قضايا وآراء

هموم في متحف الذاكرة الفنية العراقية "حول والنجار وآخرون" (ق1-2)

هكذا موضوع وهكذا دراسة. وسأنفتح على ذلك من خلال مقالة (إبراهيم ياسين) المعنونة: (هل للمثقف العربي عذر؟5) لأنها تستبطن الكثير من الأسئلة التي قد تثار- كما قلت سابقا- على قصدية الدراسة وغايتها. ومن جهة أخرى أجد فيها علاقة لموضوعة الدراسة خصوصا في قسمها الثاني الذي سينصب على تشخيص العلاج. فأن معرفة المرض أو تشخيص الكوارث الطبية أو الاجتماعية هو نصف الحل كما يعرف الجميع. وتشخيص العلاج المناسب هو النصف المتبقي كما لا يخفى. يتساءل إبراهيم في مقالته: (يطالب البعض من حين إلى حين هذا المثقف بان يتحمل مسئوليته وألا اتهموه بالجبن والتقاعس..والانبطاح والخنوع والخضوع. والقوا عليه شتى الأسماء والنعوت التي تجود بها لغة الضاد...يطالبونه بان يتحمل مسؤولية لم يستطعها الحكام والقادة...اهو رسول أوحي إليه واسند بالمعجزات ؟ أم هو من وماذا؟...وهو بعد ذلك يحاول أن يكتب مقالة هنا أو مقالة هناك؟...ما المقصود بالمسؤولية؟ أهي أن يسب الحكام والمسؤولين؟ أم أن يوزع الرغيف على الفقراء والمساكين؟. إن اغلب من يكتبون ويبدعون في الوطن العربي موظفون يتقاضون رواتبهم من الدولة، فمن هو هذا الموظف الذي صانه إبداعه عن العمل والتكسب. وبالتالي عن الخضوع للترقيات المزيفة...فكيف يتحمل الأمانة من أنهكته متاعب الدهر ومصائب الزمان والمكان. ؟ هذا المثقف تحاصره الدولة بكل الوسائل من التهديد والترهيب والقمع؟إلى التفقير والتجويع..تحاصره وسائل الإعلام بسفا سف الأمور. يحاصره القارئ الذي لا يقرا...يبحث عن البهرجة والصور الفاضحة..يكتب ليلا ونهارا، ودور النشر تغلق أبوابها ونوافذها في وجهه...وتفتح أبوابها لغثاء السيل على غرار:التداوي بعسل النحل، ومحاربة الجن، والشياطين وكتب الأبراج.....ظاهرة المدونات :نموذج مدونات مكتوب أو جيران..أبدا من حيث شئت : اكثر ألا دراجات...مدونة غريبة تحمل عنوانا يثير التقزز أن كنت جائعا..)

