قضايا وآراء

الدراسة الاندماجية للعقل (1)

 القادر على كشف النواقص المتممة لحالة التطور في بنية الوجود البشري فالحياة ليست نتاجاً لقوى هوجاء غير محددة الاتجاه والمصدر وغير مطابقة لحالتها ضمن وجود المتغيرات الكونية ضمن الأنساق التابعة لجوهر القيمة الفعلية لماهية الكون وما يحتويه من فعاليات غير مدرجة على لائحة العقل البشري المرتبط بمجاله المحدد بخصائص الكوكب .

فالكينونة العقلية للوجود متضمنة في وعينا له وكلما تزايدت قدراتنا على الفهم الأكثر أهمية والأكثر جوهرية لحياتنا الإنسانية تتعزز قدراتنا العقلية لمحتوى الأفكار المطابقة لمصدرها الكوني ونتوسع أكثر في تلافي الآثار الضارة والمدمرة للوجود وعبثية الأفكار المبنية على الطرائق المأخوذة من المظاهر الانحرافية حول فهمنا لأهمية الحياة بماهيتها العقلية، وتتعمق معها المظاهر العدائية الكامنة والناشئة من المظاهر السلبية المأخوذة من الإرث العقلي لأفعال الشذوذ في السلوك البشري، وبالتالي فإن الحياة بقدراتها المتوافقة والمتنامية أكثر فأكثر مع أهمية محتواها الضمني وتلازم التصاقها بالشمول الكوني تكون جميع القيم الإيجابية متناغمة فيما بينها وهي متآلفة ضمن اتحاد نسقي متتالي تعزز طاقة الوجود الإبداعية وتعزز الطاقة الحيوية للبشر للقيام بأعمال متوافقة مع الازدهار والتقدم المرافق لوجودهم، وبمقدار تزايد الطاقات الإيجابية للبشر يرتفعون معها نحو التجاوز القطعي لمجمل الخصائص والوظائف الهدامة في المجتمع، وبالتالي رفد طاقة التغيير الاجتماعي بمنظومة من العوامل المساعدة على تخطي المصاعب والعراقيل والسير ضمن سلوك فاعل ينظم وجوده لتأمين الفرص الذهبية لإحداث نقلة نوعية تعزز تطور المجتمع وترفع جاهز يته لتجاوز جميع المظاهر السلبية في بنيته، ويمكن من خلال دعم الطاقات الخلاقة للعقل وتغذيتها بالحب الوطني أن نرفع من المستوى التطوري وبناء جميع الأنشطة الداخلة في نظام ازدهاره .

و يمكن أن نشير إلى حقائق مضادة للازدهار المادي والفكري والأساس التخريبي لبناء وجود مخالف جوهرياً للتوجهات المستقبلية للعقل.

فعندما نغذي وجودنا العقلي بالطاقات الهدامة والمخالفة للقواعد السليمة والمنطلقات الباعثة على الازدهار والعدالة من خلال توسيع الأفكار الهدامة والسلوك المخالف لتطلعاتنا المستقبلية فإن الخراب يتغلغل في جميع مفاصل المجتمع الأساسية وتزداد المخالفات مما يؤدي إلى تنمية طاقات عقلية مدمرة تتغلغل في ذهنية الأفراد وكأن الإنسان يريد أن يطفئ النار بالنار ويمكن أن يصل إلى هدفه بعد أن يصبح كل شيء محترقا عندها لا بد من بناء كل شيء من جديد إنه أسلوب ممكن ولكنه يكلف الوجود غاليا فالوعي الخارج عن عقل دمر نفسه يحتاج إلى مزيد من الوقت لتغذية الوعي الإيجابي المحصن ضد المخالفات وضد ما يكرر تجربة الفشل في وجوده، فالطاقات السلبية الناتجة عن العقل تعمل لتغير بنية الوجود بالاتجاه التخريبي وبمقدار توسعها في بنية الوجود العقلي للبشر يتوسع التخريب بما يطابق ذلك .

من هذا المبدأ لا يمكن لأي وعي عقلي أن يصل إلى نتيجة منطقية عندما يغذي الشعور عند الأفراد بأن المظاهر السلبية ستقود إلى تغيير واقع الوجود نحو تدمير نفسه دون أن ندري لأن الخوف من مواجهة الواقع بجدية وإنسانية يعمق واقع الانهيار في بنية النفس البشرية ويزداد الشعور لدى البشر بأنهم أعداء ما بنوا من معارف وأنظمة وحقوق ....وغيرها من أنواع العداء لنمطية الحياة ضمن النسق المعتاد فيتولد نظام معرفي مخالف جوهريا لماهية وعينا التاريخي عندها سينقلب كل شيء في نظام المعارف والمعايير المحددة لماهية السلوك البشري فيظهر العقل وكأنه تخلى عن ذاته وأخذ يشق طريقا مخالفا لماهية وجوده مما يظهر البشر كأنهم أعداء ما بنو من معارف وأنظمة وحقوق وغيرها .؟؟

