قضايا وآراء

العقل وحي الزمن

المترافقة مع ظهور ملامح وعلاقات وأنظمة دولية قادرة على استيعاب البنية الجديدة للحضارة المرتبطة بالتوسع الهائل في أنظمة الإعلام المختلفة والتطورات التقنية والاكتشافات والأبحاث الو راثية وتطور تخليق الكائنات الحية في الأنظمة المخبرية وتسارع الهجوم الواعي لنشر الحريات العامة والحقوق الإنسانية والنسائية ، والمشاركة الفعلية في صياغة القرارات الدولية على المستوى العالمي ، وتزايد المطالبة بواقع ديمقراطي عالمي يستوعب الآراء والأفكار الجديدة وإحراز تقدم وتقارب بين مفاهيم مختلفة سائدة ومرتبطة بإرث تاريخي ونمط سلوكي ناشئ عن تطور مرتبط بوجودها الحيوي .

فالتغيرات العصرية الجارية والحضارة القادمة وما يلازمها من معرفة وأجهزة وصياغات تربك العقل القابع في كهف السلفية والجمود .

عقلية الجمود هذه بنظامها الأبوي تريد وقف الحياة عن إجراء أي تبدلات في بنيتها المعتادة، وقفها أو إرجاعها إلى بنية تتفق مع وضعية العقل المتسلط عقل

لا يظهر استعدادا للتكيف والاعتراف بما هو جاري في نظام العالم من تغيرات قادرة على نسف القواعد المهترئة لأنظمة التسلط الأبوي ونسف مفاهيمها بلغه رقميه ،لا تعترف بأنظمة الرقابة الصارمة ومجبرين للتعامل معها لقدرتها القابلة للتوسع والانتشار.

فالقدرة على التكيف مع المتغيرات تحتاج إلى تضحية ذاتية وقدرة على استقبال المعارف المتباينة والمختلفة الناشئة من معطيات ملازمة للتقدم والتطور بمختلف

المجالات الإنسانية الراهنة .

فالعقل لم يفهم كيفية ظهور المتغيرات في بنيته المترافقة مع إجراء انتقالات هامه في العصور التاريخية السابقة فالتبادلات التاريخية المؤدية للارتقاء والتطور البشري الواعي جرى في أزمنة وصلتنا نتائجها جاهزة ، مرتبطة في مخزوننا المعرفي بدون أن نعرف ماهية ارتباطها بهذا العقل ولا الكيفية التي تم ربطها به نتعامل معها وكأنها مرتبطة بنشوء العقل ذاته .

لم يعرف الإنسان الراهن بالتحديد كيفية حدوث الارتقاء من إنسان تابع للطبيعة إلى إنسان يمتلك استقلالية نوعية إلى حد ما .

فالمواقف والمعارف الاجرائية تواترت في بنية العقل ولم يدرك العقل أهميتها حتى أصبحت ضمن بنيته الأساسية مرتبطة به اشد الارتباط وتعبر عن مجرى نشاطه في محيطه الحيوي .

فالتواصل التطوري المرتب لأحداث أنظمة لغوية مرتبطة بحاجة العقل للتكيف مع الحياة حدث وفق منظومة من التطورات المترابطة مع التغيرات الجارية في نظام الحياة وانتقلت بشكل تدريجي من أنظمة حسية إلى أنظمة عقلية مرتبطة باللغة المعبرة عن مكونات الأشياء وماهيتها ومدى التطور في طاقة وقدرة العقل للتوفيق

 بين الأنظمة اللغوية والواقع التفاعلي مع نظام الموجودات وأنظمة التعامل معها. متغيرات جرت والكل يعترف بوجودها وابتعاد الإنسان المعاصر عن مجرى طريقة حدوثها جعلها جاهزة في بنية العقل وكأنها مرتبطة بطبيعة التكوين الإنساني ، وجميع النشاطات البشرية المرتبطة بوجود اللغة تغيرت كثيرا عن النشاطات الإنسانية في حالة عدم وجودها، تغيرات تجري دائماً في نظام وعينا ونهمل المتغيرات الناتجة عنها لنصل إلى واقع جديد مدرج في بنيتنا العقلية والسلوكية نظهر من خلال نشاطنا وكأننا حريصين على معاداة جميع المتغيرات المتعارضة مع بنية العقل التاريخي المندمج مع ذاتنا الإنسانية .

