قضايا وآراء

المغتربون الشيعة للكاتب د. وجيه حمقة .. محاولة إبحار في واقع الشيعة في لبنان / قاسم ماضي

ذكريات وتحديات " عام 2007، ودواءك  بين يديك " الدال على الخير كفاعله " عام 2009 .في إهداء المؤلف أنطلق الكاتب من سورة قرأنية " وقُل رَب ً ارًحَمهُما كما ر بياني صَغيرا ً " ويبدو منذ الوهلة الأولى أن المؤلف وضح لنا دور الوالدين وتأثيرهما في الحياة على شخصيته كأنسان متبصر ولامع ويريد أن يضع بصمته الشخصية  على الأفكار التي  إنطلق منها حتى لوكانت عامة،فجاء الإهداء  " كيف لا يكون هذا الإهداء منفتحا باَية مباركة تتجلى فيها حكمة ُ خالق الكون جل  وعلا في أنبل مخلوقين جعلهما الله لباسين لبعضهما وسكنًا،وبلغة شعرية يصف فيها الخسارة الكبيرة " لقد كنت ياوالدي الظل ً الظليل الذي يقيني حر ًالهجير / وكنت النسمات الرطيبة تداعب وجهي في ساعات غم ٍ عصيبة / ستظل ذكراك ياوالدي،وينطلق الكاتب من الخاص الى العام أي من الأسرة الى المجتمع فيخاطب المغترب الشيعي السابح في فضاء الله وبحاره، الخائض الغمرات / تواجه عواصف الغربة وتيًاراتها وأمواجها الكاسحة / أنت المحمول بقيم جدك الكربلائية الرافضة للخضوع والمذلة، فنجد قراءة محترفة " الهرمنوتيكا " أخذ في الأعتبار هذا الميسم،   وأشرك ذاكرته المعرفية مما ملأ البياضات التي  تراءت له هنا وهناك ضمن لغة تحرك فيها لكي يبرر العلاقات بين اللغة وباقي اشكال التعبير المختلفة، فشكل الوطن لديه الذي جار يوما ً عليه أو  لمخاطبتهم وهم اللبنانيون أعلم أنك مثلي محاصر بحب لبنان ومصاب بحمى اللهفة لتراب ٍ ذرتُه تعادل ذهب الدنيا وكنوزها،فيبدو الكاتب  الذي قضى حياته  في مدافن الغربة وقسوة  المنفى اعوام القهر والعذاب لأبناء شعبه البناني منطلقا ً من  أن رصاصة قلمه التي  لإيعرفها من أنواع الرصاص ستغير في طي اوراقه أفكارأ هجينة محظورة تغير المألوف ولاتسيغها الجهلة حسب قوله .وتكشف مادته عن تواصل مع الحضارة الإنسانية  عبر  الية  البحث والتجوال في عالمه الذي خطه من خلال انفتاحه على الفكر والفلسفة والشعر والشعراء لمواكبة لروح العصر ومن ثم تجسدت هذه الخصائص في تشكيل كتابه عبر رحلة مكوكية   إبتدأها من لبنان / افريقيا / رومانيا / المانيا / كندا،وهويلتقط جزئيات الخاص وينسقها ويرتبها ثم يصل الى العام، وبالتلي هو يملك الشجاعة ليبصر الحقيقة في عينها والقدرة على أن يتحملها، منطلقا ومؤكدا ً ذلك "  إنني أدرك بحس الطبيب، أن الأمراض المستعصية والمعششة في زوايا الوطن، وفي قلب الطوائف وعقلها وضميرها، تصبح اشد شراسة في وجه الطبيب وجيه حمقه " وعندما تتصفح الكتاب تجد الكاتب وهويملك المال والأعمال محاصر من كل صوب وحدب رافضا ً الماَرب الشخصية وهي ليست من  شيمة   منوها ً أن حب ً الوطن وعشق الحرية شعار رفعه طوال حياته وغير مبال  بالبيروقراطية وبطانة السوء وأفواه الحاشية الجائعة التي   إلتهمته قبل أن يصل الى باب الملك،وهكذا كتب تمثل سيرة ذاتية وبتقديري هو من الذين أفردوا كتبهم ومنهم العقاد" أنا " طه حسين " الأيام " حياتي " لزينب الغزالي " صالون العقاد " لأنيس منصور "وغيرها من كتب السيرة والذكريات واضعا ً نصب عينيه من خلال نقل أدق التفاصيل عن تاريخ لبنان ومناطق الشيعة في الجنوب وكان الفقر القاسم المشترك لعائلات الجنوب،قائلاً لنا " وُلدنا في الفقر كما وُلد معظم أبناء قريتنا وسائر القرى التي تجاورنا " وكان لشخصية الإمام موسى الصدر حيز كبير الذي شكل انعطافة تاريخية في حياة الطائفة الشيعية حسب قول المؤلف،إذ تمكن من وضعها على الخارطة  السياسية البنانية، وكذلك مستشهدا ً بالمرحوم السيد محمد حسين فضل الله الذي كان مقيما ً في الضواحي الفقيرة من بيروت يدرًس ويفتح العقول والأذهان يقول عنه " حتى أن أكبر القادة اليوم في الطائفة الشيعية يقولون بفخر إنهم كانوا تلاميذ السيد فضل الله، وعلى الرغم من أن المؤلف تبنى فكرة بناء رصد لواقع المغتربين اللبنانين

