قضايا وآراء

الخطاب الإعلاميُّ للصدريين، ممثلاً في الهيأة الإعلاميَّة العليا للتيار الصدريّ

بل على مستوى الخطاب الإعلاميِّ والصحافة كذلك، ولا أريد أن أسترسل في ذكر الأمثلة التي تبرهن على هذا الإدعاء الصادق، لأنها أكثر من أن تحصى من جهةٍ، ولأنها معلومةٌ لكلِّ مواطنٍ عراقيٍّ متابعٍ للصحافة والإعلام في العراق المعاصر من جهةٍ ثانية، ولأنها من الجهة الثالثة يمكن أن تجرَّنا إلى سجالاتٍ عقيمةٍ حول صدق المثال وكذبه، مما لا أجد رأسي مهيَّأً مع قوَّة الصداع الذي يحتويه من مركز الدماغ حتى الصدغ لخوض سجالٍ عقيمٍ من هذا الطراز.

إنَّ داء الطائفيَّة العضال أصاب جسد الثقافة العراقيَّة في مرحلة ما بعد الإحتلال، دون أن نبرئ الفترة الصداميَّة السابقة من التهمة عينها، إلا أنَّ فرقاً بين الحالتين يتضح من خلال الإشارة إلى ما يأتي:

الإشارة الأولى: إنَّ الخطاب الصداميَّ الطائفيَّ لم يكن واضحاً وعلنياً بهذه الوقاحة التي نشاهدها الآن، فقد كانت تمارس فعلها وتأثيرها من خلال الممارسات والتطبيقات اليوميَّة في قرارات النظام الدكتاتوريِّ المقبور، بينما أصبح الخطاب السياسيُّ والطائفيُّ السياسيُّ والثقافيُّ والإعلاميُّ سافر الوجه جداً إلى درجة الإشمئزاز في الكثير من الأحيان، بحيث انَّ المرء لا يستطيع أن يتحدث أو أن يكتب فيحظى حديثه أو كتابته بالأهميَّة والإحترام إلا بعد أن ينغمس حديثه كله ، أو كتابته كلها بالماء الآسن للمضمون الطائفيّ، وحتى لو كان غير مقتنعٍ بهذا الإتجاه فإنه مضطرٌّ إلى ذلك بحكم الفضاء الثقافيِّ والإعلاميِّ العامِّ الذي يكون مضطراً للإندراج فيه، ومن النادر جداً أن تجد مثقفاً أو مبدعاً لم يتأثر تأثراً سلبياً من هذا القبيل بالفضاء الطائفيِّ العامِّ للثقافة العراقيَّة المعاصرة على وجه العموم.

الإشارة الثانية: إنَّ سياسة اللانظام المقبور وثقافته وإعلامه وإن كان طائفياً في مفاصله العريضة، إلا أنها لم تكن لتؤثر في الناس هذا التأثير الواسع الكبير، لأنَّ هناك هوَّةً فاصلةً بين نظام الحكم والطبقات الإجتماعيَّة التي يتألف منها الشعب، وكان هذا الوضع الذي لا بدَّ من التسليم بوجوده إبان فترة حكم صدام يقف حاجزاً دون أن يستجيب الناس بوجداناتهم وضمائرهم لرغبة نظام الحكم التي تتصادى مع التوجهات الطائفيَّة، في حين انَّ الوضع في مرحلة ما بعد سقوط صدام قد تغيَّر، فهناك نسبةٌ من التفاعل والإستجابة قلَّت أو كثرت بين الوضع السياسيِّ الجديد وبين العديد من الطبقات الإجتماعيَّة في العراق، سواءٌ كان من جانب الشيعة أو من جانب السنة أو من أيِّ جانبٍ آخر من المكوِّنات العراقيَّة العزيزة، ولهذا فإنَّ الخطابات السياسيَّة والإعلاميَّة الطائفيَّة تركت الأثر السلبيَّ الخطير على مجالٍ واسعٍ من هذه المكوِّنات الإجتماعيَّة، فنتج عن هذا كله ما يشاهده المرء من دمارٍ لم يكن متوقعاً على صعيد سيكلوجيَّة الإنسان العراقيّ، وشيئاً فشيئاً صارت كلُّ طائفةٍ مضطرةً للإلتفاف حول النخبة الطائفيَّة التي تحكمها شاءت أم أبت، لأنَّ الحياة على أرض الواقع صارت كلها محكومةً للسير في هذا المسار الطائفيّ، ولا خيار للإنسان في أن يندَّ عن هذا المسار وإلا أصبح على حين غرَّةٍ وجبة طعامٍ سريعةً للذئاب.

الإشارة الثالثة: إبان فترة حكم الهدام لم يكن الإحتلال موجوداً على الأرض العراقيَّة بشكلٍ مباشر، وإن كان الهدام نفسه أداةً من أدواته طبعاً، فمن هذه الناحية، يمكن أن يقال إنَّ الخطاب الطائفيَّ سواءٌ كان سياسياً أو إعلامياً، ولا فصل بينهما على وجه الحقيقة، لم يكن له مثل هذا المفعول السيِّء، حيث يستغلُّ المحتلُّ هذا الإختراق للخطاب الطائفيِّ فيلعب على حباله بمهارةٍ منقطعة النظير، ليحصد هذه النتائج التي تصبُّ في مصلحته بالتأكيد، ومن الطبيعيِّ أن لا يكون العتاب على هذه النخب الحاكمة وجيهاً، لأنهم كما يعترفون هم بأنفسهم من صنيعة هذا المحتلِّ الغاشم، وهم منفِّذون مخلصون لكلِّ سياساته وأجنداته البغيضة في هذه المرحلة المفصليَّة الراهنة من الحياة السياسيَّة للعراق.

