قضايا وآراء

عالم سبيط، قراءة في أسلوبه النقدي

فهي من نصيب المختصين وأرباب ذلك الميدان العلمي الشائك، نستطيع أن نشخص بعض جوانب الظاهرة "السبيطية" وخصوصا من جانبها النقدي. إذ هو طاغي وطافح على مجمل أفكاره ورؤاه وتوجهاته في كل كتبه وأبحاثه. ومن هنا لابد لنا إذا أردنا الانطلاق في وريقاتنا النقدية المختصرة هذه، لمشروع الباحث بمنهجية وحيادية تتبنى الأنصاف وتتوخى الدقة العلمية من التريث والتأمل على أعتاب هذه القراءة. حتى لا ندخل فيما نحاول لوم المنقود على الدخول فيه فنكون (كالمستجير من الرمضاء بالنار). فتضيع الثمرة العلمية ويصبح نقدنا شخصيا وعاطفي. ومن جهة أخرى لا نريد أن ننبذ شيء ونأتي بمثله فنقع في مغبة علمية ومنهجية قبل أن تكون أخلاقية رذيلة. وفي البداية لابد لنا من الإشارة إلى أن الباحث أثار آراء وأفكار ليست سطحية ولا جانبية بل هي تدخل بالصميم من الإرث الثقافي والفكري واللغوي والحضاري بشكل عام. وهي تثير بمجملها التفكير والحراك الفكري كانت ما كانت استجاباتنا واختلافاتنا لها أو عليها، وقد رصدت بإثارتها الهائجة بعض التشخيصات الدقيقة وبعض الملاحظات القوية. إلا أنه من جانب آخر وقع في مطبات كثيرة وخطيرة لا تحمد عواقبها الفكرية والعلمية، كان على رأسها المطبات الأنانية الحادة كما سنرى. والتي شكلت ركيزة وأس صلب من ركائزه التي لم يستطع التغلب عليها فاندفع وهو يجري وراء أناته التي تكثفت وتضخمت حد إلغاء الآخر بتطرف عجيب وغريب يبدوا لي ليس مسبوقا في الفكر والثقافة النقدية، إلا ببعض صورها الشاذة والنادرة التي نقلت عن بعض أدعياء الثقافة والمعرفة. وبسبب هذه الأنا المضخمة كان أسلوب سبيط بمجمله مبني على أساس الأنا والآخر بلا مراعاة لأي بحث أو تدقيق أو معرفة رصينة تتجنب الشخصي والعاطفي الساذج. والبحث والدقة والمعرفة كما هو واضح حصن للباحث والناقد ضد الانزلاق في المتاهات والوقوع في حفر الجهل العميقة، إذ يوفر له ذلك الحصن جوا هادئ من الحوار والتحليل لا يجر إلى المهاترة اللفظية والأساليب الوقحة والغير متحفظة مهما كان مستوى الشخص الذي يبتغي الباحث والدارس التعرض لنقده سلبا أو إيجابا. ولو مارس الناقد أو الباحث أسلوبه أو منهجه وفق الحصن الثقافي الذي أشرنا أليه، لغفرت بعض هفواته وزلاته العلمية والمنهجية على نحو ما، لكن مع الانفلات الأخلاقي واللساني اعتقد أن ذلك غير ممكن. ولندخل الآن لبيان بعض هذه الهفوات التي امتلأت بها كتب سبيط واحتوت مجمل أفكاره وأراءه.

 

بعض آرائه الدينية:

كلمة بعض فيها القليل أو الكثير من المسامحة لكنها مسامحة لازمة، كون اكثر أفكار وأراء سبيط تلبست الاقمصة الدينية حتى أن كانت تتحدث عن قضايا عامة. ولهذا نحاول قدر الإمكان وصف بعض جوانبه النقدية بالدينية القح، تفريقا لها عن غيرها ذات الخصائص التي تحظى بالعمومية. ولنحاول أن نوجز هذه الآراء ونقسمها إلى أقسام:

 

القسم الأول : الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، وعائشة زوج النبي صلى الله عليه واله

