قضايا وآراء

المرأة العراقية: الأنموذج الأكمل لسيكولوجية المرأة الوحيدة / حسين سرمك حسن

 (من نص سومري)

 

 (طائر يضرب بجناحيه

أما الأرملة فبعينيها

امنحني القادم الأول

يا ربّ

لا تريد أن تمنحني الأول

فالثاني

يا ربّ)

 (من أغاني الغجر)

 

إذا كان (ماكوبن) وهو من بين أهم الباحثين الاجتماعيين في شؤون العائلة والكوارث في العالم قد وصف عوائل أسرى الحرب بأنهم (الأبطال الذين لم يتغنّ بهم أحد)، فنستطيع القول – مستعيرين هذا الوصف - أن العوائل العراقية كلها، وليست عوائل أسرى الحرب العراقيين حسب – هم الأبطال الذين لم يتغنّ بهم أحد، مثلما نستطيع تخصيص الأمر أكثر بالقول أن المرأة العراقية الوحيدة (أرملة أو مطلقة أو عانسا) هي الضحية التي لم يتغن بآلامها أحد، ضحية ذات آلام بطولية مأساوية الطابع . لقد تحملت المرأة العراقية، خلال العقود الأخيرة، ضغوطا كارثية من كل الأنواع: الحرب والأسر والطلاق والموت والأمراض المزمنة والموت .. ثم ظهرت ضغوط جديدة مع الاحتلال وتتمثل في الإغتصاب والإضطهاد الديني والقتل المجاني والبطالة (مليون عسكري أرسلهم بريمر إلى الشارع) وإدمان الأبناء على العقاقير . وبسبب الحروب الثلاث المدمرة التي شهد أهوالها الشعب العراقي وأعمال العنف التي كلفت الشعب العراقي أكثر من مليونين ونصف المليون شهيد حسب إحصائيات وزارة الصحة، فقد ارتفعت نسب الأرامل واختلت نسبة الرجال إلى النساء فتصاعدت نسب العوانس حتى صار العراق يوصف بأنه " جمهورية الأرامل والعوانس "، وهي ظاهرة شديدة الخطورة بما تمثله – كما سترى - من معاني فقدان الأب كمعيل للعائلة واختلال تقمص الأبناء للأنموذج الأبوي وضعف السيطرة على الأولاد والضغوط النفسية والاجتماعية على المرأة / الأم الوحيدة . وحسب إحصائيات وزارة المرأة العراقية الصادرة نهاية عام 2008 فإن عدد الأرامل في العراق قد وصل إلى مليون أرملة . ومما زاد الطين بلة هو ارتفاع معدلات الطلاق في ظل الإحتلال (ثلاث حالات طلاق لكل أربع حالات زواج حسب إحصائيات وزارة العدل العراقية) . كما بلغ عدد الأطفال الأيتام (4) ملايين يتيما (إذا كان معدل عدد الأطفال في العائلة العراقية هو 4-6 أطفال حسب تقديرات وزارة التخطيط) وهو من العوامل التي تسبب التسرب من المدارس وجنوح الأحداث وإدمانهم . أما بالنسبة لمحنة المرض المزمن التي تواجه العائلة العراقية فمن المعروف أن عدد حالات الإصابة بالسرطانات، وخصوصا بين الأطفال قد بلغ مستويات عالية جدا بسبب استخدام الولايات المتحدة المدافعة عن حقوق الإنسان لليورانيوم المنضّب في حرب (تحرير) الكويت التي تحولت إلى حرب تدمير العراق عام 1991، ثم حرب (تحرير) العراق من العراق عام 2003 والمستمرة حتى الآن . ومؤخرا تداولت مواقع الإنترنت إحصائيات جديدة قيل أنها صادرة عن وزارات عراقية مختصة أوصلت عدد الأرامل إلى خمسة ملايين، وهذه الربكة الإحصائية تكشف لاعلمية الوضع الجديد الذي خلقه الإحتلال من ناحية والاستهانة بحجم الظواهر الاجتماعية من ناحية أخرى وفي مقدمتها كارثة النساء الوحيدات في المجتمع العراقي .                                                                              وقد كانت واحدة من أعقد الحالات النفسية التي أواجهها في عيادتي النفسية في بغداد ولسنوات طويلة، هي كيفية التعاطي مع حالة المرأة الوحيدة عموما والأرملة المثكولة بفقدان زوجها في الحرب خصوصا . فحين أحاول أن أدعوها إلى أن تبدأ حياتها من جديد – وهو الحل العلمي – تبتسم لوصايا هذا العلم " المستورد " حيث يُحكم على الأرملة بفعل تابوات المجتمع وقيم الشرف والعيب برقابة خانقة وعزلة مميتة . وليس عبثا أن معلم فيينا قد عدّ الأرملة في المجتمعات البدائية من (التابوات) – راجع كتاب فرويد الطوطم والحرام بترجمة جورج طرابيشي الدقيقة - . إن المرأة الوحيدة بشتى أشكالها: الأرملة والمطلقة والعانس تمثل أزمة اجتماعية كبرى في الحياة العراقية . ومن الدقيق جدا أن أعيد القول الذي كررته كثيرا في المقالات والدراسات واللقاءات سابقا أن أي برنامج سياسي أو اجتماعي أو تربوي يريد النهوض بحال العراق المحطّم سيحكم عليه بالفشل إذا لم يتم التوجه فورا إلى إصلاح حال المرأة العراقية وإلغاء ظاهرة النساء الوحيدات وهنّ بالملايين . فالحضارة العراقية في عوامل مقدمات تأسيسها الباطنة هي حضارة أمومية في مراحل ازدهارها وحضارة أبوية في مقدمات انهياراتها. ولعل عبارة المحلل الفرنسي " بيير داكو " معبرة جدا هنا: (نساء أيامنا هذه أو النساء منذ بعض الزمن هي الاستطاعة الخفية التي تقود العالم، سواء كن سراري بيوت الحريم أو الخدور أو مومسات أو عشيقات أم زوجات وأمهات أسر، فليس نظام الأبوة ولو كان هادرا سوى مزاح لطيف بالقياس إلى القوى الغامضة التي يتصف بها النوع الأنثوي) .    

