قضايا وآراء

الأزمات الإقتصادية العالمية (4) / احمد ابو قدوم

أما السبب الثالث فهو أن النظام الإقتصادي الرأسمالي يعتبر المشكلة الإقتصادية هي زيادة الإنتاج، أو ما يسميه البعض الندرة النسبية للسلع والخدمات بالنسبة لحاجات الإنسان، وهذا يجعل ساسته ومفكريه يركزون على معالجة ذلك، من خلال العمل على ما يسمى زيادة الدخل الأهلي أو القومي أو الوطني، والعمل على جعل قيمة الصادرات المنظورة أعلى من قيمة الواردات المنظورة أو جعل ما يسمى الميزان التجاري لصالحهم، والحد من النفقات، وهذا حسب وجهة نظرهم يحد من البطالة والفقر، فإذا زاد الدخل القومي بنسبة3% أو أكثر فهذا يعتبر عندهم مؤشر على نجاح الخطط الإقتصادية التي يضعونها لحل الأزمة الإقتصادية، وهذا غير صحيح حتى لو زاد الدخل القومي 100% او 1000%، فإن هذا يجعل الغني يزداد غنى والفقير يزداد فقرا، وليس أدل على ذلك مما نراه من واقع الدول الكبرى أو التابعة أو العميلة، فالولايات المتحدة الأميركية لم تستطع أن تحل الأزمات الإقتصادية التي عصفت بها أو بالعالم عبر تاريخها، مع العلم أنها ساهمت في صنع أغلبها، وإنك تجد أن جيوب الفقر عندها بل المشردين يزداد عددهم بشكل مذهل، مع كل الخطط التي يضعونها لزيادة الدخل القومي، وذكرت دراسة أجراها المؤتمر الأميركي لرؤساء البلديات، أن عدد الأشخاص المشردين في الولايات المتحدة، ارتفع في معظم المدن ال25 الكبرى خلال عام2008، مع زيادة معدل البطالة وأزمة السكن التي شهدت مصادرة عدد كبير من العقارات، وكان تقرير سابق لمنظمة التحالف الوطني لإنهاء التشرد أكد أن الرقم الإجمالي لعدد المشردين عام 2007، بلغ750ألف مشرد. وكذلك الأزمات الإقتصادية في دول الخليج العربي فمع زيادة الإنتاج من النفط، وارتفاع أسعاره بشكل جنوني قبل هذا الكساد، فإنك تجد أن أغلب الدخل - الباقي من الأرباح المذهلة والفاحشة للشركات الأجنبية -  يذهب إلى جيوب الحكام وبعضه يذهب رشاوى وثمن لصفقات سلاح وهمية، وتغطية لتكاليف الحروب التي يخوضها الغرب ضد البلاد الإسلامية، والقليل منه يذهب إلى الموظفين وبعض المنتفعين، لذلك لا تستغرب إن رأيت الألوف بل عشرات الألوف من سكان نجد والحجاز وغيرها يعيشون في بيوت من الصفيح، حتى أن بعض الأرقام تشير إلى أن عددهم يتجاوز المليون ونصف، وقس على ذلك ليبيا وغيرها، لذلك يستوي الوضع بالنسبة للفقير سواء زاد الدخل القومي أو نقص، لأنه لا  يتأثر بذلك ولا يطاله شيء منه، وإليك هذا المثال: هناك مائة شخص يعملون في التجارة، في نهاية العام قام شخص بحساب مجموع مداخليهم فوجد أنها بلغت مليار دينار، فيقسم هذا الشخص مليار على مائة، فيجد أن كل شخص دخله يساوي عشرة ملايين دينار، ولكن عند الرجوع إلى دخل كل فرد على حدة، وجدنا أن شخصا كان دخله تسعمائة مليون دينار وآخر تسعون مليون دينار وثالث عشرة ملايين دينار، والباقي وهم السبعة وتسعون لم يدخلهم شيء، وعند الاستمرار بالتجارة فإن الأكثر مالا هو الذي يستطيع التوسع في مشاريعه ويستطيع إنشاء مصانع ومحلات ضخمة تضاعف له الأرباح بنسب كبيرة ربما تجعله خلال عدة أعوام يمتلك عشرات المليارات من الدنانير وتجعله يعمل لإبتلاع غيره من الحيتان والأسماك الكبيرة، وتصنع منه كيانا اقتصاديا ضخما يولد كيانات تابعة له، ويستطيع إحاطة نفسه بالحماية اللازمة سواء كانت حماية مادية أو حماية قانونية أوغيرها، لأن نفوذ المال يستطيع توفير كل ما يلزم خاصة في حالة غياب القدرة على المساءلة والمحاسبة، ويبقى المسحوقون في انحدار شديد نتيجة عدم توفير الحاجات الأساسية لهم، ومع الزمن تتراكم الفجوة بين الرأسماليين والفقراء مما يولد أزمات يصعب حلها في ظل نظام قائم على هذه الأسس الكارثية، وتعيدهم إلى ما كان يعرف في أوروبا بالنظام الإقطاعي الذي يعمل الناس فيه عند الإقطاعيين بقوت يومهم أو أقل، وهكذا تقوم الدول الرأسمالية بالعمل على زيادة الدخل الأهلي، وتعتبر زيادته زيادة لمداخيل أفراد المجتمع عندهم، والحقيقة أن الرأسماليين الكبار هم من زاد غناهم في حين أن الفقراء قد ازدادوا سحقا، وهذا ليس بحاجة إلى دليل فهو واقع يلمسه الصغير والكبير والغني والفقير والعالم والجاهل، ولا ينفيه إلا المنتفعون من هذا النظام الرأسمالي، أو من كان أعمى البصر والبصيرة.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1606 الثلاثاء 14 /12 /2010)

 

في المثقف اليوم