يقول في ضمن إحدى آرائه النقدية الغريبة، بأن مقولة الأمام علي بن أبي طالب الواردة في نهج البلاغة بحق الصحابي عمر: (رحمة الله عليك..) بأن الأمام يقصد التشهير والإساءة إلى ابن الخطاب. فان الأمام لو أراد أن يمتدح عمر أو يترحم عليه لقال "رحمة الله إليك" لا عليك، بينما القرآن الكريم ينص في إحدى الآيات (رحمة الله عليكم أهل البيت) ولا ادري أين ذهب منهج سبيط واللغة الموحدة وخصوصا في آيات القرءان الذي استنبط سبيط نظريته من النسق اللفظي في آيته؟ أم انه يلتزم بأن الله في هذه الآية أراد الإساءة لأهل بيت النبي إبراهيم؟ اكتفي هنا بهذا المثل البسيط. وأتحول إلى رأيه بشأن عائشة زوج النبي، بعد أن يتتبع الروايات الواردة في صحاح أهل السنة عنها وبلسانها يخلص إلى كونها شاذة جنسيا ويطالب ويلفت أنظار الباحثين إلى دراسة سيرتها حسب الثقافة الشذوذية. وهو يعلل نشأة الشذوذ الجنسي عندها لأن النبي لم يكن مهتما بها ويكره معاشرتها وكان يرتاح عند غيرها من الزوجات. فيخلص بالتالي إلى سقوطها في غياهب الشذوذ ويتتبع خيوط ذلك الشذوذ من الأقوال الواردة في كتب الصحاح - حسب ما تسمى عند أهل السنة- ولكوني لا أريد أن أخوض هنا في هذه المسائل وليست هي من مقاصد بحثي لكني أشير أليها لأنها ترتبط بمقالتي النقدية. إذ أن هذه الأمثلة تؤشر أخطاء فاضحة في الأسلوب النقدي السبيطي إذ انه وبحسب اعتقاده يأمن بنبوة النبي وعصمته. ولا ادري ما الذي سيجيب به سبيط أن قال له قائل: إذاً النبي هو الذي دفع بزوجته إلى الشذوذ؟ فمن حق عائشة أو غيرها من النساء أن تحصل على الحق الجنسي من زوجها. ولا يجوز للزوج أن يهمل زوجته جنسيا شرعا وعقلا وعرفا. وعلى هذا أرى بأن النبي هو الذي يستحق اللائمة والنقد في الدنيا والآخرة لا زوجته. وهل يصح أن يتسبب النبي في إهمال زوجته ثم يأتي أحد أحباء النبي فيظهر كلماتها الجنسية وتصرفاتها ويصمها بأنها مرض شاذ، بينما الواقع انه أمر طبيعي فماذا تفعل المرأة المسكينة أن أهملها زوجها. وان وجدت متنفسا لمكبوتها الجنسي والنفسي ما الضير في ذلك بعد أن يأست من زوجها؟ فهل يلتزم سبيط حقا بأن النبي من الرجال الذين يهملون شؤون زوجاتهم الاجتماعية والجنسية "ولله في خلقه شؤون"...

 

القسم الثاني : الطبرسي وباقي المفسرين:

لعالم سبيط ذهنية غريبة شاذة ومتطرفة بشكل خطير فهو أينما تحدث عن المفسرين ومن كل المذاهب الإسلامية يسخر منهم ويتهمهم بالتحريف والتزوير وانهم دوما ذو نوايا سيئة. والغريب انه حينما خطأهم أتى بآراء ليس من دليل على صحتها ولا يدري القارئ لما عليه أن يلتزم بها بالذات. كما مع "الطبرسي" مثلا المفسر المعروف يتهمه بالجهل وبعدم المصداقية لأنه لم يكشف نكتة علمية لمسألة كشفت بعد موت المفسر بزمن طويل. كما في تفسير سبيط لمفردة (فار التنور) الواردة في القرءان الكريم في وصف الطوفان وسفينة نوح. إذ يقول سبيط في أحد كتبه ** ما مؤداه أن الفوران حدث من جبل بركاني فار في ذلك الوقت وسالت منه حمم بركانية مع المياه الدافقة ويعلق على المسالة ليثبتها فيزيائيا. ثم يستخف بجل المفسرين لعدم التفاتهم لذلك، وحتى لو كان ما أورده فيه نوع من المقبولية لكن ذلك لا يخوله أن يهمل البعد الزمني وكأنه شيء ليس من اختصاص العلم والمعرفة. وانه يجب على من عاش في القرن الثاني أو الرابع الهجري مثلا أن يكون بنفس المستوى العلمي والثقافي لمن عاش في القرن العشرين الفيزيائي، وإلا اصبح عند سبيط اعتباطي لا يعرف شيئا عن حكمة وفلسفة القصدية. وهذه المسالة تتكرر عنده باستمرار غريب. وفي تفسير (نفسا زكية) يقول إن التحريف وقع فيها وان كل المفسرين أصروا على تثبيت كلمة (زكية) والصحيح برأيه إثبات كلمة (زاكية) الواردة في بعض الروايات حسب اختلاف القراءة القرءانية في بعض الروايات. لأن حسب سبيط أنها زاكية بمعنى نامية، وهو المراد هنا لأن النبي موسى في صدد أن يلوم الخضر انه لماذا قتل نفس نامية بغير ذنب؟. وهي ليست زكية حسب القرءان كما يقول سبيط لان القرءان يذكر على لسان الخضر شارحا لموسى انه سيرهق أبويه الصالحين مستقبلا بكفره. وهنا نسي سبيط من جديد وكما هي عادته قصديته ولغته الموحدة. ونسي أن هذا الذي قتل وبنص القرءان أيضا غلام والغلام لم يبلغ سن التكليف بعد. وعليه فهو لازال نفسا زكية خلال القتل حتى أن كان سيصبح شرير وفاجر لاحقا. وجل المفسرين يعرفون ذلك وذكروه في تفاسيرهم ولا يوجد أحد ملم اقل إلمام في اللغة لا يعرف معنى كلمة غلام. ولا ادري حقا ما الداعي لإيراد سبيط موضوعه أصلا؟ ولماذا يتهم المفسرين بالمؤامرة والنفاق وتعمد الاعتباط؟. على الرغم من أن اكثر مفسرين الشيعة خصوصا يعرفون روايته السابقة بشان الزاكية وهم يقولون أنها ضعيفة سندا ويثبتون النسخة الموجودة في القرءان المشهور عند كل المسلمين. والقضية برمتها لا تستحق الإشارة، فليست الآية السابقة من الأمور الطائفية أو السياسية الخطيرة التي يصح أن يحتمل شخصا ما الكذب بشأنها والمؤامرة. حتى يشن بالتالي حربه بلا أي داعي عقلي أو شرعي. تفسيره لقول فرعون كما في القرءان الكريم (أنا ربكم الأعلى) بأن خطأ فرعون وكفره الأخطر يتلخص في قوله (الأعلى) فلو قال (أنا ربكم ) وصمت لم يكن عليه بأس - أقول: ربما ذلك على اعتبار أن كلمة رب والرب لا تعني بالضرورة رب الكون والوجود كما يفهم خطأ عند البعض- وان أضاف (العالي)، ولكن (الأعلى) حسب سبيط هي التي أدخلت الفرعون إلى مصاف الكافرين الكبار. وهو طبعا هنا يلمح إلى المبالغة في لفظ الأعلى والأعظم وغيرها، لأنها كما يظن سبيط من مختصات الله. وفاته كما فاته الكثير، قول الله لموسى (انك أنت الأعلى)*** ولم يقل له انك أنت العالي. ولا ادري كيف مرق ذلك على قصدية سبيط التي فاتها اكثر ما فات اعتباطية غيره من علماء ومفسرين...

