قضايا وآراء

تجويد القرآن الكريم ..فن سماوي وعلم موسيقي

 فان جميعها تتأثر بالنغمات.. حجة الاسلام أبوحامد الغزالي...من كتابه آداب السماع والوجد

 

لا مشاحة في أن لذة تشنيف الأسماع بالسماع، مبعثه الصوت الجميل، وهو مظهرمن مظاهرالابداع الالهي في الكون، فحتى الأفلاك لها سماع وتطريب خاص بها، أطلق عليه الفلاسفة المسلمون الأوئل، مثل ابن سيناء، والكندي، والفارابي، واخوان الصفاء، والخوارزمي، وبعض فلاسفة الاغريق، مثل فيثاغورس ب موسيقى الأفلاك ، اذ تصدرعنها في حركاتها الهائلة الدقيقة، - كما أثبته الفلكيون الأوائل والأواخر-ايقاعات منظمة نغمية كونية جبارة، لايعرف كنهها، ولا طاقة للانسان بسماعها، مما جعل امامنا الغزالي رحمه الله، ذلك الرجل المنطقي، والمتصوف، ورجل الفقه الكيس الفطن الحصيف يقول : ليس في الامكان أبدع مما كان ويفسرها المفسرون بأكثرمن تفسير، الاأن صوتا جميلا نسمعه فيطربنا ويهزنا ويحركنا ويثير أشجاننا وأحزاننا ومسراتنا، ذاك في حد ذاته-ومع بساطته ودقته في آن واحد-تفسير فوق كل التفاسير،

 

وهذه الملكة الفنية الكامنة في الانسان، لن تموت الابانقراض الانسان ذاته، أو بانحطاطه، أو تصاب البشرية كلها بالعته والعي والبلاهة، ...وسيظل الصوت الجميل، هو تلك القدرة والملكة الانسانية الخارقة، التي تحيل الحياة الى تعبير فني والى اشراقة روحية، وهي ليست من صنع ساحرعتيد، أوشيطان مريد، بل هي من صنع الله القادر، الذي صور الانسان فأحسن صورته، ...فسبحانه !!!

 

 ولذا، فان النغم ظاهرة بشرية فطرية، عرفت منذ أن عرف الانسان على وجه البسيطة، حيث أودعها الله فيه، والأصل فيه يعود الى أن الأصوات متفاوتة في قوتها ومفعولها لدى الانسان وفى الطبيعة، وعند الحيوانات والأدوات والآلات...،

 

 كما أ ن الأصوات الانسانية لها دلالات متنوعة، مثل الضحك والبكاء والصياح علوا أو هبوطا، وفي طبقات الكلام تنازلا أو تصاعدا، و لكل طبقة نغمة ورنة، وايقاع ومقام

 

 التجويد ما بين العلم والفن

قال تعالى: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)

 

 و التجويد كعلم: هو في اللغة: التحسين، وفي الاصطلاح: تلاوة القرآن الكريم بإعطاء كل حرف حقه ومستحقه، وللحرف صفاته الذاتية اللازمة له: كالجهر والشدة والاستعلاء والاستفال والغنة والقلقلة وغيرها

والتلاوة معناها: القراءة عموما

 وأما الترتيل : فهومن مراتب تلاوة القرآن الثلاثة المتعارف عليها بالاجماع عند علماء التجويد وهي بعد الترتيل:–الحدر، والتدوير

 

 والترتيل في اصطلاح القراء هو : قراءة القرآن على مكث، وبتأن وفهم واستيعاب للمعاني، وهي أفضل أنواع التلاوة حسب أهل الاختصاص، لأن القرآن نزل به، لقوله تعالى وقرآنا فرقناه لتقرأه على مكث (106) وقال تعالي ايضا ورتل القران ترتيلا (سورة المزمل4)

 وقد فسر الامام علي كرم الله وجهه الترتيل بما يلي : بأنه تجويد الحروف ومعرفة الوقوف

 ومعنى تجويد الحروف، هو: اخراجها من مخارجها، واعطائها صفاتها، من التفخيم والترقيق

 

أما المرتبة الثانية من مراتب تلاوة القرآن، فهي :

 الحدر، وهو ادراج القراءة وسرعتها، مع المحافظة على أحكام التجويد، ومراعاة عدم بتر الحروف، وعدم التفريط في اظهار الغنة والمد

 أما المرتبة الثالثة من مراتب تلاوةالقرآن، فهي : التدوير، وهي حالة وسط بين الترتيل والحدر

 وكل قارئ للقرآن يختار من هذه المراتب الثلاثة ما يتناسب وقدراته الصوتية وطبقاتها وسلاليمها ومقاماتها وحاله ومذاقه الروحي، وما يوافق طبعه ومزاجه النفسي، ومدى تفاعله مع اللفظة القرآنية وبعدها الجواني مع سياق النص القرآني المقروء ومجلول الآية، وأبرز مثال على هذا هو المقرئ المغربي الشيخ عمرالقزابري أمام أحد أكير ثالث مساجد العالم مسجد الحسن الثاني بالدارالبيضاء ...، مقرؤ التراويح الوحيد من مشاهير القراء في العالم الاسلامي الذي يملك هذه المراتب الثلاثة، حيث يجمع ما بين جلجلة الصوت وقوة أوتاره، ورخامته وصفائه وسعة قراره وعمق جوابه، والمرونة الخارقة في الانتقال من مقام الى مقام، أي من الرصد ، أو الرست الى مقام الجهاركه، وكأنك تستمع الى تصديح عبد الوهاب (في مقتبل عمره قبل أن يفقد نصف أوتاره وحباله الصوتية) ووديع الصافي والشيخ رفعت والسيخ الحصري والمنشاوي مجتمعين في صوت واحد

 

