قضايا وآراء

«الحضور الأنثوي في الأدب القصصي للمبدع حسن حميد» / حسين سرمك حسن

وقد يمثل هذا التبرير «المصلحة» الإبداعية و«النفسية»المباشرة التي يصوغها (شعور) المبدع الذي قد لا يعكس الدوافع اللاّ شعورية المستترة والفاعلة في الوقت نفسه، تلك الدوافع التي تحظى بالفعل الأكبر في تشكيل النصّ الإبداعي مبنىً وفي تحديد محمولاته المضمونية معنىً وإن كان دورها في الجانب الثاني أبلغ أثراً من الجانب الأول. وهذا الفعل يوازي ما يقوم به «عمل الحلم – Dream Work» في تحويل الرغبات الدفينة التي تمثل «المضمون الكامن Latent Content» في الحلم إلى «مضمون ظاهر Manifest Content» حيث يتم تنكير الرغبة وتشويهها ليتم عبورها حاجز الرقابة في صورة «نص قصصي» قد لا يكون له معنىً مباشراً في بعض الأحوال. وعليه فليس شرطاً أن المبدع  يمسك بكل الحفزات والمطالب اللاّ شعورية الضاغطة التي تنسرب في مسارات النص الذي يخلّقه بهدوء ومكر. ولم يتضح الحضور الأنثوي بصورة جلية في مجموعاته القصصية الأولى مثل: اثنا عشر برجاً لبرج البراجنة أو ممارسات زيد الغاثي المحروم وغيرها مثلما لم يأخذ مداه الكامل في روايته الأوليتين: السواد وتعالي نطيّر أوراق الخريف، ولكنه تصاعد قصصياً ليصل الذروة في مجموعاته الثلاث الأخيرة: حمّى الكلام – 1998، كائنات الوحشة – 2002 وفي البحث عنها – 2006 وروائياً تحقق التجسيد الفذ في روايته «جسر بنات يعقوب – 1996»، هذا التجسيد المقتدر الذي عبّر عنه بقوله: «وقد جعلت رواية جسر بنات يعقوب تدور على حوامل معرفية عدّة كالدين، والميثولوجيا والأسطورة في مناخ تلعب فيه طيوف الأنثى الدور الأبرز والأهم باعتبار الأنثى مغوية من جهة، ومنقذة للعالم من جهة أخرى(...) وقد حققت الرواية الطرف الأول من المعادلة «الإغواء» وأخفقت في الطرف الثاني لأن جمال الأنثى في الرواية لم يكن موروثاً بعد ما قايض الجمال طيوفه ومشهدياته بالمال فأصابه الذبول والانطفاء»، أي أن (حسن حميد) يـرى أن وظيفة الحضور الأنثوي تتمثل في جانبين: الإغواء والإنقاذ، وهما وجها العملة الأمومية المختزنة في اللاّ شعور والتي عبرت عنها الأساطير العشتارية القديمة في مركّب البغي المقدّسة، هذا المركب الذي نمسك بأهم تمظهراته الباهرة في موضوع «المومس الفاضلة» الأثيرة في المعالجات الأدبية والفنية، وعلى هذين المحورين الأساسيين ومشتقاتهما النفسية يرسم (حسن حميد) مسارات الحضور الأنثوي الآسر في أعماله القصصية.هذا الحضور الطاغي كمياً ونوعياً، فمن بين ثلاث عشرة قصة ضمتها مجموعته «حمى الكلام» هناك ست قصص فيها السيادة الكاملة للأنثى، أمّا القصص السبع الباقية فإنّ ثلاثاً منها فقط ترتكز على الدور الذكوري الحاكم، في حين أن القصص الأربع الأخرى تنسج وقائعها بالمشاركة بين الرجل والمرأة مع رجحان واضح لكفة «المرأة» بل إن دورها الإنقاذي من ناحية والآثم – خصوصاً – من ناحية أخرى، هو الذي يشيع روح التوتر والاحتدام الدرامي في جسد القصّة.

وقفة: لا أستطيع القول إنّ أمراً عشوائياً – حسب أطروحة «دي سوسير» الخاطئة حول اعتباطية الإشارة اللغوية – يقف وراء كـون أغلـب المفـردات المستخدمة لتوصيف الأجناس الإبداعية ذات سمة أنثوية: قصّة، رواية، مسرحية، لوحة، قصيدة، مقالة...إلخ.

