قضايا وآراء

هل يستحق "الحوار المتمدن" جائزة مؤسسة ابن رشد للفكر الحر؟ / صائب خليل

 في إحتفال في متحف الفنون الإسلامية في برلين.

 

وككاتب سابق منعت مقالاته في الموقع المعني، بعد سنوات من الكتابة في الموقع، إثر إرساله مقالتين حول الأسلوب المهين الذي يستخدمه بعض الكتاب الكرد في التعامل مع الشأن العربي والشعب العربي بشكل عام، وفي العراق بشكل خاص، فإني أشعر بأن إسم مؤسسة ابن رشد "للفكر الحر"، وأهدافها المعلنة بالعمل على "تعزيز الفكر الحر في العالم العربي" تصبح موضع شك.

 

لقد توقفت علاقتي بالحوار المتمدن بعد رفضه نشر المقالتين التاليتين (1) (2) واللتين تمثلان الحلقتين الأخيرتين من سلسلة من أربعة مقالات موجهة إلى نقد سلوك بعض المثقفين الكرد، ولم تحتوي أية كلمات بذيئة أو شتائم، كما أن الحوار المتمدن لم يستطع أن يشكك بالأسلوب العلمي في كتابتها وفي إشارتها إلى مصادر موثقة لكل إدعاء جاء فيهما، تماماً كما جاء في مقالتي الحلقتين الأولين. لذلك فقد تم رفض المقالتين إستناداً إلى "حق" الموقع في رفض أية مقالة "دون إعطاء سبب"، حسب ما جاء في نظامه، وهو نص بحد ذاته يدحض ادعاء مؤسسة ابن رشد بأن الحوار المتمدن يمثل "الفكر الحر" بشكل سليم.

 

إضافة إلى ذلك فقد كتبت لاحقاً دراسة من عدة حلقات تبين أساليب الحوار المتمدن في تزوير تقييم المقالات في مرحلتين حرجتين الأولى أثناء فترة مناقشة المعاهدة العراقية الأمريكية (3)، والثانية أثناء معركة غزة (4). وفي كلتا الحالتين اختار الموقع تزوير التقييمات حسب ما بينت من ادلة، لصالح الأمريكان في الأولى ولصالح إسرائيل في الحالة الثانية. إضافة إلى ذلك فقد احس كتاب الموقع الذين لا يؤيدون الموقف الإسرائيلي أو الموقف العربي المدعوم من إسرائيل، بالضغط عليهم ليس فقط من خلال السماح بالتعليق على مقالاتهم بتعليقات شديدة الخشونة وقليلة الإحترام فقط، بل مشاركة بعض الإداريين في الموقع بكتابة بعض تلك التعليقات، إضافة إلى تزوير التقييمات الذي أشرت إليه ليعطي انطباعاً بأن شعبية السياسة الإسرائيلية هي الأعلى لدى الحوار المتمدن، حتى أثناء ارتكاب تلك الدولة لأشد جرائمها والتي استنكرها العالم كله، فمن العجيب أن يدعمها قراء الحوار المتمدن، وهو ما أثار شكوكنا ودفع بنا إلى القيام بدراسة إحصائية لتلك المقالات وتقييمها ونشرت تلك الإحصاءات في المقالتين المذكورتين أعلاه.

 

إضافة إلى ذلك عمد الموقع إلى خنق المقالات المؤثرة التي تنحو إلى آراء لا تناسب سياسة الحوار المتمدن. وقد كان يتبع إسلوباً مباشراً في رفض المقالات من هذا النوع والتي تأتي من كتاب أقل شهرة، حيث لا يخشى من رفضها إثارة الشكوك، أما بالنسبة للكتاب الأكثر شعبية لدى القراء فقد اتبع الحوار أساليباً غير مباشرة لتقليل فرص تلك المقالات في الوصول إلى قرائها، وهو ما شرحته بالتفصيل في مقالتي المعنونة: "الحوار المتمدن وطرق الضغط الإعلامي الناعم". (5)

 

