حياة هانئة ولا ازدهار في وطن ، يمكن ان يكون جنة الله في الأرض،  الا بوحدة عراقهم..مع ضمان ان تكون جينات من يتولى السلطة، مرنة في ترويض نزعة الاختلاف الموروثة عن أسلافنا!.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1571 الثلاثاء 09 /11 /2010)

 

في المثقف اليوم