                                                                                  

# جوانب من معاناة المرأة الوحيدة:

- الوحدة:

والوحدة هي عدو نفسي خطير لأي فرد لأن الإنسان وبتكرار ساذج حيوان اجتماعي . والوحدة هي مدخل للإصابة بالأمراض النفسية المختلفة من كآبة وقلق وحتى اضطرابات ذهانية . صحيح أن في العراق شبكة من العلاقات الاجتماعية المساندة تختلف عن المجتمعات الغربية مثلا إلا أنها لا تغني عن التكامل الزوجي والعاطفي . والمسكوت عنه الخطير هو عدم الاهتمام بالحرمان الجنسي الذي تعاني منه هؤلاء النسوة لسنوات طويلة في مسار يعاكس الحاجات التي تفرضها البنية البايولوجية . يتمظهر هذا الحرمان في صورة تمسك شديد بالدين والحجاب ورفض الزواج والإيغال في العزلة تحسسا من الرجولة المغوية كآلية دفاعية نفسية من التكوين الضدّي – reaction formation، أو في اضطرابات نفسية رحامية (نوبات سقوط هستيرية مثلا) واكتئاب ويأس وتشاؤم أو في صورة ابتذال جنسي يصل حد السلوك الداعر .  

 

- العزلة:

وهي تختلف عن الوحدة التي هي تحصيل حاصل ينتج عن فقدان الشريك . هنا تتهشم العلاقات الاجتماعية التي كانت تتمتع به المرأة المستوحدة سابقا . حيث كانت علاقاتها مع الآخرين تتأسس على شرعنة وجودها وحركتها وشبكة علاقاتها تحت غطاء المظلة الزوجية التي يكشف فقدانها هشاشة وجود المرأة في مجتمعنا . كما أن لا تبقى ثمة انشغالات مشتركة الآن بينها وبين الأخريات . 

 

- الإقصاء:

تُقصى الأنثى الوحيدة في مجتمعاتنا عادة . حيث لا يتاح لها مواصلة المشاركة في الممارسات الاجتماعية المعتادة المفرحة خصوصا كحفلات الخطوبة والزواج والممارسات الترفيهية . وحتى النشاطات اليومية التي كانت تقوم بها سابقا تتم مع قريبة أو قريب محرم أو تحت أنظار أولي الأمر . تتصاعد نبرة " الحرص " عليها من قبل الرموز الأبوية في المجتمع المنافق . إنها حالة (تابو) فعلية كما وصفها معلم فيينا، فالنسوة الأخريات يخشين منها على أزواجهن، والذكور يخافون حضورها المغوي وسهولة سقوطها في حبائل الخطيئة . وعليه فإن الحل اللاشعوري الممكن هو الإيغال في إقصائها عن الحركة الإجتماعية الغامرة .