أمّا في مجموعة «كائنات الوحشة» فمن بين تسع قصص هناك خمس تتأس على ركيزة استثمار البعد النفسي للدور الأنثوي في مسار وقائع النصّ القصصي وتتشابكات علاقات شخصياته.

في قصّة «الأقطش والنساء» تنتظر المرأة الساهرة التي تغزل صوفها بقلق وتوتر مجيء «الرجل الغامض». رجل لم تلتقِ به سوى مرّة واحدة حين جاءها ليلاً وطرق بابها فشلت إرادتها وفتحت له الباب مرحبة رغم أنّها لم تكن تعرفه من قبل، لكنها كانت مهيأة نفسياً لاستقباله فهو ليس «غريباً» عنها لأنه – في الواقع التحليلي – من مخزونات لا شعورها، إنها تضفي عليه سمات أسطورية.. فلا أحد من الأهالي قد رآه في النهار.. بل حتى في الليل.. ولكنهم مجمعون على صفاته الاستثنائية: رجل جسور، لا يهاب شيئاً.. رجل غامض ومحيّر وخصب. أمّا حين فتحت له باب البيت كالمنوّمة فقد رأت فيه ما هو أكثر من كونه رجل استثنائي : «لقد بدا لها كجندي يعود من ساحة الحرب للتو، فهيبته هيبة فارس»، إنه – وقد جاء مع المطر – يشكّل صورة لـ«المنقذ» الذي انتظرته طويلاً في محنتها المديدة بعد خروجها من السجن وإيوائها ثلاث نساء أخريات كن رفيقاتها في السجن، ولكل منهن قصّة تقطع القلب، وتسحق الضمير الاجتماعي.

فهنّ مثلها ضحايا نظام ذكوري مستبد وفاسد، وقد تعاهدت مع هؤلاء النساء الثلاث اللواتي هدهن الزمـن، رغم جمالهن الكثير، على أن يعشن معاً، ما تبقى من العمر من سنوات، حالما يخرجن من السجن.

فبالنسبة لها فإنها قد ألقيت في السجن لمدة عشرين عاماً، وهي ابنة أربع عشرة سنة بسبب قتلها للرجل العجوز السمين الذي زوّجوها له.. لقد اشتراها مثلما يشتري بقرة – ولأنه عاجز.. فإنه كان يصب عدوانه الجهنمي على جسدها فيحرقه بقضيب الحديد المحمّر.. أمّا «صفية»البنت الشقراء فهي ضحية أخرى للسلطة الذكورية المتعسفة.. فقد أحبت شاباً وهربت معه بعيداً عن أهلها – لقد ضحّت من أجله بكل شيء، فكان جزاؤها أن «أدخل» عليها أولياء أموره في الوظيفة. صدتهم جميعاً، وحينما لم تفلح في استثارة غيرته وإنهاض دوره الرجولي الحامي.. قتلته. وهكذا كانت خطوط مأساة الفتاتين الأخريين: «مرجانة وندى»، فهما لقيطتان قست عليهما الحياة وعرفتا دروب الخديعة لتكون محطتهما الختامية في السجن.. وهن يعشن معها بعد أن تابتا نادمتين، لكن انحطاط السلوك الذكوري لم يقف عند حدّ فاجعة السجن التي ألقي هؤلاء النسوة في غيابتها حسب، بل امتدّ ليحاصرهن بعد أن خرجن من السجن ليلوث وجودهن من جديد: «إنهم – أي الرجال – يعذبونها، يأتون إليها ليلاً مترادفين، حذرين كالقطط يمشون في عتمة الحيطان كالخائفين، يأتون فرادى، وعيونهم لائبة، ملأى بالشهوة والأسئلة، ويتحدثون عن أنفسهم كالفاتحين، تراهم يغافلونها فيسترقون النظر إلى النساء الثلاث».

