قضايا وآراء

الغجر في بلاد العرب

فرغم انتشار هذه الفئة العرقية في أرجاء العالم المعاصر،إلا انها لازالت محتفظة بأسرار نشأتها وحياتها ماضيا وحاضرا، مع الامتناع عن التحدث عن أنفسهم مع اي باحث او منقب، رغم كل المحاولات التي تبذل لإقناعهم بأن المعلومات التي يدلون بها لن تضرهم في شيء، وأن الهدف هو التعريف بهم وبحياتهم وبكل ما يمت إليهم بصلة، ناهيك عن ندرة المصادر والمراجع، التي تتحدث عن الغجر .

وهذا المقال هو جزء من كتاب طور الاعداد عن اصول المصريين وتاريخهم، ولكننا سوف نتحدث عن الغجر في الوطن العربي فقط في هذا المقال رغم وجودهم في معظم بلاد العالم .

 

تاريخ الغجر وأصولهم :

أن تاريخ هذه القبائل يعود إلى ما قبل ثلاثة آلاف سنة. فقد تجمعت آنذاك على شواطئ الهندوس قبيلة يتقن أفرادها صنع المعادن، ويعرفون أسرار البرونز . تلك الأسرار التي اطلعوا عليها شعوباً أخرى لاحقا، عندما بدأو بالهجرة حوالي سنة 1000 ق. م، و كان سبب هجرتهم من الهند نحو الغرب هي الغزوات البربرية انذاك. وهم من الشعوب القوقازية السمراء من حيث التصنيف العرقي.

وقد شق الغجر طريقهم الى الحياة عبر عشرة قرون في اربعين بلدا وسارت قوافلهم محملة بالحرير والشاي والافكار والتقاليد والعادات وتوجهوا نحو آسيا الصغرى. ومن هناك تفرقوا إلى قوافل وفروع،فاتجهت قافلة الي جزيرة كريت وبلاد البلقان، وتقدمت أخرى نحو مصر وأفريقيا الشمالية لتصل أخيراً إلى أسبانيا . وتفرع عنها قسم اجتاز شبه الجزيرة الإيطالية، وعبر منها إلى سويسرا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا، ومن هناك إلى انكلترا، ثم انطلقت فروع في اتجاهات عدة فبلغت أوروبا الشمالية والدانمارك والسويد، وهنا يجب لفت النظر الي انة ليس كل دولة بها غجر هي دولة من اصول غجرية بل انها كانت هدفا لموجة هجرة الغجر الكبرى القادمة كما اسلفنا من الهند في الشرق، ولا ننسي في معرض الحديث عن اصل الغجر ان ندون ماقالة بعضهم عن اصلهم حيث اكدو انهم اولاد قابيل ابن ادم علية السلام والذي كتب علية الترحال بعد قتلة أخية هابيل ودعاء ادم علية بالشتات والترحال وعدم الاستقرار، فتراث هذا الشعب الرّحّال، تراث شفهي كله، ينتقل من الأم إلى ابنتها، ولا يمكن معرفة شيء عنه، سوى ما يقبل الغجر بكشفه.

ومن الجديربذكر أنه قد تردد الحديث عن إنشاء دولة مستقلة للغجر في الستينات، ولكن لم يسفر عن أية نتيجة رغم تدخل الامم المتحدة والسبب اغرب من ان يصدق وهو أن عشرات الألوف من الغجر عارضوا هذا المشروع.

إن الغجر يعتبرون أنفسهم «أولاد الطرقات، وشهود الزمان، أبناء الرياح .

الشعب المختار» و يقول مثل غجري «إذا قطعت غجرياً إلى عشرة أقسام، فلا تظن أنك قتلته وإنما أنت في الحقيقة قد صنعت منه عشرة غجريين» وهناك مقولة عمرها نصف قرن تقول أن الغجر، حين تحين ساعتهم، وينتهي الناس البلهاء من إفناء بعضهم بعضاً، بإطلاقهم قوى عشواء، ينزلون من جبال تيبت، ويصبحون ينبوع حياة جديدة على الأرض.