ومهما بلغت التراكمات المتواجدة في بنية العقل تظل في كميتها تشكل جزءاً هامشياً من وجوده، فقدرته على الاكتناز لا يحددها نظام المعارف ولا كميتها ولا مجمل المعطيات الحسية والحركية والإرث الفعلي غير المرتبط بوجوده، فالعلاقة بين الكينونة العقلية والمعطيات الداخلية المتفاعلة والقادرة على الاستيعاب التكاملي لكل ما يحيط بالجوهر العقلي ومختلف الأنشطة الصادرة عن عطائه تتوسع، وكلما توسع العقل ذادت طاقة الاحتواء الفعلي المتشكل من تتابع التواصل الإنساني والنشاطات البيئية المحيطة في وجوده .

 فالمعارف الداخلة في نظام الوعي ليست من طبيعة مادية لتشكل كماً ولا تدخل ضمن مقاييس الحجم وغير مرتبطة بواقع مادي له سمات تكوينية أو بنية داخلية توافق وجوده، فالحقيقة العقلية حقيقة مجردة من المقاييس ترتفع في نظام الوجود إلى ما هو أبعد من الوجود ذاته، ولا يتكامل وعينا لها من خلال وجودها ولا بوجودها نصل إلى كمالية الوعي، فالعلاقة مبنية على التضاد العكسي والتوافقي بشكل منسجم ومحكم التكوين . فكلما ذادت الأنشطة الفكرية وكمية الوعي والمعارف المنتشرة بشتى أصنافها تتوسع مداركنا العقلية وقدراتنا على التكيف والتعامل مع المحيط، وتتوسع مداركنا العقلية لاستيعاب ما هو أكمل من ذالك لأن عالم الوعي مرتبط بالتوسع الكلي للكون، ونظراً لما تخفيه بنية الكون من الاتساع الّلامحدود للمعارف غير المتوافقة مع معارفنا عنه يظل الوعي قابلاً للتوسع اللامحدود في نظام المعارف المتجددة .

فالتباين العقلي هو تباين مرحلي نظراً لقدرة بعض العقول على الاكتساب المعرفي، وكلما تابع الوجود تغيراته المنسوبة إلى الزمن تتابعت المعارف تغيراتها المنسوبة إلى العقل ضمن سلسلة أبدية ومتحدة في بنية الوجود الكلي، وكلما تغير الزمن تغير وعينا الفعلي المطابق له وفي كل مرحلة تصبح المرحلة الفعلية للمعارف أعلى من المحصلة الفعلية للمعارف السابقة لها وهكذا يستطيع العقل التخلي عن بداياته .

وعندما تتأجج الأفكار بأسئلة مخالفة لنظام وعينا التاريخي يكون العقل قد قارب على إتمام مرحلة من وجوده الواعي إلى مرحلة أخرى أكثر وعياً وبدأ يكوّن نظام مطابق لوجوده الجديد والمتجدد .

فإذا كان الوعي البشري غير قادر على تحديد البداية الفعلية للوجود فلم ولن يكن قادراً على تحديد النهاية العقلية له نظراً للبعد اللانهائي بين وجوده العقلي ووجود المعارف المعبرة عنه .

فالكينونة العقلية للوجود متأصلة في ذاته، متوسعة في بنيته لدرجة التطابق ومهما بلغ الارتقاء حد التكامل العقلي للبشر ومهما بلغ التوسع في نظام المعارف عن حقائق الوجود، لن تصل المعرفة حد الامتلاء وتظل البنية العقلية قابلة للتوسع وقابلة لإمداد التراكم الكمي والكيفي لنظام المعارف في بنية هذا الوجود .

فالعلاقة القائمة بين العقل والوجود هي من الوجود ذاته، لأن طريقة التعبير العقلي مأخوذة من بنية المعارف الكونية،فالحقيقة المعرفية مهما بلغت من الوضوح والدقة تظل في ماهيتها إرثاً كونياً نعبر عن محتواها توافقاً مع ضرورة وجودها ومستوى تطور المعرفة في بنيتها، ومهما بلغت نسبة انغلاق الوعي على نفسه لن يفلت من مسؤولية تأمين التطابق بين تطور الواقع وتطور العقل المرافق له .

قد يقاوم العقل تغير بنيته بكل الوسائل المتاحة بالرغم من كونه بالضرورة ملتزم بكل الاكتشافات والأبحاث والقوانين التي تحققت وغيرت الطريقة التي يعبر بها عن ذاته وعن جميع النظم والعلاقات في مدار وعيه لها، فالواقع البشري يرتفع عقلياً في نظام الوجود ليرفع سوية البنية التفاعلية للبشر أنفسهم .