إنه واقع مسموم بالذكورة، وهي – أي المرأة – محاصرة بهذا الواقع وتسعى جاهدة للخلاص.. فمن أين سيأتي «المخلص»؟ ومن أيّ تربة سينبثق؟ لقد نفضت يديها من أيّ آمال تعلّق على «صور»الذكورة الحامية التي تحيط بها في «الخارج»، وسيتكفل لا شعورها، نجزينه المبارك الذي لا ينضب – بالاستجابة لرجائها المصيري. فاللاّ شعور ليس سلّة للنفايات الغريزية المكبوتة فقط كما صور ذلك معلم فينا «فرويد».

إنّ من أعماقها يأتي المدد النفسي الإنقاذي أيضاً، ومن تربة لا شعور المرأة، في طبقاتها العميقة حيث مكنونات اللاّ شعور الجمعي، ينبثق التشكيل الحقيقي لصورة المخلص المرتجاة. هذه الصورة التي أسقطت الآن من أغوار لاشعور المرأة المحاصرة لترتسم في «الخارج»في هيئة الرجل الحامي الجسور: «الأقطش»، ويحيلنا الإمعان في سلوك هذا الرجل المؤسطر وطبيعة استجابة المرأة له بأنه تجسيد لـ«أنموذج أولي»، «نمط أولي» مختزن تنسج من خيوطه التمظهرات الحلمية والاستيهامية للمخلّص المنتظر، الذي هو النمط الأولي للأب الجمعي، فإذا كانت قد استنجدت بوالدها وهي تتقلب على جمر محنتها فلم يستجب لها لأنه كان ميتاً، فإنّ زيارة واحدة من الأقطش جعلت الذئاب الذكورية لا تتجاسر على القدوم إلى بيتها مرّة أخرى. لقد أصبحت تحيا مطمئنة تحت ظلال خيمة حمايته «وهدأ بالها، وراق ليلها وسكن، وأنّها ما عادت محطة للأسئلة، أو مكاناً للمتعة». ولأنّه – أي الأقطش هو (رجل لا شعورها)، فإنها لم تكتفِ بإظهار ضروب الطاعة السريعة لصوته الآمر وحضوره الطاغي، ولكنها شعرت منذ البداية بأنها «تعرفه» وأنها تشكل معه «وحدة» واحدة وبأنه ليس «غريباً» عنها، يمد يده نحوها، فتعطيه يدها استجابة للنداء، وتهبط قربه دونما خوف أو نفور، يدقق في وجهها وتدقق في وجهه، يراها جميلة لكأنها صورة الأنثى الأولى. وتراه رجلاً بكراً يطلع من قلب الليل تماماً.

إنه يريد إنقاذها من الذئاب التي تمزق لحم روحها فيحذرها من الرجال ويهزّ كتفها بمودة ويخرج، وفي الغالب لا تكون تجارب اللقاء بالنماذج البدئية والالتحام بحضورها المحصن والتنعم بمددها المعزز، تجارب مبتذلة نستحضرها كلما أردنا ذلك، إنها تجارب عصيبة مطهرة نظفر بها بعد أن نتصالح أولاً مع مكبوتات لا شعورنا الفردي ونصفي عقده، وهذا ما لم تتوفر عليه الحياة النفسية لهذه الامرأة المحطّمة التي نهشت كيانها مخالب السلطة الذكورية؛ ولذلك نجدها تقع من جديد في مصيدة شلل الإرادة والانتظار لأنها لم تستثمر عطايا تلك التجربة الفريدة، «إن جاء، سأفتح له قلبي، وأغلق عليه، لكن أين هو؟...» (...) سأرجوه أن يمرّ بي كلّ ليلــة، ولو للحظة واحدة لأطمئن عليه. ليته يأتي الآن، فيمحو هذا الانتظار الثقيل».

