قضايا وآراء

عن الترجمة والتدريب

بها المترجم مع الكلمة، العبارة والنص . فالسياق – في بعض الاحيان – يلعب دورا" لايستهان به، والتركيبة الحضارية للشعوب تتباين تباينا" يكاد ان يقلب معادلة الترجمة راسا" على عقب . ومن طريف ما سمعت ان بعضا" من عمال الموانئ القدامى الذين تعلمو الكثير من المفردات الانكليزية من خلال عملهم من الاجانب الوافدين على البواخر الماخرة في ميناء المعقل سابقا" . يحكى ان احد العمال الذين يحفظون مجموعة من الكلمات الانكليزية اراد ان ينقل وجهة نظر اليه الى احد المسؤولين الانكليز من ان وضعه الاقتصادي صعب كونه صاحب (عيال)، فانتظر هذا العامل خروج المسؤول ليواجهه بقوله:

MR، I have abig famly in my neck . 

 

والتي تعني باللغة الدراجة (عندي عيال برقبتي). فحدق الرجل الانكليزي في رقبة العامل وقال له : لايوجد شيئ في رقبتي، فأين العائلة؟

 

يتضح مما تقدم ان حضارة أي شعب تؤثر تأثيرا" بالغا" في لغته بل تعدى الامر الى ان تصبح بعض الكلمات والمصطلحات 0حكرا" على فئة اجتماعية من دون غيرها، فلغة الذين يقومون بتليح السيارات غير لغة اللذين يقومون ببيع الخضار فيما يخص المفردات التي يتداولونها فيما بينهم. هذا من جانب اللغة الشفاهية المتداولة، ام اللغة المكتوبة فقضية اخرى . وكما اسلفنا تلعب العادات والتقاليد اثرا" كبيرا" في عملية الترجمة، فعلى سبيل المثال نقول في اللغة العربية : قلبه اسود كالفحم، بينما في الانكليزية فيقولون: قلبه اسود كالحبر. كما وتفرض بعض التقاليد على المتكلم الايجاز واخرى الاسهاب وثالثة المبالغة، فالعربي دائما" ما يقول في مثله السائر: عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة، بينما الانكليزي يقول: عصفور في اليد خير من اثنين على الشجرة .

 

اذن عملية الترجمة بها حاجة الى دربة ودراية دقيقة وقراءات مستفيضة عن عوالم الاخر الذي نود ان نترجم نصوصه، والذي يتطلب منا ان نبني الاساس بنحو صحيح وسليم فلافكرة من دون لغة صحيحة ولانص من دون لغة صحيحة ايضا" لهذا ينبغي ان تكون الخطوة الاولى خطوة صحيحة وواثقة . ان اللغة كائن حي حتى ان البعض وصل الامر به الى ان يقول ان اللغة هي التي تتكلمنا ولسنا من يتكلم اللغة لانها تبطن غي ماتظهر، وتظهر غير ماتبطن، بل قد تتامر علينا لهذا من غير الصحيح ان تكون الخطوة الاولى خطوة عشوائية بل خطوة محسوبة حسابا دقيقاً.

ان لغة المصدر بها حاجة الى معاينة دقيقة وقراءة متفحصة، اذ ان الكاتب ابن بيئته، فالاساطير الاوربية غير الاساطير الشرقية، وما يوجد عند شعب من الشعوب من تقاليد وعادات واعراف قد لايوجد عند شعب اخر فيما يؤثر لاحقاً في عملية الترجمة، ناهيك عما يعتري مترجم النص الادبي من مطبات لاتوعد ولاتحصى . ولابد للمترجم الجيد من اتقان لغته الام اتقان يمكنه من اللعب على المفردات وكيفية ربط الجمل، والتقديم والتاخير، ووضع البدائل اللغوية التي بها حاجة الى مهارة وبراعة فرديتين، فقد نختار كلمة جافة في حين توجد كلمة اكثر طراوة بديلاً عنها . لهذا ينبغي على المترجم،حتى اولئك الذين هم في بداية الطريق، ان يقرأوا الادب العربي كثيراً وخاصة تلك الكتابات الحالمة . فالكتابات النثرية لـ (حسين مردان،يوسف الصائغ،نزار القباني،عالية ممدوح،جبران خليل جبران،محمد الماغوط ) تصقل وتهذب اسلوب المترجم لانها كتابات نثرية فنية عالية . وعلى المترجم ان يحث الخطى نحو المقتربات النظرية الحديثة لكي يقف على ماوصل عليه الاخرون من تطور معرفي . فالمباحث الحياتية اخذت تستعير من بعضها البعض، فالمصطلحات المستعملة في علم النفس استعيرت من قبل الاقتصاديين، فعلى سبيل المثال ان كلمة  depression  التي تعني الكئابة او الوهن قد استعيرت لتعني الكساد كما واستعيرت للانواء الجوية لتعني منطقة منخفضة الضغط الجوي . فاذا ما وردت هذه الكلمة ضمن سياق معين ولم يدرك المترجم كنهه بنحو جيد فستكون ترجمته مضحكة . اذا" ما مطلوب من المترجم اولا" فهم النص فهما" جيدا" ومحاولة الاقتراب من كل مقترباته وحيثياته، ثم محاولة نقله الى اللغة الثانية بتراكيب واساليب وربما وربما وظائف مختلفة    

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1122  الثلاثاء 28/07/2009)

 

 

في المثقف اليوم