لم يرتبط وجودنا بالدين فارتبط الدين بوجودنا فلو ارتبط الوجود الإنساني بالدين

لكانت الانسانيه تدين بدين واحد يرافق وجودها التطوري عبر التاريخ البشري

فالتغيرات الدينية في طبيعة الوجود البشري حدث من تتابع الإنزال الديني على المتغيرات في السلوك والمعرفة البشرية ، فالوعي الديني عبر قرون طويلة

ومديدة من الإملاءات الأخلاقية وما رافقها من ارتباطات إيمانية تعزز لغة التكيف مع الأنظمة الروحية وطقوسها المختلفة لربط الإنسان بطبيعته الكونية ،

مجريات الوعي الديني تعمقت بشكل تدرجي وتنافسي أحياناً نظراً لنزول بعض الأديان على الساحة البشرية المختلفة في طريقة تعاطيها الديني وكل المعتقدات عمقت بنيتها في النفس البشرية بأشكال وطرق متنوعة لتوصيل الإيمان لخالق الأديان . 

ومن خلال الصدام وطبيعة الأحداث الجارية والفتوحات وجميع النشاطات المرتبطة بواقع تتحكم به طبيعة الدين المتواجد في بنية المجتمع ومع ارتباط الدين بالسلطة ظهرت السيادة الدينية كقوة حرة ومتحررة من التبعية البشرية ، واكتسبت قوة السيطرة على الوعي وتحكمت بمجرى بناءه اللاحق ولم يفهم الإنسان طبيعة الغزو الديني لوجوده لأنه رافق التبدلات على الوعي ضمن الخط التطوري للبناء المعرفي مع مجرى التاريخ النفسي ،

في العصر الراهن تجري تبدلات هامه في وعينا بدون إدراك طبيعة تبدل هذا الوعي ، وبالرغم من التغيرات السريعة في بناء الحضارة الإنسانية الراهنة فسرعة تواصلنا يؤسس وجوداً إنسانياً متوافقاً مع منجزات التقدم وما يرافقه من ادخالات هامه على بنية وجودنا وقدرة تكيفنا مع منجزاتنا ويعطينا دفعا هاما وقويا لنفهم الكثير عن منجزات العلوم المختلفة نتقبلها بطيبة خاطر وتدخل ضمن حياتنا وتؤثر فينا دون إدراك مدى تأثيرها الحاصل ببنائنا العقلي المنعكس سلوكاً، فالمعارف والعلوم تزداد تنوعا وتداخلاً مع بنيتنا ومهما كانت الإجراءات المتخذة لوقف تدفق أثرها على بناء مجتمعاتنا يبقي إجراء محدود غير قابل للصمود أمام هجوم التكنولوجية المتطورة وما تستدعيه سرعة التغيرات المستجدة في الأنظمة الاجتماعية والمعارف العقلية المترافقة معها .

فالسرعة الحاصلة في الاكتشافات والأبحاث في مختلف العلوم المرتبطة بالحياة الإنسانية وتوابعها مجبرين على تقبلها كواقع عملي مفروض ومحسوس ومهما كانت طبيعتة الثقافية فإننا نسعى لمعرفة المزيد ونريد استيعاب المزيد ، والمصاعب المعرقلة للاستيعاب القائم ليست من طبيعة الشعوب العقلية فالمصاعب غالبا ما تكون خارج الذات الاجتماعية كالعوز الاقتصادي المؤدي لضعف اقتناء المزيد من التقنية والمعرفة التقنية المرتبطة بها والخوف الصادر عن أنظمة تعيق التغيرات الملازمة لنقل تكنولوجية والمعلومات المؤدية لإحداث تغيير في المجرى الاجتماعي فتسعى لوضع العراقيل أمام توريد وتناقل التكنولوجية القادرة على أحداث ثورة في البناء الاجتماعي والثقافي ،فالتأثيرات التدرجية الجارية على بنية العقل الإنساني الراهن ، ستغير مجرى البناء المعرفي والسلوكي بدون إحساسنا الراهن بأهمية هذا البناء على الرغم من التخلف والتعصب الموروث من تراكم الأحداث التاريخية الماضية، يظل العقل المنفتح على الوجود يحرز انتصارات متلاحقة ومهمة في إرساء قواعد المعرفة والسلوك وبناء طبيعة معرفية تتفق مع إنجازات الإنسانية بالذات .