 

- مشكلات الأبناء:

من ركائز بناء الشخصية القويمة في الطفولة هي أن يتماهى – identification مع الأتموذج الأبوي الضروري لتعزيز سمات العدوانية والتحكم والهوية والدور الذكوريين – gendet hdentity & role، وغياب الأب سيسبب درجة من (تأنيث) الولد وهو أمر يعطل النضج الرجولي ويجعله هدفا للإنحرافات النفسية والجنسية التي تعجز الأم عن ملاحقتها . كما أن الأم المثكولة ستندفع بفعل القلق إلى الإفراط في حماية ابنها – overprotection، أو أن الولد يتماهى مع "زعيم " مجموعة (عصابة) الأقران . ولأن التربية هنا قائمة على التسلط الأبوي وعلى الخوف فإن غياب الأب سيجعل عجز الأم منكشفا ويؤدي إلى عدم انضباط الأبناء الأطفال ومن علاماته التسرّب الدراسي – حسب بعض الإحصائيات ترك 300 ألف طفل عراقي مقاعد الدراسة وهم ضمن ما يسمّون بـ (أطفال الشوارع)، وواقعا هم مشروعات فعلية لمنحرفين وحتى مجرمين، أو الأبناء المراهقين الذين وقع الكثير منهم ضحايا الإدمان على العقاقير (يشم الأطفال المدمنون عندنا مادة الصمغ بعد حرقها ومادة مزيل صبغ السيارات – الثنر) . وكنتيجة طبيعية ستعاني الأم الوحيدة من مشاكسات الإبن الضائع وسلوكه العنيف الأمر الذي يزيد أعباء حياتها الباهضة . 

 

- الأسى المديد:

وفي العادة يتم الحداد على الزوج المفقود مثلا لسنة كحد أقصى لتواصل المرأة حياتها الطبيعية . لكن في مجتمعاتنا تبقى المرأة المثكولة أسيرة عملية حداد قد تستر مدى حياتها – ولم تخلع شقيقتي الكبرى ثياب الحزن ولم تتزوج منذ استشهاد زوجها في معارك الفاو عام 1986 وحتى هذا اليوم !! - . ومن الظواهر العلاماتية المعبّرة هي أن اللون الأسود هو اللون المفضل للمرأة العراقية . وعندما تدخل الآن أي مؤسسة رسمية لإنجاز معاملة ما ستنقبض نفسك من الصبغة اللونية المأتمية التي ترنو عليها . ومع المحاصرة الدينية أقفلت محلات التجميل والحلاقة والترشيق وأغلقت منتديات النساء الاجتماعية فزاد طين القتامة زخة . ولعل هذه الظاهرة تحيلنا إلى صفة (السواد) التي ألصقت بهذه الأرض عبر تسمية (أرض السواد)

 

مفارقة أولى:

أنا لا أعتقد أن تسمية أرض السواد جاءت لأن البدوي الغازي الآتي من أرض الجزيرة قد شاهد خضرة بساتين نخيل أرض الرافدين سوادا عن بعد بسبب شدة كثافتها، وإلا فإن غابات الهند أعظم من ذلك، لكن يبدو أن الرهبة اللاشعورية من أرض محكوم عليها بالموت والخراب عبر تاريخها المديد هي التي كانت وراء هذه التسمية .

 

مفارقة ثانية:

في روايته (صيادون في شارع ضيّق) وهي رواية سيرة عن حياته في بغداد بعد وصوله إليها في الأربعينات يصف الروائي الراحل (جبرا ابراهيم جبرا) مسبحا للنساء يسبحن بالبكيني على نهر دجلة ومسورا بالقصب فقط !! أما الآن وفي ظل الديمقراطية الأمريكية المسلّحة فإن الحر تكفيه الرواية.

