قضايا وآراء

مثقفو العراق وأدبائه، والحرية الشخصية / زهير الزبيدي

عن دون قصد تحت مسمى الدفاع عن الحريات الشخصية. كما ويتاجر بها مثقفو وكتاب العراق وأدبائه، وهم يعتصمون مع (المدى) احتجاجا على غلق ناديهم (الليلي) وليس منتداهم الأدبي، كما ذكر الاعلامي اليساري من على العراقية، هافال زاخوي، وهو يدعو الأحزاب الليبرالية داخل البرلمان، للنضال من أجل الحرية الشخصية التي ينص عليها الدستور، وكأنه يدعو للصراع مع الاحزاب الاسلامية التي تمتلك الأغلبية في البرلمان.

ويسبقه بالأمس الدكتور كاظم المقدادي الشيوعي القديم، والعلماني الجديد، وهو يطالب بعدم محاربة أرزاق المسيحيين من خلال بيعهم المشروبات الكحولية للمسلمين. ولا أدري لماذا تصر العراقية على تقديم يساريين معروفة مواقفهم من المشروبات، ونكرانهم لاسلامية الدولة والشعب، وديمقراطية العهد الجديد، إلا كما يرون هم؟.

المثقف بالتعريف الصحيح للكلمة هو (من يعرف كل شئ عن شئ، ويعرف شئ عن كل شئ) ووفق هذا التعريف، ينبغي أن ينفتح المثقف على كل الثقافات، لكي يعرف الشخص مثقفا، سيما الثقافة الاسلامية التي ينتمي اليها غالبية الشعب، ومنهم المثقفقون والادباء، وعكسه فينحصر التعريف بخلفية المثقف نفسه، فيكتسب صفة ثقافته وحسب، كأن يكون مثقفا شيوعيا، أو مثقفا قوميا، أو مثقفا اسلاميا، وهكذا. أما أن يحتكر اليسار سمة مثقفي، وكتاب، وأدباء، وشعراء العراق، فهذا ما يجافي الحقيقة، ويجرح في ادعاء المثقفين بثقافتهم، فللاسلاميين من الشعراء والأدباء والمثقفين، ما يزيد على غيرهم، ليس اليوم انما عبر التأريخ. ومن عباقرتهم الشيخ الدكتور المرحوم الوائلي، والشاعر السيد المرحوم مصطفى جمال الدين، والشاعر الكبير الغبان، والشاعر الكبير محمد حسين آل ياسين، والشاعر الدكتور مدين الموسوي، وفرات الأسدي، وحسن السنيد، وحميد المختار، والقائمة تطول، بل حتى الجواهري هو خريج الحوزة، وقد أكد عقيدته بقصيدته المعروفة آمنت بالحسين، فلا يزايدن على الاسلاميين أحد.

يعتصم مثقفو وأدباء العراق في شارع المتنبي، وبقيادة المدى. والمدى يترأسها الشيوعي المخضرم، والعلماني الحديث، الأستاذ فخري كريم. وفخري كريم كان قياديا في الحزب الشيوعي العراقي، وقد اتهمته القيادة في منتصف الثمانينيات، بسرقة ميزانية الحزب، وصرفها على جلساته الخاصة الماجنة، فالرجل غير متزوج وهو بهذا العمر، ويعشق الكاس والمرأة، حسب ما ذكره رفاقه، وهذا سبب خروجه من حزبه الشيوعي.

أنا لست في معرض التجريح بالرجل، فهو مناضل عراقي حسب عقيدته، لكن أردت أن أعالج مسألة الاعتصام، ولماذا جاء هذا الاعتصام؟ وبما أننا ديمقراطيون نعيش تحت ظل دستور صوت له أغلبية العراقيين، ليس كما قال النجيفي في خطابه الافتتاحي السئ في مجلس النواب، من أن الدستور صوت له نسبة ضئيلة من العراقيين ـ  فالعدد تجاوز الاثنا عشر مليون عراقي ـ انما من ثمانين % من العراقيين، وهذا ما يؤكد اسلام هذا الشعب وحبه لدينه، وقد جاء في ديباجة الدستور(نحنُ شَعْب العراقِ الذي آلى على نَفْسهِ بكلِ مُكَونِاتهِ وأطْياَفهِ أنْ يُقَررَ بحريتهِ واختيارهِ الاتحادَ بنفسهِ، وأن يَتَّعِظَ لِغَدِهِ بأمسهِ، وأن يَسُنَّ من مِنْظُومَةِ القيمِ والمُثُلِ العليا لِرسَالاتِ السَماءِ ومِنْ مسْتَجداتِ عِلْمِ وحَضَارةِ الإنْسَانِ هذا الدُسْتورَ الدائمَ. إنَّ الالتزامَ بهذا الدُسْتورِ يَحفَظُ للعراقِ اتحادَهُ الحُرَ شَعْبَاً وأرْضَاً وسَيادةً ) ومنظومة القيم العليا لرسالات السماء تحرم الخمرة والقمار والأغاني الماجنة يا حضرات المثقفين.

