قضايا وآراء

أنواع الدول من حيث التكوين المادي / خالد محمد الجنابي

 

أولاً - الدول البسيطة :

الدول البسيطة : هي التي تنفرد بإدارة شؤونها الداخلية والخارجية سلطة واحدة والغالبية العظمى من دول العالم دول بسيطة ، ولا يؤثر اتساع رقعة الدولة في اعتبارها دولة بسيطة ، كما لو كانت تتكون من عدة أقاليم أو مقاطعات تتمتع بالحكم الذاتي أو نظام الإدارة المحلية ، كما لا تؤثر تملك المستعمرات في اعتبارها دولة بسيطة ما دامت هناك هيئة واحدة تنفرد بإدارة شؤون الدولة ومستعمراتها كما هو الحال بالنسبة لفرنسا وبلجيكا فالفيصل في اعتبار الدولة من مجموع الدول البسيطة هو وجود حكومة واحدة تنفرد بالسيادة على إقليم الدولة في كل من المجالين الداخلي والدولي .

 

ثانيا - الدول المركبة :

هي التي تتكون باتحاد أكثر من دولة أو ولاية مستقلة بشؤونها وارتباطها معاً برابطة الخضوع لسلطة حكومة مشتركة أو تحت رئيس أعلى واحد .

وتختلف حقوق وواجبات الدول أعضاء الرابطة الاتحادية من حيث مدى تأثيرها على الشخصية القانونية الدولية لأعضاء الاتحاد حيث تبقى الشخصية القانونية للدول المكونة للاتحاد أحياناً ، في حين تذوب شخصيتها بشخصية الاتحاد أحياناً أخرى .

وعلى ذلك تنقسم الاتحادات الدولية من حيث الآثار التي ترتبها على الشخصية القانونية الدولية إلى قسمين رئيسيين هما :

القسم الأول: الاتحادات الدولية التي لا تأثير لها على الشخصية القانونية الدولية للدول المكونة لها:

1- الاتحاد الشخصي:

يقوم بين دولتين أو أكثر تحت عرش واحد مع احتفاظ كل منهم بذاتيها وشخصيتها الدولية واستقلالها الداخلي والخارجي ، مع اشتراكها جميعها في شخص رئيس الدولة أو وحدة الأسرة المالكة ، ويتحقق الاتحاد الشخصي نتيجة أيلولة العرش في دولتين مستقلتين لملك واحد أو بالتراضي بينهما على إنشاء مثل تلك الرابطة ، وينتهي بزوال هذا التراضي أو بانتهاء رابطة الوراثة ، ورابطة الاتحاد الشخصي تتمثل في شخص رئيس الدولة ولذلك فهي بطبيعتها رابطة وقتية عارضة وتعد  أوهى الروابط وأقلها دواماً ، وهذا النوع من الاتحادات لا يمكن تصور وجوده إلا بين دول ملكية تأخذ بنظام وراثة العرش ، فإذا اختلف النظامان بأن غيرت إحدى الدول من شكل الحكم فيها انفصلت رابطة الاتحاد القائمة بينها ، ومن أمثلة هذا الاتحاد ، اتحاد بولونيا ولتوانيا سنة 1386.

 

2- الاتحاد التعاهدي "الكونفدرالي":

يقوم بين دولتين أو أكثر بانضمامهم بعضاً إلى بعض بمقتضى معاهدة دولية واتفاقها على إقامة هيئة مشتركة تضم ممثلين لهذه الدول وتختص برسم السياسة العامة المشتركة لدول الاتحاد ، واتخاذ قرارات بشأنها تبلغ كحكومات لتنفيذها بمعرفتها وتحتفظ كل دولة من دول الاتحاد بكامل سيادتها الداخلية والخارجية مع تنازلها للهيئة العامة المشتركة عن قدر من حريتها في التصرف ، وتقوم هذه الهيئة بتحقيق الأهداف المتفق عليها في المعاهدة المنشئة للاتحاد ، وهي عادة تتلخص في المحافظة على استقلال الدول الأعضاء والتنسيق بينها في المجالات السياسية والاقتصادية ، وخلق نوع من التقارب والتوحيد بين دول الاتحاد في المسائل الثقافية والتعليمية وغيرها ، ولا تعد الهيئة العامة المشتركة حكومة عليا يعلو سلطانها على دول الاتحاد وليس لها سلطان على رعايا دول الاتحاد ولا تعد شخصاً دولياً ، فهي لا تعد أن تكون مؤتمراً تتقرر فيه السياسة العامة للدول الأعضاء في المسائل التي تدخل في اختصاصها كما حددتها الاتفاقية المنشئة للتعاهد ، وتصدر قرارات الهيئة العامة للتعاهد بالإجماع ، ولا تلتزم الدولة إلا بالقرار الذي وافقت عليه ، ومن أمثلة هذا الاتحاد التعاهد الجرماني الذي أقامته معاهدة فيينا عام 1815 واستمر حتى عام 1866.