غالباً ما تؤدي الهزيمة إلى الانحراف عن القضايا الأساسية المتعلقة بوجودنا الحضاري لأن العقل المنهزم يتمسك بخيوط وهمية لإثبات وجوده كوجود مماثل ومعتبر بين حضارات أدركت قيمتها الإنسانية . وتابعت نموها وفق مقتضيات الضرورة التاريخية لأنها أدركت أن لا وجود خارج التفاعل والتعامل مع متطلبات الحضارة المنبثقة عن زخم الاكتشافات العلمية وتطوير بنيتها التكنولوجية فوضعت القواعد والأسس المرتبطة بقيام نهضة متكاملة على كافة مستوياتها وطاقاتها الداخلية والاستفادة من تبادل الخبرات العالمية في كافة المجالات لتكون ضمن الوجود المعبر عن ماهية الواقع بكافة مجالاته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها وضمن هذا المنظور عمل من أراد لشعبه وجوداً يعتز به.

أما الواقع العربي بأنظمته المختلفة وبعد أن أصبحت أنظمة وطنية مستقلة أرادت قيام بنية سياسية فوقية وقهرية مترفعة عن قضايا الوطن وأماله وأسست بنية مفادها التركيز على توطيد الأنظمة الاستبدادية بشكل متعالي عن قضايا وهموم الأوطان واهتمت بالمسائل الهامشية والشكلية المرتبطة بالحياة مما وضعها في صورة هلامية مائعة ومنحرفة بالكامل عن المتطلبات الأساسية للوجود ومن خلال الحرص على بقائها في السلطة السياسية ربطت كل شيء بوجودها، وكان لذالك أثره المدمر لبنية المعرفة والطموح العلمي فكرست جهودها لبناء قطيعة مع عقلية التجديد والبناء المدركة لأهمية العلم في قيام حضارة متطورة وتعاونت مع المؤسسات والأفكار ألاهوتية بكافة أشكالها وعقائدها لتأمين غطاء سياسي لوجودها.

ومع وجود الصراع حافظت على بقائها الشكلي كرمز ضروري للمواجهة والبقاء وأساس مهم في الحفاظ على الأوطان من النهب والاستغلال الخارجي من خلال ضخ مجموعة من المفاهيم الدالة على أهمية وحساسية المرحلة القائمة لأنها مرحلة نهوض وتحقيق وجود، غير أن هذا الوجود تحقق بطرقة مغايرة للتطلعات الدالة على بناء واقع متين للدول العربية.

نعم لقد تم بناء واقع منهزم ومقهور بكافة أبعادة العقلية والحضارية ومن خلال الاهتمام الدائم بالتراث المرتبط بعقلية الخلاف المذهبي التاريخي في الوجود الإسلامي والتمسك بذيوله التاريخية لغاية ليست في نفس يعقوب وإنما لغاية التمركز وراء متاريس بنية يمكن تأجيجها في أي وقت والاعتماد عليها في مقاومة أي مد يمكن أن يظهر في نفس الوعي التاريخي الناهض على أساس علمي وقادر على كشف الأخطاء بالجملة .

فالبناء المؤسس على الوهم الديني منذ نصف قرن أدرك مبتغاه في رسم الخطوط العريضة للواقع بظهور الخلاف المذهبي كوجود فاعل في الإبقاء على لعبة التخلف والدوران في حلقات المنازعات الشكلية بتبعيات سياسية هادفة إلى تكريس الانقسام والهزيمة، وجميع المقولات الطافية على السطح غايتها تكريس الوهم في نفوس الشعوب المبعدة عن الثقافة والمشحونة بثقافة الترتيلات العنجهية ولأضاليل الكاذبة والمخادعة للذات، لأنها غير مدركة لأبعادها الحقيقية شعوب خاملة وراء الدعاء المستجاب لإذلال هذه الأمة والنيل من كرامتها التاريخية ووجودها بين الأمم ،إنهم يعرفون تماماً أن القرآن كتاب أخلاق وليس كتاب علم ولا يحتوي قوانين الفيزياء ولا العلوم الرياضية لأنها علوم تؤسس صناعات غير أخلاقية وقادرة على تدمير البشرية. غير أنّ الكيمياء العضوية والهندسة الحيوية والعلوم الزراعية والصناعية وغيرها هي القادرة على تأسيس بنية حضارية عندما ترتكز على قاعدة ثقافية منفتحة ومتحررة من الأوهام وجميع الأضاليل المستخدمة لتكريس الجهل والانقسام على أساس العقائد والمذاهب الدينية ونظراً لوقوعنا في دائرة العجز والتراجع وعدم القدرة لبناء واقع مرتبط بوجودنا الجغرافي ونابع من هذا الوجود بالذات، هو دليل على تهافتنا وراء الإعجاز وغيره من الطاقات المدرجة في نظام الأوابد التاريخية ويمكن إحياءها عند اللزوم لمواجهة الحضارة والتقدم ، وعند وصول العقل العربي إلى النقطة الحرجة . ضمن هذا الوجود يتحول إلى مقاوم وعابث بها وبوجودها نظراً لأنها تتطور في مسار يؤدي إلى إلغاء أشكال الفوقية والتبعية وتحرير الإنسان من قيود الثقافة القيدية والمقيدة لحرية الوعي والعقل.