وفي المادة الثانية أولا وثانيا جاء (اولاً :ـ الاسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدرٌ اساس للتشريع:

أ ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام. ب ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع مبادئ الديمقراطية.

اولاً :ـ الاسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدرٌ اساس للتشريع:

أ ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام. ب ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع مبادئ الديمقراطية.)

والنوادي الليلية كثرت بعد سقوط الصنم، وكل المثقفين يعرفون أنها أداة قوية للاستعمار في ضرب الشعوب وتفتيتها. وقد فتحت هذه النوادي الليلية بدون تراخيص، أو اجازات من وزارة الداخلية والسياحة. ويديرها ويشرف عليها مسلمون، والكل يعرف أن بيع الخمور منذ تاسيس الدولة العراقية الحديثة محصور بغير المسلمين، الا في زمن البعثيين الذين أجازوا للمسلين بيعها وشربها ونقلها وذلك لغاية يعرفها الشعب، لكنها عادوا الى الاسلام بعد حرب تحرير الكويتي للتقرب للشعب ولمعرفتهم بتمسكه بالاسلام بقانون 82 لعام 1994 خلال (الحملة الايمانية) فكيف يسمح المثقفون اذا بذلك. وقد زادت شكاوى الناس في مناطق هذه النوادي من خبث واستهتار روادها، حتى أنهم أنذروا الحكومة قبل شهرين، من أنهم اذا لم يجدوا حلا فسنغير الوضع بأيدينا. وكان هذا الخبر من على العراقية التي راحت مدافعة عن الاعتصام والحرية الشخصية. عجيب أمور غريب قضية.

فحتى في الغرب المتحلل، تنظم مسألة الأندية الليلية من حيث المكان، وتداخله في الأحياء الشعبية، ومدى تأثيره على الحرية الفردية ـ التي يطالب بها المثقفون ـ وأوقات ذلك بقانون. ففي السويد مثلا، يمنع الشرب من القناني في الشوارع، احتراما للذوق العام، وتصادر السيارة التي يقودها مخمور. وفي الدنمارك يمنع بيع البيرة للشباب دون سن الرشد، ويمنع بيعها بعد الساعة الثامنة مساء، وتسحب اجازة السوق ممن يقود السيارة مخمورا. وفي كل بلاد الغرب تقنن الحريات، لانها تقف عندما تصطدم بالحرية العامة من الشعب.

وأغلب الناودي التي فتحت في بغداد بين الأحياء الشعبية، كالكرادة والأعظمية، كما ذكر رئيس مجلس محافظة بغداد كامل الزيدي، وكيف اشتكت عوائل هذه الأحياء، من ازعاجات هذه النوادي. والحرية كما يعرفها مثقفونا المحترمون، تقف عند حرية الآخرين .

والغريب أن القناة العراقية الرسمية، انفردت باستضافة اليساريين الذي يؤمنون ببيع الخمور حتى لدى العطارين. ولا تستدعي اسلاميا واحدا لكي يعطي رأيه، ويوضح التلفيق الذي مارسه مثقفونا المحترومون، أمام العالم من خلال الاعلام الرسمي، بل لم تتصل بمحافظ بغداد أو رئيس مجلسها. والدكتور صلاح عبد الرزاق محافظ بغداد شخصية اسلامية مرموقه، وشخصية ثقافية معروفة لدى أوساط العلمانيين، وهو كاتب محترم.

فالنادي الليلي المبتذل، ليس منتدى ثقافي، فحرية التعبير تختلف عن حرية التهريج، وقد قال محافظ بغداد الدكتور صلاح عبد الرزاق، ورئيس مجلس محافظتها بأن الاغلاق، جاء وفق القوانين وليس بدوافع اسلامية، رغم أنها مخالفة لمواد الدستور الذي يقول، كما موجود في بنوده أعلاه لانها لم توضع لها القوانين بعد، فهي مجرد مواد دستورية.

