قضايا وآراء

تحولات شخصية الإسلام السياسي في تركيا (6) الكماليون والخوف من التبشير بالغرب

بمعنى حتى إقامة جمهورية ديمقراطية. وتطرق ذلك لموضوع الانفصاليين الأكراد وحقوق الإنسان والتحدي الإسلامي، ولكن سريعا ما بدأ الكماليون ينظرون إلى الغرب باعتبار أنه مؤامرة ضد تركيا (52). وكانت مسألة معاهدة سيفريس توضع تحت المجهر كلما أخذ الغرب موقفا مضادا من ممارسة حقوق الإنسان ومن القضية الكردية (53). وهكذا  انتقد الكماليون / العلمانيون الغرب ليس بسبب مواقفهم مع الانفصاليين الأكراد فقط ولكن أيضا مع الإسلاماتيين. ومن خلال هذا الخطاب، أصبح أنصار الغرب القدماء القساة غير شرعيين وإنكاريين للمبادئ الأولى الخاصة بميولهم الغربية التي من المفترض أن تحض على المزيد من الديمقراطية وحقوق الإنسان، لقد اعتبر ذلك الماضي الآن بعين الكماليين / العلمانيين خطرا يهدد سلامة البلاد والنظام، لأنه يحرض الأكراد والإسلاميين الذين تدبروا أمرهم بعقد ميثاق جديد مع أنصار الغرب من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في داخل البلاد وكذلك في المحافل الغربية.

استجاب الإسلاميون للمشكلة الإيديولوجية المعقدة التي التزمت بها النخبة التقليدية من أنصار الكماليين، وهم القوس المنافس للإسلاميين، وذلك بتبني موقف مع الغرب في محاولة لدعم القوى المناصرة له في الخارج وجماعات المثقفين الليبراليين في الداخل، وبهدف نزع الشرعية عن الكماليين الذين اعتادوا أن يدعوا أنهم غربيون. وبتبني " القيم السياسية الغربية " حاول الإسلاميون أن يحاصروا الكماليين الذين انفصلوا ببساطة عن مشروعهم الداعي إلى  " القيم الديمقراطية "، والذين شكلوا نخبة جمهورية (54). في الواقع، ما أن شرع الإسلاميون في التعبير عن موقفهم المؤيد للديمقراطية والتعددية كإطار لضرورات البقاء السياسي والاجتماعي، رأى الكماليون قيم السياسة الغربية في الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون كواقع " مريض " لا يناسب تركيا. بالنسبة لهم، لو أن الديمقراطية نظام جديد هذا سيقود إلى تسليم السلطات للإسلاماتيين، ولو أن حقوق الإنسان عبارة عن قيم وآلية فهذا سوف يحمي الإسلاماتيين، ولو أن الغرب سيستمر في الدعوة لذلك باستمرار وبطريقة تؤمن للإسلاماتيين ماقع للنفوذ سوف يتلاشى الداعي إلى مناصرة الأهداف " التغريبية " المعلن عنها.

و على اعتبار أن الكماليين شرعوا، على ما يبدو، بالتخلي عن مبادئ " التغريب "، في بعض المحافل الغربية، ولا سيما الـ EU ، فقد رأى هؤلاء ضرورة ملحة في قطع علاقاتهم الاقتصادية مع الكماليين على الرغم من أنهم سابقا مصنفون بين أنصار الغرب وباسم مهندسي تركيا الحديثة (55).

 

إن هذا الشك المتبادل قاد إلى انشقاق عن الكتلة التاريخية . وإن الانحراف في سياسة الكماليين تجاه الغرب والتغريب والــ EU قد ساعد بدوره الإسلاميين للتغلب على ترددهم التاريخي تجاه الغرب، وهو ما نراه بالعادة حليفا للكماليين، بينما برر أسلوب التسلط الكمالي في السنوات الأخيرة للغرب، الذي لاحظ ذلك، احتضان الإسلاماتيين.

إن تعميق موقف مؤيد للغرب وتبني خطاب ديمقراطي ليبرالي لن يساعد في إلحاق الضرر بجاذبية التقاليد الإسلاماتية فقط، ولكنه سيقوي من الشخصية الإسلاماتية التي تستند على لغة سياسية جديدة تتعايش مع الغرب والتغريب.  إن ظهور الـ JDP كجماعة منشقة من الـ NVM، وحاملة لقيم ومعايير سياسية متصلة بالـ EU عبارة عن إشارة على الإتجاه الذي سار به الإسلاميون.

 

خاتمة

من المعتاد أن توضع على بساط البحث بين الإسلاميين القيم السياسية الحديثة مثل حقوق الإنسان والديمقراطية مع الإشارة إلى مصدرها " الغربي " الذي لا توجد فيه أية رابطة إسلامية شعبية. ومع ذلك، ابتعد الإسلاميون في تركيا عن الموقف السابق الذي ينظر إلى فكرة الديمقراطية وحقوق الإنسان والمسألة الغربية كما لو أنها قضية منفصلة عن التوجهات الإسلاماتية . وإن إعادة التفكير بالغرب وانتقاد التقاليد الإسلاماتية فتح الطريق لبروز الـ JDP باعتبار أنه حركة سياسية بعد – إسلامية (متجاوزة للإسلام الأصولي).