وتقول ايضا موروثاتهم الشعبية عندما سئل الغجر لماذا يسرقون؟ أجابوـ إننا كنا عند صلب المسيح فسرق جدنا الأكبر أحد المسامير التي كان يجب أن تدق في جسد المسيح، فخففنا عنه الألم، ومن يومها ونحن نسرق، وقد جاء في العهد القديم (التوراة) عن سلالة الغجر انهم سلالة قابيل عامل المعدن في اللغات السامية حيث انهم السلالة الملعونة وورد في الاصحاح الرابع عدد 12 (متى عملت الارض لا تعيد تعطيك قوتها تائها هاربا تكون في الارض) الاصحاح الرابع عدد 15 (وجعل الرب لقابين علامة كي لا يقتله كل من وجده) وهي علامة (T) وهي يقال ان الغجر يضعون علامة التمييز لشخص بانه ينتمي الى عشيرة معينة ويعتبر الثأر من العقائد الثابتة عند الغجر، وقد حدد الاصحاح الرابع العدد 19-22 مهنة الغجر (المفروض على ابناء قابيل) والنص هو (واتخذ لامك لنفسه امرأتين اسم واحدة عاده واسم الاخرى صله فولدت عادة يابال الذي كان ابا لساكني الخيام ورعاة المواشي.

واسم اخيه يوبال وكان أبا لكل ضارب عود ومزمار، وولدت صلة توبال قابين الضارب كل آلة من نحاس او حديد).

اسماء الغجر في بلاد العرب : اسماء عديدة اطلقها العرب قديماً على الغجر ومنها الدوم والزط والسبابجة و القرباط و الغجار بينما يطلق عليهم في العراق الكاولية وفي بلاد الشام النوّر وفي بعض مناطق الخليج الصلبي، والسبابجة صفة أطلقت على الزط كلهم في أول الأمر أو على مجموعة منهم بسبب لون بشرتهم الأسمر الداكن، والفرد من هذه الجماعة يقال له (سبيجي أو سابج)، وهم يستأجرون ليكونوا مقاتلين مرتزقة، فهم يتقنون فنون قتال الهند التي لا يعرفها العرب، وقد اشتغلوا في البصرة كشرطة وحراس سجون، ولغتهم من لغات الهند، اختصوا أيضا بالعمل في الملاحة البحرية، وقد استقر بعض السبابجة مع ذراريهم في البصرة حتى أن أحد أحيائها حمل اسمهم، فيما قطن الزط أهوار العراق ليعملوا في الزراعة الرعوية.

ويعرف العرب لغتهم على أنها اللغة العصفورية. ولغتهم هي الدوماري، وهي لغة شفهية غير مكتوبة، يتكلم بها كبار السن من الغجر وتبدو كأنها خليط من الفارسية والتركية والهندية والعربية، وهي لغة تكاد تندثر، والغجر عادة يتحدثون بلغات ولهجات الشعوب التي يعيشون بالقرب منها. وبعد الهجرات والحروب المتعاقبة للغجر في بلاد العرب بقي منهم عدد قليل في بلاد العرب، والتجمعات الاكبر منهم الان في الأردن و سوريا والعراق.

 

كيف جاء الغجر الي بلاد العرب:

الغجر قبائل هندية الأصل وبالتحديد من حوض نهر السند، و كانوا يعرفون بـزنوج الهند بسبب بشرتهم السمراء، وكانت لهم حلاقة وأزياء خاصة ودخلت المجتمع العربي عن طريق بلاد فارس .

فيحكى أن الملك الفارسي بهرام جور كان لديه مجلس يزخر بالمتع، ولكن بلا موسيقى، فأرسل يطلب من ملك الهند (ثانغول) بعض الموسيقيين، فأرسل إليه اثني عشر ألف موسيقي من الرجال والنساء، فأعطاهم بهرام بقرا وقمحا، وبعد أن نفد ما لديهم، شرعوا يتنقلون في البلاد يرقصون في النهار لكسب الرزق، وفي الليل يسرقون بمساعدة حيواناتهم المدربة.