هذا ما أردت عرضه من المقال المشار أليه قريبا. وفي الحقيقة أن المقال تتداخل فيه آراء وأسئلة متنوعة ومتعددة مما يقتضي تعدد الأساليب في نقده والرد عليه. لكني سأكتفي بموضع الحاجة منه، وبداية اظهر أسفي الشديد على هذا الكلام فكما يبدو أن كاتبه مثقف فلا يليق به أن يقع في هكذا مز الق لا تحمد عقباها. وأنا أرد على الزميل العزيز ببعض النقاط التي كان يتوجب عليه أن يضعها في حسابه كما وأني أرد على غيره إذا أثيرت في مخيلته بعض الإشكاليات المشابهة على هذه الدراسة أو غيرها. فأقول: من هو هذا البعض المطالب (يا إبراهيم)؟ أن كان من المثقفين المحترمين والذين لا يحملون نوايا سيئة أو توجهات أيدلوجية معينة، يجب التحاور معه ثقافيا ومحاولة فهم مغزى طلباته. إذ لا يعقل أن يطالب المثقف أن كان حقا مثقف واعي وهادف، مثقفا آخر بحمل السيف ودخول الحرب. أو الخوض في صراعات ونزاعات ومهاترات مذهبية أو عرقية أو حزبية. أو حتى ثقافية فنية تحاول أن تتبنى فرض القناعة بالقوة والمغالطة. ولعل هذه المطالب هي الماثلة في ذهن كاتب المقال- وألا فما معنى الاتهام بالجبن والتقاعس إلى آخر ما جاء من أوصاف البعض للمثقف-. وان كان هذا البعض من الجهال والإمعات والرويبضات فأن الدنيا مليئة بهم مع شديد الأسف. وهؤلاء أن كانت مطالبهم شخصية وفقا لنوازع نفسية خاصة، فهم بالإهمال والترك أولى. بل على كل مثقف واعي وصاحب مشروع إصلاحي أو تنويري تجديدي أن يتوقع ثورتهم وهياجهم ونفورهم. وكما جاء في الحكمة العلوية: (رضا الناس غاية لا تدرك). وان تدخلوا في قضايا خطيرة وكبيرة عن وعيهم وإدراكهم توجب على المثقف صدهم بقوة مبينا مغالطاتهم وأوهامهم حتى يضع الجاهل في حسابه أن هناك من يتصدى للجهل ويرد عليه وليست الثقافة أمرا مسليا يمكن لأي أحد ادعائه والخوض فيه سلبا أو إيجابا. وشخصيا لا أدري أين يصنف (إبراهيم) مطالبة البعض التي يفتتح فيها مقالته. وهل هي دوما خاطئة وغير واقعية يا ترى؟ أم أنها مطالبة مشروعة في اكثر الأحيان؟ وقبل الإجابة لنمضي إلى باقي فقرات المقالة. صحيح أن مسؤولية المثقف لا يستطيع تحملها حتى الحكام والقادة أيها العزيز، لأنها من اختصاص المثقف عبر ما يمتلكه من لسان ووعي وقلم وفكر ينفتح من (الأنا) ليفيض على (أنت) ومن ثم على الكون والحياة. المجتمعات مسؤولية من يا (إبراهيم)؟ أن لم تكن مسئولية المثقف والفنان والأديب والشاعر. القادة والحكام يا عزيزي لهم حروبهم وشؤونهم وصراعاتهم. انهم لا يرون حل بغير السلاح والحرب والتدمير. وان افترضنا المثقف أو الفنان بشكل عام رسول أو نبي كما تتساءل، فهو غير معفي من مسئوليته أيضا سواء أوحي إليه أم لم يوحى. وأنت وأنا واغلبنا يعرف ما الذي تحمله المرسلون في سبيل الحفاظ على مبادئهم من عذاب وصراع بل وحتى إهانة واحتقار من التافه والوضيع. فلماذا تفرض أن الموحى إليه بلا مسئولية ومعفي عنها؟ ثم أن للفنان وحيه الخاص- بمعنى من المعاني – وله رسائله وأهدافه أيضا. أليس كذلك يا إبراهيم؟ أما سؤالك من هو أو ماذا-أي المثقف-؟. فهذا سؤال تختلف عليه الإجابة ولا تجتمع عليه الآراء وهو يذكرنا بسؤال، ما هو الأدب؟