الوجود كوعي متعمق في معاني الموجودات الدَّالة على وجوده المتداخل والمنسجم مع غاياته، المعبرة عن محتواها المتلازم مع أصل الوجود.

فالمنظومة الكونية مرتبطة بقواعد تعمق تلازم البقاء المتكافئ لجميع منظوماتها المعبرة عن مسارات تحقق تفاعلاً فيما بينها لتأمين التلازم في الحركة المتداخلة مع قوانينها الدقيقة المؤدية لسر استقرارها المستمر.

فالكون مجال متوسع مدرك بالوعي العقلي المرتبط فيه لأن الطبيعة العقلية تنسجم مع مجالها الموحد.

وكل منظومة كونية لها مجالها الخاص وتمتلك طبيعة عقلية متوافقة معها ككينونة مستمرة في الوجود، والعمق الدال على معناها يعبر عنها بنوعيته الخاصة فيها وبالتالي فإن الكون هو نظام لتفاعل الحياة العقلية في جميع أرجائه، وعندما تتفاعل كينونة عقلية مع مجال خارج مجالها الخاص تندمج به لتخرُج من نظام المحاصرة العقلية في مجالها الخاص، والتطبيق المقترن بهذا الوعي يقودنا إلى فهم طبيعتنا العقلية في مجالنا الأرضي المغلق. فالطبيعة العقلية للبشر ضمن خارطة الوجود الكلي تعبر عن ماهيتها الخاصة بها لأن وعينا مرتبط بوجودنا حصراً، وكل المعارف المشكّلة قادمة من تاريخ التطور البشري وما تواصل معه من متلازمات طبيعية وكونية، هذا العقل يتغير مع المتغيرات المتلازمة مع تطوره، فالضرورة مرتبطة بوجود الأشياء والأحياء، والعلاقة هي نظام التفاعل المختلف لطبعة العقل المختلف،والانفتاح وحده القادر على رسم المعالم الأساسية للتوسع العقلي، فكل ما يدخل في نظام الحياة ضروري لوجود الحياة والمعرفة وحدها تقودنا نحو التوسع في إدراك المحتوى الضروري للحياة نفسها، فالتلازم قائم بين الوعي والوجود لوعي الوجود نفسه.

لا يتوسع الوعي في إطاره المنغلق لأن جميع الأحكام المستخرجة من طبيعة الانغلاق العقلي ستكون قاصرة عن فهم الطبيعة المتعددة للوجود، وقاصرة عن فهم الطبيعة المتعددة للعقل، ومهما بلغ الفكر من التوسع والمرونة سيكون غير قادر على التلازم والتفاعل مع غيره بدون فهم محتواه واستيعاب هذا الفهم في بنائه الخاص وكل إنسان لا يستطيع أن يقول بأنه الإنسانية بدون الوعي الكامل للطبيعة الإنسانية.

وكل نظرية أودين لا يمكن أن يمثلا غيرهما بدون وعيه كاملاً وإدخاله في نظام بنيته والتكوين الطبيعي للعقل يعمق وعي محتواه الكلي ليدخل في نظام الكلية المتوافقة مع جميع أجزائه ومهما تعددت البنى الفكرية ستبقى قائمة على التنافر حتى تعي طبيعتها التعددية فعندما يكون المسلم وغيره قادراً أن يكون مسيحياً ويهودياً وبوذياً وكل ما بني على الطبيعة الإلهية عندها يكون قادراً على التمثل الكلي للوجود الديني مع غيره من الأديان وبدون هذا المحتوى يظل التنافر قائماً في الجوهر وفي البنية المعرفية للذات .