وهذا هو سر سبيط المتعالي والأناني بشكل مكثف كما أشرت سابقا. ومن اوجه هذا التعالي البشع عدم احترامه لأي شخصية كان ما كان ثقلها العلمي أو الديني أو الاجتماعي. فهو يعلن ويطرح نفسه بكل وضوح بأنه افضل مفسر وعالم وعارف بالأمور الدينية ولا ينافسه ولايجارية سوى الأنبياء والمعصومون. فحينما يتحدث ببعض السطور السطحية والمنتقاة بشكل في غاية التجهيل والتبسيط يشير إلى مصادر لها ثقلها عند المتدينين بل وعموم المثقفين من اجل أن يلفت الأنظار أليه بأنه قرأ تلك المصادر واستوعب وهضم مطالب أصحابها. ولسنا نعترض على أي نقد مبني على الفكر الرصين والمنهج العلمي والمعرفي على أي أحد. لكن أن يكون الأسلوب النقدي تافها وتبسيطي وبلا أي مراعاة لمستوى المنقود فذلك ما لا يبدوا مبررا إطلاقا. وهو عام كما اذكر وأعيد عند سبيط كما في نقله من كتب الشهيد (محمد باقر الصدر) فهو أن نقل منه بعض الفقرات البسيطة يقول قال البعض ويذكر اسم المصدر في الأسفل عادة. البعض هكذا بلا حرمة علمية وفكرية وفلسفية للمرحوم الشهيد الذي كان ولا يزال أعجوبة فريدة وظاهرة ملفتة في ارض الرافدين الحافلة بالمبدعين والعلماء. إلى أن سبيط لا يرى أي ثقل للشهيد الصدر وربما بالنسبة أليه هو ليس فيلسوف وأي شيء يستحق الذكر لأنه ببساطة اعتباطي عند سبيط على الرغم من أن الشهيد المفكر وضع اكبر منهج أصولي ****مختص بحلقات للتدريس في أروقة الحوزات والجامعات الدينية المعروفة وهذا الأمر عند سبيط مكشوف المقاصد وسوف نحلل الغاية منه في ختام هذا المقال.

 

آرائه العامة: باقر، الوردي، الكاتب

في كتابه (ملحمة كلكامش) الذي يعده اكثر المولعين بالثقافة السبيطية من اخطر كتبه. وهو أيضا مبني على نظريات ليس من دليل قاطع على صحتها مشوبة ببعض الآراء الفيزيائية. التي ينقل سبيط في اكثر كتبه بعض مفرداتها ومصطلحاتها ويشفعها دوما برسومات أبهرت أنصاره. وان كانت ببساطتها لا تختلف كثيرا على المناهج الدراسية لكتاب الفيزياء لطلبة الصف الثالث أو الخامس الإعدادي. و كل أنصاره يصرون على أنه أول شخص يطرح وجود شخصية مختلفة "لكلكامش" البابلي ***** ومهما حاولنا أن نثبت لبعضهم عكس ذلك لا يسمعون. ولا يهمنا هنا إثبات أو نفي كون "كلكامش" هو ذا القرنين الوارد ذكره في القرءان حسب أدلة سبيط. لكن ما يهمنا من جديد أسلوب سبيط الغريب في التعامل مع من سبقه من الباحثين والمؤرخين. فهو يتهم "طه باقر" المختص بالتاريخ الرافديني وهو من الأوائل الذين ترجموا الملحمة البابلية، بأنه عميل وخائن لعراقيته. واغرب ما في الأمر استدلال سبيط لهذا الادعاء بأن "طه باقر" يورد المضاجعة ل(انكيدو) بشكل معكوس، مما يجعل مضاجعته تبدوا كالمضاجعة الحيوانية. ولم افهم في حيينها ولن افهم أبدا ما الذي يعنيه سبيط بالوضعية الحيوانية في المضاجعة؟ وهل يوجد شرع أو عقل أو قانون وضعي أو سماوي يشترط وضعية معينة للنكاح؟ ثم هذه صور وأفلام الدنيا الإباحية وغيرها لمختلف الأعراق والأجناس والثقافات تصور الجنس والمضاجعة بمختلف الصور والأشكال ومنها ما لم يرد في البال، ولا يتهمون من يذكر أشكال وأوضاع مضاجعاتهم بالخائن أو العميل أو انه ليس فرنسي أو إيطالي أو عربي مثلا. فما الغاية لذلك التشهير بحق باحث ومؤرخ عراقي قدير وله ثقله العلمي في الساحة الثقافية؟ لا لشيء إلا من اجل (حاجة في نفس يعقوب قضاها). وسنأتي قريبا على غايات سبيط المبطنة من وراء كل ذلك. نقده المتطرف وإلا علمي أيضا للدكتور الراحل "علي الوردي" إذ يتعامل معه بتبسيطية غريبة ويلغي كل دور وميزة لهذا الباحث الفريد. ورغم تحفظاتنا وغيرنا، على بعض آراء الدكتور خصوصا الاجتماعية. لكنه من جهة أخرى يبقى تجربة فريدة ومبدعة وخلاقة وله ثقله الثقافي في المشهد العراقي في عقوده الأخيرة. إلا أن سبيط وكعادته لم يرى في الوردي أي شيء يستحق الإشارة والإعجاب. واغرب ما في الأمر إصراره على تصنيف الوردي بشكل عام حسب الفلسفة القديمة لقصة التمثال ذا الوجهين المتشابهين لكنهما مختلفين في اللون فقط فمن اليسار لون الوجه ابيض ومن اليمين اسود. وهذا المثال الذي يسوقه سبيط من أول نقده للوردي إلى آخره لم يلفت نظر سبيط القصدي الموحد ويحرفه عن مبتغاه بحيث بقي مصرا على قصديته في أن يرى الوجه الأسود فقط للتمثال الذي يسوقه في مثاله لأفكار الوردي ولن يراعي وجود اللون الأبيض للتمثال. وكأنه يؤكد لأنصاره بأنه لم ولن يتخلى عن قصديته وتوحده واكرم بها من قصدية وانعم. كذلك الأمر مع الباحث "احمد الكاتب" الذي يوضح سبيط ومن أول كتابه الذي ألفه للرد على أفكاره بأنه سيتعمد أن يقلب لفظ الكاتب إلى كاذب في كل مرة يأتي فيها على ذكر اسم الباحث ولقبه. ولذلك لا يتمكن أحد أن يحصي عدد كاذب بسهولة كما وردت في كتاب سبيط (الشهاب الثاقب في الرد على احمد الكاتب). ولقد فاته أن يذكر في العنوان (احمد الكاذب ) بدل الكاتب وهي المرة الوحيدة التي نجا فيها ذلك المسكين من لفظ الكاذب إذ غفلت القصدية السبيطية عنها...

