قضايا وآراء

الشيخ مصطفى بن حمزة و الغلو في الصحابة / ياسر الحراق الحسني

 ولولا النقد لما كان هناك علم للحديث في الإسلام. إذ كيف يمكن منع المحدث من إنتقاد الراوي دون التعرض له؟ بل والتجريح فيه والقول أن فلاناً مثلاً كان وضاعاً -للحديث أي كذاباً زنديقاً يكذب على رسول الله وسيتبوء مقعده من النار إذا ما نظرنا إلى مترتبات الكذب على رسول الله - وهو من الصحابة أو التابعين؟ إذا كان النقد بالتمحيص مسألة حتمية لمن أراد تكوين رأي معين فيمن لهم دور خطير كنقل الدين ، فلماذا لا تستمر الصلاحية التي خولها التاريخ لنقاد الإمبراطوريات الغابرة إلى نقاد يومنا هذا، ويكون نقد الصحابة ليس نفاقاً كما زعم  الشيخ المحترم مصطفى بن حمزة؟ 

 

الشيخ بن حمزة يحكم بنفاق كل من ينتقد الصحابة  

يقول الشيخ بن حمزة المحترم في إحدى خطبه: "إن أي إنسان يتناول الصحابة بلسانه ويطعن فيهم كائناً من كان من هؤلاء الصحابة ..إنه منافق"1. إن نعت المسلم الذي يتناول الصحابة بالنفاق في تصوري أمر يشبه التكفير. فالقائل بكفر مسلم يعبر عن الإعتقاد بدخوله النار والقائل بنفاق مسلم يعبر عن الإعتقاد باستقراره في قعرها عند الدرك الأسفل. وهذا لا يليق بأهل العلم لأنه تعميم فضفاض لا تقبله العقول السليمة. فالقائل بهذا لم يستثني حتى من يتناول الصحابة عن قصور أو عن جهل مثلاً، ولم يستثني من ينقل الأقوال بالتجريح في الصحابة من نقاد الإمبراطوريات الغابرة. القائل فقط وفقط يأمر العوام بأن لا يتناولوا الصحابة وإلا كانوا منافقين. والأدهى من هذا كله، لم ينتبه فضيلة الشيخ إلى خطورة كلامه، لأن نفس هذا الكلام إذا ما طبقناه على الوقائع التاريخية التي يتناول فيها الصحابة بعضهم البعض فالنتيجة ستكون كارثية، ناهيك عن  تناول  الصحابة بعضهم   لبعض بالسيوف والرماح. كيف يفسر لنا فضيلة الشيخ الإنقلاب الإرهابي على حكومة علي بن أبي طالب ع من طرف الصحابة وقتل عشرات الآلاف من المسلمين؟ هل سيكون جوابه غبياً  مثل جواب  القرضاوي الذي قال فيه أن القاتل والمقتول كلاهما كانت نياتهم حسنة و أن إبن سبأ الأسطوري هو موقد الفننة ؟2 هذا لا يختلف في نظري  عن القول بأن إبن سبأ هو من فتح اراضيه للقوات الأمريكية للدخول إلى العراق أو بكونه كان سبباً في زلزال هايتي...كي لا نخرج عن عنوان هذه الفقرة بأكثر من الإشارة، نعود إلى حكم الشيخ بن حمزة بنفاق من يتناول الصحابة وفيه بعض الأمثلة التي تبطله.

 

الصحابة مع الصحابة

يعتبر عبد الرحمان إبن عديس البلوي من خلال أمهات الكتب السنية كالطبقات الكبرى والاستيعاب وتعجيل المنفعة والإصابة صحابياً يروى عنه شهد فتح مصر وله بها خطة 3.  فإذا علمنا أن هذا الصحابي كان قائداً للثوار الذين قتلوا الخليفة الثالث عثمان  4, وهذا مثال فيه صحابي يترأس عملية تصفية لصحابي آخر. السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح في مقابل ما ذهب إليه الشيخ بن حمزة هو: الصحابي الذي يتسبب في قتل صحابي آخر  عمداً ماذا يكون؟ إذا كان فقط تناول صحابي أياً كان باللسان نفاق فماذا عن تناولهم بالسيف؟ هذا التساؤل بالرغم من معقوليته إلا أن الشيخ بن حمزة يعطيك اجوبة استباقية من قبيل القول بأشياء مثل كون الله عدل طبقات معينة من الصحابة ووعدهم الحسنى في قوله تعالى:" وكلاً وعد الله الحسنى"، وهذا نظير الإستدلال ب"ويل للمصلين " لتحريم الصلاة. إن كلام الشيخ بن حمزة عن طبقة معينة من الصحابة وعدها الله الحسنى يعد تصنيفاً خاطئا من وجهين:

 

الوجه الأول: وفيه مخالفة لصريح القرآن الذي ذكر بعض الصحابة بالثناء بالمجموع العام في إطار مثلاً المهاجرين عن ديارهم والسابقين والمبايعين تحت الشجرة وأصحاب الفتح. ولكن في مقابل ذلك تجده يقدم  توضيحاً بشأن من يستثنى من تلك المجموعات المثالية . فتجد القرآن الكريم  يتحدث عن المنافقين المعروفين في مستهل سورة المنافقين و تجد المنافقين المتسترين في  سورة التوبة وضعفاء الإيمان في سورة الأحزاب والسماعين لأهل الفتنة والذين خلطوا العمل الصالح بالسيء في سورة التوبة 5. فهذا إستدلال يبطل إعتبار الصحابة كلهم طبقة واحدة عادلة. 

 

الوجه الثاني: وفيه نسبة فعل القبيح إلى الله وهذا ما لا يستقيم. فإذا كان الله يحكم بالعدل فلا يجوز القول بأنه وعد القاتل والمقتول والظالم والمظلوم والغاصب والمغصوب بالحسنى. أما إذا كان الشيخ بن حمزة من المؤمنين بأن الله ظالم للعبيد فهذا نرده عليه بنفي القرآن له صراحة فيما لا يحتاج إلى دليل. وأتصور أن من بين الأسباب التي أدت إلى تفشي هذه العقائد أحاديث مثل هذا الذي سنورده من صحيح مسلم.  اخرج مسلم عن أبي هريرة حديث بثلاثة أسانيد ونصين مختلفين فقال فيهما: إن رسول الله ص قال: يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الاخر ، فكلاهما يدخل الجنة . فقالوا: كيف يا رسول الله ؟ قال ص : يقاتل هذا في سبيل الله عزوجل فيستشهد ، ثم يتوب الله على القاتل فيسلم فيقاتل في سبيل الله 6. فمن الواضح صدى  هذا الحديث من صحيح مسلم في أقوال الشيخ بن حمزة.

 

صحابة في جهنم

يوجد حديث أخرجه مسلم في صحيحه ، وأحمد بن حنبل في المسند وغيرهما عن عبد الله ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا فرطكم -بمعنى متقدمكم -  على الحوض ، ولأنازعن أقواما ثم لأغلبن عليهم -بمعنى أن الرسول سيحاول الشفاعة لهم ولكنها لن تنفعهم - فأقول: يا رب ، أصحابي أصحابي . فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك 7. فإذا كان الإعتقاد السليم هو دخول الصحابة كلهم الجنة كما قال الشيخ بن حمزة، فهذا موجب للقول بضعف صحيح مسلم  أو التنازل عن عقيدة التعديل.

 

ختاماً، إذا كانت المكاتب الإسلامية لا تخلوا من كتب تم فيها تناول ومناقشة  الذات الإلاهية كتهافت التهافت وكتب تم فيها حتى الكلام عن الله بطريقة لا تليق بجلاله  كما جاء في فصوص الحكم وغيرها، فبأي مبرر يقبل ذلك كله ويقبل تداوله في حين لا يقبل تناول الكتب التي تناقش الصحابة؟ مثل هذه الإطلاقات انما تبرهن في مقابل هذا على غلو في الصحابة وتحيز لهم بدفاع يتعدى الدفاع عن الذات الإلاهية. وهذا منشأ التساؤل عما إذا كان الصحابة في نظر البعض أقدس من خالقهم. 

 

[email protected]

 

...........................

هوامش:

1.مصطفى بن حمزة، دكتوراه الدولة آداب وعلوم إنسانية. خطاب مرئي مسترجع من أرشيف الشبكة العنكبوتية  27-11-2008

2. موقع القرضاوي 17-6-2007 من خطب الجمعة

3. ابن حجر العسقلاني. الإصابة في معرفة الصحابة ص 654

4.إبن عساكر.تاريخ مدينة دمشق ج 35 ص110

5. جعفر السبحاني. أضواء على عقائد الشيعة الإمامية .ص 519

6. صحيح مسلم 3: 1504 كتاب الأمارة باب (35) باب بيان الرجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة ح 128.

7.  علي آل محسن. مسائل خلافية حار فيها أهل السنة ص 158.

 

 

 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1594 الخميس 02 /12 /2010)

 

 

في المثقف اليوم