أمّا في قصّة «تلك المسافة.. المتبقية» يوظف القاص، بدراية عميقة، مقلوب متسلسل الحوادث النفسية التي تنسجها في القصّة السابقة «الأقطش والنساء». فهنا يأتي الراوي والقصّة تروى بضمير المتكلم، وبالمناسبة فإن أغلب قصص (حسن حميد) تحكى بضمير المتكلم، ومن بين (22)قصّة ضمتها المجموعتان القصيصتان هناك ست قصص تسرد بضمير الغائب – وهو فتى إلى قرية من أجل إنجاز مهمة كلفته بها أمّه وهو أن يخبر عمّه بأن أباه قد مات، وأن أمه أرسلته إليه ليسأله إن كان يريدها زوجة لتعلن ذلك أمام الجميع، وإلاّ فإنها ستتزوج لأول مرة في حيـاتها، الـرجل الذي يدق له قلبها منذ خمسين سنة. صحيح أنه في السبعين من عمره أو أكثر، لكنها ستتزوجه، وهذه مهمة أوديبية المقاصد رغم أنّها مموّهة لتنكير بعدها الآثم، فالعرض الذي تقدمه الأم غريب يجعلها موضوع حبّ مبتذل مطروح بامتهان ويحدد مستقبله العاطفي وفق لعبة احتمالات لا إرادة له فيها، فإن وافق العم – وهو بديل الأب بالنسبة للابن – فستعلن الأم زواجها منه، وإن رفض فإنها ستتزوج الرجل الذي أحبته منذ خمسين سنة. وهي لعبة تأثيم وتلويث للأنموذج الأمومي من خلال تعلق الأم المستميت ولعقود برجل آخر رغم ارتباطها بالأب وولائها الشكلي له. ويبدو هذا الانحياز العاطفي واضحاً حين نتفحص الصياغة اللغوية للاحتمالين حيث القالب «الرسمي» الإخباري المبتسر للاحتمال الأول – الزواج من العم – مقابل التعبير المسترسل والمنعم بالعاطفة والمنطوي على إيحاءات كثيرة في الاحتمال الثاني – الزواج من العجوز الذي تحبه – فمن الإيحاءات المسمومة هي نبرة الحماسة التي كأنها مشوبة بالتهديد في التحوّل بـ(وإلاّ) من الاحتمال الأول إلى الثاني. وهناك المقابلة المستترة بين ضياع إرادة الأم في اختيار العم الذي تمثل موافقته القول الفصل، هذه الموافقة التي تجعل الارتباط يبدو قسرياً ومفروضاً، وبين إعلان الأم إنها – بخلاف ذلك – سوف تتزوج – ولأول مرّة في حياتها، الرجل الذي أحبته طويلاً رغم تقدّمه في السن. وتفوح من المقطع الذي تصف فيه مشاعرها الملتهبة تجاه رجلها المنتظر – والذي ينقله لنا الابن – رائحة التشفي الأوديبي حيث تقول الأم: -يكفي أن أراه قبالتي، أن أشم رائحته، أن أغسل جسده وثيابه.. وأن أمشي وإياه مشوارنا الذي حلمنا به طويلاً عند الغروب.. وحيدين في فضاء لا شيء فيه سوى تحويمات الطيور وأجراس قطعان الماشية التي تعلن ببطء دنوّ المساء».

وتمتد موجة الصراع الأوديبي الساخنة لتشمل بصيرة المبدع نفسه فتشوشها وهو يقول إن الأم قد دقّ قلبها لرجلها منذ خمسين سنة، وإنه في السبعين من عمره الآن، فكم كان عمر الأم حين تزوجها الأب؟ وكم هو عمرها الآن؟ وإذا كانت تعلن بعزم أنها متعلقة برجلها حتى وهي متزوجة ولأكثر من نصف قرن فهل أن هذا يعني تكرار خديعة الولاء حتى لو وافق العم على الزواج منها؟ لكن، من غير المتوقع أن ينبري الابن – بنواياه اللاّ شعورية المبيتة – لنقل رسالة الأم كساعي بريد محايد يتجرد من عواطفه تجاه موضوع الحبّ الأول والأثير في حياته.

