قضايا وآراء

الديموقراطية وما تجلى من دور الاحزاب في انتخابات معلمي كوردستان / عماد علي

ما تفرضه الديموقراطية الحقيقية في هذا الركن الاساسي من بنيتها، والتنافس الذي جرى كان بالاحرى بين الاحزاب وليس المنظمات المهنية للمعلمين وكذلك ليس بين هذه الشريحة النخبوية المهمة بانفسهم. كان لابد من ان نرى عملية نظيفة واعلى مستوى من الانتخابات العامة واكثر دقة وتنظيما وفق كل المعايير وخصوصا وهي تجري في وسط ثقافي لمجموعة وشريحة واعية يفترض ان تعطي درسا للشعب بشكل عام وتفرض نفسها على ان يقتدي بها الاخرون.

 ان الصراع السياسي  وتبعية  المنظمات المهنية والديموقراطية المدنية للاحزاب اعطى هذه العملية طابعا حزبيا بحتا بل غطى هذه العملية بالصبغة الايديولوجية الصرفة واستندت العملية الانتخابية على الصراع الايديولوجي المصلحي الضيق للاحزاب فقط، ولم يكن التنافس في قرارة ذاتها من اجل بناء هيئة او منظمة او مؤسسة او نقابة مهنية تهمها مصالح المعلمين فقط، بل ادخلوا المعلمين في معمعة الخلافات الحزبية الموجودة على الساحة. وكانت الانتخابات فرصة كبيرة لخروج المعلمين من الدائرة الضيقة للصراع الحزبي وبناء نقابتهم المهنية البحتة ويكونوا طليعة للمنظمات المهنية المدنية في كوردستان والتي كانت من المفترض ان تكون نابعة من ارادتهم الذاتية وفرصة سانحة لاعطاء الدرس الاول من خطوات الديموقراطية لعموم الشعب، وكان بامكانهم ان يفرضوا نفسهم وليسوا بقليلين من حيث العدد والثقل والاعتبار، وعندئذ يمكن ان يكونوا ضغطا على السلطة لضمان حقوقهم مع ما يهم مصالح الشعب بشكل عام، ومن ثم يدفعوا بالعملية الديموقراطية في كوردستان خطوة الى الامام. ولكن الاحزاب دخلت العمليةمن ابوابها المشرعة وكانها تريدها ان تكون ساحة للتنافس وتصفية الحسابات ووضعوا المصالح الشخصية والحزبية امام الاعين وارشدوا المنتمين  من المعلمين الى الاحزاب على ما يهم الحزب وليس شريحتهم معتقدين ان العملية تعيد لبعضهم الكرامة لانهم احسوا بانهم قد فقدوها في الانتخابات العامة، ولم يتقنوا بعد بانه ليست هناك كرامة في السياسة والتحزب وادارة السلطة وانما الهيبة والفكر والمتطور هو العامل الحاسم في نجاحهم لكسب المنتمين مع مقدار ما يخدمون البلد ويضمنون مصالح الشعب. اي الخلل موجود في التفكير والتعامل ليس من قبل المعلمين انفسهم  فقط،  وانما الاحزاب المتنافسة هي التي ضربت الديموقراطية بهذا الجانب، وكانت ضمن السلبيات التي فقد المتتبعين الامل من اجراء تلك العملية هو مشاركة المعارضة بنفس الروحية والنظرة التي كانت لدى السلطة في هذه العملية الديموقراطية، وازداد من استياء المراقبين وامتعضوا من  تشابه السلوك بينهم واعتبروا انها الخطوة الى الوراء من مسيرة الديموقراطية الطويلة الامد.