وكثيرا ما ينتقد المثقفون، المدافعون عن الحرية الشخصية، كالمشي لزيارة الامام الحسين عليه السلام، وهذا ما يكفله الدستور في المادة المادة (10): العتبات المقدسة، والمقامات الدينية في العراق، كياناتٌ دينيةٌ وحضارية، وتلتزم الدولة بتأكيد وصيانة حرمتها، وضمان ممارسة الشعائر بحرية فيها.

لكننا لم نعتصم كاسلاميين، ولم نهاجم، انما كنا نضع ذلك في باب النقد الموضوعي، والرآي الآخر، لان هناك الكثير من الشوائب التي رافقت مأساة كربلاء، فحكمتها الأعراف في غالب الأوقات.

كان على المثقفين أن يراعوا حرية المثقف الاسلامي، والشاعر الاسلامي، والكاتب الاسلامي، حيث يشكلون الأغلبية بين صفوف مثقفي وكتاب العراق، من أن يتركوا لهم فسحت الاشتراك في هذا المنتدى الليلي، للترويح عن النفس في أوقات الفراغ، وليس لفقدان العقل فيه، من خلال احتساء الخمرة، وضياع العقل الذي يصوغ القصيدة، والقصة، والرواية التي تقدم الزاد الثقافي المفيد للفرد .

واذا تركنا هذا وذاك، فهل يكون للكاتب، والشاعر، والقاص وقتا يضيعه في شرب الخمر، أو سماع أغنية ماجنة. انها مفارقة مؤلمة، لمن يدعي الثاقفة ويحصرها به، ويحارب حرية الآخرين تحت مسمى الحرية الشخصية.

أدعو المسيطرين على القافة في العراق وأذكر، أنهم يعيشون في بلد اسلامي، وفي ظل حكم ديمقراطي يسيطر عليه الاسلاميون، وليس في عهد الـ 1958، عصر كان القول فيه (الدين أفيون الشعوب). وعليه، فالدعوة للحرية الشخصية، يأتي من خلال الأنظمة والقوانين التي ظمنها الدستور. وتذكروا دائما عليكم التعايش مع هذا الشعب المسلم، الذي قدم من شبابه الاسلاميين القوافل من الشهداء، عندما كنتم شركاء النظام في الجبهة التقدمية سيئة الصيت، من أجل اقرار أحكام الاسلام، مع حفظ حرية الآخرين فلا تحتكروا الحقيقة لانفسكم، ولاتنسوا تغير الجو السياسي، وسوف ندعم نضالكم من أجل الحصول على كل ما نص عليه الدستور، وليس بطريقة الاعتصام واثارة  مشاعر الآخرين، شركائكم بالوطن.

وأخيرا لاتنسوا أنكم اذا أثرتم عواطف عامة الناس، فتحولون البلد الى صرعات سياسية نحن في غنا عنها، وستهاجم البارات والخمارات وتعود الفوضى للبلد وستكونون أنتم السبب في اشعالها. ولقد أعذر من أنذر.

ملاحظة: قبل نشري للمقال، قدمت العراقية برنامجا حواريا، جمع السيد كامل الزيدي رئيس مجلس محافظة بغداد، والسيد عبد الكريم البصري عضو مجلس المحافظة، والسيد المحامي طارق حرب، الذي لم يكن موفقا لافي البرنامج، ولا في مؤازته للاعتصام، والسيد رئيس اتحاد الأدباء العراقيين ثامر فاضل. وقد اتضح للجميع أنه كان هروبا للأمام من رئيس الاتحاد، حيث أظهر تخوفه من الاسلام، ومن دولة اسلامية ـ وربطها بايران بشكل خفي ـ حتى اذا جاءت عبر النظام الديمقراطي . وأظهر البرنامج كذلك، الشعارات التي رفعتها مؤسسة المدى، فكانت بعيدة عن الظاهرة قيد البحث، وكان هجوما غير مبرر على الاسلام والاسلاميين، وأظهرت لنا أن النادي الليلي هو مصدر زرق للاتحاد من خلال بيع الخمور للمسليمن، حيث أكد السيد ثامر ان أجار النادي أربعين مليون والعاقل يفتهم، وهنا أحمل المسؤولية للدولة، من أن تؤمن ميزانية خاصة للاتحادات الثقافية أسوة بالأندية الرياضية، ليبتعدوا عن هذه الأجواء المسمومة. فشكرا للعراقية على حيادها هذه المرة، وشكرا للسيدين كامل الزيدي وعبد الكريم البصري على ردودهم المفحمة لرئيس الاتحاد وطارق حرب، والوافية للجمهور، والمتماشية مع والديمقراطية بحق، شكرا لهم جميعا.

 

زهير الزبيدي

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1598 الاثنين 06 /12 /2010)

 

في المثقف اليوم