وحين نزلو بلاد العربية اختاروا بطائح جنوب العراق ومستنقعاته وهذا يؤيد انهم قدمو من بلاد فارس اولا كما اسلفنا وانتشروا نحو الغرب حتى وصلوا بادية الشام ليعيشوا حياة بداوة الصحراء، فأخذوا يربّون سلالات من الحمير وكلاب الصيد السلوقية، وقد عرف العرب الزط قبل الإسلام إذ اختلطت قبيلة تميم بهم وجاورتهم قبيلة عبدالقيس في جنوب العراق، وبعد مجيء الإسلام وانتشاره عشيرة الصُليب في الشام والعراق ونجد: و تناقل الناس رواية فحواها أن عشيرة منهم بدوية تتجول في بوادي الشام والعراق ونجد، وهذه العشيرة عرفت بالصُليب، وأفرادها كالبدو في هيئتهم ولباسهم وبعض طرائق حياتهم، ولكنهم لا يتزوجون ولا يزوّجون إلا من عشيرتهم، وهم يسالمون الجميع ويمتازون بالبساطة والنشاط، ويعتمدون في معيشتهم على الصيد ويربّون قطعان الحمير البيضاء ليتاجروا بها ويتاجروا بالملح أيضا وهم أطباء البادية، ثيابهم زاهية وحفلاتهم الراقصة كثيرة، نساؤهم يرقصن ويغنين في حضرة الغرباء على نقرات الإيقاع بأصابع ذويهم، وقد اشتهروا بقرض الشعر مديحاً وغزلاً برفقة آلة الربابة، ويقولون إنهم من المسلمين ولا يؤدون شعائر المسلمين، زعيمهم الكبير كان في النصف الأول من القرن العشرين في بادية العراق معروفاً بالشيخ معيذف الملقب بـ(تل اللحم) لكرمه، ولغتهم عربية خليطة بكلمات تركية وفارسية وسنسكريتية.

والتكوين الجسدي لصُلَيبيون انهم نحيفو الأجسام وسيطو القامة، شديدو السمرة، شعرهم أسود، تغيرت حياتهم الآن بسبب انعدام الصيد وسنوات الجفاف المتوالية، فلجأوا إلى القرى والمدن وقد امتهن معظمهم البيع.

 

الغجر في بلاد الشام:

الغجر في سورية يشكل مجموعة بشرية متجانسة، يتوزعون في المحافظات الداخلية السورية والحدود اللبنانية ـ السورية، ويسمون بالقرباط والنور، فيما يطلق عليهم في الساحل السوري «المطاربة»، ومن المدن، التي ينتشرون فيها دير الزور، حمص، حماة، وحلب، ففي محافظة الحسكة التي تقع في أقصى الشمال الشرقي، بجوار الحدود العراقية - التركية يعيش ما بين 2000 و 3000 عائلة غجرية، وفي محافظة دير الزور التي تجاور الحدود العراقية تعيش نحو 1700 عائلة، وفي محافظة الرقة يرتفع العدد إلى الضعف تقريبا، ومثله في محافظة حلب، إلا أن عددهم يزداد بكثرة ملحوظة في باديتى حمص وحماه، ففي حماه يصل عددهم إلى 4000 عائلة وربما أكثر وفي محافظة حمص وتحديدا في جورة العرايس، ينتشرون بكثرة، ولهم أيضا وجود في منطقة تدمر الأثرية التابعة لمحافظة حمص، وتنتشر أعداد قليلة منهم في بقية المحافظات والمناطق .

ويسكن الغجر في الغالب بجوار المدن، لأن عدد السكان يكون أكثر، مما يدر عليهم ربحا أكبر، خاصة لمن يمتهن التسول في الشوارع وأمام المساجد ودور العبادة وفي الساحات وعند المفارق والجسور وفي الأحياء وعلى أبواب المنازل .

ويتكلمون إضافة للعربية «لغة العصفورة» الخاصة بهم، وفي لبنان يتوزع الغجر حول حزام المدن، ولهم تسميات شبيهة بتسميات غجر سورية، وتعود أصول شريحة واسعة منهم إلى غجر فلسطين، الذين نزحوا عام 1948م بعد النكبة، ورغم ان الغالبية العظمى منهم الآن مواطنون سوريون يحملون بطاقات هوية مع هذا بقي الغجر حتى الآن يعيشون في مجتمع خاص بهم، منغلق عليهم لم ينسلخوا عن عاداتهم وطرق معيشتهم التي ورثوها عن أجدادهم انسلاخا تاما.

