قضايا وآراء

الإسلامي في السلطة .. / إبراهيم الغالبي

لماذا تتهاوى القيم وتختفي المبادئ الدينية والأخلاقية في التعامل السياسي والاجتماعي بمجرد أن يصبح الإسلامي، أو على الأقل الأغلبية العظمى من الإسلاميين، مسؤولا بيده مقاليد الأمور أو جزء منها؟

كيف يلتقي الإيمان بالفساد والأخلاق الفاضلة بالرذائل الدنيئة ولماذا عدم الإيفاء بالوعود والعهود للناخبين ولماذا التنكر للأصدقاء والزملاء وتقديم الأقرباء والعشيرة وأين موقع الخوف أو الخشية من الله وهو ينهمك في ممارسات لا يمكن تبريرها على الإطلاق لا وفقا للتعاليم الدينية ولا المعايير الأخلاقية ولا الوطنية؟ أي أن واقع المسؤول الإسلامي ينحدر إلى ما دون المتهتّك اللا أخلاقي في السياسة ضرورة. هذه القضية ليست حالات فردية محدودة بل هي ظاهرة بارزة لا يختلف عليها عراقيان اليوم، وهي ليست مختصة بالإسلام السياسي العراقي أو بكلمة أدق برجالات هذا التيار. وفي معرض تحليلها والبحث عن أسبابها تم طرح التالي:

هذه مجمل الأسباب التي طُرِحت لفهم الظاهرة التي يبدو أنها ظاهرة تاريخية وليست محددة بما نراه اليوم في العراق. وعلى أية حال فإن هذه المشكلة هي أكبر المشاكل التي تواجهنا اليوم لكون الإسلام السياسي يمتلك قدرة وتأثيرا في الشارع كحقيقة واضحة وإن بدأ العد العكسي لتراجع شعبيته كما يرى البعض، وهو أمر يلفت الانتباه في تاريخ أغلب الحركات الإسلامية التي تبدو في لحظة ما متحكمة تماما بالجماهير وذات شعبية عريضة يصعب منافستها ثم ما تلبث أن تسقطها تجربة الحكم أو المشاركة فيه لتعود وتنتكس تلك الشعبية وربما تختفي تلك الحركة السياسية لتظهر غيرها. وليس بعيدا عنا ما حصل في الانتخابات المصرية الأخيرة من هزيمة منكرة للإخوان المسلمين الذين يمثلون أقدم نموذج للإسلام السياسي المعاصر مهما قيل عن قيام الحزب الوطني الحاكم بعمليات تزوير لصالح مرشحيه، فهو لو لم يكن قد رأى ضعف التأييد للحركة الإخوانية لِما غامر بإخراجهم تماما من مجلس الشعب.

كل المحاولات التي سبق حصرها في مضمار السعي لكشف سر الإسلامي المتحوّل في السلطة قد لا تقدّم لنا تبريرا كاملا لما يحدث حتى لو أخذت جميعها بمعنى أنها لا تتباين فيما بينها وتصلح أن تكون بمجملها العوامل التي تساعد على هذا التحوّل والتنكر والتغيير في شخصية رجال التيار الإسلامي السياسي، ليبقى المجال مفتوحا للدراسة والبحث.

يجدر القول إن الكتّاب الإسلاميين الناقدين لممارسات ممثليهم في السلطة وضمن إطار الفهم المتعارف لأيديولوجيا التيار الإسلامي السياسي يرون أن سبب إخفاق أولئك الذين في السلطة والمناصب الحكومية هو الابتعاد عن المبادئ الدينية والانحراف عن طريق الله والخوف منه والتهالك على مغريات دينوية زائلة، بالطبع فإن هذا السبب سبب وجيه للغاية ويختصر أغلب ما سبق لنا عرضه من تفاصيل في النقاط أعلاه لكن يبقى ذلك ضمن دائرة النظرة الإسلامية والاحتكام إلى معايير دينية محددة ويطرح بلغة الوعظ والخطابية الدينية، وما يؤشر عليه أنه يجعل الذين خارج دائرة الالتزام الديني غير قادرين على النهوض بمسؤولياتهم وتقديم النموذج المرضي للمسؤول الذي يخدم شعبه ومواطنيه. غير أن أبرز المؤهلات اللازمة لاحتلال المناصب النافذة لا تبدو مرتبطة بالوازع الديني، فالنزاهة والإخلاص والكفاءة ليست وليدة حالة التدين بل هي صفات يمكن أن تتوفر في أي شخص يتمتع بسجايا فاضلة وضمير محاسب ونفس سامية متدينا كان أم غير متدين، إسلاميا كان أم علمانيا. لهذا ينحصر الحل كما يتضح بأن يغير الإسلاميون أنفسهم ليتغير واقع ممارساتهم للسلطة وألا ينسوا أنهم ليسوا الخيار الوحيد والأبدي المتاح أمام الجماهير. ويجب ألا يُستخلَص من سرد المآخذ على الإسلاميين أن غيرهم منزهون وملائكة سياسة، فهؤلاء يختلفون في عدم التزامهم بالدين وبالتالي فلا معنى لمحاسبتهم سوى المحاسبة الوطنية والأخلاقية. والحق أن العلمانيين لهم زلاتهم وفضائحهم التي لها أول وليس لها آخر.

أيا يكن، فالحل الذي يمكن أن نسهم في طرحه لمعالجة جزء من مشكلة الإسلامي في السلطة ولا أقول معالجتها الكلية والشاملة هو أن يكون للحركات والأحزاب الإسلامية صفان من القادة، الأول هم القادة التنظيميون أو المراجع الحزبية العليا، وهؤلاء يجب أن يكونوا خارج مناصب النفوذ الحكومي ويتفرغوا لممارسة عملهم إشرافا ورقابة على الصف الثاني الذي يحتل المناصب فيما لو نجحوا في نيل ثقة الناخبين. الصف الثاني هؤلاء يجب ألا يكونوا من قادة الحركة أو حاشيتها المقربة بل من أتباعها يتم اختيارهم وفق ضوابط وشروط معينة لينجحوا في تجاوز اختبار السلطة، بمعنى أن يتحول كل حزب إسلامي إلى برلمان مصغر. ونعتقد أن من بين الحركات والأحزاب الإسلامية اليوم التي تقترب من هذا النموذج المقترح هو التيار الصدري، الذي يتمتع بمرونة أكثر من غيره على صعيد محاسبة مرجعيته لممثلي جمهوره وقاعدته الشعبية كما حدث وفي حالة فريدة للنائب عن التيار في الكوت كاظم الصيادي. هذا الأمر قد يخفف من مظاهر المشكلة وبالطبع فهو لا يعالجها ولا يقضي عليها لأن لدينا الآن نماذج موجودة بالفعل لمسؤولين ليسوا قادة في الأحزاب التي وصلوا عبرها إلى مناصبهم ومع ذلك فهم لا يشذون عما يبدو قاعدة في انحراف الإسلامي عن الطريق السليم.

في ظل غياب أية معالجة أخرى فإن الشيء المؤكد هو أن استمرار الأمر على هذا المنوال كفيل بتراجع هائل في شعبية الإسلاميين وتهاوي رموزهم السياسية، وبالتالي فإن هناك انتكاسة ستواجههم في المستقبل القريب لا محال.

 

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1602 الجمعة 10 /12 /2010)

 

 

 

في المثقف اليوم