 

في نهاية المطاف السبيطي

المقال برمته قد خضت معه وفيه حربا شعواء مع أنصار عالم سبيط والمنبهرين بأفكاره منذ أن دخلت كتبه وأبحاثه إلى العراق. و لما سمعت بأمره كنت تحت الإقامة الجبرية في أحد المحافظات العراقية ولا أستطيع أن أبرحها. وحيينها زارني بعض الأصدقاء والمعارف واخبروني بسبيط واراءه التي ذكروا بأنها قنبلة ثقيلة ستقلب وجه الثقافة والمعرفة بشكل عام. فبقيت احسب الأيام والساعات لتنفرج أزمتي واطلع على كتب ذلك العالم. وبعد أن عدت إلى بغداد أحضرت كتبه ورحت التهمها كالمدمن فوجئت بالمستوى النقدي المتدني جدا بشكل خاص. وأنا أصر عل أن اسميه أسلوب نقدي فهو لا يستحق أن يسمى منهج أو اتجاه رغم كل التشدقات. وفوجئت أيضا بسطحية كبيرة والغائية اقحامية تستتر في اغلب عناوين كتبه وأبحاثه الرنانة. ويعرف ويتذكر اكثر أصدقائي في بغداد في منطقة (أبو دشير) تحديدا تلك الأيام التي مرت عليها سنين طويلة. وبالنسبة ألي أن الموضوع انتهى ولم اكن أتصور باني سأعيد فتح ملفه مجددا خصوصا وأنا الآن في (هولندا) بعيدا عن العراق الجريح. لكن مقال السعود الذي أشرت أليه سابقا أعادني لفتح الملف مجددا بعد أن اطلعت على مقاله. وأنا استغرب حقيقة كما في كثير من المقالات النقدية أسلوب الطرح المبسط والآراء الملقاة جزافا وكأن باعثها العاطفة المجردة. ورغم أن "ناظم السعود" كاتب صحفي وله عدة مقالات جيدة منشورة في هذا الموقع لكنه لم يوفق في استعراضه للظاهرة السبيطية بذلك الشكل الذي يقرر فيه السعود قرارات خطيرة بدون أن يكثف الأدلة أو يناقش إيرادات المطالب. وأنا لا اشكك قطعا بأن السعود التقى بسبيط لأنه يذكر ذلك وهو رجل صادق كما يبدوا ولا اعتقد أن هناك مانعا لعدم تصديقه واتهامه بالكذب. لكن ما يأخذ عليه أن أمر اللقاء بسبيط شخصي كما انه أهمل ذكر ما جرى في ذلك اللقاء حتى يتبين لتا ما الذي جعل السعود يستشف من ذلك اللقاء المختصر حسب قوله، بأن سبيط ظاهرة خطيرة وبأنه عالم وباحث في غاية العظمة. ليصنفه بالتالي وكما ذكرنا في أعلى المقال بأنه أحد اكبر العقول العراقية في القرن العشرون. و بحسب الصراعات والمناقشات والجدالات التي خضتها مع أنصار سبيط ومناوئيه تحصلت عندي حصيلة كبيرة من المعلومات الخطيرة. لكني لم اذكرها هنا كونها من الأدلة الخاصة نوعا ما إذ أنها تفتقر إلى التوثيق العلمي بالنسبة للغير. وان كانت بالنسبة لقناعتي أكيدة حيث أطلعني أحد الأصدقاء بأنه التقى برجل محترم ومعروف وهو من الثقاة في النقل عند صديقي. وكان هذا الشخص يعيش في روسيا حيث ما كان سبيط وقد أدلى بمعلومات مفصلة عن مجمل أوضاع سبيط المثيرة للشبهات سواء في الجانب العلمي أو الشخصي. وعلى أي حال لا أريد أن استدل بأي شيء من هذه المعلومات الشخصية والتي لا يحق لي عقلا أن أحاول إقناع غيري بها. كما أني بمندوحة من التعرض أليها من جهة أخرى إذ كشفت عن بعض هفوات سبيط الفاضحة. وفي الختام سأستعرض غاياته من مجمل أفكاره المنشورة والتي استعرضنا بعضها وهي بمجموعها ستمظهر الغايات السبيطية بشكل معقول بغض النظر عن المعلومات الشخصية وان كانت النتيجة تتفق كثيرا مع تلك المعلومات.