أما سياسية الحوار المتمدن وأهدافه كما أراها فهي ترتكز على ركيزتين: الأولى إثارة الجدل الديني بطريقة مهينة للمسلمين وللإسلام، وبعيدة كل البعد عن "الحوار المتمدن" الذي لم يتم اختيار أسمه إلا للتشويش على حقيقته. ويعمل الحوار المتمدن على تركيز الضوء وإعطاء المواقع العليا في صفحته الأولى غالباً لكتاب مثل وفاء سلطان و كامل النجار، وكلاهما مهاجم عنيف للإسلام لم يذكر أية كلمة إيجابية لتلك الحضارة التي امتدت قروناً وخدمت العالم خدمة كبيرة. وتتميز وفاء سلطان بشكل خاص بالنقاش الإستفزازي البعيد كل البعد عن أية علمية أو منطق، وبعبارات تجتاز الشتائم ضد الإسلام ونبيه بشكل محدد، مع احتضان الأديان الأخرى مثل المسيحية بشكل متحيز رغم ادعائها العلمانية وعدم الإنتماء إلى أي دين.

أما الركيزة الثانية فهي محاربة اليسار والفكر اليساري الذي يتظاهر الحوار المتمدن بتبنيه، وتتم تلك المحاربة بشكل خاص بتشجيع "توبة" اليساريين ووضع المقالات التي تهاجم اليسار في قمة الموقع، بحجة حرص الموقع على "تطوير اليسار". وقد حرص الموقع على نشر عدد من المقالات اليسارية، خاصة تلك التي لم يعد لها سوى أهمية تاريخية وليست عملية، كما يشجع، وعلى عكس ادعاء الموقع، المقالات الكلاسيكية الأيديولوجية المتزمتة لليسار، ليعطي صورة سلبية عن اليسار. إن كاتب الحوار المتمدن "اليساري" المفضل هو "طارق حجي" والذي كان مدير الموقع يطلب منه أن يستمر بالكتابة للموقع حتى حين يسافر لأهمية ما يكتب. وطارق حجي، ثري الأعمال المصري، الذي يدعي أنه كان يسارياً، ثم "تاب" لم يكتب كلمة واحدة لصالح اليسار، بل كان يستغل كل مقالة له لجلد اليسار، ويصل في ذلك إلى مستويات منحطة تروج للأكاذيب التي كانت تروجها أنظمة محاربة الشيوعية المكارثية في أميركا من إشاعات بأن الشيوعيون يشيعون النساء! فأي نقد لليسار هذا وأي تطوير له، ولماذا يجد الحوار المتمدن في مثل هذا الكاتب، مثاله المفضل الذي يقدم له أفضل المواقع؟

 

وعدا هاتين الركيزتين في إشعال جدل عنيف ضد الإسلام والمسلمين، وإشاعة "اليسار التائب" كان الموقع في اللحظات التاريخية الحرجة يقف في الموقف الإسرائيلي بشكل واضح. وليس الدليل على ذلك هو ما قدمته في مقالاتي أعلاه فقط، وإنما نجد أن هذا الموقع الذي رفض الكثيرمن المقالات لمحتواها المعاكس لسياسته، يقبل مقالات مثل مقالة "كلنا تسيبي ليفني" والتي كتبها كاتب صهيوني إثر خشية هذه المتهمة بجرائم ضد الإنسانية في دورها في مجزرة غزة، من زيارة بريطانيا ودول أخرى. وقد رفعت المقالة من الموقع بعد ان كادت تصبح فضيحة كبيرة.

ولم يمتنع الموقع من نشر إعلانات للموساد تدعو من يعرف معلومات عن جنود إسرائيليين مختطفين للإتصال بهم. ولأنها قضية محرجة، عمد رزكار عقراوي إلى الكذب بإدعائه بأنه غير قادر على إزالة تلك الإعلانات، وقد بينت هذا الكذب في إحدى مقالاتي عن الموضوع، وأشرت إلى المكان الذي يشرح كيف له أن يفعل ذلك.

 

وقبل خروجي كان زميلي الكاتب سفيان الخزرجي قد اختلف مع الموقع حول أمور معينة كشف بعدها تلاعب الموقع بعدد زوار المقالات، وقد قام الموقع برفع جميع مقالات سفيان الخزرجي من ارشيفه. كذلك أشار الكاتب إلى مخالفة الموقع لحقوق النشر في رسالة له نشرت قبل أيام كاحتجاج على فوز الموقع بجائزة مؤسسة "إبن رشد". (6)

 

وقد احتج على موقف الحوار المتمدن المتمثل بمنع نشر مقالاتي ومقالات الزميل سفيان الخزرجي ورفع صفحتينا من الأرشيف أيضاً، العديد من القراء وعدد من الزملاء الكتاب، وقد جوبهوا جميعاً بالتجاهل التام، بل وصل الأمر في بعض الأحيان إلى اتخاذ إجراءات مضادة للمعترض، كما حدث للزميل الكاتب مثنى حميد مجيد، الذي كتب لي قبل أسبوعين ما يلي:

 

"قبل ما يقارب السنتين وبنية طيبة مني بل وسذاجة كتبت لـ (.....) رزكار أن  يصحح علاقته بالكتاب العراقيين وطلبت منه دعوتك أنت والخزرجي إلى العودة والكتابة في الحوار المتمدن فقام بإلغاء موقعي الشخصي وأخذ عند نشر مقالاتي يقتطع عناوينها فلا تظهر منها سوى كلمة واحدة!....."

 

والذي اشتكى في مناسبة أخرى بمقالة له من منع "الحوار المتمدن" نشر تعليقاته المضادة لفكر "طارق حجي" . (7)

 

كل هذه الأدلة تبين أن اللجنة التحكيمية في مؤسسة إبن رشد والتي تألفت من السيد أحمد عاشور (المشرف على منتدى الجزيرة توك، قطر)، الدكتور خالد الحروب (مدير المشروع العربي للإعلام في جامعة كامبريدج)، السيده إيمان النفجان (مدونه، المملكة العربية السعودية) والسيدة نزيهة رجيبه ( صحفية وناشطة حقوقية، تونس)، لم تتحقق بشكل سليم من أهلية هذا الموقع والقائمين عليه واستحقاقهم لتمثيل "الفكر الحر" الذي تعمل المؤسسة من أجل نشره، ولا الحوار المتمدن الذي يضعه الموقع كقناع لأهداف وأساليب بعيدة عن الحرية والتمدن. كما أنه بعيد عن الدقة القول بأي شكل كان بأن الموقع يسهم في تقديم حلول لـ "المواضيع المرتبطة بقضايا وهموم المجتمعات العربية" كما يذكر بيان الجائزة، بل يسعى إلى تحويل النقاش فيها إلى صراع ديكة يثير الشقاق ولا يتيح فرصة لحل حضاري.

 

إننا ندعو اللجنة التحكيمية لمؤسسة "إبن رشد" لمراجعة قرارها والتحقيق في ما جاء في هذه المقالة من مخالفات صريحة لمبادئ الفكر الحر والحوار المتمدن والتي يرتكبها موقع "الحوار المتمدن"، حرصاً على سمعة المؤسسة ومصداقيتها والقيمة المعنوية لجوائزها.

 

 

(0) إعلان مؤسسة ابن رشد للفكر الحر

http://www.ibn-rushd.org/typo3/cms/fileadmin/Ibn_Rushd/awards/2010/pressRelease-ar.html

http://www.ibn-rushd.org/typo3/cms/fileadmin/Ibn_Rushd/awards/2010/pressRelease2-ar.html

(1) أيها الكرد نشكو لكم مثقفيكم -3- نزار جاف يتابع معارك العرب بقلب إسرائيلي حميم

http://www.yanabeealiraq.com/articles/saib-khalil230209.htm

(2) أيها الكرد نشكو لكم مثقفيكم - 4 -  إنهم يطالبونا أن نحتقر أنفسنا!

http://yanabeealiraq.com/articles/s-kalil280209.htm

(3) الحوار المتمدن والتقييمات المزورة: 2 – مقالات المعاهدة

http://www.yanabeealiraq.com/articles/s-kalil180309.htm

(4) الحوار المتمدن والتقييمات المزورة 1- مقالات غزة

http://www.yanabeealiraq.com/articles/saieb-khalil150309.htm

(5) الحوار المتمدن وطرق الضغط الإعلامي الناعم

http://www.yanabeealiraq.com/articles/s-kalil200309.htm

(6) هل تتكرم مؤسسة ابن رشد بتسليم هذه الشكوى الى مسؤول الحوار المتمدن؟

http://www.arabtimes.com/portal/article_display.cfm?ArticleID=18599

(7) مثنى حميد مجيد: "أنا لم أشتم الملك يا إخواني في هيئة تحرير الحوار المتمدن"

http://www.al-nnas.com/ARTICLE/MHMajed/31a.htm

أرسلت نسخة من المقالة إلى "مؤسسة ابن رشد للفكر الحر" في ألمانيا على عنوانهم الإلكتروني ([email protected] )

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1587 الخميس 25 /11 /2010)

 

 

 

في المثقف اليوم