(الشيعة) تحديدا ً إلا أن نشاطه في رصد حركة تاريخهم تطلب منه جهدا ً بحثيا ً آخر تمثل في الإشارة لتاريخهم في ما قبل الإغتراب، من خلال تسليط الضوء على صيرورة مجتمعهم الجنوبي وتحديات الجغرافيا التي وضعتهم في مواجهة مع كيان صهيوني شرس، الأمر الذي فرض الكثير من التحديات الأمنية والسياسية في كيفية التعاطي مع العامل الجغرافي المذكور، فضلا ً عن تفاعلات الداخل اللبناني في خضم الحرب الأهلية وتأثيرات الرقم الشيعي في المعادلة اللبنانية في أوقات السلم والحرب، وآثر المؤلف أن يوزع عناوين رصده على عدة محاور ليطرح من خلالها أبرز ملامح المقطع الزمني التي مر بها أبناء الطائفة الشيعية في لبنان ولم يتوان المؤلف عن الإشارة إلى بعض سلبيات التعاطي بين رموز الطائفة وقواعدها الشعبية في بعض الأحيان وهو في خضم خوضه لملفات تاريخ الشيعة اللبنانين في وطنهم ومهاجرهم ووقوفه عند محطات النجاح والتألق، وعند عثرات الإخفاق في إدارة بعض القضايا الداخلية والخارجية، إنما يحاول أن يضع أصبعه على مكمن الألم بغية معالجته، فهو وإن كان طبيبا ً فلم  يفلح في  معالجة واقعه اللبناني المعقد بسبب عوامل عدة مختلفة، وكذلك واقعه الشيعي إلا من خلال القلم والأخير يعني الخطاب، ويحسب الؤلف أنه حين يلامس جملة التعقيدات والإشكالات التي تلف مشهده اللبناني المقيم والمغترب لم يجد بدا ً سوى محاولة لصياغة خطاب يحمل في طياته عبر الماضي وإستحقاقات الحاضر فضلا ً عن نظرة إستشراف للمستقبل، رابطا ً الوازع الأيديولوجي في تشكيل رؤيته من منطلقات روحية، وضرورات واقعية مفضلا ً إطلاق دعوات الإصلاح بدء ً من داخل طائفته ومرورا ً بمجمل تلاوين الطيف اللبناني، ويبقى مطبوعه الذي يحمل عنوان (المغتربون الشيعة) الذي يقع (357) من القطع الكبير محاولة إبحار عميقة في واقع يراد له إعادة ترتيب مفرداته على نحو يصب لصالح المواطن والدولة في لبنان

 

قاسم ماضي 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1596 السبت 04 /12 /2010)

 

 

في المثقف اليوم