قضايا وآراء

يا للهول.. لماذا الثورة الفارغة؟ / صالح الطائي

لمجرد أنه إنسان ولا أسأل عن دينه وعقيدته ونمط تفكيره ما دام لا يضمر لي الشر أو يكيد بي، وعليه تراني أحب السني المؤمن المعتدل النظيف أكثر من مليون شيعي غير نظيف، وأحب المسيحي النظيف أكثر من مليون مسلم غير نظيف، وأرى أن من يخدم الإنسانية ويسهم في بث ثقافة التسامح والتعايش والبناء أجدر بالعيش من غيره من المتعصبين الذين يرفضون قبول الآخر لمجرد أنهم يختلفون معه عقديا. ومن هذا المنطلق لم أشترك مثلا في أي من الأعمال المبتدعة التي يطلقون عليها اسم (الشعائر) ما دمت أراها لا تلائم  فطرة الإسلام. ومن هذا المنطلق سأرد على  موقع المثقف في موضوعي هذا من ناحية:

    المقالات والمواضيع التي تبث ثقافة الكراهية والتحيز التي باتت تنشر من خلاله مؤخرا.

    الاستفتاء الغريب الذي ينوي تنظيمه.

    الموضوع الذي أورد خبر إنفاق مبلغ 300 مليار دينار عراقي.

    مداخلات السادة والسيدات الأفاضل

ولنبدأ أولا من خبر الأستاذ "شبع":

أسألكم جميعا: من منكم يعرف شخصا اسمه (حسن شبع) وما هي مؤهلاته العلمية والثقافية والأدبية ومدى وثاقة الخبر الذي ينقله مثل هذا الشخص المجهول؟

بالتأكيد لا يوجد بينكم من يعرفه، وأنا أيضا لا أعرفه مثلكم، ولكن بشرفكم وبمقدساتكم لو كان هذا الرجل قد نقل لكم أي خبر آخر هل كنتم ستؤمنون به وتصدقونه دون أن تستوثقون من خبره، أم تقبلونه لمجرد أنه صادر عن (شبع)؟

 إن وسائل الإعلام والفضائيات والمواقع تنقل لنا يوميا مئات بل آلاف وملايين الأخبار التي لا تلبث إلا قليلا ثم ينبري من يكذبها أو يشكك بصدقها، فلماذا يؤخذ هذا الخبر وكأنه قرآن منزل لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه ويثير ثائرتكم، لو لم تكن هناك انتقائية غير خاضعة لأي ميزان معياري؟

ومن هنا أتطرق إلى موضوع المداخلات المتشنجة التي صدرت عن النساء والرجال بكل درجاتهم العلمية والأدبية والثقافية، فأنا لم أجد في كل المداخلات حتى تلك التي تبدو معتدلة منها (سوى مداخلتين أو ثلاث) إلا نفسا كريها، وبعضها الآخر كان يقطر بسموم الطائفية والحقد بحجة التباكي على العراق، العراق الذي يذبح أمام نواظرهم  في كل يوم مرات ومرات دون أن يهتز لهم شارب، العراق الذي يسرق ويستهان ويفجر ويدمر، العراق الذي تحول إلى كعكة يطالب بحصته فيها كل من هب ودب ابتداء من أمريكا إلى الأخوة الأكراد وقنبلة تقرير المصير التي أمتص ألقها هذا الاستفتاء الغبي، إلى السعودية وسوريا والأردن والكويت والإمارات العربية وإيران ودول المغرب العربي وحتى أفغانستان والصومال التي ترسل (المجاهدين) لنشر بقايا أجسادهم القذرة على أديم العراق الطاهر

لماذا لم نسمع هذه الأصوات المزمجرة  تلعلع يوم كان عويل الأرامل واليتامى وآهات الجرحى والمعوقين يملأ فضاء العراق؟

لماذا لم نر دموعهم تنهمر وهم يرون أشلاء العراقيين مبعثرة لأن مجرد مأفون مأبون أخذ درسا (جهاديا) في أحد جوامع السعودية وجاء ليطبقه برأس العراقيين الأبرياء؟

لقد كان المفروض بالمتداخلين أن يفهموا الخبر على حقيقته قبل أن يدلوا بدلائهم  أيا كان نوعها.