ولماذا نكتب ؟. وعلى أي حال كل واحد حر في أن يشكل هويته وماذويته بحسب ما يحسنه ويجيده ويصطبر عليه. وليست المسؤولية أن يسب الحكام والمسؤولين. وأنا أجلك على أن تحتمل ذلك يا إبراهيم، فان السب يجب أن يترفع عنه عامة الناس فضلا عن المثقف والأديب كما وانك تعلم هذا ولابد. إما استفهامك عن توزيع الخبز على الفقراء والمساكين باستغراب، فهو ليس في محله أيضا. فهذا من المسؤوليات الإنسانية العامة التي يندرج فيها المثقف وغيره. كل ما في الأمر أن المثقف مسؤولا اكثر. إذ هو يعي جيدا تأثيرات الجوع على الموهبة والعقل ومن ثم على المنجز الإبداعي. وان كان الأديب والمثقف النزيه لا يمتلك الكثير من الخبز كما هو حاصل فعلا، فأنه مكلف بتوزيع أرغفة الإبداع والمعرفة والثقافة كما هو واضح. أما اغرب واعجب ما تسأل عنه، فمن هو الموظف الذي صانه إبداعه عن العمل والتكسب؟..عن الخضوع للترقيات المزيفة؟ فاعلم يا إبراهيم أن هناك الكثير ممن صان نفسه عن الخضوع للترقيات المزيفة التي تقول بها، وان لن يصنه إبداعه عن الرزق. فكما ورد: (الموت أولى من ركوب العار). وأنا لا أتحدث بطوباوية أو مثالية فهناك الكثير يا عزيزي ممن احتمل كل شيء من اجل أهدافه ومبادئه. وان شئت اعدد لك قائمة طويلة بأسماء المثقفين والأدباء والفنانين وخصوصا العراقيين الذين هاجروا ولازالوا إلى خارج أوطانهم لأنهم لا يريدون لمبادئهم ومشاريعهم الفنية أن تخضع للترقيات المزيفة. صدقني يا إبراهيم. والسؤال الغريب الآخر الذي لم افهم المناسبة من إيراده، ألا إذا كان في إيراده تذكير بفلسفة الخنوع والاستسلام للقدر بسلبية ليس لها ما يبررها. وألا ماذا يعني السؤال عن كيفية تحمل الأمانة بالنسبة لمن أنهكته متاعب الدهر ومصائب الزمان والمكان؟. ربما تعرف كما يعرف الجميع أن ليس هناك بلد عربي على الإطلاق مر بما مر به العراق -باستثناء فلسطين في بعض الوجوه- وشعب ومثقفو العراق. ومع هذا لن نسمع حسب معرفتنا بمن قال منهم باني لا أريد ولا أستطيع تحمل المسؤولية لأني منهك بمتاعب الدهر ومصائب الزمان. ثم بالنسبة إلى المثقف الغير مهجر والذي يعيش في بلد عربي تحاصره الدولة بكل الوسائل من التهديد..الخ.هل هذا الشيء جديد يا ترى؟ وهل لم يشهد كل المثقفون في العالم وعبر تاريخ الثقافة الطويل فصول مشابهة له ؟ يقينا حصل ذلك وسيظل يحصل مادامت الشعوب نائمة عن حقوقها وغير واعية لمسؤولياتها. وهذا ما نطرق مسماره باستمرار. ثم أننا لا نطالب ولا اعتقد أن أي مثقف أصيل يطالب بالكفاح المسلح والحرب مع أمريكا أو إسرائيل أو أعداء العروبة وغيرها من المسميات الشائعة في ثقافة (القوميين). لكن نتحدث عن مسؤولية وأمانة المثقف وعلى حسب قابليته وقدرته. وفي خضم أي حصار وتجبر وتهديد وترهيب يستطيع المثقف والمبدع أن يخلق متنفسات ويجاهر بالرفض المباشر وغير المباشر. وليس عليه أن يظل صامتا خانعا وإلا اصبح خارج المسؤولية الإنسانية والثقافية وشخصا كهذا لا شأن للثقافة والمثقفين به. وكم حاولت الدول لجم الكلمة ومحاصرة المبدعين عبر العصور ففشلت. إذ أن الإبداع يفرض نفسه ويتسامى فوق الحدود والقيود والشواهد على ذلك كثيرة وبأساليب اكثر. ما الذي حدث قبل وعقب الثورة الفرنسية حينما حوصر المثقف والثقافة؟ هل توقف الإبداع خلال تلك الفترة العصيبة؟. أم انه اتخذ احتياطات تناسب المرحلة وتضمن نجاح المنجز. واكثرنا يعرف حكاية (الرسائل الفارسية) (لمونتسكيو) وغيرها من التجارب الكثيرة. وبشأن محاصرة القارئ الذي لا يقرا، والذي يبحث عن البهرجة والصور الفاضحة. فأعتقد أن هذه المشكلة يتحمل المثقف والأديب جزاء كبيرا منها فأحيانا- أن لم يكن غالبا- يكون المثقف والأديب والفنان بشكل عام جاهلا بالتمام لهموم ومتطلبات جيله وأبناء عصره فيحلق في أجواء غير أجوائهم ويتحدث بلغة غير لغتهم ويصف ثقافة غير ثقافتهم. وقد أشرت لهذه النقطة في أحد المقالات*. أما الصور الفاضحة فهي من المشتركات بين المثقف وغيره والكاتب وغيره وليس من الإنصاف وصم القارئ وحده بها. إما دور النشر التي تغلق أبوابها في وجه المبدع فاعتقد أن هذا زمن ولى أوانه. إذ أن المواقع (الانترنيتية) الهادفة مشرعة أمام أي شخص في أي زمان ومكان. وها أنا وأنت وغيرنا نكتب وننقد وننتقد ونحاور ونطالع في أي مكان وزمان حسب طاقتنا وشهيتنا الأدبية والفنية. ومن ثم اعتقد بان سلطة دور النشر قد أصبحت من أمور الماضي البعيد. إلا إذا كان شخصا ما لا يعد النشر على الانترنيت نشر حقيقي كما الكتاب فهذا شانه. إما أنا وغيري كثير فنعرف حلاوة النشر على الانترنيت بل ذهب البعض على التأكيد بان تجربة النشر (الانترنيتي) أهم وافضل من فضاءات الكتاب الضيقة. والخلاصة للكتاب لذته ودفئه، وللانترنيت حلاوته وسرعته وعالميته. والمهم أن تصل المعلومة المفيدة للمتلقي وليس مهما طريقة إيصالها. اما بشأن نشر الكتب المهتمة بالتداوي بعسل التمر ومحاربة الجن وكتب الأبراج. فعلى الرغم من أنى أعدها نتاجات غير فكرية ولا مفيدة ولاداعي لأن يشغل الإنسان نفسه بها. إلا أني لست معنيا بأن ادعوا لإيقافها حيث إنها مناسبة لبعض الناس وهم يجدون فيها إزجاء لرغباتهم وتفريغا لمكبوتاتهم. وكما يقول (جان أودور) و(ميشيل كاسية) وهما فلكيان فرنسيان. ما مضمونه :(أن كتب الأبراج والجن والشياطين، بالرغم من أنها ليست علمية ولاعقلية أو ثقافية. لكنها تناسب حال الكثير من الذين يقرؤها. فحتى ألا وهام يمكنها أن تعالج بعض الأزمات النفسية.). اما بشان كتاب التداوي في العسل فهو يذكرني بكتاب (التمر غذاء ودواء) وهو من منشورات أدب فن. إذ اعترض أحد الأصدقاء عليه وقد اخبرني قبل مدة بأن هذا الكتاب ليس مهما وما شان الثقافة بهكذا مواضيع. فاقول:صحيح انه توجد مواضيع أهم من ذلك بكثير لكن ذلك لا يعني إهمال هكذا نوع من الكتب فهي أيضا مهمة وضرورية. بل أن حتى أكابر الأطباء ابتدئوا يدركون أهمية الأطعمة وخصوصا العسل والتمر ويوصون بالتطبب بها فهي افضل من الأدوية الكيماوية ذات الأضرار الجانبية المعروفة. اما بشأن ظاهرة المدونات. فليس المهم أن يقرا الناس كتابات الكاتب أو المثقف. بل الغاية النشر ومسألة قلة القراءة لها ما يبررها في الوقت الحاضر. إذ الطغيان التقني والصوري والسمعي طاغيا. فضلا عن مشاغل ومصاعب العيش وتحصيل الرزق التي تجعل المجتمع العربي يسمي من يهتم بالقراءة ب(البطران) كما في مجتمعنا العراقي. الذي سيقول لك حينما يراك مهتم بكتاب أو موضوع ثقافي :(اشبع خبز أولا ثم أقرا). وهذا ناتج من ظروف اقتصادية مريرة يعلمها الجميع بالنسبة للقارئ العربي. وليس نتيجة لازمة في قابلية وذهنية المتلقي العربي إطلاقا. اما مسألة اهتمام القارئ بالمدونات التافهة التي قد يتجاوز قراء إحداها مئات الآلاف. فهذا شيء طبيعي عند كل شعوب العالم ولا فرق ألا في التفاوت الكمي. فالناس تحكمها أذواق وأمزجة مختلفة لا يمكن عدها بعد أو حصرها داخل إطار ما. وما ينبغي على المثقف