قضايا وآراء

هموم في متحف الذاكرة الفنية العراقية.. "حول والنجار وآخرون" (ق1-1)

وتاريخها الصاخب وسينمائيوها خارج الإنصاف. يقودنا فيهما مباشرة بخبرته الطويلة، وارصاداته وملاحظاته الدقيقة. إلى إهمال عميق الخطورة وبعيد الغور في بنية الثقافة العربية بشكل عام، والعراقية بشكل خاص. إذ يؤشر لإهمال الذاكرة بطريقة يستشف منها بيسر وسهولة حجم المأساة والكارثة. ولنستمع أليه يصف كيفية تعامل الأوربيين مع ذاكرتهم. من خلال زيارة إلى أستوديو سينمائي في امستردام: (...شاهدت قسما كبيرا يعمل فيه عدد من الصبايا أمام أجهزة تصحيح الأفلام السينمائية من الخدوش التي تحصل على الفيلم السالب أو الموجب بنوعيها من قياس 35 و16 مليمترا. وأثار ذلك فضولي في وقت تتحول فيه التقنية حتى السينمائية عبر الفيديو والحاسوب. وبرامجه الكثيرة والناجحة في العمليات الفنية والتوليف. سألت مدير الأستوديو فاخبرني أن هذا جزء من تاريخ أوربا. عرفت بأنه في أوربا التي توحدت، ثمة آلية تفصيلية في كل مناهج الحياة تسير باتجاه الوحدة الأوروبية، ومنها الذاكرة. وعندما سألته لماذا هذا جزء من التاريخ وليس كل التاريخ فقال لي: أن ثمة صندوقا اقر تأسيس الذاكرة الأوروبية وقام بجمع كافة الأصول السينمائية السالبة والموجبة. وبفعل التقادم والأحداث التي مرت بها أوربا، ورغم العناية غير العادية بالوثيقة السينمائية، فأن الكثير من الأفلام تعرضت لتلف جزئي. فالوثائق التي ليس لها أصول سالبة (reversal) التي كانت تعرض مباشرة بعد الإظهار. أو الأفلام الموجبة التي فقدت أصولها السالبة. أو الأفلام السالبة التي تعرضت للرطوبة أو للحرارة عبر تاريخ أوربا القديم منذ نهاية القرن التاسع عشر. هذه الوثائق تشكل تاريخا وذاكرة للشعب الأوربي وللقارة الأوروبية. وفيها من الأحداث الخطيرة ما يشكل ذاكرة التاريخ. وقد تم تقسيم كل هذه الوثائق الكثيرة والهامة على كافة استوديوهات أوربا بالتساوي. للمباشرة بترميم وترتيش تلك الأفلام).. يحق لنا الانبهار بهذا الجهد الهائل والإصرار الثابت وللتذكير(من نهاية القرن التاسع عشر). ولا يقتصر الأمر على ذلك بل- وهذا فقط لكي نتأمل عمق مأساتنا- وكما يستمر(حول) مذكرا بأن هذه هي العملية الأولى وتوجد هناك عمليات أخرى من نقل الأصول على الذاكرة الخارجية للحواسيب، إلى حفظ الأفلام وغيرها من الأمور. ولنقفز ألان لصورة تختلف قليلا جدا عن صورة (الحفظ ذاكرتي) الأوربي - بالمناسبة بما أني احب التحريف فقد حرفت كلمة (قليل جدا) فلا توجد أي كلمة تصف البعد الحقيقي بين الصورتين- يقول (حول): (في عام (1973 ) زرت جمهورية اليمن..السابقة والتقيت وزير الثقافة آنذاك عبد الله باذيب..خبرني بأن ثمة علبا سينمائية يعلوها الصدأ مرمية في سرداب تابع للوزارة. وطلب مني أن ابحث في هذه العلب التي لا يعرفون ماذا في داخلها.عندما دخلت السرداب لم يكن الأمر سهلا.، فالعلب يعلوها الصدأ والكمية كبيرة والغبار يشكل طبقة فوقها. فطلبت علبة واحدة افحصها كعينة..مسحت الغبار عن العلبة وفتحتها..قررت وبحذر شديد أن اعرض منها دقيقة واحدة..كانت اللقطات الأولى لجنود بريطانيين..ثم شاهدت لقطة لسلطان يمسك بيده عصا وفي نهاية العصا رأس كبير من القار الجامد تبرز منه أطراف المسامير المدببة..فهمت لاحقا بأن هذه العصا هي وسيلة الإعدام...