 

- الكبت والإنكار:

وذلك بمواصلة الزوجة سلوكا يوميا ينكر حاجاتها الشرعية الجسدية والنفسية، وإعلانها أنها لا تهتم لما حصل وأنها ستواصل حياتها وكأن الفقيد مازال حيّا، فتنقطع عن الحياة إخلاصا له أو من أجل تنشئة أطفالها، أو أنها تسخّر نفسها لعبادة ربها كما تقول، وفي كل الحالات فإن هذا الإنكار سيحرم المجتمع من مقدار كبير من طاقاته البشرية الفاعلة، وقد تختم مسيرة الإنكار هذه بانهيار حاد بعد أن تمتليء كأس النفس الصغيرة .

 

- الشعور بالذنب ولوم الذات:

في الغالب وبفعل التفكير القدري من ناحية والعجز المتأصل عن تغيير مقدرات المرأة الشخصية بذاتها من ناحية أخرى، فقد تعيش المرأة الوحيدة حالة شعور دائمة بالذنب وتقريع الذات وتبخيس قيمتها . يترتب على ذلك الشعور بالدونية المعرقل للإضطلاع بالدور الاجتماعي الكفء المتوقع أو الدخول إلى المحافل الاجتماعية، كما قد يدفع المرأة إلى ممارسات متنوعة لعقاب الذات وكسلوك تدميري للذات . و قد تنشغل النسوة أيضا بتصرفات سلبية لا واعية تؤدي عادة إلى الإضرار بالذات . وقد يشمل هذا أشكال مختلفة من الإهمال الجسدي مثل عدم الإهتمام بالصحة أو الاستغراق في التفكير الذاتي الأمر الذي يؤدي إلى وقوع الحوادث . وقد عزى بعض الباحثين معدلات الحوادث العالية بين المترملات حديثا إلى طبيعة الاستغراق الذاتي في مثل هذه المجموعة . ومن الشائع جدا أن نجد أن النسوة من المترملات حديثا يكن فاترات الهمة وغير قادرات على العمل وكثيرات النوم .

 

- الغضب المكتوم وإزاحته:

في مجتمعاتنا لا يسمح عادة للمرأة بتوجيه نقمتها إلى مصادر الثكل المباشرة، مثلما يضيّق عليها تفريغ شحنة غضبها الماحقة اللائبة في أعماقها . قد ترتد شحنة العدوان هذه على الذات، ولكن الأخطر أنها قد تُنقل وتُزاح – displaced إلى أكباش فداء – scapegoat بريئة وأخطرهم الأطفال حيث تشتد سياسات الأم العقابية تجاه أطفالها والتي قد تتحوّل إلى تعذيب يسبب العاهات التي تصيب أجسامهم ويدفع بهم إلى الهروب من البيت .  

 

- إنكشاف العوز المؤجل:

في المجتمع العراقي سابقا، كان الأزواج – وبفعل الانتفاخ الذكوري في مجتمع ذي بنية اقطاعية مستترة – يميلون - والمشكلة أن هذا يتم بمباركة الزوجة نفسها – إلى أن تترك الزوجة عملها وتتفرغ لشؤون البيت وحاجات الزوج وتربية الأولاد . يشجع على ذلك الرخاء المادي الذي كان يعيشه العراقيون خصوصا في السبعينات وحتى منتصف الثمانينات رغم الحرب . أما الآن، وبعد طوفان "الفرهود" الذي أسسه الخنازير الغزاة من أمريكان وبريطانيين فاكتسح الثروات العراقية، ومع رحيل الأب والزوج "المموّل" سابقا فقد انكشف عجز المرأة المادي بشكل موجع . وهي ظاهرة ليست غريبة في بلد هو الأثرى بالموارد في العالم والأكثر عددا من الشحاذين في العالم أيضا . هذا العجز يضاعف التمزق العائلي ويثقل هموم المرأة المستوحدة .

 

 - تناقص الاعتبار الذاتي:

اعتماداً على تجاربنا الطبية فأن الأرملة – وخصوصا في مجتمعنا - نادراً ما تفلت من شعور بالرفض الذي تصاحبه صدمة عنيفة لاعتبارها الذاتي . ومثلما يشعر من تواجههم كوارث طبيعية بأن حياتهم مهددة بالريح أو الماء أو النار فأن المثكولات يشعرن عادة بأن حياتهن الخاصة مهددة بالخطر. ولكن التهديد هو نوع من المحق النفسي. وبنفس الدرجة التي يُبنى بها الحب فإن الرفض يمزق وإلى نفس المدى الذي تعزز به هوية الشخص بدعامات الزواج الاجتماعية فأنها تصبح مهددة عندما يشعر الفرد بأن هذه الدعامات قد تقوضت وأن لا شيء يحل محلها. وفي الإنثكال يتم سحق شعور الفرد بهويته . وبرغم أن الأمر لاشعوري عادة فأن الأشخاص المهجورين يتفوهون بعبارات ذاتية حول قيمتهم الخاصة أو حول قدرتهم على المواجهة خلال هذه المرحلة من المحنة. فمثلاً نجد أن العبارات الذاتية التالية حول الخذلان ستضخم مستوى الكرب:

ـ الله يعاقبني " ليش ربّي ليش " .