تاريخ الغجر في بلاد العرب : أن الغجرلم يساهموا في صنع التاريخ العربي كباقي الفئات والقوميات التي عاشت في الأرض العربية لأنهم قوم عابرون في المكان والتاريخ، غير انهم سببو بعض المتاعب و القلاقل في بلاد العرب كعادتهم إينما حلو، ففي حروب الردّة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ارتدّ من بني قيس بن ثعلبة الحطم بن ضبيعة ومن اتبعه من بكر بن وائل، واستمال إليه الزط والسبابجة في جنوب العراق، وأثناء وقعة الجمل برزت فرقة الزط والسبابجة كإحدى الفرق الموالية للإمام علي كرّم الله وجهه، وكانت بقيادة دنور بن علي، واستغلهم الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان فدعم بهم ثغور الشام البحرية لما عرفوا به من جلد وتمرّس في القتال البحري .

وفي البطيحة جنوب العراق يقف التاريخ مسجلاً للزط صفة غريبة حين ثاروا على الخليفة العباسي المأمون عام 201 هـ وقطعوا الطرقات ونهبوا الغلال من الضواحي، والأكثر غرابة أن أحد قادة المأمون كان زطياً وهو السري بن الحكم بن يوسف الزطي، وقد دخل مصر مع الجند الخراسانيين المرافقين لليث بن الفضل عامل الرشيد عام 182هـ، وحين نشبت الفتنة بين الأمين والمأمون تزعم الزطي الجند الخراسانية ودعا للمأمون واستولى على غرب الدلتا وصعيد مصر، وبعد موت السري خلفه ابن أبو نصر محمد الذي مات عام 206هـ وأعقبه أخوه عبيدالله بن السري فاستولى على مصر كلها بعد حروب دامية، ولما أراد المأمون أن يقره واليا أعلن العصيان واستقل بملكه، وفي سنة 221 هـ، وجه المأمون عبدالله بن طاهر إلى مصر فهزم الزطي الذي طلب الأمان ثم رحل إلى العراق ليقضي نحبه في سامراء عام 251 هـ.

ثورة الزط عام 205هـ : لما تعاظمت ثورة الزط عام 205هـ وتحكموا في منطقة جنوب العراق بكاملها، اضطر الخليفة المأمون لتوجيه جيوش لحرب الزط بعد أن قطعوا الطريق بين وسط العراق وجنوبه، وقد أثرت ثورة الزط في هيبة الخليفة وهيبة الدولة بشكل كبير بسبب عجزها عن إخماد الثورة رغم قدرتها على إخضاع العديد من الثورات، وتوفي الخليفة المأمون وفي قلبه حسرة، وجاء المعتصم وهو قائد عسكري، فتفرّغ لإنهاء مشكلات الدولة العسكرية الداخلية منها والخارجية، وكان الزط في مقدمة اهتماماته.

ومع مجيء سنة 219هـ أرسل المعتصم أحد أشهر قواد الدولة وهو عجيف بن عنبسة لحربهم وكان القائد المناسب في الوقت المناسب لذلك حيث جمع كل أخبارهم وأماكن تحرّكاتهم وعرف الكثير عن قواتهم ثم عمل على سد نهري بردودا والعروس حتى انقطع ماؤهما وسد كل الأنهار المتفرعة عنهما حتى جفّت مياههما بعد أن عرف كيف يتجمع الزط حولهما، ثم هاجم مواضع الزط فأسر منهم من أسر وقتل الكثيرين ولم يتوقف، ثم تابع عجيف حصاره لمناطق الزط ومهاجمة مواقعهم حتى ظفر بهم.

واستسلم الزط فنقلهم عجيف من مناطقهم بزوارق إلى بغداد وعددهم اثنا عشر ألف مقاتل وخمس عشرة ألف امرأة وطفل، وكانت الزوارق تمر بموكب لثلاثة أيام وهم ينفخون بأبواقهم، ومن بغداد نقلوهم إلى مواجهة الروم أمام بوابات الأناضول، ولكن حين هاجم الروم الدولة العباسية عام 241هـ، استاقوا الزط قاطبة مع ممتلكاتهم إلى داخل بلاد الروم، لم يفلت منهم أحد لتبدأ رحلة الشتات الكبرى للزط في أوربا، فبعد وصول الزط إلى القسطنطينية وإقامتهم حولها، تحرّكوا غرباً متفرّقين إلى جماعات قليلة العدد ودخلوا أوربا كرحّالة مسالمين، ولم يرحل كل الزط من العراق بل بقي قلة ومنهم رجلا يدعى أبا حاتم الزطي خرج عام 295هـ من زط السواد (جنوب العراق) والتحق ببقايا القرامطة بعد هزيمتهم وتزعمهم، ويحكى أنه حرّم عليهم الثوم والبصل والفجل والكراث، كما حرّم عليهم إراقة دماء الحيوانات، الغجر في عهد الدولة العثمانية : عرف الغجر في ظل الدولة العثمانية الحياة الحرة غير ان السلطان سليم في عام 1530م أصدر فرماناً يضبط فيه بقاء الغجر في عدد محدد من مقاطعات الإمبراطورية، وأعفى ابنه السلطان سليم الثاني الغجر العاملين في مناجم البوسنة من الضرائب، ولكن مع تراجع موارد الدولة العثمانية في أواخر القرن السابع عشر ازدادت الضرائب عليهم حتى أثقلتهم، إلا أن حياتهم بقيت في ترحال مستمر وتعددت أعمالهم وتحوّلت من الصناعات التعدينية إلى صناعة المكانس وتنظيف مداخن المنازل، كما عملوا موسيقيين وراقصين ومدربي دببة وحدّادين .

