قضايا وآراء

الجسد العراقي بين التقديس والقمع .. رؤية فنان تشكيلي / حكمت مهدي جبار

الى الحد الذي يتعجب به الناس . كنا نتفنن في رسومات الجسد الانساني كشيئ نتمثله ونعتبره قيمة جمالية سيما عندما ننجح في رسم جسد أمرأة فاتنة حتى يسيل لعابنا شهوة الى محاسن الجسد المفترض على الورق. أو حتى نندهش من رسم جسد رجل مفتول العضلات فنحلم بجمال عضلاته وقوتها.

 

 ومع كل تلك الموهبة فأننا لم نمتلك أي مفهوم فلسفي أو معنى محدد للجسد الا بعض تلك المحرمات و(التابوات) التي عرفناها بالغريزة والعادات. حيث نتخفى لنرسم جسد أمرأة عارية أو (.......) لنستمع بخيالات وأوهام نصرف بها (أيروتيكيتنا) لنتكتشف ذكوريتنا. هكذا كان الجسد العراقي رغم بعض التحفظات في التحدث عن (الجسد) في نظرنا وسيلة للمتعة والجمال،فنرسمه، ونتمعن بمفاتنه، ونكتب عنه الشعر، ونتباهى به بأبائنا العمالقة ..لقد درسنا في تأريخنا القديم أن أجساد العراقيين لها قوتها وحيويتها في الحياة، بل ان الانسان العراقي عاش ازمانا ليست بالقصيرة وهو يبحث عن سر لبقاءه جسدا حيا لايموت الى جانب سرمدية الروح، كما جاء في نصوص ملحمة كلكامش العظيمة.وهنا يتوضح لنا أننا كعراقيين نحب الحياة ونتغنى بها، الى حد العشق.

 2084-hekmat1

والجسد لدينا اعظم رمز للحياة يصل بنا الحال فيه الى التقديس والتبجيل. ننذهل عندما يمر من امامنا جسد أمرأة عراقية . نحتضن الطفل الجميل ونملأه بالقبلات، نتباهى بجسد رجالنا ونصفق لهم . ولكن مع كل ذلك التقديس للجسد ثمة تناقض  صارخ بين عشق العراقيين للجسد والأعتناء به وحبه كرمز جمالي وبين الكارثة التي حلت بالعراقيين والتي تمثلت بمشاريع القتل المروعة والتي تفنن بها القتلة ايما فن، ذبحا وحرقا وتقطيعا وتمزيق..للأسف الشديد لقد صار الجسد العراقي بضاعة رخيصة الثمن وصار سلعة تجارية في سوق النخاسة . أن من المؤلم جدا ونحن نرى ثقافة القتل البشع تنتشر في عراق الجمال والعشق .ولاندري كيف تحول العراقي من عاشق للجسد وعابد له الى سفاح يسحل الجثث ويقطعها ويجز رقابها!! نحن نعرف ان ما طرأ على نفسية العراق من ثقافة عنف وقتل انما هي متأتية من حالات التوحش السياسي الذي هو أمتداد لمراحل التأريخ القريبة .فكان الجسد هو الوحيد الذي تعرض بسبب السياسات الى التعذيب بشتى الوسائل المؤلمة سواء لأنتزاع لعترافات أو لأخذ ثارات أو لتصفية علاقات أو حتى التلذذ والعياذ بالله بالمشاهد والآلام المبرحة.

 2084-hekmata

وهكذا رأينا كيف تعرضت اجساد المثقفين والسياسيين الى شراسة السياسيين وقساوتهم. والى الام الحروب والأعتقالات او ألأنفجارات أو السجون. ..لقد غدا مفهوم التصفية الجسدية شيئا مشاعا في ثقافتنا العراقية وللأسف الشديد من دون شعور بالذنب وبلا وازع اخلاقي بل أصبح رمزا لأغلب التيارات التي تدعي الشجاعة وأنها تأخذ بثأر المظلومين الذي قتلوا قبل مئات السنين. أو أنها على طريقة المفاهيم الغربية تطبق مفوم (الثوري الذي يريد أن يغير كل شيء من أجل الشعب)!!! على حساب الأبرياء .أو ما يجيئ به البعض من أنه يطبق الشريعة الأسلامية في معاقبة (الكفار) فيقومون بقطع الرؤوس علنا امام العالم كله بطريقة مرعبة تذهل العقل..لقد الغي الجسد العراقي  بخناجر الذبح والتمزيق وحرق واغتصب وشوه وقطعت اوصاله اربا وهو حي .دقت عظامه . ثقبت أقفيته بالآلات الكهربائية . دق عنقه بالمقصلة أو بحد السكين أو السيف ...أو رمي به في اقفاص مملوءة بالكلاب الجائعة .أو ظلمته السلطة ليعدم بريئا ثم تقدم لأهله أعتذارها !! كل تلك الصور المارة في الذهن ترسخت في مخيلتي فرسمتها في تخطيطات متواضعة لأجسد فيها مأساة العراقي جسدا..

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1603 السبت 11 /12 /2010)

 

في المثقف اليوم