قضايا وآراء

الشاعر كائنٌ أبلهٌ، المجد كلُّ المجد للفيلسوف الحمار

تحويل الأشياء إلى ما يناقضها، فينتمي الحيُّ إلى زمرة الجمادات فجأةً، ويكون الجماد على رأس قائمة الأحياء، حتى إذا ما فقد العالم اتزانه في عين الشاعر بهذه الطريقة، أصبح خليقاً بأن يكون خارج نطاق الحبِّ والبغض، والرشد والغيّ، والحلم والغضب، وما إلى ذلك من الصفات المتناحرة المتضادَّة، أي إنه يقترب من كونه ولياً من الدرجة الأولى، فنظره نظر الله، وسمعه سمع الله أيضاً، وكلُّ ما يقوم به من بطشٍ بكائنات الحقيقة هو بطشٌ بيد الله كذلك، فلا جناح عليه إذن لو أنه سكن صومعةً في داخل نفسه، وتخيَّل العالم كما لو أنه طيرٌ مذبوح.

أرفض أن أدعى فيلسوفاً على أساس بغضي لجميع فلاسفة العالم، باستثناء من يكون منهم على وعيٍ بحقيقة كونه ليس فيلسوفاً، فإذا ما اعتقد ولو للحظةٍ أنه موشور الدلالة في عالم الحقيقة، قلت عنه إنه ممن كان ينبغي أن يوجد على هيأة البغل، لأنَّ الواجب أن يكون عقيماً بعد ذلك، وإلا فأنتم تعلمون مدى حرصي على سمعة الحمير من أن يطالها ذمٌّ من قبيل ما يكون الفلاسفة الواهمون من فصيلتها، فالخزي كلُّ الخزي للفيلسوف الواهم في الحقيقة، والمجد كلُّ المجد للحكيم الحمار.

 

2- الشاعر كائنٌ أبله

ليس للشاعر هذه الإمكانية المفترضة التي يروِّج لها الدعاة المغرضون، فهو كائنٌ أبلهٌ لولا ما قيل من أنه أحيانا ينطق بالحكمة، وليس دائماً طبعاً، ووجه بلاهته في أنه غالباً ما يشمِّر عن ساعد اللغة، ليوحي لك بأنه عازمٌ على تغيير مجرى العالم، وفي اللحظة التي يكون فيها العالم قد ارتعب فعلاً، وأخذ يحدِّث نفسه بالرحيل من نفسه، يفقد الشاعر عزيمته على أن يأخذ زمام الأمور بيده، بعد أن يكون العالم فراغاً ليس إلا، ولهذا، فإنَّ الشاعر لا يحسن إلا الفرح والبكاء، أما الناس فيخالونه فارساً، وتلك مشكلتهم في الحقيقة، أمّا هو فيعلم جيِّداً أنَّ اللغة التي أرعب بها العالم، ليست من فصيلة الحكمة واقعاً، بل هي تلك الجواهر المنتقاة -لا غير -من غناء الغجر.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1147 الاثنين 24/08/2009)

 

 

في المثقف اليوم