- هذا حظّي ونصيبي .

ـ أنا مرفوضة ولا أحد يريدني أصلاً.

ـ ضاع كل شيء .

ـ ليس لدي سلطة أو سيطرة على حياتي .

- لا أعرف ما الذي اقترفته من ذنوب في حياتي كي أعاقب هكذا ..

– الفقدان، حالة استثنائية غير مسبوقة:

وهناك حالة ممزقة واستثنائية التأثير تتمثل في زوجات (المفقودين – missed in action) خصوصا في الحرب العراقية الإيرانية حيث فقد الكثير من المقاتلين العراقيين في العمليات الحربية ولم يعرف مصيرهم أهم قتلى أم أسرى، ورفضت السلطات الإيرانية كشف أسماء الكثير من الأسرى العراقيين (عددهم الكلي 100 ألف أسير) الأمر الذي جعل الحكومة العراقية تعدّهم مفقودين . ظلت نساؤهم المثكولات حائرات ومعلقات نفسيا واجتماعيا لسنوات طويلة، ثم اعتمدت الحكومة فتوى دينية الإنتظار لمدة محدودة تترك للمرأة بعدها حرية الإختيار، ثم بدأ الأسرى بالعودة بعد اجتياح الكويت عام 1990 ليجد الكثير منهم زوجاتهم وقد تزوجن وأنجبن (عولجت هذه الظاهرة حتى في النصوص القصصية كقصص المبدعين فؤاد التكرلي ومهدي عيسى الصقر وغيرهما) . وفي العيادة واجهت حالات وجد الأسير العائد زوجته وقد تزوجت من أخيه خصوصا في المناطق الريفية حيث يتم (تداول) الأرملة عائليا بذريعة الحفاظ عليه وعلى أولادها وعدم الذهاب إلى (غريب) !! .

 

خاتمة شبه تفاؤلية:

من مقترب تفاؤلي علمي يمكن أن نعد الإستوحاد فرصة للمرأة كي تظفر بلحظة فريدة تعزّز استقلال شخصيتها وقوة إرادتها من خلال إجبارها على لعب دور الأم ودور الأب / الزوج الغائب خصوصا عندما يكون لديها أبناء . عليها مجبرة أن تنزل إلى ساحة الصراع الحياتي . لكن حتى هذه الفرصة يجهضها مجتمع قائم على النفاق الديني والحرص الذكوري الزائف وسطوة القوى الظلامية التي جاءت بها قوى الإحتلال لتعيد العراق إلى العصور الوسطى كما وعد "بيكر" المدافع عن مصالح العراق الآن مثل أولبرايت التي وعدت بقتل الشعب العراقي بأكمله بالحصار إن لم يسقط النظام !! . فالعراق الذي حصل على دروع الأمم المتحدة في محو الأمية واختفاء أمراض الأطفال الوبائية وأعلى نسبة ولادات وأقل نسبة وفيات أمهات عند الولادة في الثمانينات رغم الحرب يعود إلى مرحلة العصور الوسطى فعلا ؛ عصور من أهم سماتها الإنحطاط بالدور الحضاري للمرأة إلى المستوى البهيمي . إن عملا أمريكيا مخططا يمعن في ترسيخ الوضع السلبي والمستجدي للمرأة العراقية .. لكن لاحظنا أن الأمهات العراقيات بدأن يرسلن إلى أبنائهن في المنافي أكياسا صغيرة فيها شيء من تراب حديقة البيت مؤخرا، قد تكون هذه فذلكة رومانسية غير علمية  .. لكن لابدّ منها لأن الحياة لا تحيا بالعلم كما نتصور .. هي تعيش به .. لكن تحيا بالشعر . 

 

  حسين سرمك حسن

طبيب وباحث عراقي مختص بالطب النفسي

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1603 السبت 11 /12 /2010)

 

في المثقف اليوم