 

تكثيف النقد ضد الأسلوب النقدي السبيطي

 من الغريب حقا أن أنصار سبيط منبهرين كثيرا بمستواه الثقافي والعلمي بشكل عام وحينما بدأت بعض هفواته تطفوا على السطح تنازلوا واخذوا يتغنون بعلميته  واراءه الفيزيائية. وما يهمنا هنا، بعد أن قلنا سابقا بان هذه الآراء مطروحة على بساط العلماء والفيزيائيين لتحديد مستواها، وهي لا تخلوا من صحة أكيد. فعلى الأقل انه حاصل على شهادة في الهندسة الإلكترونية من الاتحاد السوفيتي السابق كما هو معروف عند أنصاره. لكن ما هو غير واضح ومريب انه ما شان الفيزياء والهندسة الإلكترونية بقضايا تاريخية طائفية كما في أمر الخلافة بين الإمام على والصحابي عمر بن الخطاب؟ وهذه كتب سبيط التي تتحدث عن تلك القضية فلم نجد انه استخدم السفر بالزمن حسب النسبية الفيزيائية. أو حسب طي الوقت والتاريخ كما في المكاشفات الصوفية والعرفانية مثلا. وعليه لا ادري ما هو الجديد الذي أتى به المنهج القصدي لسبيط؟ وما الذي أضافته أفكاره على الساحة التاريخية أو الفكرية والعلمية السوية بغض النظر عن الثقافة الطائفية؟ باختصار شديد كل مقولاته عن ابن الخطاب وعائشة عتيقة عفا عليها الزمن. وهو يسترجع روايات ضعيفة منتشرة في كتب الشيعة والسنة لم يقل بها اكبر الطائفين من الشيعة ولم يتهموا بها عمر أو عائشة. بل قالوا عن تلك الروايات بأنها ضعيفة ولا تصمد أمام النهج النقدي العلمي في تمحيص الأخبار. لكن سبيط طبعا اتهمهم بالخيانة والمؤامرة وألغى من حسابه مسالة علم الرجال الذي يضاف إلى علم الدلالة والتاريخ. وهذه المناهج تخضع الأخبار الشرعية عامة أليها عند الشيعة الإمامية الاثنا عشرية. وهم لا يفرقون بين كون الرواية واردة عن سني أو شيعي في إخراجها من الموازين النقدية الشديدة أن لم تصح. وهذا المنهج معروف أيضا عند علماء السنة لكنهم - أهل السنة- استثنوا من النقد كتب مشهورة عندهم أطلقوا عليها اسم الصحاح. ويبلغ عددها ست كتب اشهرها (صحيح البخاري) و(صحيح مسلم) فلم يناقشوا ولا يريدوا لأي أحد أن يناقش في صحة جميع هذه الروايات. إذ يعدوها برمتها واردة عن النبي، رغم تناقضاتها الواضحة. والشيعة وعلى الرغم من وجود كتب الأصول والفقه الشهيرة والمعروفة والتي تسمى "الكتب الأربعة" لكنهم لا يسمونها الصحاح. ويقولون أن الكثير من رواياتها ضعيفة ويجب أن تخضع كل الأحاديث الشرعية فيها لموازين التمحيص. فما ثبت عقلا ونقلا بدون طعن في دلالة الحديث- أي مقصده- أو سنده-أي سلسلة الرواة الذين روه- أثبتوه. وبدون هذه الموازين لا يقبلون أي حديث سواء ورد عن السنة أو الشيعة. وفي الحقيقة أن هذه نقطة مهمة ومنهجية تحسب للشيعة لا يضاهيهم فيها غيرهم. وعلى أي حال أن هذا النقد البناء والذي نطمح أن يلجا أليه المتدينين في كل مذهب والمثقفين عامة، لكي نتخلص من سطوة بعض الأفكار والآراء التي فرضت ضمن أيدلوجيات واجندة لاهوتية معروفة. صارت تكفر وتستحل دم أي من يناقش في الكتب الدينية والتاريخية حتى ولو بشكل صحيح وموضوعي. وعلى أي حال اغلب ما أثاره سبيط هي مواضيع متطرفة طائفية لا تمت بصلة إلى العقل والنقد. بل الغريب إنها لا تتواءم مع مستواه العلمي ولا يمكن أن يخضع الأحاديث والمواضيع الدينية والتاريخية إلى الفيزياء عل فرض صحة كل آراءه الفيزيائية في الدين. لكن بأي مشرط أو تلسكوب أو بأي نظرية فيزيائية بالكم أم بالنسبية أم وأم؟ يمكن أن يعرف حقيقة النزاع العمري العلوي والحديث طويل. ويبدوا واضحا أن سبيط نجح في إثارة بعض الأمور التي توسع الخلاف الإسلامي لغايات لا تخفى حملها من( روسيا) وما أدراك ما( روسيا). وعلى أي حال انه تسبب بالإساءة إلى الكثير من الشخصيات الدينية والاجتماعية والثقافية العراقية خصوصا. وقد استعرضنا بعضها وهنا سينكشف لنا أن سبيط مدفوع بعصاب ذهني ونفسي خطير للنيل من كل شخصية معروفة ومحترمة ليسيء أليها ويسخر منها من جهة، ومن جهة أخرى ليبرز نفسه متفردا وواحدا فوق الجميع وهو يضرب طبول(أنا ربكم العالي) لأن العبارة بنظره ليست فيها مشكلة كما يستدل على ذلك لأنه لم يقل (الأعلى). وان كان فيما قاله وفعله بشأن غيره ما يفوق الأعلى إذ ينادي بلسان حاله(أنا ربكم الأعلى جدا) وان لم يصرح بلسان مقاله. ولو أعدنا النظر في الشخصيات التي أشرنا أليها سابقا لتبين لنا بأنها كلها تنتظم في نطاق الشخصيات المشهورة جدا في العراق والعالم. ولذلك أصر سبيط على أن يسقطها من حسبانه فان اسقط اولائك الأقطاب أمكنه من التجرا والادعاء بكل ما ادعاه بلا دليل قاطع في اكثر مدعياته. ولم يجد عندها من يناقشه كيف وهو فيزيائي وناقش سلاطين العلم والمعرفة والثقافة واثبت بأنهم كلهم اعتباطيين وهو القصدي الوحيد. ومن اشد الأمور المبكية المضحكة انه يتعامل ويصنف كل العلماء والأدباء والمثقفين الذين سبقوه بكونهم قصدين وفي أعلى مستويات القصدية في أهدافهم ونواياهم. ولا يحتمل أبدا بكونهم ربما يكونوا مخطأين واهمين غير قاصدين، لكنه في الثقافة واللغة يصر على كونهم دائما اعتباطيين ويا للعجب العجاب. ويظهر حنق سبيط بشكل خاص من "احمد الكاتب" الذي لا يتمتع بمستوى ثقافي ومعرفي عالي كما أقرانه الذين ذكرناهم معه. بل أن آراءه في غاية السذاجة والانتقائية والسطحية كما هو معروف لمن كان من متابعين كتاباته. لكنه بالنهاية باحث له آراءه وأفكاره منها الخاطئ ومنها الصحيح. ولا داعي إلا وصمه بالكاذب أبدا خصوصا بذلك الشكل الهستيري الذي يصفه به سبيط. لكن المفارقة العجيبة عل أن يدخل "احمد الكاتب" في حسابات سبيط كونه وبمنتهى الغرابة يجسد معتقدا فرديا لم يقل به أي بشر على الإطلاق. ومن هذه الجهة يبدوا أن الكاتب سعيد بأنه سيدخل التاريخ كصاحب معتقد أسسه هو واعتقد به لوحده ولا يوجد أي معتقد يشاركه به. إذ أبدع احمد الكاتب (المذهب الأحد عشري) فهو يؤمن بكل أئمة الشيعة ما عدا الأمام الثاني عشر وبذلك انفرد وتفرد عن كل البشر. وهذه النكتة بحسب تحليلي الخاص هي التي دفعت سبيط لبغض الكاتب بذلك الشكل المسعور. واكتفي بهذا المثل في كشف الغايات المبطنة للنقد عند سبيط. ويستطيع القارئ تطبيق هذه القضية على باقي الذين سخر واستهزأ بهم سبيط فكل واحد من تلك الأسماء يحمل خصال من الشهرة والتفرد والإبداع غير موجودة عند غيره. وبهذا انهي هذا المقال المختصر للظاهرة السبيطية.  