يمكن التعامل مع ثلاث كينونات فاعلة في الوجود تندرج في إطار وعينا لها بتجرد عن الغاية المتجهة نحو تصنيف مكوناتها وأدوارها فيما يعمق تواجدنا وتوسيع طاقاتنا على السيطرة فيما يحقق مصالحنا والاستفادة منها فيما يخدم وجودنا كنوع قادر على تحقيق غايته وأهدافه وتوسيع طاقة الاستيعاب والاحتواء في وجوده .

فالكينونة النابعة من وجود يعي ذاته توافقاً مع بنيته وتنظيم وجوده خارج إطار الغائية ضمن التنوع الكثير لطبيعة المادة في نظام الوجود الكلي .

لأن جميع العمليات ضمن هذا الوجود تتحكم به قوانين متوافقة في الدقة والانتظام تعبر عن محتواها في استقرار نظام جميع العمليات الجارية في النظام الكوني لأن طبيعة التشكيل المادي للكون متوافق مع نظامه الجاري منذ بدايته انطلاقاً من المستوى ألأصغري للمادة وانتهاءً بالشمول الكوني . كونٌ منظم على نحو دقيق وفاعل في تأمين كافة متطلبات الوجود .

فالدور المناط بالمادة يتوافق مع بنيتها وحركتها وفاعليتها فيما يخص وجودها وطبيعة تنظيمها الذاتي نابعة أساساً من حاجتها إلى ذلك وإن جميع العلاقات والأنظمة المتعلقة بالطبيعة المادية للوجود مرتكزة على الضرورات المادية فقط لأن الطبيعة التكوينية للمادة لا تعي غيرها .

أما الكينونة النابعة من وجود يعي ذاته ويعي غيره ترتفع في الوجود إلى المستوى الحيوي،إنها تتميز بالعلاقة الهادفة والمتزنة تغذي روح التبادل المنسجم مع هذا الوجود وتعزز قدرة التنوع الحيوي القادر على إعطاء الوجود فعاليات نشيطة ومتغيرة، لأن الطاقة الكامنة في وجودها توضح مسارها الذاتي ومجمل ما يخصها في مجال نشوئها يعبر عن محتواها الضمني بخصائص ذاتية قابلة للتفاعل مع الحياة مهما بلغت من التطور . فالتغيرات الداخلة في بنيتها توضح جاهزيتها المستمرة لتوليد ذاتها بما يؤكد بأن تمايزها النوعي قائم على وعي ذاتها بطاقة تكوين متفردة بما يظهر وجودها في نظام الكون الواسع بأنه انتقائي منبثق لغاية خاصة يحددها الوجود ذاته .

فالعلاقة الحية في نظام الوجود تعطي مؤثرات نوعية توضح غايتها في الوسط ونظام تبادل المؤثرات الناتجة عن الوجود الحي وما يحتويان من تداخلات هامة وأساسية للحفاظ على نوعية الوجود، بما يؤكد بأن الكينونة الحية قادرة على الاستفادة النوعية من جميع المعطيات الكونية لتأمين البقاء، لأنها نوع من الوجود لا يعي متطلبات وجوده للحفاظ على حياته فحسب بل يعي المتطلبات النوعية لحياة غيره في الوجود ذاته . وهذا ما يؤكد قدرة الكائن على الحياة ضمن أوضاع خاصة به وأوضاع خاصة بوسطهِ ضمن علاقة يشارك في وجودها، لتأمين بنى نوعية هامة وحيوية للوجود نفسه .

إن وجود كينونة تعي ذاتها بدقة قائمة على تأسيس كينونة تعي ذاتها وتعي غيرها بما يعطي الوجود طاقة خلاقة قائمة على كينونة تعي غيرها، إنها كينونة مندرجة ضمن الوجود وعلى كامل الوجود بكل محتوياته إنها مندمجة في كينونات وكيانات تعطي جميع البناء مكوناته ومجاله الضروري في الوجود، إنها قادرة على معرفة كنه الأشياء وغايتها وقيمتها في هذا الوجود دون أن يحددها الوجود نفسه لأن انخراطها في ذات الوجود بما يحتويه من موجودات يعطيها أبعاداً غير قابلة للتطور تعمل على تأمين التناسق الكوني والحيوي مهما تغيرت البنى المكونة لهما لأن وعيها للشمول الكوني بكل ما فيه وما عليه يعطي طاقته الجوهرية بأنماط خلاقة لا يستطيع وعي الأحياء معرفة جوهره .

لأن خلوها من الذات المندمجة في بنية يجعل من المستحيل استدراكها وإدراكها لأنها متممة لكل شيء.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1124  الخميس 30/07/2009)

 

 

 

 

في المثقف اليوم