قضايا وآراء

فن القصة والإمبريالية

لقد وضع هؤلاء الأسس العامة لقصة يمكن قراءتها وسردها في قت واحد، وبعبارة أخرى : دمجوا في فن الكتابة  النشاط الشفهي للسرد أيضا.

و لكن كان على القصة كأسلوب مختلف في التعبير، أسلوب له قوانين واضحة ومتداولة، وتقاليد عولمية (لو صحت العبارة) أن تمر بمرحلة مخاض عسير. وكان الدافع وراء ذلك (كما يذكر هنري لوفيفير) هو علاقة الفن مع الدولة.

ففي فترة الخمسينيات كانت الأطروحة هي الموضوع : ضمنا الصعود بالذات نحو خطوط الإضاءة والعلن، أوالواقع.

أما في فترة الستينيات فقد انعكست الصورة، وتحولت الأطروحة إلى ضدها، واختصرت الذات إلى عناصرها النائمة، إلى قوانينها السرية والمعارضة، وبلغة النقد الفني إلى اكتشاف علاقتها الجزئية وغير المستقرة مع الدولة. وهكذا بدأت الحداثة.

و كان على المجتمع أن ينتظر عقدا آخر قبل ابتكار صيغة معدلة تقوم على الاعتراف بالدولة كإيديولوجيا والذات كنظام، والإشارة هنا إلى أفراد يهتمون بالمعنى الشمولي والجمعي، وبقضايا تنوب في تحليلها الأخير عن العقل المتواصل وليس  الرغبة.

 وقد استطاع نفر من الطليعة الفكرية المقاتلة أن يرمموا البيت وتقاليده، وفي نفس الوقت أن يهتموا بتفسير العالم وخطاباته.

 ومن هذا المنعطف التمهيدي القلق وغير الواضح، الذي عانى من جميع أوضار النظريات، استطاعت القصة أن تشق لها طريقا أصيلا وفنيا أولا، ثم أن تعرّف موقفها من الوجود على أساس أنه  لا –  ذات  ولا –  موضوع، ثانيا.

و كانت الأسباب التي تقف وراء ذلك هي البلاغيات الرأسمالية، الشعائر والطقوس والأدوات، وقد امتلكت خطاب القوة أو سلطة معنى – المعرفة، وتحولت من ديمقراطية خاصة بالكبار إلى عقدة شمولية، تفرض الصورة فوق الروح، وربما أمام الإيسانس – الجوهر.

و هكذا دخلت دائرة ما بعد الحداثة في طورها النهائي، وبدأت تضيق ثم تنغلق على أطروحتها . بالأحرى أصبح بوسعنا أن  نلاحظ كيف أنها تكتب لنفسها المصير الوثني والمارق، وذلك بالعودة إلى منطقها الكلاسيكي من ناحية الثقافة والرومنسي من ناحية الذات.

لقد استطاعت البورجوازية الصغيرة أن تنجح أخيرا ضد معركة البقاء، واستندت في المناورة على الخدعة الأزلية والقديمة : أن تستكمل بالذهن ما هو غير موجود جدليا في الحياة، وأصبحت القصة بين يديها هي بقية العالم (بتعبير المرحوم إدوارد سعيد). أو (بالاستطراد مع لوفيفير) تحولت من مرحلة النوع (الهوية، الصيغة) إلى الأسلوب (الشيء، النثر)، بمعنى أنها حملت أعباء التناقض الأصيل بين الاستقلال والتحرر، أو السياسة والحضارة.

فمن جهة كانت تبحث عن دلالة ميتة لدورة رأس المال الوطني، وهو قطاع غامض وغير متجانس، وله  دور في التراكم والترفيه، ولكن من جهة أخرى كانت تهدم المعنى الفلسفي للحرية، وذلك (كما يقول لوفيفير بالحرف الواحد) لمصلحة " جهاز قائم على الإكراه والضغط : هو الدولة ".

 2009

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1100  الاثنين 06/07/2009)

 

 

في المثقف اليوم