ومن هنا أدخل إلى الخبر الذي أثار هذه الزوبعة في فنجان (المثقف) وبداية أود القول: أني لا أشجع هذه المظاهر المبتذلة بشكلها الحالي والتي يسميها البعض (الشعائر الحسينية) فهي تسيء إلى الحسين وثورته قبل أن تسيء لأي إنسان آخر وقد تحولت إلى مناسبة للتهريج الرخيص وعرضا للعضلات، فالحسين ثورة حقيقية ألهمت الثوار الحقيقيين وليس الهمج الرعاع معنى الكرامة.

الحسين عقيدة ومنهج حياة وهذه الشعائر سواء منها ضرب (القامات) أو (الزنجيل) أو القراءات (الروزخونية) الفارغة أو (ركضة طويريج) بمجموعها من الوافدات الغريبة التي لا تمت للعقيدة بصلة ويجب إيقافها عند حدها لكي لا تتحول إلى سيرك للفرجة الرخيصة.

الشعائر الحسينية مدرسة تعلم الإنسان الخلق والآداب والمثل العليا والشرف والعفة والإيمان والتسامي على السفاسف وحب الآخر والدفاع عن وحدة الإسلام وتشجيع المسلمين على النظر للإنسان الآخر من حيث هو إنسان نتشارك معه بالإنسانية. والشعائر الحسينية يمثلها منبر المرحوم الدكتور الوائلي والسيد كمال الحيدري ومن هم على شاكلتهم من الفضلاء، ولا يمثلها الهمج الرعاع الذين لا يفهمون من الحسين وثورته إلا هذه الخزعبلات الفارغة التي يسمونها الشعائر.

لكني أرى أنهم معذورون، وأضع تحت الكلمة أكثر من خط وبألوان شتى، فلا المؤسسة الدينية ولا الحكومة ولا الجامعات والمدارس ولا شلة المثقفين (الثائرين) تعاونوا على منهجة فصول ذكرى الثورة الحسينية بالشكل الذي يقنع هؤلاء بخطأ أعمالهم، أنتم أيها المتداخلون الثائرون ماذا قدمتم لهؤلاء الجهلاء الذين هم بأمس الحاجة إلى علومكم وثقافتكم، وما هي إسهاماتكم العلمية والأدبية في هذا الجانب؟ هل أنشأتم مركز بحوث وطبعتم بحوثكم ووزعتموها على الناس مثلا لتنويرهم؟ هل شكلتم وفودا لزيارة المؤسسة الدينية وعكستم لها سلبيات هذه الأعمال التي ترونها في البلدان التي تقيمون فيها؟ ماذا قدمتم؟

ثم ماذا يفعل خمسة ملايين عاطل غير هذا؟ فلو قامت الحكومة بوضع خطة للتوظيف والتشغيل وربطت هؤلاء بعمل يشغلهم هل كانوا سيتركون عملهم لتأدية الشعائر؟ لا بالتأكيد فلن يجازف منهم إلا قلة قليلة تعرف معنى الثورة الحسينية على حقيقتها وتعرف أن الحسين يستحق التضحية.

 ثم إن المنع والمحاربة التي تعرض لها ذكر الثورة الحسينية على مدى خمسة وثلاثين عاما ولد لديهم رد فعل ترجموه بتحركهم المليوني هذا، وأنا واثق لو أن الحسين خرج اليوم وطلب منهم الالتحاق به لمحاربة الكفر في العالم لن يلتحق به  منهم سوى تلك قلة قليلة التي تحدثنا عنها، ولو عادت أيام المنع البعثي والمطاردة لما خرج منهم إلا القلة القليلة نفسها،

ثم تعالوا لنتفاهم: أنتم غالبا تعيشون في بلدان أخرى بعيدة ولا يؤثر عليكم قطع الطرقات فلماذا هذه الثورة؟ لماذا الثورة والطرقات مقطوعة منذ سبع سنين بسبب الأعمال الإرهابية القذرة وليس بسبب ذكرى الحسين السنوية؟

في أسبانيا هناك عيد (الطماطة) تقطع فيه الشوارع لمدة أسبوع وهو عمل تافه فضلا عن التبذير الكبير فلماذا لم تنزعجوا منه مثلا؟

في الدول الغربية أعياد وكرنفالات ومهرجانات ومناسبات تقطع فيها الشوارع، وقطعها يؤثر عليكم فلماذا لم تنزعجوا منها؟

في البرازيل يقام سنويا مهرجان الرقص الذي تقطع فيه أهم الشوارع لمدة شهر كامل فلماذا لا تنزعجون؟