 

..................

الهوامش:

*مقال ناظم السعود منشور في موقع أدب فن.

**(ملحمة كلكامش).

*** قال لي أحد السبطيين في العراق قبل عدة سنين مدافعا عن سبيط بأنه يقصد اللفظيين معا أي (ربكم والأعلى) فان وردت الأعلى منفردة فلا ضير في ذلك، وكما هو واضح للقارئ أن هذا الأشكال لا يصح فأولا: أن سبيط لا يشير إلى ذلك ولا يلمح أليه في كتابه، ثانيا: لو تنزلنا - ولم نتنزل- وقلنا بان اجتماع المفردتين كان من قصدية سبيط لندفع غفلته عن الآية القرءانية الواردة بشان موسى (انك أنت الأعلى) فأن الأشكال باقي على قوته ضد سبيط فانه صحيح ليس في الآية ذكر للمركب (ربكم الأعلى) لكن (أنت الأعلى) لا تقل خطورة بل هي تدخل في عمق الذات وهل يعقل أن يخاطب الله إنسان حتى وان كان نبي بعظمة موسى ويقول له أن ذاتك هي الأعلى فأنت إشارة لمجمل الذات كما هو واضح فإذا كانت نظرية سبيط الموحدة والقصدية صحيحة يمكننا أذن هنا أن نقول أن الله نصب موسى اله بلا منازع ولا ادري ما رأي سبيط القصدي على الرغم من كوني متأكد بأنه لم ولن يقصد ذلك لكنها الغفلة والأخطاء وهذه الأخطاء تدخل في عمق النظرية القصدية واللغة الموحدة التي أصر سبيط على فرضها بلا دليل وهي التي أعجبت أنصاره.

****أصولي هنا في مقابل أخباري، كما هو معروف عند الشيعة الأمامية حيث يوجد اختلاف منهجي بين الإخباريين والأصوليين، وليست هي مقابل أصولي الشائعة الآن وتعني الإسلامي المتطرف في مقابل(المنفتح) ولذلك اقتضى التنويه.

***** على الرغم من أن المسألة طرحها بعض المحاضرين الشيعة في محاضراتهم الدينية نقلا عن بعض المصادر القديمة وتذكر تلك المصادر أن (كلكامش) هو الاسكندر المقدوني، وعلى الرغم من أنى لست متأكد من صحة تلك الأخبار من عدمها ولا أود أن اثبت ذلك أو انفيه، لكن المهم أن القضية مطروحة قبل كتاب سبيط بكثير حتى وان اختلفت الشخصيتان وهذا يفند ادعاء اغلب أنصار سبيط بأنه أول من أثار المسألة.

2009

(دودرخت)

   

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1099  الاحد 05/07/2009)

 

 

في المثقف اليوم