والكاتب أن يهتم به هو الاعتناء بما يبدع وينجز ويحاول أن يأخذ بعقول الناس نحو الرقي والتطور برفق وشفقة. وليس على أي أحد أن يشغل نفسه بما هو متكاثر من السطحية وتفاهات الأمور فان هذا لا يزول ألا عبر تعاون أنساني كوني شامل وعلى كل مثقف أن يتحرك على قدر المستطاع بما يريح ضميره ويساعد على مواصلة إنجازه الذي يستبطن إبداعه ورسالته وكفاحه (وعلى الإنسان أن يسعى وليس عليه أن يكون موفقا) كما قيل. وبالنسبة لتصنيف الذي يلوم المثقف بأنه أما ليس مثقفا ولا تربطه بالثقافة أدنى رابطة. فهذا ادعاء صحيح وهو ينطبق على من يلوم المثقف وعلى من لا يلومه فهناك دوما مدعين للثقافة وليسومن أهلها. اما القول بأنه مثقف وان السؤال المطروح عليه :ماذا صنعت أنت؟ هل حاسبت نفسك قبل أن تحاسب غيرك ؟. فهو أسلوب كان الأجدر بالكاتب الابتعاد عنه فهو ليس أسلوب حضاري ولا ثقافي أولا، وهو غريب وغير وارد مطلقا. فنحن لن نسمع يوما أن جنديا رد على القائد الذي عنفه لأنه لم يقاتل كما ينبغي بان يقول له: وكيف قاتلت أنت؟ أو انزل وقاتل بدل أن تلومني. ولم نسمع بلاعب كرة قدم يرد على مدربه أن وجهه أو عاتبه على بعض الأخطاء بان يقول له: وكيف تلعب أنت أو كيف كنت تلعب؟ إلا عشرات الأمثلة. بالإضافة ألا أن هذا الأسلوب منغلق ومتصلب ويلغي الآخر بشكل مجحف. إذ توجد خيارات غير الخيارين المطروحين لمن يلوم المثقف أو غيره. فهناك احتمال كبير على كون من يلوم يمتلك رؤيا متكاملة لمشروع تقدمي ما أو لمنهج فكري بعينه وهو قد يحتاج من يساعده ويقف إلى جانبه. وقد يخونه التعبير أحيانا فلا وجود للكمال في العمل المعرفي والفكري. وعلى أي حال هناك اسمين ممن اخترتهما لمصدرية الدراسة وهما (قاسم حول) و (علي النجار) قد لامسا مساوئ ثقافية مريرة ضمن اختصاصهما. وشرحا هذه المساوئ على سبيل الاعتبار والتنبه. ولم يكتفيا بالكلام، بل عمد الأول إلى التحدث بجرأة وصراحة عن مساوئ الإهمال الثقافي العربي معنفا المعنيين والمسؤولين بشكل واضح وبلا مواربة. ولو أنني لم أقرا أحد مقاليه في صحيفة (الشرق الأوسط ) بنفسي لما صدقت انه مكتوب في صحيفة عربية. اما الثاني فقد ابصر بأم عينه إحدى لوحاته المحفوظة في المتحف تباع في أحد المعارض. ورغم خطورة الحال في زمن الدكتاتور إلى انه تجرأ ونبه الشخص المسؤول عن المعرض بالتلاعب الحاصل في ختم اللوحة الخلفي. ولم يكتفي بذلك بل انه ذهب لمسؤول أعلى ينبه بهذه الجريمة الفنية الخطيرة. إلى أن حظه العاثر قاده إلى مسؤول عن الرشاوى لاعن الإبداع. واخيرا ترك بلده مهاجرا بفنه وفكره بعيد عن تلك الطغمة الجاهلة. والباقين اعني (بلاسم ) و(السعود) فهما لا يلومان أحد ولا ينفخان في الأبواق بل انهما يسجلان انطباعاتهم عن بعض الأخطاء ويضعان الحلول المقترحة. وقبل أن انتهي من مقال (إبراهيم)، انقل أخيرا عبارته التالية  (أن ما سمي بالأدب الملتزم، والفكر، لا يعدوان يكون مدرسة أو اتجاها، فثمة مدارس ووجهات نظر أخرى لعل اشهرها : "الفن للفن". فما الفرق أذن مادمت تكتب والقارئ غائب..) ونحن نتفق مع (د.