خبرت الوزير بأهمية الوثائق وسألته لماذا هي مرمية وصدئة...). نستطيع طبعا بعد هذين الصورتين أن نعرف الفارق التخزيني بينهما. ومن عمق سراديب ذاكرة الشعوب العربية السينمائية، ومن غبرة أتربتها وصدئها. نتحول مع (حول) إلى الذاكرة السينمائية العراقية. لنرى ما في جعبة الأقدار من أخبارها: (وفي العراق..أحرقت الدولة الشمولية وثائق العراق للفترة من الرابع عشر من تموز 1958 حتى الثامن من شباط عام 1963 باعتبار تلك الفترة كان يتزعمها عبد الكريم قاسم وبعد أن اعدموه في دار الإذاعة اعدموا سجله المرئي كاملا فاختفت مرحلة هامة موثقة من تاريخ العراق وفيها تفاصيل الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية. ولم يتبق منها سوى بضع لقطات متوفرة في وكالات الأنباء المصورة، وبعد احتلال العراق..تم إحراق كافة الأفلام العراقية في مخازن مؤسسة السينما العراقية،الأفلام الوثائقية والروائية المنتجة منذ بداية الأربعينات وحتى بداية الاحتلال...)، ينتقل (حول) في المقال الآخر إلى إهمال السينمائي العراقي عربيا ويبدأ غارزا مسامير تاريخية في جغرافية الذاكرة، إذ يذكر المعنيين بكل أدب ولطف بالكرم العراقي الذي كان ولا يزال فياضا مهما اختلفت الظروف والأحوال في شتى المجالات. ولأنه سينمائي يلج من باب الذاكرة السينمائية مستذكرا ومذكرا: (في عام 1964 تأسست في العراق الشركة العراقية المصرية للإنتاج السينمائي...وكان رأس مال الشركة يتكون من نسبة واحد وخمسين بالمائة حصة العراق، وتسعة وأربعين بالمائة حصة مصر، ومن أهداف هذه الشركة توزيع الأفلام المصرية في العراق وتوزيع الأفلام العراقية في مصر. كان معدل إنتاج الأفلام السينمائية في مصر من مائة إلى مائة وعشرين فيلما في العام الواحد، فيما إنتاج الأفلام العراقية فيلم واحد في كل عامين. ومع هاتين النسبتين غير المتكافئتين فأن كافة الأفلام المصرية قد تم شراءها فيما لم يتم شراء ولم يعرض فيلم عراقي واحد في مصر. وقد وضعت الشركة في خطتها إنتاج أول فيلم عراقي مصري مشترك تموله الشركة والتي مقرها العراق هو فيلم (قطر الندى). لكن الفيلم كان مجرد إعلان وإعلام، ولم يتم التحرك في إنتاجه ولا حتى في كتابة السيناريو...وقد لعب الكثير من الممثلين المصريين والعرب من سورية ولبنان وفلسطين أدوارا في الأفلام العراقية المنتجة أبان فترة السبعينات. إضافة إلى فرص إنتاج الأفلام الوثائقية العراقية..كان يستعصي على بعض المخرجين العرب كتابة المعالجة السينمائية لعدم معرفتهم بطبيعة الواقع والمشكلات العراقية. فكان زملائهم العراقيون يعمدون لكتابة الموضوعات الوثائقية ويقدمونها باسم المخرجين العرب. لكي تتاح لهم فرصة العمل والإنتاج. أما في مجال الأفلام الروائية فقد نفذ المخرجون المصريون على سبيل المثال أفلامهم بميزانيات خرافية في مجال الإنتاج السينمائي العربي...كانت ميزانية فيلم (القادسية) للمخرج (صلاح أبو سيف) اثنين وثلاثين مليون دولار وتقاضى مخرج الفيلم أجوره في الإخراج  مليوني دولار. في حين كانت أجور المخرج العراقي بحدود سبعة آلاف دولار...ومن يشاهد الأفلام العراقية سيجد أسماء كثيرة من الممثلين المصريين والعرب، وكانوا يتقاضون أجورا خيالية فيما الممثل العراقي كانت أجوره لا تتجاوز الألف دولار في الفيلم. كل هذا ولم تفتح العين الحاسدة ولا الشفاه واللسان المعاتب...وطوال حقبة حكم الدكتاتور لم يتسلم ولا سينمائي عراقي مهاجر واحد دعوة للعمل في البلدان العربية، بل لم يتسلم سينمائي عراقي مهاجر واحد دعوة لحضور مهرجان سينمائي...