فالتلازم المتحد للعقل مع جميع العقول يقود إلى التوسع في بنية السلوك والمعرفة عندها يتوحد الله في الذات الكلية للبشر وتكون المعرفة معبرة عن طبيعتها التفاعلية ويمكن القياس من هذا المستوى على جميع المستويات المتواجدة في الطبيعة البشرية.

فالذكورة تظل قائمة في الذكر حتى يعي الأنوثة بكل مكوناتها وحاجاتها ، ويكون قادراً على تمثلها في ذاته عندها يصل إلى بنيتها المتساوية في علاقته معها.             

ولأنوثة تظل قائمة في الأنثى حتى تعي الذكورة بكل مكوناتها وحاجاتها وتكون قادرة على تمثلها ذاتياً عندها تصل إلى البنية المتساوية في العلاقة معه وكل طرف يتمثل الطرف الأخر وعياً ومسؤولية عندها ينتهي التباين في مستوى العلاقة والمعاملة وتظهر الحياة في وجودها الطبيعي.

سخيف من يقول أن العضو يعبر عن امتياز العضوية لأن العضوية وظيفية وليست كينونة عقلية واعية ومستقلة، والعضو الأنثوي يحتضن الحياة ويغذيها ليخرجها كاملة عضوياً يهبها إلى الوجود الحي والمفهوم البيولوجي يعتبره العضو الأهم في إنتاج الحياة، وبالتالي كل الألاعيب والأباطيل المحاكة حوله فاشلة وغير قادرة على الصمود أمام تكوين الحقيقة الأساسية في تكوين الوجود.

فكل معرفة لا تتضمن فهم غيرها تكون ناقصة وانهزامية ، وكل إنسان لا يسمح للآخرين بتمثل سلوكه ووعيه يكون أنانياً ودكتاتورياً وانعزالياً ينحذف من هذا الوجود دون أن تستفيد الإنسانية من تراثه. فالقيمة الأساسية لكل إنسان بقدر ما يقدم لبنيته الإنسانية وبقدر ما يحافظ عليها كبنية واسعة وكونية بمكوناتها الذكرية والأنثوية القابلة للعطاء والتجدد في بنية موحدة ومستقبلية ، والعقلية القادرة على استيعاب مكونات الوجود يحتفظ بها الوجود نظراً لارتباطها في بنيته والتوافق يستوعب البنى المتوافقة والمتفقة في الوجود لأن الارتباط بالحياة يعبر عن الاعتراف بوجودها والتفاعل مع الوجود يعطي الحياة الإنسانية بنية متوافقة مع بنيتها الأساسية ويلغي الوعي المعادي لبنية التطور.

جميع المفاهيم المتوارثة متنحية عن مفهوم الحقيقة المتوازنة لارتباطها المتعمد بالتضليل والتأويل والتقليد ، لأن الأفعال الناشئة في سياق تاريخي تظل مرتبطة ومستمرة في بنية العقل التاريخي وكأن العقل البشري غير قادر على الخروج من معطياته السكونية والثابتة ، فالعمليات الجارية لتصحيح المسار المرتبط بالمفاهيم يتصرف بطريقة إدعائية أو دعائية ناشئة عن الضعف في مستوى التحليل الجاري لإخراج الواقع من أزمة مرتبطة بالوجود الإنساني ومتعمقة في بنيته الأساسية ، وقائمة على الاتهام المباشر ليأخذ الدفاع المباشر مواقع ملتزمة بقواعده الدفاعية والتمسك بالأساسيات المرتبطة بالتملك الجائر للمفاهيم والأعراف والتقاليد وقواعد السلوك المحلية ، والشكل الإجمالي لبنيوية المجتمعات مُدركة لأهمية إخراج الواقع الأنثوي من الاستلاب التاريخي بالرغم من وجود مفاهيم تراجعية غايتها إحباط التقدم في الوحدة الحقوقية للنساء والرجال وصد الوعي التحرري للنساء لأن القدرة النسائية كوعي منبثق عن الطبيعة الأنثوية يتخذ بنية معارضة وأحياناً متعارضة تؤدي لخسارة متزايدة لمواقع مرتبطة بحياة النساء بينما يجب التركيز على توحيد المعايير البشرية للطبيعة الإنسانية ، فالمرأة والرجل مرتبطان في طبيعة واحدة من حيث المحتوى الضمني لطبيعة الوجود وهم ملتزمين فيها لاإرادياً لتأمين الاستمرار والبقاء بقاء مرتبط بالهزائم والسيطرة والضغط ويفتقر إلى الحد الأدنى من الحيوية والتوافق ، يقوم على إنتاج أجيال مرتبطة عقلياً وملتزمة بالأفكار الصادرة عن هذا الارتباط دون تغيير في المهام الوظيفية والفكرية الناتجة عن التواصل بين الأجيال .