وفي البلاد العربية أعفاهم العثمانيون من الضرائب والتجنيد، وعاشوا كما يشاءون يمارس بعضهم التسوّل ويحتالون على الناس بالتنجيم والشعوذة ويقيمون الحفلات الساهرة في بلادهم، ويصنعون الطبول والغرابيل، ويصنعون الخناجر والمقصات ويعالجون الأسنان .

وقد تأثر بحياتهم بعض الشعراء، وأبرزهم الشاعر الأردني مصطفى وهبي التل المعروف بعرار وهو أشهر مَن وصف حياة النَّوَر وخاصة بعدما أغرم بسلمى الراقصة الغجرية الممشوقة القد والقوام حتى قال: ليت الوقوف بوادي السير إجباري وليت جارك يا وادي الشتا جاري ولا أبالي إذا لاحت مضاربهم مقالة السوء في تأويل مشواري بين الخرابيش لا عبد ولا أمة ولا أرقاء في أزياء أحرارِ الكل زط مساواة محققة تنفي الفوارق بين الجار والجار وقد تعدد الشعراء الذين مدحوا النَّور لكنهم لم يصرّحوا بأسمائهم خجلاً أو خشية الاضطهادات رغم مسالمتهم الدائمة في كل رحلاتهم.

 

الغجر في فلسطين:

الغجر كانوا يمرون في أرض الجولان ومنها إلى فلسطين، وقد كانوا يجوبون المدن الفلسطينية حتى استقر عدد كبير منهم في نابلس، القدس وغزة.

وبعد نكبة عام 1948 تهجّر الغجر كباقي أبناء الشعب الفلسطيني، واستقر معظمهم في الأردن وتحديدًا في ضواحي عمان، والقسم الآخر اتجه نحو مخيم جباليا في غزة.

ولا يزال عدد من الغجر يعيشون حتى الآن في ضواحي القدس وفي مدينة نابلس، ويمكن تمييزهم من خلال ملامحهم الخاصة التي لا تشبه العرب.

 

الغجر في الاردن :

للغجر في الأردن وجهة نظر أخرى فهم يعتقدون أن أصولهم تعود إلى بني مره، وأنهم عرب أقحاح وينكرون أصلهم الهندي، ويستندون في هذه الرواية إلى "حرب ‏‏البسوس" وإلى "سيرة الزير سالم" الذي انتقم من بني مرة وأمر بتشتيتهم في الأرض ‏وحكم عليهم أن لا يركبوا الخيل وأن لا يذوقوا طعم الراحة والأمن والاستقرار، فهربوا ‏‏ناجين بأرواحهم، وهاموا في صحاري الجزيرة العربية.

 

الغجر في العراق:

يشكل الغجر في العراق أقلية عرقية حيث يتراوح عددهم بين 50 و200 الف نسمة، ينتشرون في جماعات صغيرة على عموم القطر العراقي، ويسكنون في تجمعات قروية او بشرية عادة ماتكون منعزلة عند اطراف المدن او الاقضية، حيث توجد تجمعاتهم في بغداد- ابي غريب والكمالية - والبصرة - شارع بشار وحي الطرب على طريق الزبير- والموصل في -هجيج والسحاجي- اضافة إلى بعض القرى في سهول جنوب العراق كالديوانية - قرية الفوارة - والمثنى ومنطقة -الفجر - في الناصرية.