كانت الدوافع المعلنة أن البلدان العربية على علاقة سياسية مع نظام الدكتاتور الحاكم ويتعذر على تلك البلدان رعاية السينمائيين  العراقيين باعتبارهم معارضين للنظام، سقط..الدكتاتور...وسقطت ذريعة عدم رعاية السينمائيين العراقيين من قبل مؤسسات السينما العربية ومهرجاناتها، وسقطت أيضا ذريعة القنوات الفضائية العربية التي امتدت في سماوات الشرق الأوسط. وهي تحتاج إلى كم هائل من السينمائيين والأفلام الوثائقية والبرامج التلفزيونية، لأن التلفزيون فم جائع ممكن إن يلتهم التبر والتبغ على حد سواء. ولم يدع للعمل فيها أي من السينمائيين العراقيين الموجودين خارج العراق...السينمائيون العراقيون المنتشرون في أنحاء شتى من هذه الكرة الأرضية يستعصي عليهم الإنتاج السينمائي حتى في ابسط أنواعه. وان اكثر محاولة يحصل عليها السينمائي العراقي في بلدان المهجر، أن يحصل على بضعة آلاف من الدولارات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة لأنتاج شريط فيديو عن مشاكل الهجرة العراقية وهو نوع من التسلية السينمائية لا غير...). وسنترك سطور (حول) المدوية والتي سنعود إلى متابعة جوانبها الأخرى لاحقا،لنتوسع قليلا في إنتاج الفيديو العراقي المشار أليه في نهاية الفقرة أعلاه، فتحت عنوان (فيديو عراقي2) يأخذنا (حسن بلاسم) بانطباعه القيم عن الموضوع،ليحرضنا من ثم على استكشاف مساوئه. والحديث عن أشرطة الفيديو له ما يبرره ويرجح التأمل فيه حيث أن السينما العراقية معطلة منذ زمن بعيد. كما يعرف المتابعون وكما يشير (حول) ويتابعه (بلاسم). وإذا كان الأول يصف اغلب الأعمال الفيديوية بأنها نوع من التسلية السينمائية لا غير. فان الثاني يتفحص القضية بشكل اعمق ويلح- ومعه الحق- على التعريف بالمغزى المبطن الذي يستتر في حمى هذا الإنتاج المتكاثر فيقول: (..فالمهرجانات هي أيضا أسواق..تصر اليوم على طلب الأفلام العراقية لأغراض عاطفية أولا، تتعلق بدغدغة مشاعر الأوربيين الغاضبين على أمريكا، وتسويق الصورة القادمة من العراق وأي كانت جودتها، ولو كان بمكنة صناع الفيلم في أوربا أن يحملوا كاميرا تهم إلى العراق، لما كان هناك مجال لمنافسة أفلام الفيديو التي يصنعها الشباب اليوم في العراق..يواصل صناع الفيديو في العراق العمل كمراسلين لإخبار الدمار...هناك قضية بديهية اسمها شكل الفيلم،بينما اغلب أعمال الفيديو العراقية اليوم تحاول استغلال بشاعة الصورة في العراق فقط. في حين ينسى المبدع أن ظروف مثل ظروف العراق يمكنها أن تخلق أشكالا جديدة في التعبير، ولا يمكن حمل الجثة المحترقة من الشارع بطريقة مسالمة. فعين الكاميرا المبدعة ليست نقالة إسعاف ولا هي عين هذه الوكالة للأنباء ولا تلك..)، يقول أخيرا في مقالته، كفى بديهيات يا حسن.  وأنا أقول: ليس كافيا وحقك يا حسن. فواقعنا المرير يؤشر جهلا فاضح وعجيب تتغومض في لجته البديهيات والضروريات. وسنمضي في تشخيص خراب الذاكرة الفنية العراقية تاركين التعليق لحيين بلوغ الخاتمة في قسم الدراسة الثاني والأخير. فنتحول الآن إلى (هموم تشكيلية عراقية3) زفر من همومها التشكيلي (علي النجار) الذي أثارت اهتمامه أسئلة حوارية طرحها عليه أحد مراسلي القنوات الفضائية، أسئلة تتعلق بمحنة التشكيل العراقي. يقول بعد أن رسا الحوار على فاجعة حرق ونهب وتدمير محتويات (مركز الفنون) البغدادي: (أرجعتني الذاكرة إلى أيام تأسيسه الأولى في بداية الثمانينات من العام المنصرم.