إبراهيم ياسين) بأن هناك مدارس واتجاهات أدبية وفنية مختلفة. ولذلك نحن لا نطالب بان يلتزم أي أديب أو فنان أو مثقف باتجاه ما. كل ما في الأمر أن يضع هؤلاء مسؤولية الثقافة والفن نصب أعينهم ويكونوا على قدر المسؤولية تجاه ذواتهم أولا، ثم تجاه مجتمعاتهم ثانيا. وان يتحملوا هذه المسؤولية سواء اختاروا الأدب الملتزم أو المنفلت أو أي اتجاه ومدرسة معينة. فحرية الاختيار تابعة لهم لكن التهرب من المسؤولية ليست مما يدخل في الاختيار. ولنا شواهد كثيرة لعل أوضحها حالة (سار تر) فعلى الرغم من كونه مستغرقا بالعبثية والتشاؤمية. ألا انه لن يترك كل مسؤولياته، وآرائه عن الثورة الجزائرية معروفة. وكان يشجع على الحركات التغيرية. ومهما سمعنا فأننا أبدا لن نسمع كلمة اكثر تشاؤمية وتخل عن المسؤولية، حتى عند اشهر معتنقين فكرة (الفن للفن). تشبه كلمة الدكتور إبراهيم: (فما الفرق أذن ما دمت تكتب، والقارئ غائب). انتهى ما أردت إيراده ردا على مقال (إبراهيم ياسين) وأتمنى أن لا أكون قسوت عليه، وان كان هذا حاصل فغايتي الأولى والأخيرة هي النقد البناء من اجل ثقافة راقية ومعرفة رصينة. تبتعد عن الشخصي والنفسي إيرادا ونقدا وأخذا وردا. فأنا اعرف انه لم يوجه نقده لي ولا لأحد الذين استعنت بمقالاتهم في هذه الدراسة. وكلي أمل أن يتفهم الزميل العزيز ذلك وهو كاتب ومبدع في مقالاته ودراسته أتمنى له كل التوفيق. وأرجو أن يحذر الزلات في المستقبل. وأنا أتفهم مرارته من واقع الثقافة المزري، فلا يستطيع أي مثقف أن يتجاوز هذا الواقع أو لا يشعر بحسرة إزائه. لكني من جهة أخرى أود أن افتح نافذة من الأمل في فضاءات الدكتور. وعلى أي حال أتمنى أن أكون قد وفقت لدفع بعض ما قد يلتبس في ذهن القارئ من خلال مناقشة مقالة الدكتور. وقد يبقى شيء واحد لابد من الإجابة عليه مفاده : إن هذا الجزء من الدراسة يكاد يخلو من أي فكرة أو إبداع فأن ما أورده الكاتب كله نقل عن مقالات لكتاب آخرين- باستثناء المناقشة لمقال إبراهيم ياسين- وليس فيه شيء من آراء كاتب الدراسة سوى نتف يسيرة ؟، أقول: إن هذا ليس عيب في دراستي أو أي دراسة أخرى كما هو واضح. فلا توجد دراسة أو أطروحة أو بحث في شتى حقول الثقافة والمعرفة لا تعتمد النقل من المصادر. ومن جهة أخرى أن أهم فوائد النشر على الانترنيت انه يضع المصادر أمام الباحثين دون قيود. مختصرا البحث والتقصي في متون الكتب ورفوف المكتبات. وبما أني متواجد على هذا الموقع الراقي من خلال ما نشرته فأنا متواجد فيه كذلك من خلال ما اقرأه وأتابعه واستحسنه من كتابات زملائي الذين ينشرون على نفس هذا الموقع. فإذا وجدت مادة تخدم بحثي أو مقالتي منشورة في أحد أقسامه العديدة فأني اخذ بها فورا واستفيد من معطياتها موفرا على نفسي الجهد والوقت أولا، ومعرفا بمنشور أدبي من الموقع الذي انتمي روحيا أليه بحكم التزامي في الكتابة فيه ثانيا. وعلى هذا شرعت في هذه الدراسة والتي لم تقتصر قطعا على النقل الحرفي من المقالات المشار أليها في متنها. بل أن هناك مناقشة واخذ ورد واغناء سيصار إليه في جزء الدراسة الثاني غير بعيد فحتى ذلك الحين....(يتبع)

 

2009

(سخرا فن ديل- هولندا)

 

...................

الهوامش:

1-   مقالتي " قاسم حول" منشوران في صحيفة ( الشرق الأوسط).

2و3و4و5: جميع هذه المقالات منشورة على موقع (أدب فن).

* في مقالتي "حتى متى هذا الإهمال - تنبيها لإنقاذ المنجز الأدبي الفني- ". منشور على موقع (أدب فن ) و (كتابات) و(المثقف)

   

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1135  الاثنين 10/08/2009)

 

 

في المثقف اليوم