فالجهود المبذولة للإبقاء على فنون السيادة والتبعية والارتهان أكبر من طاقة الرفض والتحمل لمجمل الفاعلية النسائية عبر التاريخ ،لأن التكوين المتفق عليه مع التتابع المتراكم للوجود التاريخي أدى إلى توحيد الأعراف والتقاليد والمفاهيم في بنية متداخلة مع الأحكام الصادرة عن الأديان السماوية مما أكسب واقع الذكور ارتباطاً بها وتصويرها على أنها إرادة كلية خارجة عن طاقة تفوق التصور ومرسلة من إله رحيم .

حتى مفهوم الرحمة تم استيعابه على أنه مخصص وكأن الخصوصية قادمة من تفرد تاريخي

بدون أن يدرك الإنسان التاريخي بأنه لافردية في الوجود الثنائي فالثنائية في بنية تشكيلنا الوراثي وجميع صفاتنا قادمة من الثنائية والعزل ليس من طبيعة الحياة العضوية ، فأي موقف يستمر في فهم الخصوصية الفردية على أنها نظام مترفع وفوقي يضع نفسه خارج الوجود الإنساني . فالإنسانية كنظام طبيعي لحياة البشر تشكل وحدة متكاملة بين الذكورة والأنوثة

ولا يمكن الفصل الجغرافي والعضوي بين الجنسين وجميع الأعمال والبرامج والمرتبطة بعزل النساء ناتجة عن شهوانية مفرطة في حب النساء لأن الالتصاق بالنساء إلى حدود الهلوسة الجنونية يقود إلى سلوك منافٍ للسوية الإنسانية بحيث يعمل على ربط النساء وبقوة فائقة بالرجال خوفاً من هروب الحياة من الأعضاء الذكرية وبالتالي يتم تخصيص النساء كمقابر للأعراس الذكرية وأي حرية مفتوحة المجال وغير مقيدة للنساء يمكن أن يؤدي إلى هروب التواصل بين الجنسين .

فالنزعة نحو الامتلاك مرتبطة بشبقية غريبة ونظام إحاطة وربط بالتابع ألذكوري المدرك لأهمية أنانيته في سجن النساء وتطويق عقولهن بالوهم والجهل ليتمكن من الربط العضوي بالطريقة التي تفرضها عليه شهوانيته المفرطة في اللذة الأحادية الجانب لأن الضعف الجاري على طبيعة الأفكار الذكرية يقودها إلى حرمان النساء من التمتع في إبراز طاقاتهن بحرية لتبقى المرأة ألعوبة ساذجة بين أيدي الرجال .

 الحقيقة أهم من ذلك بكثير لأن الارتباط الواعي يقودنا باتجاه الإبداع ، إبداع الحياة وإبداع الوعي بما يمكننا من التفوق في كافة المجالات . فالارتباط الصادق مع المرأة الحرة الواعية المتفهمة لقضايا الوجود الإنساني بكل أبعاده الثقافية يخلق وحدة كاملة ومتفهمة بين الجنسين قادرة على استيعاب المستجدات والإحاطة الروحية والجسدية بما يستجد عليهما من مهام تعمق التواصل الجنسي وصولاً إلى غايته المتسامية ، فالعقلية المنفتحة قادرة على إخراج الكوامن الداخلية من بنيتها بدون إحراج وتكون قادرة على فهم ما يصدر عن الآخرين من ردود وأفعال

تستوعب كامل المفاهيم والمواقف الصادرة عن الجنسين . فالحب في محتواه الضمني ليس مجرد انجذاب آني وعشوائي نحو الجنس الأخر ، إنه انجذاب متفهم لأهمية الجنس في بناء الحياة والتواصل يمكن العمل من خلاله على رفع السوية السلوكية والفكرية للجنسين نظراً للمهام الموحدة للوجود المشترك ، من أجل الارتقاء بالعلاقات الإنسانية نحو جوهرها الطبيعي .

 

حسين عجمية

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1134  الاحد 09/08/2009)

 

 

في المثقف اليوم