وحسب الروايات الموثقة أنشئت بنايته كمركز تسويق في شارع حيفا من الكرخ في بغداد.وتشاء الصدف أن يمر وزير الثقافة من أمام المبنى وبمعييته بعض التشكيليين المتنفذين،وكان مقترحا من قبلهم للوزير، أن يحاول الحصول على هذا المبنى الحديث ليحول إلى مركزا أو متحفا للفنون التشكيلية، بما إنها مبعثرة في اكثر من مبنى لا تصلح أساسا كمتاحف، ويتم فعلا تحويل هذا المبنى في عام (1986) إلى (مركز الفنون)...ولسعة المنجز التشكيلي العراقي وتنوع تجاربه فقد احتوى هذا المرفق الحضاري أمثلتها المختلفة، وكان يمثل اكبر مجموعة انتقائية تشكيلية عراقية على مدى نضج الحداثة العراقية وما قبلها..وكان مركز الفنون البغدادي من أهم المتاحف التشكيلية العربية الحديثة على قلتها. في التاسع من نيسان عام (2003) تبخر مركز الفنون ولم يبقى منه شيئا، كيف حدثت الجريمة بعد دخول القوات الأمريكية بغداد؟ وهل هي جريمة منظمة؟ ومن الفاعل أو الفاعلون..؟ وأين حماية مرافق الدولة الرسمية والثقافية والتي هي ملك للشعب من قبل المحتل أو(المحرر)...فاعتقد بأن نهب حصيلة التشكيل العراقي للمائة عام الماضي أو اكثر بقليل. ساهم فيه اكثر من طرف خبيث،أن كان وراء ذلك أجندات تهدف إلى نسف الموروث والذاكرة الثقافية العراقية وبهذه الفجاجة التي لا مثيل لها حتى في الزمن النازي. فهل اختلفت أم اختلت الأزمنة؟...)، نعم آيها (النجار). إن كل شيء يختلف ويتغير ما عدى تكرار الأخطاء العراقية مهما تعددت التجارب، حتى إننا نستطيع أن نؤشر براءة اختراع (استنساخ التكرار) وبكل فخر للمجتمع العراقي حصرا. دون أن يجارينا أو يقترب من كفاءتنا أي منافس من دول العالم الثالث فضلا عن المتحضر. ويضيف النجار تحت عنوان (تجربة شخصية) من نفس المقال: (في عام 1997وقبل خروجي نهائيا من العراق بأشهر قليلة، تفاجأت بعرض إحدى لوحاتي الزيتية والتي هي من مقتنيات مركز الفنون المتحفية. في إحدى قاعات العرض الخاصة في بغداد، وطلبت من صاحب القاعة أن يريني الختم المتحفي الموجود في خلفيتها. بعد تفحصي لها وجدت أن موضع الختم تعرض للإزالة بمادة قاصرة تركت أثرها على مربع مساحته، وحينما نبهته لذلك، اقر بصلافة بأنه اقتناها من شخص ما (صاحب القاعة هذه، هو ألان أحد رموز التشكيل العراقي الفاعل في العراق الجديد)...، وبالنسبة لمركز الفنون السابق يقص علينا (النجار) خاتمته التراجيدية كالتالي: (…كانت هذه البناية شؤما على النتاج التشكيلي المخزون في مخازنها التحت أرضية، والتي نهشتها فاجعتين:الأولى نزيز البترول الذي تسرب من محطة الوقود المحاذي للبناية،والثانية نزيز مياه دجلة الذي تسرب هو الآخر من النهر القريب. وتعفرت الرسومات والمنحوتات بهذين السائلين السماويين لحد تفتت العديد من الرسوم الزيتية، سواء للرواد (رحمهم الله أو للأجيال اللاحقة)، وهذا يعني أن الأعمال التشكيلية التي سلمت من المافيا التهريبية واللصوص،وقعت ضحية أو انتقام البناية نفسها، وهكذا نحن (بناة الحضارات الصلبة) لا نستطيع أن نبني الهش من أعمال حضارتنا الحديثة …). من الطريف جدا أن يصبح ارثنا التاريخي الفني وذاكرتنا الحضارية بين رحمة أل(نزيزين) فقد اصبحا من النعم العراقية العظيمة بعد الرافدين ولله الحمد. واخيرا وليس اخرا لنواصل استعراض مآسينا والبوح بهمومنا ولننطلق مع (ناظم السعود) هذه المرة ومن خلال مقاله (مطلوب مولدة لثقافة العراق4) جاء فيها:( تملكتني الدهشة الممضة وأنا أطالع في (الصباح) تحقيقا صادما بل فاضحا لمأساة المكتبة المركزية في جامعة بغداد...