إن تحمس JDP لانضمام تركيا إلى الـ EU، كانت تعتبر بالعادة من قبل النخبة الحاكمة في الدولة (المترددة بشأن ارتباطاتها مع الغرب) وفي آخر مرحلة من التغريب، عبارة عن إشارة على الوضع المتبدل في القوة السياسية في تركيا. ويمكن التأكيد أن الإسلاميين في تركيا يعانون من مشاكل مع التغريب والعلمانية الكمالية أضعاف معاناتهم من الغرب نفسه.

و على ما يبدو أن الكماليين بدأوا في الابتعاد عن المثل الغربية، ولكن الإسلاميين اقتربوا بقوة من التبشير بالغرب، وهذا يعني المزيد من الديمقراطية وحقوق الإنسان والاقتراب من التواصل مع الـ  EU، ولكن أيضا التضييق على الدولة (الكمالية). وباعتبار أن رفض الغرب والتغريب كان أساسا لبناء شخصية إسلامية حديثة ذات خلفيات تقليدية، فإن الاقتراب من الغرب والتغريب قد هدم أساس شخصية الإسلام السياسي. وما تبقى هو غير الهوية الإسلامية التي نعرفها. فالتحول من الـ NVM منذ مطلع السبعينات وحتى نهايات التسعينات أدى إلى ولادة حزب سياسي (الـ JDP) له برنامج واتجاه مؤيد للغرب والديمقراطية والليبرالية.

و إن حركة تتبنى القيم السياسية الغربية وحقوق الإنسان وسيادة القانون، وتصر على الانتماء للـ EU، وتتدبر أمر الحصول على أصوات من جميع شرائح المجتمع، من الصعب أن تسمى إسلامية. وهذه حالة تفسر أن الانتقال الخطابي يتبعه تبدل في الهوية في ظل ظروف معينة.

و إن انفصال الإسلاميين حاليا عن تقاليدهم المضادة للغرب وللتبشير به تبدو في حالة تحول انتقل بالذات المسلمة في تركيا إلى موقع آخر، وفتح الطريق لاحتمالات بالتعايش بين الإسلام والغرب.

 

.............................

المصادر والمراجع :

51. Ahmet Harputlu, “Türkiye’de  slamciligin D?nüsümleri ve Yeni Politik Durum,” Bilgi ve Düsünce, Vol.1, No.4 (Jan. 2003), pp.15-18

52. Oktay Sinanoglu, “Küresellesmenin Gerçek Yüzü,”

http://www.aydinlik.com.tr/2004.04.11/default.html; Vural Savas, “AB’nin ?nlenemeyen Düsüsü,” http://www.aydinlik.com.tr/2004.04.25/default.html; Vural Savas, “Kusatilan Türkiye,” http://www.aydinlik.com.tr/2004.05.02/default.html; Yekta G. ?zden, “Kazalar Zinciri,” http://www.turksolu.org/63/ozden63.htm.

53 . أثر معاهدة سيفريس على الوعي التركي بعلاقته مع العالم وصناعة القرار الخارجي انظر يونغ Jung (2003).

54. See Yekta G. ?zden, “Biçimsel Demokrasi,” http://www.turksolu.org/56/ozden56.htm; and Vural Savas, “Seçim Komedisi,” http://www.aydinlik.com.tr/2004.04.04/default.html.

مؤلفا هذه المقالات هما رمزان من رموز الكماليين في السنوات الأخيرة، الأول كان رئيس المحكمة الدستورية حينما قررت المحكمة إغلاق حزب الرفاه، والآخر كان هو المدعي العام الذي وضع صياغة قرار إغلاق حزب الفضيلة.

55 . انظر على سبيل المثال التقرير المقدم إلى البرلمان الأوروبي، وقد قام بذلك عضو البرلمان الألماني آري أوستلاندير Arie Ostlander

http://www.nethaber.com.tr/haber/arsiv/haberler/0,1106,83168_6_9094,00.html

و إعلان كريس باتين، قوميسار الإتحاد الأوروبي للعلاقات الخارجية، في مؤتمر بجامعة أكسفورد

http://www.zaman.com.tr/?hn=51832&bl=dishaberler&trh=20040525.

و كلاهما تعرّف على الكماليين كعقبة كبيرة في وجه التحول الديمقراطي التام في تركيا.

 

إحسان داغي : أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الشرق الأوسط للتكنولوجيا في أنقرة، تركيا. من مؤلفاته (تركيا بين العسكرتاريا والديمقراطية) و(حزب العدالة والتنمية : الهوية والسياسة وخطاب حقوق الإنسان في سبيل الاستقرار والشرعية) وسوى ذلك.

 

المصدر :

Transformation of Islamic Political Identity in Turkey: Rethinking the West and Westernization . Ihasan D. Dagi. Turkish Studies. Vol 6, No 1, 2005.

 

الترجمة بإذن من الكاتب. والمقالة تعبر عن رأي الكاتب.

يشكر المترجم الأستاذ الدكتور إحسان داغي على حسن تعاونه خلال ترجمة هذه الفصول، وأسرة صحيفة المثقف التي أتاحت الفرصة لنشر البحث كاملا وباللغة العربية.

2011

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1778 السبت: 04 / 06 /2011)

 

في المثقف اليوم