قضايا وآراء

المثقف ودوره في تأسيس الدولة العراقية الحديثة.. / حكمت مهدي جبار

المتخلفة للدولة العثمانية التي احتلت العراق ردحا طويلا من الزمن.وولد النظام الملكي العراقي في خضم حكم السيطرة البريطانية الأنتدابية ليأتي كأنبثاق سياسي جديد في العراق رافضا بشدة العهود التأريخية السابقة خصوصا بقايا المركزية العثمانية ومرتكزاتها القائمة على ( الولاء للخلافة) المستحدثة في عهد عبد الحميد الثاني والتبعية لمركزية السلطة القائمة في الأذهان حتى ذلك العهد .لقد واجه العهد الجديد ركاما من التعقيدات السياسية والاجتماعية التي خلقتها المداخلات الاستعمارية للأنكليز على ارض العراق . بدأ مثقفوا العراق الى جانب سياسييه وعسكرييه من رعيل جيل المخضرمين العثمانيين في بناء الادارة الجديدة والتكوين الحديث والتحركات المرتبطة ارتباطا كاملا بالمستشاريين البريطانيين وعمدت المملكة العراقية الى وضع قوانين جديدة واجراء اصلاحات جذرية واقرار دستور للبلاد..أن جيل المثقفين آنذاك هو الذي عرف كيف تلاشت القيم المتوارثة عن العثمانيين وحلت محلها قيم العراق الجديد لاسيما وهو يعيش تأسيس الحكومة. وفي الوقت الذي وقف مثقفو العراق في ذلك الزمان مع بناء الدولة وتشكيل الحكومة الجديدة الا ان طابع عدم ألاستقرار غلب على علاقاتهم بالسلطات العديدة.خصوصا مع العرش والانكليز والحكومة وقد شغلت تحركاتهم ميدانين كبيرين حافلين بالنتاجات الثقافية والفعاليات وهما الصحافة والبرلمان .ولم ينجم عدم الاستقرار ذاك عن اسباب سياسية بحتة فحسب بل كانت هناك اسباب اجتماعية وتأريخية تثيرها دوما سياسة التحالف مع الانكليز اولا ومؤثرات العقليات العثمانية القديمة ثانيا)3 ..لقد عاش المثقف العراقي ازمة البحث عن الاستقلال جنبا الى جنب مع اكتشاف ذاتهم اي التطلع لبناء هوية عراقية لها مقوماتها التي يرونها في انفسهم بعيدا عن التدخلات الأجنبية والسلطات الأنتدابية المهيمنة في الداخل والتي استجيب لها في داخل العراق لأسباب معينة ولكن العوامل التاريخية والحضارية لم تكن مستجيبة لها .ومن الواضح ان اغلب الطبقة المثقفة العراقية آنذاك هي طبقة وطنية  فعاشت صراعا نفسيا متأثرا بحكم عوامل التناقض والصراع ما بين التخلص من الأرث العثماني والسيطرة البريطانية من أجل نيل اسم وهوية الوطن الجديد (الهوية العراقية). أن المثقف هو الأنسان الذي يفسر امور واقعه وبحس وطني أكثر من السياسي لذلك نظر الى قضية الوطن بأعتبارها قضية ثقافية اكثر مما هي سياسية .فالمثقف أكثر تفاعل مع القضية لأنه يشعر بها ويحس بوقعها على نفسه لأنه خال المصلحة الشخصية ولم يفكر بمنصب او مركز سياسي بقدر ما ينظر الى تحقيق غايات انسانية نقية من الأنانيات السياسية والتحزبية .ان المثقف العراقي هو الذي ادرك كيف ان الرواسب العثمانية اثرت في تكوين الشخصية العراقية بسبب طول الفترة الزمنية التي حكم بها العثمانيون فضلا عن اعتناق العثمانيين للأسلام .حيث ناصر العراقيون العثمانيون ضد الأنكليز بسبب تلك الاعتبارات الى جانب ما قام به العثمانيون من (اصلاحات) في مختلف مرافق الحياة العراقية..بقي العراقي المثقف حريصا على تأجيج الروح الوطنية فكانت الخطب والقصائد تلقى لتثير حماس الجماهير وتحسسهم بدورهم الوطني منهم محمد مهدي البصير الذي سمي (ميرابو الثورة). وكان لزاما على المثقفين العراقيين في ذلك العهد ان يصهروا جملة من المفاهيم والعناصر الفكرية من خلال تكوينهم السياسي بشكل خاص في خضم المصادر التي اعتبرت بمثابة مرجعيات اساسية لهم في تأطير الحياة السياسية والأجتماعية الجديدة التي بدأت مع تكوين العراق المعاصر. ورغم المزيد من الاخفاقات التي لازمتهم وخصوصا في القضاء على الكثير من المتناقضات الفكرية ازاء السلطة وفي هيكل متجانس ينأى عن القديم وفك ربقة التحديات والاحداث القاسية والخروج بعلاقات ذات نمط جديد من التعامل والخبرة والحرية ودعوة العديد منهم للتعامل مع الواقع بأسلوب عقلاني تقل فيه الطوباويات والمثاليات .صحيح أن الحكومة العراقية اول ما تأسست تأسست مملكة ولكنها نع ذلك كانت تمد الجسور بينها وبين رجال الثقافة من شعراء وأدباء وكتاب حتى ان الملك فيصل الأول كان يستمع الى اراء المثقفين النقدية حتى النقد الموجه اليه وبشكل لاسع من قبل بعض الصحفيين.أن اقتراب الملك من المثقفين العراقيين في ذلك العهد انما يعبر عن اهتمامه بالثقافة ودور المثقف في تأسيس قواعد الدولة .والدليل على ذلك انه قام بأسناد مسؤوليات عليا في الدولة لعدد كبير من المثقفين مثل المناصب الوزارية وعضوية مجلس الأمة العراقية. ولم تكد تخلو وزارة من الوزارات التي تألفت في سنوات عهد الملك فيصل الاول من وزير اديب او عالم معروف او كاتب كبير .مثل جعفر ابو التمن ومحمد رضا الشبيبي وكذلك مجلس الأعيان مثل الشاعر جميل صدقي الزهاوي والمجالس النيابية مثل معروف الرصافي ومحمد مهدي كبة وحمود الملاح وروفائيل بطي وغيرهم. أحتل المثقف مكانة كبيرة في الدولة العراقية منذ تأسيسها. وقد شعر الملك فيصل الاول بتلك المكانة فعمل على انماء عمل المثقف كأساس قوي لأنماء آلية الوعي السياسي .فلم يهمش المثقف ولم يجلب اناس لاعلى التعيين وبطريقة عشوائية ولم يختر على اساس طائفي وحزبي وفئوي بحيث يمر الطالح مع الصالح .وأحترم المؤسسة الثقافية ايما احترام من ادباء وشعراء وكتاب وفنانين .فعمل على ربط التجربة السياسية للحكومة العراقية الجديدة بالتجربة الثقافية .فتراه دعى الى ممارسة فكرية حرة على اسس تقدمية منفتحة على الجميع والسماع للرأي الآخر مهما كان انتمائه العراقي سواء كان ليبرالي او قومي او علماني او ديني ...  

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1582 السبت 20 /11 /2010)

 

 

 

في المثقف اليوم