ويعتقد العراقيون ان هذه الكلمة تعني -كابولي- اي قادم من كابول عاصمة افغانستان، وهذا الجواب يحمل شيئا من الحقيقة، كما يقول اللغوي العراقي مصطفى جواد، فالغجر اصلهم من الهند وافغانستان وخصوصا المناطق الجبلية في هذه المناطق، فبشرتهم ولون عيونهم وقوامهم تشبه سكان جبال الهند وافغانستان، وقد بدأ هؤلاء الاقوام يصعدون الى الشمال الغربي منذ الألف الثاني قبل الميلاد، ودخلوا بلاد فارس ثم نزلوا السهل العراقي في الالف الاول ق. م. وكانوا بدوا رحلا يعتاشون على منتجاتهم الحيوانية خصوصا الحليب وايضا امتهنوا مهنة الرقص والغناء الذي حملوه معهم من ديارهم ليمارسوه في افراح المناطق التي ينزلون جوارها.

وللغجر في العراق قصة، وهي حديثة تحكي عن غزو الراقصات الغجريات للمسرح العراقي في التسعينات، فخلال سنوات قليلة اقتحمت الغجريات خشبة المسرح العراقي التجاري، واقتحمن خشبة المؤسسة الأعرق وهي الفرقة القومية للتمثيل، وإذ بمسارح القطاع الخاص والعام على حد سواء تعج بالغجريات بوصفهن ممثلات، مما أثار نقاد المسرح والصحافة العراقية.

 

الغجر في مصر:

في مصر يعود تاريخ الغجر، كما يروي المؤرخ «سفاتيك»، إلى قرون عديدة، بعد قدومهم من القسطنطينية، وينقسم الغجر هناك إلى أقسام عدة، الغجر، النور، الحلب، وارتبطوا كذلك في الموسيقى والغناء، فكانت منهم «العوالم ـ جمع عالمة وهي الراقصة» و«الغوازي» وهي تحمل الدلالة ذاتها.

وينتشر الغجر في مدن مصرية عدة أغلبها في الصعيد المصري، ويتركزون فى بعض الأماكن أشهرها قرية طهواج بالوجه البحرى ويرتحلون خلف الموالد لكسب رزقهم .

والرجال بعد الزواج يجلسون فى المنازل يأكلون ويشربون ويدخنون والنساء تعمل وتأتى بالرزق وكثير منهم يحترفون السرقة وعاشروا اللصوص والمطاريد، وحالياً يعمل الغجر في اٍلأساس في المزارع ورقص الغوازي وعلاج البهائم واصطياد الثعابين وتصليح الكوالين‏،‏ والتسول وقراءة الطالع‏،‏ وصناعة المراجيح وتجارة الخردة والعطارة‏،‏ وألعاب السيرك مع حيواناتهم المدربة من قردة وكلاب وثعابين‏،‏ ولهم باع في خيال الظل والأراجوز والبيانولا‏ .

‏ وهناك نظرية تقول إنّ الغجر هم أنفسهم المصريّون الذين قاموا بمطاردة اليهود في الصحراء وتاهوا أثناء المطاردة وما زالوا تائهين الى الأن.

 

وغجريّ جاءت من كلمة: Egyptian اي مصريّ وكانت تُطلق قديماً على من هو منتم للبلاد الحارّة أو على كلّ ما هو شرقيّ و بعض قبائل الغجر إستعملت فعلاً هذه التسمية Egyptisk اي مصري لتحديد هويّتها، ففي مقدونيا اشترطت أحدى المجموعات الغجرية قبل بضعة سنين تسجيل أبناءها باعتبارهم مصريين لتحديد هويّاتهم القومية في السجلاّت الحكومية.

وقد عرف المسوقيون الغجر في مصر عام 1175م عندما أصبح أسلوبهم المتطور شائعاً، وفي عام 1553 وصلت أعداد كبيرة منهم إلى مصر وقد كتب المكتشف Belum ؛ وجدنا أعداداً كبيرة من الغجر بين ماتير والقاهرة وأيضاً على طول نهر النيل يخيمون تحت أشجار النخيل، وكان وليم شكسبير يعتقد أن الغجر من مصر‏،‏ فجعل كليوباترا في مسرحيته عنها تتصرف مثلهم‏،‏ ذلك أن غجر بريطانيا زعموا ذلك‏،‏ بسبب تشابه الحروف الإنجليزية بين كلمتي غجري‏gypsi‏ ومصر‏Egypt. ‏ وكنا نسمع الكبار يحذرون من ضاربة الودع‏،‏ لأن الغجرية تسرق الكحل من العين ‏،‏ كناية عن خفة اليد‏!!.