وفي طريقي أطلب من الاقتصاديين والمصرفيين منكم وهم غالبا يعرفون تأثير راس المال الداخل عن طريق تحويلات العاملين في الخارج والسياحة على الدخل القومي، ويعرفون أن هناك دولا مثل أسبانيا وتونس والمغرب تعيش على مدخولات السياحة، أطلب منهم  أن يدققوا في أقوال هذا الـ (شبع) فالرجل قال:

 (الحكومة لا تقدم اي دعم مادي لاصحاب المواكب ويتم الانفاق على هذه الطقوس بشكل ذاتي من القائمين عليها ومن المؤمنين.) وهذا يعني أن ميزانية الدولة لا علاقة لها بالمبلغ الذي أرعبكم، ولا يوجد فيها بند للصرف على هذا الوجه. كما ليس للأحزاب الإسلامية قدرة أو نية صرف مثل هذا المبلغ مما يعني قصدية أحد المتداخلين الذي قال: (حسب علمي ان المبالغ المنفقة على المواكب هي من المنظمات والاحزاب الاسلامية انهم يتسابقون لشراء المواكب ولن يقل دفع لاي موكب عن عشرون الف دولار لكل صاحب موكب من غير تبرعات الناس اهل المحلة للموكب يعني صاحب الموكب يتاجر) مع ملاحظة أني أنقل الاقتباسات بأخطائها لكي أؤكد على أن الذين كتبوها كان الانفعال باديا عليهم، وهو الذي أوقعهم في تلك الأخطاء!!

وقال (شبع):

(لدينا مواكب عزائية كبيرة جدا مثل موكب بني حامد الذي يبلغ عدد المتطوعين لتنفيذه نحو 12 الف شخص ولدينا من مملكة البحرين احد المواكب الذي يصل عدد المشاركين به الى نحو 30 الف شخص في بعض الاحيان.) وهذا يعني أن أكثر من 40 ألف سائح سيدخلون إلى العراق من مملكة البحرين. وهؤلاء لم تنظمهم الحكومة العراقية كما قال أحد المتداخلين: (لم ينتظم الزوار بانفسهم في 14 الف موكبا وانما الحكومة هي التي قامت بصنع هذه المواكب)

وقال (شبع):

(هناك توجه من بعض الدول المجاورة للمشاركة في طقوس هذه المناسبة في العراق خصوصا من الإيرانيين الذين يمارسون طقوسهم في سوريا ولكن لدينا معلومات أن الجهات المعنية في سوريا ستمنع إقامة هذه الشعائر ما يضطر من يؤديها هناك إلى التوجه إلى العراق فضلا عن الدول الخليجية".) وهذا يعني أن عددا كبيرا من السياح الإيرانيين والخليجيين سوف يفد إلى العراق ويصرفون في أسواقها وفنادقها  ووسائط نقلها ملايين الدولارات التي ستسهم في تنمية الاقتصاد العراقي! فهل يمكن أن يقال عن هذا العمل ما قاله أحد المتداخلين أنه يمثل: (الانحدار الحقيقي لمستوى القيم الانسانية وحقوقها)؟

رئيس "هيئة المواكب في العراق" حسين شبع  الذي لا أعرف من عينه في منصبه هذا. وكما ورد في الخبر توقع (أن يشهد شهر محرم إنفاق  نحو 300 مليار دينار عراقي في مختلف الشؤون المتعلقة بهذه المراسم.) مما يعني أن الأسواق والفنادق ووسائط النقل والباعة المتجولون والمطاعم وغيرها  ستتحرك بشكل غير مسبوق يسهم في تنمية الاقتصاد الوطني فضلا عن المبالغ التي سيدخلها السياح، فما الضير في هذا؟ ولماذا هذه الثورة؟ ثم هل تعرفون أن هذا المبلغ برمته يساوي أقل من 300 مليون دولار  وليس كما قال أحد المتداخلين: (أما بالنسبة للرقم المذكور (300) مليار دينار أي بحدود مليار دولار)  ولا يشكل سوى جزء صغيرا من أي من المبالغ التي سرقها أيهم السامرائي  ومشعان الجبوري وناصر الجنابي وغيرهم، سواء الذين هربوا من العراق، أو الذين لا يزولون في مناصبهم، وهي المبالغ العظيمة التي جعلت العراق في أعلى قمة هرم الفساد المالي في العالم. لماذا لم تثوروا يوم سرق المفسدون ثروات العراق وهربوا، وبدأوا يتآمرون على العراق من دول الجوار العربي؟ ولماذا لم تثوروا على المفسدين الموجودين اليوم في بعض المراكز الحساسة؟

