قضايا وآراء

هل الشعر هو شعر المقاومة؟

 ... روجي غادرودي

 

المبدع العربي واشكالية السياسة وخطر الامتثال

مقدمة: ان مقياس تحضر الشعوب وأهليتها على العطاء والاستمرار، ... يكمن في اقتدارها على الانفعال المناسب على أنماط التحديات الذاتية والغيرية وتواصلها الغلاب...، ومتى عدم الردعليها، فسيطلق العنان المتواصل للاحباط و الارتكاس والانتكاص ...، وكما يتم فى المقام الأول على صعيد البنية التحتية، و نجاعة السلاح وفعاليته على دحر الأعداء...، فهو ملزم كذلك أن يشمل البنيات الثقافية والقيمية، تأثيرا، أو تغييرا وفق المستجدات

 

والشاعر– باعتباره مبدعا - قد لايهتم بالشأن السياسي في هذا الكون المجنون، ولكنه ملزم بالاهتمام بالشأن الثقافي لبلده وهواجس أناسه وأحبائه وخلانه وألفائه، وبأوصاب ورزايا للكون بأجمعه، مادام أن الانسان أخوالانسان - وهو بهذا قد يكون أوسع أفقا وأبعد نظرا من رجل السياسة (بالمعنى الممارسة الدهائية للمصطلح) أو من الوطني المتحمس الغيور

وان المبدع الأصيل - من هذا المنظور - يرفض أن يملى عليه من القادة السياسيين، ولكنه يساهم في الشأن السياسي (لا السياسوي) برؤاه الاستبصارية المنبعثة من شفافية روحه وصفاء وجدانه وباطنه وبصيرة عقله...، ويالها من كيمياء عذبة ... ولكنها صعبة..

 

فالحروب كانت ولا تزال قدرية مسلطة على رقاب الشعوب عند استقراء التاريخ...، وستستمر الى ما شاء الله..، وهي شرفى طبيعتها ولا عقلانية في معناها (ولن أدخل هنا في موضوع شائك حول علاقة الفنان عموما بالسياسة أو ما يسمى ب تسييس الثقافة أو تسييس الابداع، فتلك قضية أعقد من ذنب الضب)

 

الشاعر العربي فى مهب الريح في مواجهة أطروحات ما بعد الثقافة و ما بعد الانسانية

ومنذ القرن الفارط الي اليوم، عشنا في منطقتنا العربية –ومانزال - عصرا سياسيا ساخنا نتيجة الحروب الكبرى والصغرى من حروب مكافحة الاستعمار، وفظائع الفاشية والنازية والصهيونية والاستعماروالغزو الكولونياليالجديد، والمحرقات الصهيونية الجديدة - الحالية والمقبلة لامحالة - والقنابل وكوابيس الحروب الكبرى - القادمة لامحالة أيضا - في منطقتنا (والمرء الذي يركب في سفينة غارقة لا بد أن يفكرفي السفن الغارقة حسب تعبير جورج اوريل )...فكان لابد أن تغزو السياسة الشعرأو العكس، فيستلطي الشعراء بلظا لهيب السياسة وألاعيبها، كما تهتز طمأنينية السياسة تحت وابل رشاشات صرخات احتجاجاتوأنات وآهات الشعراء، فينعكس ذلك سلبا أو ايجابا على الشعر...والشعراء.

غيران وشعراء اليوم غير شعراء الأمس - فالبشرية.. تقاربت أكثر و عولمة الهواجس الكونية تستشري بين الناس في كل المعمورة بشكل غير مسبوق..

 

