قضايا وآراء

السندي في "دم الصنوبر" يتقاسم مع الأمكنة أحزانها / فتح الله حسيني*

 حيث يقيم، "من منشورات اتحاد الأدباء الكرد / فرع دهوك" حيث يقدم رفو عمله المترجم هذا، الى الشاعر بدرخان السندي ليظل الصنوبر برفقة كلماته شامخة أبداً في سموات الأدب الانساني.

يمهد الشاعر المغربي ابراهيم قهوايجي، للمجموعة، عبر رؤى شعرية قديمة وحديثة، إذ "قديما رأى الجاحظ أنّ "الشعر لا يُستطاع أن يُترجم، ولا يجوز عليه النقل، ومتى حُوّل تقطع نظمه، وبطُل وزنه، وذهب حسنه، وسقط موضع التعجب، لا كالكلام المنثور"، ولعل المنظرين والمترجمين يجمعون على أن ترجمة الشعر محفوفة بالكثير من المزالق والاكراهات، ومادام جاك ديريدا يقول:" لا يعيش نص إلا في استمراريته، ولا يستمر إلا إذا كان قابلا للترجمة ومستحيلها في آن"، فإنّ الشاعر والمترجم بدل رفو المزوري دخل منذ زمن غمار الترجمة الشعرية على قاعدة" إمكان غير الممكن"، وهو يملك من الذائقة والحساسية والذاكرة القوية والحضور الذهني المتفتح والقدرة على الابداع ما يؤهله لان يكون ناجحا في ترجمة الشعر من خلال إبلاغ رسالة النص والحفاظ على قدر من الامتاع".

الشاعر الدكتور بدرخان السندي المولود في قضاء زاخو والمتخرج من قسم علم النفس في كلية التربية ـ جامعة بغداد والحاصل على شهادة الدكتوراه في العام 1979 في انكلترا- جامعة ويلز، يروق له أن يكون تواقاً الى الحبيبة، الفاتنة، وأن يظل هو الشاعر المهموم، يقول في قصيدته "برقية للحبيبة من شاعر مهموم لفاتنته الحسناء" : بعض من أساتذتك ...من أحبائك، في خضم الليالي... يمتشقون سهام (الدعالج)، يصوبونها نحوك وأقاربك...، ما أن يولد يوم جديد تلفيهم، في المقاهي، في النوادي، يقسمون برأسك، ويعمدون الدنيا، بفقاعات صابونك.

يحّن، الشاعر السندي الى تحركات المكان، ففي بغداد، يطل على نهر دجلة، فيشير الى أن كل شعراء بغداد، لم يسالوا دجلة، إبنة من هي، فيعول على الخيال، في التيمن بمياه دجلة، ليقدم صلاته خالية من الأدعية، بل ينهيها باستفهام أوحد: كل شعراء بغداد، نسجوا الشعر في دجلة، تغزلوا بها، مدحوها، ولكن!

ما من أحد سأل نفسه، من هي دجلة وابنة من تكون؟ وأين كان ميلادها؟ منذ أربعين عاماً وأنا أصيغ السمع الى الشعراء، لا أحد في ذهنه السؤال، ولم يدر مثل هذا السؤال.. في خلد احدهم.

في ذات الاتجاه، يسير الشاعر بدرخان السندي، ليكتب عن مدينته، غير الهادئة، المطلة على وجع الفجر، الوالجة الى دائرة عشق شجر، فينهل من مدينته عبق قصيدة غير طويلة، مستندة الى الأسرار التي تعتري، ذات الشاعر، فيجيب على صدى صوته، كانه يناجي المجهول: مدينتي على سفر، مدينتي قررت الرحيل، ولن تتراجع... سائحة، مسافرة، زورق وربان أنا، تهيأت للرحيل، الليل كان يحتضر، حين ابتسم فجر جديد، كبرعم مخمل، وعلى ضمانة سر صامد، قدِمَت إليّ مدينتي، تحت عشق شجرة،  شفافة وسرمدية، بين الوجود والعدم.

السندي شاعر تأخذه رحلة في كوردستان، صيفاً، يتجه صوب سنجار، فتبصر عيناه فاتنة، فيسألها ابنة من أنت؟ فاتنة أي دار أنت؟ زهرة أي خميلة انت؟، فتجيب: كوردستان أنا، عاشقة الكرد أنا، وهي اسيرة الجهالة، ثم يتجه الشاعر صوب ديار بكر، فيرى ذات الفاتنة، فيسألها: قبج من أنت؟ ولم وسط الثلج أنت؟ ولم جريحة انت؟، فتجيب: أنا الشيخ سعيد، ثائر الكورد، أسير الأعداء.

يعود الشاعر، الى مهاباد، حيث تناثرت، الفاتنة، كشجرة التوت عصا بأيدي الاطفال، فيسألها: أي عصا أنت؟ كالبؤساء في هذه الديار، فتجيب: سارية العلم كنت أنا، وسط ميدان (جوار جرا) قبلة الكورد كنت، والآن غدوت لعبة الأطفال، ثم شمالاً، يتجه صوب (شكاكا) فيسأل :فتى من أنت؟ اسد أي ديار أنت؟ عاشق ومهووس من أنت؟ هذه المرة يأته صوت آخر: أنا سمكو الشكاكي، لن أركع لأحد، فأصبحت في أيدي المتوحشين، بعد كل ذلك، يعود الشاعر، بعد رحلة هادئة وصاخبة وضاجة، الى المكان الأول، سنجار، عند تلك البائسة الحبيبة الخجولة.

مجموعة "دم الصنوبر" قصائد متناثرة على دخان المكان، يجتر الزمن ويلازمه، لأنها قصائد حمراء وخضراء معاً.

 

*نائب رئيس تحرير أسبوعية "الأمل" السليمانية

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1594 الخميس 02/12 /2010)

 

 

في المثقف اليوم