قضايا وآراء

التعصب وتدمير الذات / حكمت مهدي جبار

حيث يؤدي به التعصب الى أن يتمسك برأيه ويتشبث به الى الحد الذي يفقد فيه التمييز بين صوابه وخطأه.فيتخذ من جراء ذلك موقف وأتجاه نفسي جامد مشحون بالأنفعال . والأخطر في ذلك هو عندما تدخل في الأمر المعتقدات والأنتماءات الدينية والسياسية وغيرها ..

 أن التعصب يثير مشاعر ودوافع عدوانية مكبوتة في بعض النفوس المليئة بالأنفعال ومشاعر العدوان والأحباط والتي تبحث عن كبش فداء تلقي عليه كل أخطائها وعيوبها، حيث تجد في ذلك تنفيسا لأحاسيسها ومشاعرها المكبوتة الأمر الذي يعوق الأدراك الحسن ويحرف الفهم ويضعف الفكر حين تتداخل المعايير الثقافية والقيم الأجتماعية وخبرات الماضي وما يرافقها من مشاعر وأنفعالات واختلاف الفروق الفردية. لقد دعى الأسلام الى الأستقامة والألتزام وعدم أتباع الأهواء . بل دعى وبشدة الى رفض التعصب الأعمى، وجاء في اغلب نصوصه أن التعصب أساسه الجهل والذي تبنى عليه كل الصراعات الفكرية فتولد المنازعات وتشتد الخلافات وتحتدم الصدامات بين افراد المجتمع الواحد،الى الحد الذي وجد في بعض المذاهب السياسية والأتجاهات الفكرية والتيارات الدينية في أنها (تكفر) الآخرين دون برهان ولا دليل،وذلك بسبب عدم تقبل الآراء المختلفة وتبني الأطروحات وجعلها موضعا للنقاش، فهم بذلك وضعوا انفسهم رهن التعصب الأعمى. كان الخط الأول في صدر الأسلام متمسك بعقيدته، وذلك من حقه،اذ ان ذلك التمسك نابع من حبه لعقيدته . وكان المسلم الأول لم يكتفي بالشعارات فقط بل كان يدافع عن تلك العقيدة . ولكنه لم يكن يدافع عنها بالتعصب الأعمى .بل كان يفكر ويحلل ويستنتج وبوعي ويعرف كيف يتعامل مع المختلفين معه بسعة ورحابة صدر وقلب كبير.بينما بقيت الأمة بعد غياب (القدوة) تعاني الويلات والمآسي من تصرفات وممارسات خط التعصب المذهبي والأرهاب الطائفي،أولئك الذين كانوا يعتقدون ان الحق منحصر في آرائهم، والجنة لاتتسع لغيرهم ويجيزون لأنفسهم محاسبة الناس ومحاكمتهم على اعتقاداتهم وأنتماءاتهم ويعتبرون (الرأي الآخر جريمة) ولايطيقون سماعه فضلا عن محاربته وأجتثاثه.

 بعد االسقوط ونجاح الولايات المتحدة الأميركية في السيطرة على العراق بالكامل وعودة القوى الوطنية بمختلف الوانها لتمارس عملها داخل العراق بحرية مطلقة غالت بعض تلك القوى بممارساتها . وأنسحب ذلك الغلو الى المؤسسة الحكومية لاسيما بعد أن حصلت بعض تلك القوى على مناصب في الحكومة وصار زمام الأمور في يدها.فصار في بداية الأمر غلوا في المواقف وغلوا في السياسات وغلوا في الدين .صحيح أن التعصب للحق مطلوب والدفاع عنه واجب، ولكن لاينبغي أن يكون الدفاع عن الحق بهذا الغلو، وتحميل الدين بأمور وزوائد ما أنزل الله بها من سلطان.حيث تحول الدين الى اغواء ورغبات ومزاج وأنتقام .بينما نهى الله تعالى عن الغلو في الدين لأن الغلو مفتاح الشرك (ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون).8 الأنفال. ان التعصب للحق بعقلانية وبدون انتقام غير سيء والدفاع عنه لايعتبر باطلا فلا يحق لأي شخص ان يحاسب الآحر على دينه أو عقيدته أو فكره فذلك الأمر موكول لرب الخلق يوم الحساب.والتعصب في حقيقة الأمر يعمي بصيرة الأنسان فتراه يتخبط في دينه . فيسيء الى الدين ويخلق حالة كره لدى الآخرين فيكرهون الدين بسببه.مثلما كان رجل الدين في اوربا زمن القرون الوسطى سببا في ابتعاد الناس عن الدين، بل ابتعاد بعض المفكرين وبعض العلماء والفلاسفة عن الدين فسموه (بالأفيون) الذي يخدر الشعوب ويمنعها من التقدم في حياتها.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1586 الاربعاء 24 /11 /2010)

 

 

 

 

في المثقف اليوم