ومن المفترض أن قدر المبدع هو عدم الابتعاد عن المظالم والانتهاكات اللاانسانية التي تعاني منها الشعوب لرهافة حسه وهشاشته، وعمق بواطنه في هذا العالم المجنون الذي ما برح يزداد جنونا وتعقيدا وسط الهزات السياسية والفكرية، والتناحرات المذهبية والطائفية، ومؤشرات العودة الأكيدة للمقولات الكولونيالية القديمة تحت الضغوط والتأثيرات المباشرة لأطروحات فهم العالم الجديد التي لا تزيد المبدع العربي الا ارهاصا، وتدفع الكثيرين الى السقوط حثيثا في الأساطيرالوردية لعوالم استنساخات التماثل الثقافي بالمنظورالغربي الجديد لمابعد–الغيرالقابلة للتعميم على كل الثقافات والحضارات - والتى ستلحق الأضرار الجسيمة بكل الابداعات البشرية المحلية، ليصبح مبدعوها مجرد مسخ كاريكاتوري لعوالم مابعد الثقافة و ما بعد التاريخ وما بعد الحضارة وغيرها من أطروحات الفوضى الابداعية القادمة الهادفة الى تفكيك أنسجة وبنيات المجتمعات الخارجة عن السياجات المحكمة للتماثل وتحايلات التنوير و التثوير و العصرنة حيث الخضوع القسري للقانون الأوحد والوحيد، الاوهو قانون المحاكاة الذي تفرضه البراغاديمات المعرفية الجديدة المفروضة على العوالم الثالثية - شاءت أم أبت - (وتلك كانت مهمة اسارئيل في المهرجانات الدولية التي تبارت بالتنسيق مع الغرب في استضافة38 مبدع اسرائيلي من الذين استضافتهم معارض الكتاب الدولية باوروبا للعام المنصرم كضيوف شرف لتقديم النموذج العبري كنموذج امثل لكل الشعوب وما على ابداعات مبدعينا الا الرمي بها وسط رمال صحارينا الحامية - كما صرح أحد الشعراء الصهاينة لقناة فرنسية) حيث سيتم الزج –بالطرق اللطيفة والمخملية - بالابداع ولذة الكتابة عموما في فوهة المشروعات الجديدة النمطية الغربية المركز Occidentalo - centrés ليغدو مبدع الجنوب مغربا بحكم صراعاته الداخلية - مع ذاته واناه ومحيطه - وما بين تطلعاته الانسانية واحالاته الابداعية والخيالية، ومعاناته مع الضغوط اليومية الفكرية والحياتية، وارتعابه من ازدياد الثقافات المسحوقة الأصيلة للشعوب، على حساب الثقافات البديلة الدخيلة المصطنعة التى يراد لها خدمة مشاريع المابعد المقبلة لخلق قطعان مبدعة متفتحة وديعة مسالمة سلبية وخنوعة، حيث سيتحول حلم المساواة العولمي وزيف الأخوة الانسانية الى كابوس مرعب، أمام هراسة وهم التكافؤ من خارج التناظر والتدمير المنظم و العقلانى لابداعات الأمم، علما بأن الاعتراف بحق الاختلاف–لدي الآخرين أمرمشكوك فيه منذ فلاسفة عصرالتنوير، مما يفسرالقدرالكبيرمن التجاوزات في حق الشعوب الثقافية منذ حداثة الغرب وتنويره وديموقراطيته حين يقول ريمون آرون RaymonAron ان الخطرالأكبرهو هذا الشبح العالمي..ان كان قائما، ...ليس خطرالتماثل، بقدر ما هو خطر الامتثال.. حسب تعبيره في كتابه المشهور اوهام التقدم والحداثة - أي خطر تحويل البشرية وثقافاتها وابداعاتها الي كتل متجانسة صامتة وجامدة ومدجنة (كما نراها في معظم ابداعتنا التي تحولت الى مجرد استنساخات فجة دوارة يستنسخ بعضها بعضا في حلقة مفرغة) ولتحويل دول الجنوب الي مزابل أوراش مختربية للهذاءات الابداعية اليومية، في سائر الوطن العربي، وخاصة في الأحياء الفقيرة المهمشة بالمدن المكتظة، و الساخنة و المتوترة الحاملة لفيروس التمرد ، والقابلية للثورة على الأنظمة الديناصورية أوالفرعونية، لخلق رهوط مبدعة وديعة مستهلكة لثقافات الشمال الشبعان – ترجمة واستنساخا وتقليدا وتردادا، مثل الاشهارات السخيفة و الكادجيهات الثقافية الاستهلاكية التي تحددها، وتقررها، وتوجهها مؤسسات استطلاعات الرأي في الغرب، وعلب صانعي الثقافات فيه، المدفوعة الأجر، وتلك هي المهام التي أنيطت بتنفيذها وزارات ثقافاتنا، ومؤسساتنا الاعلامية الرسمية وغيرالرسمية، ورابطات شعرائنا وقصاصينا وكتبتنا ونقادناومبدعينا...، ولنا أسوة حسنة في الكم المخيف المهول من الشعارير التافهة التي نشهد كل يوم تزايد ضخها في سائرصحائف الوطن العربي

للموضوع صلة

 

  د. الطيب بيتي/ باحث أنثروبولوجي / بباريس

[email protected]
25-8-2009

في المثقف اليوم