قضايا وآراء

الجواهري في بعض شجون الغربة ولواعج الحنين

قبل العربية... وإذ تطول الغربة، وقل المنفى ولا تخف، تتعاظم أحاسيس الوحدة وحرقة الهضيمة من الجحود، ثم تتداخل وتتفاعل اللواعج يوماً بعد آخر، فتفجر قصيدة تلو أخرى، تختلط فيها العواطف والمواقف الوجدانية والوطنية، وما بينهما كثير... ومنها لامية "بريد الغربة" التي بثـّـت شجوناً وهموماً حبلى بالوقائع والأحداث عام 1965:

لقد أسرى بيّ الأجل وطول مسيرة مللُ

وطول مسيرة من دون غاي، مطمح خجل

 

وكما هي تقاليده المتميزة، راح الجواهري في هذه القصيدة يشبك الخاص بالعام، والحنين بالغضب، والرقة بالعنف... وفي أكثر من ثلاثين بيتاً، غلبت فيها صور الشكوى ومرارة التساؤلات، دعوا عنكم التمنيات المؤثرة...

 

أقول وربما قول ٍ يـُـدلُّ به ويبتهلُ

الا هل ترجع الاحلام ما كحلت به المقل

وهل ينجاب عن عيني ليل مطبق ازل

ألا هل قاطع يصل لما عيّت به الرسل 

 

وفي مقطع تال ٍ ، يشحن الجواهري الذي تخنقه عبرات الاغتراب عن الأهل والناس والبلد، تعابيرَ ومفردات ٍٍ مباشرة دون تكلف، نابعة من الصميم، لتخاطب الأحبة الذين يريد الاستنجاد بهم، وهو "الشريد" مهما حسنت الضيافة، وعزّ المقام.

 

ويا أحبابي الأغلين من قطعوا ومن وصلوا

ومن هم نخبة اللدات عندي حين تنتخلُ

 

وإذ تطول غربة شاعر البلاد ورمزها الثقافي والوطني إلى براغ، وغيرها من مدن وعواصم الدنيا، وتمتد إلى ما يزيد على ثلاثة عقـود، مع فتـرات اسـتثنائية كانت هي غربة أيضاً، ولكن بصورة أو حال أخرى، بقيت هذه القصـيدة التي نكتـب عنها ترافقـه في حل ٍ هنا، وترحـال هناك، يلقيهـا في الكثير من الفعاليات والأمسيات الشعرية التي تقيمها له التجمعات العراقية المهاجرة والمغتربة في بلدان عدة... وقد لا نبالغ في القول أن تلك اللامية الحنون كانت تعبّر عن دواخل لا الشاعر فحسب، بل وجمهور مواطنيه الممتد في مختلف مشارب الدنيا والذي تـَـشاركَ معه في ذات الهموم والشجون والحنين، وبقي يردد ما قاله الجواهري منذ أزيد من نصف قرن، وربما إلى اليوم:

 

سلاماً أيها الثاوون اني مزمعٌ عجلُ

سلاماً أيها الخالون ، ان هواكم شغلُ

سلاماً كلّهُ قـُـبلُ ، كان صميمها شـُـعل 

 

رواء الجصاني

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1133  السبت 08/08/2009)

 

في المثقف اليوم