القسم الثاني: الاتحادات الدولية التي تذوب فيها الشخصية القانونية الدولية للدول الأعضاء في شخص الهيئة الاتحادية:

 

1- الاتحاد الفعلي:

يقوم بين دولتين أو أكثر تحت حكم رئيس واحد ولهيئة مشتركة على شؤونها الداخلية ، واحتفاظها بدستورها الداخلي وتشريعها الخاص وإدارتها المستقلة ، وفي هذا النوع من الاتحادات تذوب الشخصية الدولية لكل من دول الاتحاد في شخص الهيئة الاتحادية وعلى ذلك يتفق الاتحاد الفعلي مع الشخصي في احتفاظ الدول الأعضاء باستقلالها في إدارة شؤونها الداخلية ، ويختلف عنه في أن الدول الأعضاء تفقد استقلالها الخارجي تندمج شخصيتها الدولية في شخصية الهيئة الاتحادية مع التزام كل أعضاء الاتحاد بما تقوم به هذه الهيئة من تصرفات في المجال الدولي ، ومن أمثلته اتحاد سويسرا والنرويج الذي دام حتى عام  1905، واتحاد النمسا والمجر منذ عام 1767 حتى عام 1919.

 

2- الدول الاتحادية "الاتحاد الفيدرالي":

ينشأ هذا النوع من الاتحادات بين دولتين أو أكثر بمقتضى وثيقة ذات طبيعة دستورية على خلق اتحاد دائم بين الدول الأعضاء تنزل فيها كل دولة عن كل سيادتها الخارجية وعن بعض سيادتها الداخلية إلى الهيئة المركزية التي ينشئها الاتحاد ، وتكون هذه الهيئة حكومة بالمعنى الصحيح لها اختصاصات مباشرة على الدول الأعضاء ورعاياها ، ويرأسها رئيس الدولة الاتحادية ويكون للاتحاد شخصية دولية تذوب فيها شخصيات الدول الأعضاء ، حيث تظهر دول الاتحاد جميعاً بمظهر الشخص القانوني الدولي الواحد على المستوى الدولي ، مع احتفاظ كل منها بدستورها ونظامها التشريعي والقضائي الخاص ، وللدولة الاتحادية دستور عام مشترك ينظم علاقات الدول الأعضاء فيما بينها وعلاقاتها بالحكومة ويحدد اختصاصات كل منها ومن أمثلته:

أ- الولايات المتحدة الأميركية: الذي لا يزال قائماً إلى الوقت الحالي منذ عام 1787 عقب مؤتمر فيلادلفيا ، وتتكون الهيئة المركزية للتعاهد من سلطات ثلاث هي: السلطة التشريعية ،   و السلطة التنفيذية حيث يتولاها رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد والثالثة: هي السلطة القضائية متمثلة في المحكمة الاتحادية العليا وتتولى إلى جانب اختصاصها العام الفصل في المنازعات التي قد تنشأ بين الولايات ذاتها أو بينها وبين الهيئة المركزية للاتحاد .

ب- الجمهورية العربية المتحدة: وهي نشأت عقب اتحاد سورياومصر عام 1958 واستمر هذا الاتحاد حتى عام 1961.

اضافة لذلك فلقد حدد القانون الدولي العام ومن حيث الظروف السياسية الدول تامة السيادة والدول ناقصة السيادة وكما يلي :

أولاً- الدول تامة السيادة:

هي التي تملك حق مباشرة كافة مظاهر السيادة الداخلية والخارجية دون أي تدخل أو رقابة من دولة أخرى أو هيئة دولية ، وهذا هو الوضع الفعلي لأغلب الدول الأعضاء في المجتمع الدولي.

 

ثانياً - الدول ناقصة السيادة :

هي الدول التي ليس لها كامل الحرية في ممارسة سيادتها وإنما تباشرها عنها دولة أو دول أخرى أو هيئة دولية ، وينتج هذا الوضع عن ارتباط هذه الدولة بدولة أخرى أو خضوعها لها، ويوجد فارق بين الدول ناقصة السيادة وبين الأقاليم المكونة لاتحاد فعلي أو لدولة تعاهدية.