وأنا اقرأ تفاصيل ما جرى ويجري لأهم مكتبة ثقافية وعلمية وأكاديمية في العراق..هي مؤسسة رصينة تكاد تحتل مكان الريادة بين عموم المؤسسات الأكاديمية والثقافية النظيرة وقد أصبحت منذ عقود مرجعا رئيسيا للباحثين وطلبة الدراسات العليا وعموم المثقفين...ومنها شعت الثقافة واغتنى التعليم في العراق لمدة ناهزت الخمسين عاما. ومثل أي جزء أو مفصل في الحياة العراقية، كان للمكتبة نصيبها من تلك الزلازل والفواجع التي هزت العراق من نيسان  2003. فقد أصابها ما أصاب بقية المؤسسات من الدمار والنهب والحرق وهيمنة اللصوص، غير أن ما جرى بعد ذلك للمكتبة العامة لم يحدث لغيرها...وكان من المأمول للمكتبة أن تولد ولادة ثانية..ولاسيما بعد أن رصدت الميزانيات المليارية ثم الترليونية لأربع سنوات متتالية. لكن تحقيقا ميدانيا جريئا كالذي قرأته قبل أيام أعادني بقوة إلى صورة أخرى هي غير معلنة أو معروفة لولا انتباهه صحفية ذكية، وفي التحقيق ثمة ما يخجل ويخدش الذات الثقافية والوطنية..هناك تفاصيل عن الحال الفاجع الذي يوشح المكتبة المركزية باسوا المظاهر وأكثرها خزيا وإدانة. وهنا اسأل ولا انتظر جوابا:هل هناك حالة موجعة اكثر من أن تعيش المكتبة حالات من الظلام (السرمدي) بسبب انقطاع التيار الكهربائي عنها ؟..وهل نصدق أننا في القرن الواحد والعشرين ونجد اكبر مكتبة علمية وثقافية في العراق وقد أثقلت كاهلها الأوساخ وسخام الحرائق والأتربة المتراكمة حتى أن المطالعين والموظفين يستخدمون كفوفا واقية ومصابيح يدوية للتجوال في العتمة بحثا عن كتاب أو مرجع أو أطروحة علمية. على أن السؤال اللجوج الذي يرد هنا ولا يمكن أن يرد ألا في ارض السواد: المكتبة تعود إداريا إلى وزارة التعليم العالي، فهل من الصعب على وزارة إن توفر (مولدة) كهربائية لأعادة الحياة المنهوبة والمعتمة في اكبر واقدم مكتبة جامعية؟ وهل من المستحيل إن يحصل المسؤولون في وزارة التعليم العالي على (كبل) مناسب لربط المكتبة بخط الطوارئ الذي لا يبعد عنها سوى أمتار معدودة ؟ ثم كيف تكون هناك وزارة حقيقية للتعليم العالي وفيها مكتبة مرجعية (غاطة) بالأتربة والظلام والسخام...). اكتفي بهذا القدر من جولتي الاستعراضية في تشخيصات خرائبية للذاكرة الفنية العراقية بمختلف أقسامها لتكتمل صورة الخراب الاقتصادي والاجتماعي والتدميري على سطح الواقع السياسي الاجتماعي في عراق اليوم. المتهاوي نحو هاوية اخطر أن لم يتم الإسراع في احتواء الأزمات الحالية ومحاولة إصلاحها من العطب. وما دمت وصلت إلى ضفاف الخاتمة لابد إن أضيف لبنات أولية ستكون بمثابة مدخل ومقدمة للقسم الثاني من هذه الدراسة والتي ستنشر لاحقا- بعون الله- ولأبدأ ذلك:

من خلال العرض الموجز والسريع لنصوص المقالات التي اخترتها كمصدر استعين فيه على تحديد ملامح الدراسة المتواضعة هذه. لابد وان تثار في الذهن أسئلة عن المصادر من جهة، وعن مجمل الدراسة من جهة أخرى. وعلى الرغم من أن الدراسة ستخصص قسمها الثاني المعنون (بعض المقترحات والحلول)....

 

يتبع

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1133  السبت 08/08/2009)

 

 

في المثقف اليوم