الخطاب السياسيُّ للتيار الصدريِّ على لسان سماحة السيد مقتدى الصدر أعزَّه الله وألسنة ممثليه:

أما الخطاب السياسيُّ للتيار الصدريِّ فيمكن الإطلاع على تفصيلاته من خلال مصدرين:

المصدر الأوَّل: خطب سماحة السيد مقتدى الصدر مباشرةً ولقاءاته وبياناته. وكلُّها تعبِّر عن هذا المضمون التوحيديِّ بين الشيعة والسنة، فبزَّ في هذا المجال جهود كل المصلحين في التأريخ الإسلاميِّ الحديث، ممن سخَّروا حياتهم من أجل تعزيز مبدأ الوحدة الإسلاميَّة، كالسيد جمال الدين الأفغاني، والسيد موسى الصدر قدِّس سرُّه، وعشرات الأسماء من غيرهما، وهو مصممٌ على السير في هذا الطريق الإصلاحيِّ إلى النهاية، كما هو واضحٌ من خلال تأكيداته المستمرة في بياناته المتتابعة على ضرورة أن يتآخى أبناء الطائفتين الإسلاميتين الكبيرتين، وأن يعملا معاً عملاً جهادياً واحداً ضدَّ الإحتلال.

المصدر الثاني: تصريحات ممثليه، خاصةً تلك التصريحات المتتابعة على لسان الناطقين باسمه كالشيخ صلاح العبيديّ، بالإضافة إلى ما يعلنه خطباء الجمعة الآخرون في المساجد، وكلها واضحة الدلالة على المضمون التوحيديِّ المناهض للطائفيَّة في كلِّ المراحل، حتى في تلك المراحل التي بلغ فيها النزاع الطائفيُّ أشدَّه، فقد كانوا دائماً يدعون إلى نزع فتيل الفتنة، وإلى أن تتوحَّد جهود الشعب العراقيِّ بكافَّة طبقاته ضدَّ الإحتلال الغاشم، ومن شاء فليراجع تلك الخطب والتصريحات العامَّة في خطوطها العريضة، من دون أن يكون للغرض السيِّء مجالٌ في أن يمارس تأثيره في هذا الباب، حيث يلجأ الخصم إلى استلال عبارةٍ من هنا أو هناك مما قاله شيخٌ بسيطٌ أو شطح به لسان أحدٍ حتى لو كان من القياديين، حيث يكون كلُّ ذلك عرضةً للحساب والتوبيخ وتصحيح الخطاب من قبل السيد القائد مقتدى الصدر نفسه والآخرين من قيادات التيار الصدريّ، ولا حاجة لنا للإسترسال في هذا الموضوع، إذ يكون بإمكان أيٍّ كان الرجوع إلى تلك الخطابات والتصريحات في مظانِّها بشكلٍ مباشر.

والكلام نفسه يقال بحقِّ تصريحات وخطب سماحة السيد مقتدى الصدر أعزه الله، فقد جمعت خطبه كلها تقريباً في كتابٍ صدر بعنوان "حجُّ الفقراء" وبإمكان القارئ العودة إليه مباشرةً دون وساطةٍ في النقل من أحد.

أما المفصل الهامُّ من مفاصل مقالتنا هذه، فهو ما نريد الإشادة به من جهود الهيأة الإعلاميَّة العليا للتيار الصدريّ، حيث تقف هذه الهيأة المباركة بتوجيهٍ مباشرٍ من السيد مقتدى الصدر أولاً، وبإشرافٍ من الدكتور عبد الجبار الحجامي ثانياً، ضدَّ هذا الطراز من الخطابات الطائفيَّة، بل إنَّ الدكتور الحجامي هو واحدٌ من اولئك البقيَّة الذين ينعقد عليهم أمل الإعلام العراقيِّ للخلاص من هذا الوبال الطائفيّ، وفي المرحلة السابقة أيضاً من حياة الهيأة الإعلاميَّة ضرب الشيخ صلاح العبيديُّ مثلاً أعلى في الإبتعاد عن كلِّ الآثار السلبيَّة لهذا الخطاب الطائفيِّ البغيض، وكلُّ تصريحاته موجودةٌ ومسجَّلةٌ في القنوات الفضائيَّة والصحف، وبإمكان أيِّ مهتمٍّ الرجوع إليها لمعرفة صدق المقال، ففي كلِّ منشورات الهيأة الإعلاميَّة يسيطر هذا النزوع الحادُّ إلى توحيد صفوف الشعب العراقيِّ ضدَّ الإحتلال، مع الإشادة بكلِّ عملٍ مناهضٍ للإحتلال سواءٌ كان القائمون عليه من الشيعة أو من السنة بلا أدنى فرق، كما انَّ الخطاب الثقافيَّ الإسلاميَّ للهيأة الإعلاميَّة يركز على مناطق الإشتراك في العقيدة الإسلاميَّة ولا يشير إلى مناطق الإختلاف، مشجِّعاً كلَّ الأعمال التوحيديَّة التي تنزع نحو اتخاذ هذا المسلك، وقد وجدت أنا شخصياً الرعاية الكاملة من هذه الهيأة لأني أحمل هذا الهمّ، وأتجه في كتاباتي نحو الرغبة في إزالة كلِّ مناطق الإختلاف على مستوى الحياة السياسيَّة والثقافيَّة بين الشيعة والسنة، فجزاهم الله خير جزاء المحسنين على اتخاذهم هذا المسلك الدينيَّ والوطنيَّ المشرِّف، وسيجدون منا الدعم كله في كلِّ ما يحتاجون إليه مما نكون قادرين عليه إن شاء الله.

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1129  الثلاثاء 04/08/2009)

 

 

في المثقف اليوم