فالدولة ناقصة السيادة هي المفروض أصلاً أنها تتمتع بالشخصية الدولية والسيادة في المجالين الداخلي والدولي ، ولكن طرأت على هذه الدولة بعض الظروف التي قيدت من حريتها في ممارسة بعض مظاهر هذه السيادة أو حرمتها من ممارستها كلية مثلها كمثل القاصر أو عديم الأهلية في الأنظمة القانونية الداخلية ، وغالباً ما يكون السبب في ذلك هو ارتباطها بدولة أخرى أو خضوعها لها ، وبالتالي يدخل نظام الدول ناقصة السيادة في إطار الأنظمة الاستعمارية التي كان يعترف بها وينظمها القانون الدولي التقليدي.

أما الدول الأعضاء في اتحاد فعلي أو دولة تعاهدية فهي دول كانت أصلاً كاملة السيادة ومستقلة ثم فقدت بدخولها في هذا الاتحاد صفة الدولة حيث أصبحت جزءاً من الشخص الدولي الجديد أو الاتحاد .

وتشمل الدول ناقصة السيادة ثلاث قئات هي :

1- الدول التابعة:

هي التي ترتبط بدولة أخرى برابطة خضوع وولاء ، وتنتج هذه الرابطة بعد الاستقلال من الاستعمار ، حيث تبقى مرتبطة بالدولة التي كانت تستعمرها بهذه الرابطة حيث تخولها حق تصريف شؤونها الخارجية نيابة عنها ، وتختلف حالات التبعية باختلاف درجاتها ولكن تجمعها مبادئ مشتركة أهمها: الحرمان المطلق أو النسبي من التمتع بحق ممارسة سيادتها في الخارج وكذلك سريان المعاهدات التي تبرمها الدولة المتبوعة بحق الدولة التابعة في ما يتعلق بالشؤون الداخلية ولكن ضمن الحدود المتفق عليها ، ويترتب على ذلك أن الدول التابعة لا تشغل مركزها في المحيط الدولي إلا عن طريق الدولة المتبوعة التي تتولى تمثيلها وتصريف كل الشؤون الخارجية الخاصة بها ، وعلاقة التبعية علاقة غير طبيعية لا يمكن أن تدوم ، وغالباً ما تنتهي إما بحصول الدولة التابعة على استقلالها أوانفصال التبعية التي تربطها المتبوعة.

 

2- الدولة المحمية:

هي الدولة التي تضع نفسها اتفاقا أو رغماً عنها في كنف أو حماية دولة أخرى أقوى منها تتولى مسؤولية حمايتها من أي اعتداء خارجي قد تتعرض له ، ويختلف مركز الدولة الحامية من حالة إلى أخرى وذلك نظراً لتباين شروط الحماية التي يتضمنها الاتفاق المبرم بين الدولة المحمية والدولة الحامية ، ولكن هناك مبدأ مشترك يجمعها وهو أن هذه الرابطة تفترض بصفة عامة حرمان الدولة المحمية من ممارسة سيادتها في الخارج ، مع احتفاظها بحرية تصريف كل أو بعض شؤونها الداخلية ، والحماية نوعان: حماية اختيارية ، أو حماية استعمارية.

 

أولا .  الحماية الاختيارية:

وتنشأ هذه الحماية باتفاق دولتين مستقلتين تتمتع كل منهما بالشخصية القانونية الدولية تضع فيه الدولة الضعيفة نفسها تحت حماية الدولة القوية للذود عنها من أي عدوان خارجي وتقوم برعاية مصالحها الدولية ، ويجب الرجوع إلى الاتفاق الدولي بين الدولتين لمعرفة نوع العلاقة التي تقوم بينهما ، ولتحديد الرابطة التي تربطهم ا، على أن الحماية الاختيارية تتميز بصفة عامة بالخصائص التالية:

أ- تستند رابطة الحماية إلى معاهدة تبرم بين الدولة الحامية والدولة المحمية.

ب- تحتفظ الدولة المحمية بشخصيتها القانونية المستقلة عن شخصية الدولة الحامية.

ج- تتولى الدولة الحامية الشؤون الداخلية وقد تشرف عليها الدولة المحمية أو تشاركها فيها حسبما يقضي اتفاق الجماعة.

‌د- تتولى الدولة المحمية تصريف شؤونها الداخلية وقد تشرف عليها الدولة الحامية في بعض الشؤون ذات الأهمية الخاصة كشؤون الجيش والمالية.

ويجب أعلام الدول الغير بمعاهدة على علاقات الدولة المحمية مع غيرها من الدول ، وعلاوة على ذلك فإنه لا يمكن للدولة الحامية القيام بدورها الذي تخوله لها اتفاقية الحماية إلا في مواجهة الدولة التي اعترفت لها صراحة أو ضمناً بهذا الوضع.

