قضايا وآراء

أحمد الشيخ داود 1871 – 1948 م / جليل الخزرجي

ومن بين هؤلاء الرجال الأفذاد (أحمد الشيخ داود) الذي كان له ذات يوم بعض الشأن في الحياة العامة والخاصة في عرض موجز لجانب من حياته النضالية .

ولد أحمد الشيخ داود في مدينة بغداد عام 1871 م( [1]) وكان من رجال الدين البارزين في بغداد بداية القرن العشرين، وكان والده أحد علماء الدين نهاية القرن التاسع عشر، وقد عين الشيخ أحمد مدرساً في قضاء خريسان التابع لمحافظة ديالى عام 1893 م، ثم تولى وكالة القضاء الشرعي ثم قائم مقامية القضاء وبقي في هذا المنصب مدة خمسة عشر عاماً . بعدها عين قائم مقام لقضاء خانقين في نفس المحافظة .

بعد قيام بريطانيا باحتلال العراق عين مديراً للأوقاف، وعلى أثر خلاف مع (المستر كوك) ناضر الأوقاف البريطاني قدم أستقالته من الوظيفة .

وعندما نشأت الحركة الوطنية في بغداد إنخرط أحمد الشيخ داود في صفوفها ثم أصبح أحد قادتها البارزين الناشطين ( [2])،ولعب دوراً مميزاً كبيراً أثناء الاجتماعات الجماهيرية التي كانت تعقد في بغداد للمطالبة باستقلال العراق .

وعلى أثر إتساع الحركة الوطنية قام الحاكم السياسي البريطاني باستدعاء أحمد الشيخ داود( [3]) وعدد من رجال الحركة الوطنية في بغداد وبعد الاجتماع بهم حملهم تبعية ما حدث من مظاهرات واجتماعات وهددهم بالنفي إلى خارج العراق إن لم يتركوا هذه الأعمال .

بعدها قامت قوات الأحتلال باعتقال الشاعر الديزلي الذي كان قد ألقى قصيدة حماسية في الجموع الحاشدة مما دعى زعماء الحركة الوطنية إلى عقد اجتماع جماهيري في جامع الحيدر خانة للأحتجاج على أعتقال الشاعر المذكور .

وفي حشد جماهيري كبير تخلله إلقاء الخطب الحماسية والقصائد الشعرية قرر المجتمعون أنتخاب خمسة عشر رجلاً لمقابلة الحاكم البريطاني العام وأبلاغه مطاليب الحركة الوطنية بأطلاق سراح المعتقلين وكان أحمد الشيخ داود أحد هؤلاء المندوبين( [4]) .

وفي تلك الفترة نشطت تحركات الحركة الوطنية في بغداد وباقي المدن العراقية فخشيت حكومة الاحتلال من أتساع الحركة وتدهور الموقف( [5])، فأتخذت إجراءات لوضع حَدْ لهذه التطورات حسب رأيها فقامت بمداهمة دُور أربعة من أبرز قادة الحركة الوطنية في بغداد و هم أحمد الشيخ داود و جعفر أبو ألتمن و تمكن علي البزركان و يوسف السويدي من الإفلات من قبضة السلطة المحتلة ثم جرى نفي أحمد الشيخ داود الى جزيرة هنجام ( [6]).

يتحدث السيد سلمان فيضي عن كيفية اعتقال الشيخ أحمد فيذكر ما نصه : داهم الجنود دار الشيخ أحمد المجاور الى داري فجراً فقيدوه  و اقتادوه بملابس النوم، بعد أن نهبوا الحلي و النقود التي وصلت لها أيديهم ثم أبعدوه إلى هنجام .

و في اليوم التالي زارتني عقيلته أم سلمان و سلمتني أمتعته و ملابسه كي أتوسط بإرسالها الى منفاه،  فأرسلتها الى عمي الحاج طه في البصرة فأوصلها إلية( [7]).

و بقي الشيخ أحمد في المنفى إلى أن أطلق صراحة عام 1921م (بالعفو العام) مع مجموعة من المنفيين، و بعد عودته جرى له أستقبال حار، و بعد العودة لم يترك العمل السياسي و أصبح في ما بعد أحد أعضاء اللجنة التنفيذية للحزب الوطني العراقي و هو أحد الأحزاب السياسية التي لعبت دوراً على الساحة السياسية العراقية( [8]).

و قد حاولت السلطات البريطانية إعتقالة مرة أخرى عندما أغلقت مقر الحزب على أثر المظاهرات التي قامت بتتويج الملك فيصل الأول و التي رفع فيها المتظاهرون شعارات تندد بسقوط الأنتداب على العراق الأمر الذي أزعج المندوب البريطاني فأصدر أمر بأعتقال رجال الحركة الوطنية و نفي العديد منهم الى جزيرة هنجام و إغلاق مقر الحزب الوطني العراقي و حزب النهضة و منع صحف المعارضة من الصدور.

و قد أختفى أحمد الشيخ داود لعدة شهور، الى أن سمحت السلطة المحتلة بعودة المنفيين بعد أن وقعوا على تعهدات بعدم القيام بأي عمل أو نشاط سياسي ضد السلطة و كان أحمد الشيخ داود أحد الذين وقع هذا العهد، و بعد تأسيس المجلس التأسي العراقي أصبح أحد أعضاء هذا المجلس عام 1924 م ( [9])، ثم أنتخب نائباً في المجالس النيابية لعدة دورات.

و في عام 1928م عُين وزيراً للمعارف في الوزارة السعدونية الثالثة( [10]) .

كان أحمد الشيخ داود رجلاً مثقفاً و أديباً له مؤلفات عديدة منها كتاب (الأيات البينات) و (المواهب الرحمانية) و غيرها، إضافة إلى أنه كان ينظم الشعر.

وهكذا كان أحمد الشيخ داود رجل سياسة ورجل دين ورجل أدب حمل هذه الصفات وكافح في سبيل حصول الشعب العراقي كامل حقوقه المستلبة، ومن جراء مواقفه الوطنية هذه تعرض إلى النفي والأعتقال من قبل سلطات الأحتلال البريطاني، إلا أن هذه الأجراءات لم تردعه بل إزداد وأستمر بالعمل في صفوف الحركة الوطنية وأصبح أحد الشخصيات المعروفة وبقي محل أعتزاز وتقدير الوطنيين الأحرار إلى أن توفي عام 1948م( [11]) وبموته دخل سجل الخالدين، وهذا البطل ومجايليه من المناضلين وما قدموا من تضحيات في سبيل الوطن والمواطنين نفتقد أليه في الساحة العراقية بأيامنا هذه

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1599 الثلاثاء 07 /12 /2010)

 

في المثقف اليوم