لو القينا نظرة عامة على النتائج الاولية لهذه الانتخابات لوجدنا بانها لا تختلف بقيد انملة عما حصلت منذ اشهر للبرمان الكوردستاني والعراقي، وهي صورة طبق الاصل من مستوى وشعبية وقدرة وثقل كل حزب باختلاف مشاربهم وانعكس على انتخابات المعلمين، وهكذا تعكس هذه السلوكيات مدى تغلغل اخلاقيات واهداف الاحزاب وعملهم في كيان جميع الشرائح بالاخص ما يتسم به هذا السلك المهم والشريحة الفعالة من الشعب الكوردستاني  التي لديها القدرة على ان تكون حرة مدافعة عما يهمها، لانها مستقلة الاقتصاد وتمتلك ما لا يكون اسيرا لما تفرضه الاحزاب على الاخرين من استغلال نقطة ضعفهم في المعيشة ومصدر الحياة، ولا يمكن لاحد ان يسرقه منهم وكما لا يمكن لاحد ان يمن عليهم .

الغريب في الامر ان الاحزاب الصغيرة التي فقدت شعبيتها جراء تذيلها لاحزاب السلطة لم تتعض من التجارب السابقة واشتركوا في هذه العملية وانهم بانفسهم قبل غيرهم متاكدون من نتائجهم المخذلة ولم يحصلوا على الاصوات الا بقدر اصبع احدى اليدين في كل دائرة ولو قورن بالميزانية التي صرفوها على المنظمات المهنية التابعة لهم تعتبر احراج وخذلان لهم، ولابد ان يعتبروا منه ليجدوا لهم الحل دون خجل، بل ان بعض منهم لم يحصل حتى على ممثل واحد لهم في المؤتمر العام للمعلمين، ولو قارنوا انفسهم بالمجموعة المستقلة التي تشكلت قبل الانتخابات باسبوع واحد فقط وما حصلت من الاصوات  اضعاف ما حصلوا هم عليه وفازت بممثلين لهم، وهذه الاحزاب لا يمكن ان تقارن بهم لانهم  لم يمتلكوا من امكانيات ومصروفات ولو ساعة واحدة لهذه الاحزاب التي تصرف من ميزانية الدولة على منظماتهم طوال هذه السنين الطويلة، والتي تصرف لهم من ميزانية الدولة المخصصة لهم من اموال الشعب دون اي وجه قانوني.

اي، ما نستنتجه من هذه العملية الانتخابية انها لم تكن دافعا للعملية الديموقراطية بشكل عام ولم تكن نموذجا يحتذى به والذي كان من المنتظر منها ان تقدم احسن التجارب للشعب بشكل عام لانها شريحة نخبوية ذات مستوى ثقافي معلوم، هذا ناهيك عن مدى الخلل الذي اصاب التنظيم الفني واللوجستي للعملية، وكان من الاجدر بها ان تكون في مستوى راقي، وبالاخص هذه الشريحة هي التي نظمت وادارت العملية الانتخابية العامة في كوردستان والعراق والتي شارك فيها عموم الشعب.

اذن العبر من هذه العملية كثيرة لمن اعتبر، وخاصة الاحزاب  التي اتخذتها كحلبة لاعادة الهيبة اليها، والاحزاب الصغيرة التي لم يبق لها الرصيد بين  طبقات وفئات وشرائح الشعب لاعادة النظر في نفسها واتخاذ القرار الحاسم في الخطوة الجريئة التي يجب ان يتخذوها، لانهم اصبحوا عائق امام مسيرة الديموقراطية  التعددية الحقيقية التي تحتاج الى عقليات ومراكز قوة حقيقية نابعة من صميم المجتمع وليس باشكال وتركيبات صورية ومنظمات سياسية تابعة للاحزاب الكبيرة والسلطة فقط، وتوضحت لها انها لا تملك ثقل معين يجعلها ان تستند عليه، ولا يستمر قبول الشعب بنهب الاموال العامة دون ان تستفيد منها العملية الديموقراطية بشكل عام وتعطى لهم دون قانون مشرع من برلمان كوردستان. وعلى المعلمين ان يتخذوا من مهنتهم مصدرا لدعم وتقوية الديموقراطية الفتية في كوردستان وليس اعتمادا على التحزب والايديولوجية فقط، وكلنا امل ان يعتبر الجميع من هذه العملية وقبلهم شريحة المعلمين المثقفة .   

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1596 السبت 04 /12 /2010)

 

 

 

في المثقف اليوم