والعلاقة بين الدولة الحامية والدولة المحمية تعد نظرياً في حكم العلاقات الدولية وإن كانت غالباً ما تنقلب إلى علاقة تبعية نتيجة المركز الممتاز الذي تحصل عليها الدولة الحامية تجاه الدولة المحمية ، وقد تؤدي الحماية إلى احتلال الدولة الحامية لأراضي الدولة المحمية ، وممارستها لكافة مظاهر السيادة الخارجية نيابة عنها.

 

ثانيا .  الحماية الاستعمارية – أو القهرية أو المفروضة:

وهي تتم بعمل انفرادي من جانب الدولة الحامية يكون الغرض منه ضم أو استعمار الدولة التي فرضت عليها الحماية ، وغالباً ما تلجأ الدولة الاستعمارية الى هذا الأسلوب لتفادي مقاومة أبناء الإقليم إذا أعلنت أنه ضم أو استعمر ولتفادي معارضة الدول الأجنبية.

وغالباً ما تبرم معاهدة أو اتفاقية مع الدولة المحمية لإضفاء الطابع الشرعي على وضعها وللحصول على رضا الدول الأخرى لأن الحماية الاستعمارية لا يترتب أثرها إلا في مواجهة الدول التي قبلت بها صراحة أو ضمناً.

ويوجد فارق بين الحماية الاستعمارية والاستعمار المباشر ، فالاستعمار يضم إقليم الدولة وبالتالي تفقد شخصيتها القانونية الدولية ، بينما الحماية الاستعمارية لا تفقد الدولة كيانها أو شخصيتها القانونية الدولية.

 

3- الدول المشمولة بالوصاية:

الأقاليم المشمولة بالوصايا وهي أقاليم ناقصة السيادة ، تقرر وضعها تحت إشراف دولي والوصاية نظام أنشأه ميثاق الأمم المتحدة لإدارة الأقاليم التي كانت خاضعة للانتداب الدولي في عهد عصبة الأمم يكون الهدف منها حسب المادة (76) من الميثاق مساعدة هذه الدول على تحقيق تقدمها في كافة المجالات وتحقيق رفاهية رعاياها. وتحقيق السلم والأمن الدوليين وتعزيز حقوق الإنسان وقد تكون السلطة القائمة بإدارة الأقاليم المشمولة بالوصاية دولة أو أكثر أو هيئة الأمم المتحدة ذاتها ، ولا يشترط في الدولة التي تتولى الإدارة أن تكون عضواً في الأمم المتحدة ويشمل اتفاق الوصاية الشروط التي يتم بمقتضاها إدارة الإقليم المشمول بالوصاية وتحديد السلطة التي تباشر إدارة ذلك الإقليم ، ولا يؤدي نظام الوصاية إلى ضم الأقاليم الخاضعة له إلى الدولة في الأمم المتحدة لأن ذلك يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة الذي أكد على المساواة بين أعضاء الهيئة الدولية .

أما شروط فهي الوصاية تختلف بطبيعة الحال من إقليم إلى أخر تبعاً لدرجة تقدم سكان كل إقليم وكذلك تبعاً للظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وذلك تبعاً لموقع الإقليم الجغرافي.

ولكن في جميع الأحوال فإن حق الدولة التي يعهد لها الوصاية يقتصر على حق الإدارة وإشراف من أجل تحقيق أهداف الوصاية . دون أي تأثير على كيان الدولة الخاص أو على بقاء سكان الإقليم محتفظين بالسيادة الخاصة بهذا الإقليم ، علما ان نظام الوصاية ليس نظاماً دائماً، فهو كالانتداب نظام مؤقت ينتهي بمجرد تحقق أهدافه ، وقد جاء ميثاق الأمم المتحدة خالياً من النص على الصفة المؤقتة لنظام الوصاية وهو أمر كان يجب تقديره في الميثاق ، وقد أثار هذا الأمر اعتراض بعض الدول أثناء مناقشة مشروع الميثاق ، وقامت من جانبها بمحاولة تطالب فيها بأن ينص صراحة على حق الجمعية العامة للأمم المتحدة في وضع حد للوصاية إذا أصبح الإقليم أهلاً للاستقلال بشؤونه ويجب على الجمعية العامة أن تغير الدولة القائمة بالإدارة إذا خالفت شروط الوصاية ، وعلى أية حال فقد سار نظام الوصاية وفق الطريق المرسوم له وهو في سبيل تحقيق الأهداف التي وجد من أجلها فحصول الغالبية العظمى من الأقاليم المشمولة بالوصاية على استقلالها ، يجعل نظام الوصاية في طريقه إلى الزوال ويميزه عن نظام الانتداب بما حققه من نتائج إيجابية .

 

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1572 الاربعاء 10 /11 /2010)

 

 

في المثقف اليوم