‏ لكن سرعان ما اندمج معظمهم في المجتمع‏،‏ وتعلموا وصاروا أطباء وأساتذة جامعة ‏،‏ ويفضلون إنكار أصلهم الغجري ‏! ‏وتشير الإحصائيات إلى ان عدد الغجر الذين يقيمون في المناطق العشوائية كالمقطم ومنشية ناصر وغيرها يتراوح مابين 150 - 200 ألف مواطن و هذه الأرقام لا يتضمن الغجر الذين عاشوا في المدينة واختلطوا بالمجتمعات المدنية .

وكلمة " غجر " في مصر كلمة سب وتحقير فيقال "ناس غجر" أي سفلة وحثالة.

وقد استخدمت كلمتا غجر ونور في الأمثال الشعبية، فهناك مثل يقول "الغجرية ست جيرانها" وهو يعني أن المرأة السفيهة سليطة اللسان يتقي جيرانها شرها فتصبح مهابة بينهم .

وقد ظهر الغجر في السينما المصرية ممثلين في الغوازي وضاربات الودع والقرادون كما صورت السينما أماكن إقامتهم وخيام الخيش التي يعيشون فيها، وقد أنتجت أفلام يظهر الغجر في عناوينها مثل فيلم " الغجرية " الذي أنتج في مصر عام 1960 سيناريو وحوار وإخراج السيد زيادة تمثيل هدي سلطان وشكري سرحان وهناك أيضاً فيلم " غازية من سنباط " الذي أنتج 1967 من إخراج السيد زيادة وتمثيل شريفة فاضل ومحمد عوض، والغازية هي الراقصة الغجرية، وفي لبنان أنتج فيلم " الغجرية والأبطال " 1984 سيناريو وإخراج سمير الغصيني تمثيل محمد المولي ورولا عمارة.

وبالطبع فإن الغجر كانوا يظهرون كإحدى الطبقات المهمشة في المجتمع العربي .

وكانت "عشش الترجمان" مستوطنة معروفة للغجر وعندما تم التفكير في إنشاء مبنى التلفزيون المصري اتخذ القرار بإزالة عشش الترجمان واحتل المبني أرضهم شامخاً يطل علي النيل من عل.

وعلي أية حال فإن الغجر كانوا يعملون أيضاً في مجال الترفيه كحواة وقرداتية وغوازي كما اسلفنا .

وقد احترفوا إنشاد الغناء الشعبي المصري فحافظوا عليه من الاندثار ‏،‏ كما برعوا في الربابة والمزمار ‏،‏ ومن النادر أن تجد عازف مزمار أو راوي سيرة شعبية أو مداحا ليس منهم ‏،‏ ومن أكثرهم شهرة الريس متقال القناوي وابن عمه شمندي ‏،‏ وسيد الضو وخضرة محمد خضر ‏،‏ وعائلات كاملة أخري ‏.

 

نبيل عواد المزيني - باحث / الولايات المتحدة

 

....................

المراجع و المصادر:

الغجر ذاكرة الأسفار وسيرة العذاب تأليف جمال حيدر الحقيقة الدولية – القاهرة – مصطفى عمارة- 28. 6. 2009

عادات الشعوب وتقاليدها - أديب أبي ضاهر

كتاب "الغجر: الرحالة الظرفاء المنبوذون"

كتاب نحن أولاد الغجر لانيس منصور المجلد العاشر من دائرة المعارف الإسلامية

لسان العرب وتاج العروس المؤرخون حمزة الأصفهاني والفردوسي و البلاذري

"أدب الكدية في العصر العباسي" للسيد أحمد حسين حسن

كتاب " الغجر بين المجزرة والمحرقة " لرمسيس عوض

كتاب لطفي شلش قبائل الغجر‏1958

كتاب الدكتور محمد عمران موسيقا الغجر المصريين‏2006‏ عن المركز المصري للثقافة والفنون‏

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1122  الثلاثاء 28/07/2009)

 

في المثقف اليوم