قضايا وآراء

في استهلال الكتب والنصوص

كونها تؤدي غرضين مزدوجين يتمثل أولهما بجمالية وعمق الفقرة الاستهلالية التي يقرر الكاتب اختيارها. لما استثارت فيه من أفكار ولامست بشفافيتها رهافة حسه . والثاني تدل الفقرة على نوع من الترابط الفكري أو الثقافي بينها وبين المنجز الذي تصدرته. ورغم قدم هذا النوع من الأدب وانتشاره في الشرق الأدنى والأقصى عامة، ويتركز ويتكاثف بفقراته القصيرة في الكلمات التي وردت في التاريخ عن لسان الأنبياء. وخصوصا على لسان السيد المسيح ، وصولا إلى نبي الإسلام . ويتميز هذا النوع من الأدب عن باقي الأدبيات في (نهج البلاغة) المروي عن الأمام علي بن أبي طالب. حيث يضم الكتاب كما هو معروف أشكالا ثقافية ومعرفية متنوعة وموزعة بين الفلسفة والأخلاق والعرفان والعقائد والخطب الطويلة والرسائل، واخيرا لا اخرا المقالات القصيرة المكونة من بضع كلمات. إلا أنها تعبر عن أفكار وأراء متكاثرة ضغطت بقالب مختزل جدا- ومنه نقلت الفقرتين لتصدير المقال- ومن هنا ارتأيت من المناسب أن اسميها مقالات قصيرة جدا . و ما يؤسف له أن هذا الأدب اصبح حكرا على الغرب والغربيين، وكأنهم هم الذين ابتكروه أولا وسدوا الباب أمام من يحاول الولوج أليه من غيرهم ثانيا . فلا نكاد نطالع كتاب ما الا ويطل علينا تصدير لفيلسوف أو أديب أو سياسي بل وحتى ارعن بوهيمي أحيانا - باستثناء النادر- من الغرب أصحاب الجنس النادر والنبيل بالفطرة حسب (البروتوكول) المقدس الذي عمم على الذهنية العربية ك(عربون) خنوع ابتدائي انبثقت منه لاحقا ثقافة الاحتقار التي تستحكم الشعوب العربية من كل اتجاهات الكون الخمسة. وإذا أردت أن تفرض سيطرتك على فرد أو مجتمعا ما فأبدا بأسهل الأبواب احتقاره كما اصبح واضحا من التجارب(الديناميكية). ولعل ما ساعد على ذلك هو تبعية البعض بوعي أو دون وعي للانبهار بالآخر الغربي، من جهة وغياب الكتابات العربية الحديثة التي تهتم وتلتفت إلى هذا النوع الأدبي المهم والخطير من جهة أخرى . وعلى هذا اخذ بعض الكتاب المدركين لأهمية المقالات القصيرة يتداو لونها في كتبهم توسلا بالغرض المزدوج - المشار أليه أعلى المقال- ولئن أبناء جلدتهم زهدوا بهذا النوع الأدبي الراقي راحوا يبحثون عنه في المنجز الغربي الذي طفح به . بقي أن نقول أن مسالة قدم المنجز وتعاتقه لا تفسد من ود الأخذ به قضية. بل على العكس تماما - ونحن قوما مغرمين بفعل العكس من الصحيح- لابد من قراءة التراث المتقادم بلسان الحداثة وبالفكر المتحادث . وهاهو واقع الغرب يشهد على ذلك فليحصي أحدنا الدراسات الصادرة عن الإنجيل والتي لم ولن تتوقف حتى يومنا هذا. وقد بلغت المئات من العرض والتحليل والنقد والرد والانتقاد والقائمة تطول. أما نحن فبالنسبة للتراث الديني اصبح البعض يخاف من التحدث فيه والنقل منه كي لا يتهم بالتخلف والأسطورية ، اما التراث العام فلم يعنى ألا بما التفت وانتبه إليه السادة الغربيون - عليهم الصلاة والسلام- واخيرا هذه إشارة بسيطة للالتفات لأدب المقال القصير. وليكن النقل من تراثنا سواء الديني أو الأدبي أو التاريخي بدلا من الاستيراد من دكاكين الغرب . أيعقل بأننا لا نملك تراثا كافيا لنصدر كتبنا التي تعد بالأصابع في كل عام بفقرات منه- إذا استثنينا الكتب الكثيرة الموجهة والمؤدلجة والبائسة التي تبلغ الآلاف- فأين (ألف ليلة وليلة) وأين (كلكامش) ولماذا تهمل وتنجس قصة (مجنون ليلى) ،  ويعنى ب  ( روميو و جوليت). هل المشكلة تتعلق بالحساسية من الذات ومن ثم الآخر الوطني أو القومي أو القاري  - نسبة للقارة- يا ترى؟ أم أنها ثقافة الاستلاب والارتداد والنكوص، التي تجمعت من الأدبيات والأفكار المريضة التي تحتقر الأنا والذات إلى درجة الازدراء بها وجلدها؟ انه أمرا خطير وجدير بالدراسة حقا.  وأود أن أدلوا بدلوي الصغير والمتواضع جدا بين هاماتنا الأدبية اللامعة والمشرفة والتي استترت كالجواهر في صناديقها تبحث عمن يحظى بإشراقتها المعرفية والثقافية والفكرية التي تفوق بعضها - أن لم نقل غالبيتها- على الثقافة والفكر والمعرفة الغربية. التي انبثقت أساسا ونمت أجنحتها في ظلال الشرق بكل علومه ومعارفه. ولنجمع فيض الحبر الآن بسد المقالات القصيرة التي ستنشر بعضها تباعا....

 يتبع، في مقالات لاحقة ساورد بعض المقالات القصيرة جدا بعنوان "اجمل الكلمات البشعة"

 

"لاهاي"

2009

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1139  الجمعة 14/08/2009)

 

 

في المثقف اليوم