هنا يبدأ اللاّ شعور بنصب مصائده الماكرة، فمع اقترابه من القرية التي يجب عليه أن يسلّم رسالة أمّه إلى عمّه فيها – وحيث لم يتبقَ عليه سوى مسافة أمتار للوصول، يقوم اللاّ شعور بتبدين الرفض أولاً فيبدأ الراوي الفتى بالشعور بالتعب «لكأنني تعبت، أو لكأن قدمي ملتا السير، أو لكأن ما حولي شلّ حركتي»، إنه منهم الآن يتأمل الأشجار والأزهار وطاحونة الماء التي يتداخل هديرها مع هدير معصرة الزيت، والنسوة اللائي يتمايلن كالراقصات، ولأن دواخله تتجاذب فيها – وبقوة – دوافع مصلحته اللاّ شعورية في اتجاهاتها المختلفة فإنّ هذا صار ينعكس (مسقطاً) على الأوصاف التي يستخدمها لتمثيل حركة «الموجودات، فالدرب المفضي إلى القرية يلتف ويتوارى كطفل يخادع والديه – والماء يقذف إلى دولاب الطاحونة من (ساحرات من عالم آخر).. وجرار الزيت المتساندة تشبه نساء هدهن التعب والنعاس.. والشمس الغاربة مثل امرأة تودع حبيبها على مهل.. والأهم أنه قد انغمس في ملاحقة متغيرات الطبيعة الأم الساحرة ناسياً واجب التبليغ الذي كُلف به، ويصل هذا التعطيل الذورة حين تأتيه امرأة تأخذه إلى صدرها وتشده وتقول له: لقد تأخرت.. انتظرناك طويلاً.. تعال».

ويستجيب للمرأة التي تدعوه لركوب العربة رغم أنه لا يعرفها، ولكنها عرفته، ويحاول أن يخبرها بمهتمه وبالرسالة التي يحملها لكنه يتراجع.. وفي خطوة تعطيل تالية – هي غطاء للرفض المستتر – يذكر بأنه قال لأمه: إن تأخرت، واستبقاني عمّي عنده، فاعلمي أنه لا يريدك، ولك حرية اختيار الرجل الذي تريدينه.. لكنه لا يفصح عن الحقيقة ويتواطأ بصمته – وفي المآل النهائي – في تحقيق إزاحة بديل الأب.. وذلك عندما تقوده المرأة إلى كوخ يلتقي فيه بامرأة عجوز بيضاء في غاية النظافة.. والتي تقوده بدورها إلى البستان حيث يحيط به عدد كبير من الفتيان.. وهذا الظلّ الأنثوي البازغ الذي قاده إلى هنا يسلّمه – بحكمة – المفتاح الصحيح لمحنته.. حيث عليه أن يتجاوز معضلة التثبت على موضوع الحب الأول – الأم وينطلق من أسره.. وأنّ ما يحمله من خطاب هو تعبير عن هذا التثبت المرضي المعيق لتفتح طاقاته واختياراته العاطفية التي ينبغي أن تتحرر وتتجه إلى موضوعات مستقلة مبذولة حوله.. ولكن استجابته تأتي محبطة.. حيث تختفي الفتيات في ماء الغدير ويتملكه الحزن والبكاء. تنتشله مجموعة جديدة من الفتيات أكثر جمالاً وحلاوة من فتيات الغدير.. ولكنه يبقى ملجوم الإرادة ولا يشاركهن عملية (تسلق) الأشجار كتعبير عن الالتحام العاطفي والجنسي. وفي محاولة (تدريبية) مضافة تخرج له العجوز ذات الوجه الجميل وتعرض عليه أن تستضيفه يوماً آخر كمخرج لإنقاذه من شراك اللعبة الأوديبية المضنية. لكن هذا المقترح لا يفلح معه ويهرب – هو المثبت – عائداً إلى أمّه ولم يقطع المسافة القليلة المتبقية عليه كي يخبر عمّه بأن أباه مات*. وعن هذه الطريق يجهض المهمة كاملة وسيبقي الأم معلقة بلا رجاء في الوقت الذي تتلمظ فيه دوافعه الآثمة بدهاء فيردّد وهو في طريق عودته هارباً ومع سبق الإصرار: «رجوت الله ألاّ يكون عمي عرف بموت أبي، فتزوج أمّي.. وأنا.. طيّ الغياب».

إنّ هذا الجهد التحليلي للنصين القصصيين السابقين لا ينفِ تماماً بحق المعالجات الباهرة التي قدمها «المبدع حسن حميد» لموضوعة الحضور الأنثوي في الحياة وهذا الحضور الذي أشاع البهاء والاحتدام في حياة نصوصه.. وقد يتشكل هذا الجهد محاولة متواضعة لجهود تحليلية مضافة لنقاد آخرين.

* فـ«تلك المسافة المتبقية» قصيرة على الأرض الفعلية – ليست سوى أمتار.. لكنها معجزة.. وأحياناً مميتة على أرض اللا شعور..

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1778 السبت: 04 / 06 /2011)

 

في المثقف اليوم