إن الرقم الذي جلب لكم الدهشة والانبهار ليس كبيرا نسبة إلى عدد الوافدين، فلو صدقنا المصدر الوحيد (شبع) الذي قال "إن عدد الزوار يتجاوز 3 ملايين زائر"، وصرف كل منهم 100 ألف دينار عراقي لأغراض التنقل والإقامة والأكل سيتحقق مثل هذا المبلغ بدون عناء!! فلماذا لم تثوروا يوم سرقت المبالغ الهائلة من خزينة العراق ومن العراقيين الفقراء للصرف على التصنيع العسكري والحروب التافهة، وثرتم لأن مثل هذا المبلغ سيدخل إلى خزينة العراق؟

ولماذا تثورون بهذا الشكل المرعب حينما تدخل إلى الأسواق العراقية بعض المبالغ التافهة بسبب مناسبة دينية  وهي لا تعادل مبيعات يوم واحد من دولارات البنك المركزي ؟ لماذا؟

إن حساسية الموقف الذي يمر به العراق اليوم توجب على جميع الشرفاء والوطنيين المخلصين للعراق أن يفوتوا أي فرصة تثيرها الأطراف العميلة الإرهابية أو المعادين للتغيير، أو عملاء الدول المعادية للعراق وأهله، أو دعاة الانفصال، وتوجب على المثقفين بشكل خاص أن يتعاملوا مع الحالة العراقية بكثير من التأني والصبر والشرف، فالعراق يمر اليوم في أخطر مرحلة وممكن أن يتقسم وتصادر بعض أراضيه ويضيع إلى الأبد ولات حين مندم، فلنسهم جميعا في تصحيح الأخطاء التاريخية والجديدة من خلال التعاون (المذهبي/ الديني/ العراقي) عسى أن نوقف عربة الدمار الشامل ونعيد لحبيبنا العراق بعض عافيته.

أما المبالغ المصروفة فأنا مثل غيري أرى أن هؤلاء لو  تبرعوا بها إلى صناديق دعم الفقراء والأيتام والأرامل وبناء المستشفيات لكان ثوابهم أكبر عند الله، ولكن ألا يأتي صرفها ردا على ندوات النصرة في الخليج ولاسيما الكويت وردا على "صفا" و"الوصال" وغيرها؟ فالجهل الذي يدفع صفا ووصال هو الذي دفع الهمج الرعاع إلى معاندة الآخر بفعل يغضبه.

وأما ثورة المثقفين التي جاءت متزامنة، أو ردة فعل لموقف الحكومة من الخمور فكان الأجدر بها أن تنطلق يوم كانت أضعاف هذا المبلغ تصرف على مناسبة عيد ميلاد القائد، أم أن (خلا لك الجو فبيضي وأصفري)

وأما ثورة الحسين فهي الخلود الأزلي الذي يجدده ويمده بالديمومة المؤمنون العقائديون وليس كما قال عنهم أحد المتداخلين: (ألا يسأل المواطن هل تستجيب أنشطة  طقسية تأخذ كل هذه المليارات لمطالبه وعياله؟ هل تلبي موقفا روحيا نفسيا؟ والسؤال الذي يجب أن يسألأه المواطن ألا يشارك هو في جريمة خرابه وخراب البلاد وإلغاء أي إرث لأبنائه بسلبيته؟)

وأما موقع صحيفة المثقف فقد كنت أتمنى بدل هذا الاستبيان الغريب جدا والبعيد عن سياسة الموقع المعلنة، لو أنه وجه سؤالا إلى جميع المثقفين، يسألهم: (من موقعك كمثقف ماذا قدمت للعراق في محنته؟) ليكتب كل منهم عن عطائه في الأقل لكي تعرف الجماهير أن للمثقفين دورهم الوطني، إنها مجرد ملاحظة!!

وثقوا أخيرا إنكم لا يمكن أن تقسروا الناس على إتباع نهج لا يؤمنون به مهما حاولتم وثرتم وتطاولتم واستهزأتم، إلا إذا أقنعتموهم بصحة رأيكم وجديته ونظافته، وخطل آرائهم، فهل أنتم قادرون، أم إنكم ستكتفون بـ "يا للهول" من الخبر المرعب؟

 

..............................

ملاحظة:

هذا الموضوع كتب  لغاية مداخلة نازك محمد ولا يشمل المداخلات الأخرى المتأخرة

 

للاطلاع

كن صريحا .. هل انفاق 300 مليار على المواكب الحسينية ينسجم مع مبادئ الامام الحسين؟؟

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1606 الثلاثاء 14 /12 /2010)

 

 

 

في المثقف اليوم