 والتجويد كفن هو محاولة تقريب المفاهيم القرآنية بالصوت الجميل المقرور، و يشترط في المقرئ، أو المرتل، أو المجود –اضافة الى الصوت الحسن- شروط أهمها:

 

 الدراية الكبيرة بقواعد اللغة العربية، والبلاغة والعروض، وفقه اللغة، بالاضافة الى قواعد علوم المقامات الموسيقية، والطبقات الصوتية وسلاليمها، حيث تعتبر مدارس التجويد التقليدية عبر تاريخ الحضارة العربية الاسلامية، أكبر خزان موسيقي وغنائي، ومراكز لاكتشاف الأصوات الخام الطرية، وتدريبها بالطرق الصارمة لتطويع واسلاس النبرات وصقلها لتخليص الحنجرة الخام من الشوائب والزيادات الشاذة والممجوجة، بتلك المناهج المتواترة عبر التاريخ منذ العصر الأموي وصولا الى قمة علميتها وتفننها و تقنيتها على يد الاسحاقين -الاب والابن- (براهيم واسحاق)

 

 وكل مجود ـأو مرتل أو مقرئ للقرآن، يمكنه أن يكون مطربا مجيدا، وبالمقابل فلن يتأتى لكل مطرب محترف، أن يصبح مقرئا أو مجودا مجيدا، ولا أدل على ذلك، من أن كلا من الموسيقار محمدعبد الوهاب، وسيدة الطرب أم كلثوم، قد فشلا في محاولتيهما في بداية حياتهما الفنية في تجويد القرآن، فبدا أداؤهما ذابلا وباهتا أمم صولات المقرئين الكبارآنذاك مثل الشعشعي والشيخ صبح، وخاصة الصوت المعجزة في عشرينات القرن الماضي الذي تربى على صوته وأدائه كل المقرئين والمطربين، وهو الشيخ رفعت الذي كان يطلق عليه الصوت المعجزة أو الصوت الملائكي الاذي تربى وتتلمذ على صوته المعجزة كل عباقرة الموسيقى والمغنى في بدايات القرن الماضي

 

 كما أنه أيضا ليس بامكان كل مطرب محترف أن يتقن غناء القصيدة أو الشعر المنظوم (كما عرف عن محمد عبد الوهاب والسيدة أم كلثوم واسمهان،، ووديع الصافي وصبح فخري والسيدة فيروز، ومن المغرب العربي عبد الهادي بن الخياط وبوشناق (اذ القصيدة هي المحك الحقيقي للمؤهلات الصوتية للمطرب المعاصر، و واختبارا حقيقيا لحسه الفني والتنغيمي والموسيقي، والتي لا علاقة لها بالحشرجات الميكروفونية والزعيق والصراخ المبتذل الذي أصبح يطلق عليه تجاوزا بالطرب والمغنى المشاع في القنوات المبتذلة حتى في رمضان المعظم

 

 مشايخ التجويد والنهضة الموسيقية العربية في بداية القرن الماضي:

 وفي نفس السياق، لابد من الاشارة الى دور هؤلاء الفنانين المهمشين في تاريخ نهضة الأدب والموسيقى في المشرق العربي

 وقد يبدو للبعض أن هذا التوضيح هو بمثابة استرطراد، أوحشو، الاأن ضرورته تكمن في وجوب ازالة اللبس عن التجويد كثقافة شعبية أولا، وكمنهج علمي صارم في فن المقامات والطبقات الصوتية، وكتراث عربي حافظ على الأذن العربية (منذ العصر الأموي) من هجمة وتأثيرالرطانات المتوسطية التي عج بها البحرالأبيض المتوسط، بدءا من الاغريق ووصولا الى الأتراك، حيث رانت على السمع العربي –في مجال المغنى-، تلك اللثغات واللكنات المتمثلة في العجمة العثمانية والرطانة الفارسية والفهاهة الغجرية التي عبثث بحناجر المطربين في بلاد المشرق العربي منذ القرن الثامن الهجري، حتى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي،

 

كما لا داعي هنا – بطبيعة – الحال - للافاضة في الحديث عن الارتباط الوثيق بين تجويد القرآن الكريم، وبما يسمى بالغناء العربي المتقن الذي ظهر بأربعة قرون في العصر الأموي، سبقت ميلاد الخلافات الفقهية حول جواز الغناء أوتحريمه، عندما كتب أول كتاب عن الأصوات والسماع عنوانه كتاب النغم ل يونس الكاتب قبل أبي الفرج الأصبهاني في التأليف عن الغناء والموسيقى بمائتي عام تقريبا، وانما يكفي القول بأن الذاكرة الشعبية للمجود ين، هي التي حفظت لنا كل ما تدفقت به الكتب العربية عن الأصوات والمغنى والموسيقى –من الناحية العلمية- التي غطت أنشطة السماع والموسيقى في عصر بني العباس لأكثر من خمسمائة سنة، ومن أشهرها كتب :الخليل بن أحمد، والكندي، والفارابي، وابن سيناء، وصفي الدين عبد المؤمن الأرموي الذي غنى لهولاكو على أطلال بغداد بعد سقوطها سنة 656هجرية الموافق ل1258م، مع تعذر احصاء ما فقد من الكتب المفقودة بسقوط بغداد التي أغرقها التتار في دجلة، أوما ضاع بسقوط غرناطة التي يعتبراستسلامها عام 1491للميلاد، بمثابة انهاء الوجود الاسلامي فى شمال المتوسط، وبداية سيطرة الغرب على مقادير الأمة العربية بعد حين، حيث جاء رد الفعل الغربي -المسيحي الكارثي (اللاتسامحي) على العلم والثقافة الانسانية، مقابل تسامح وأخلاقيات، ونبل المسلمين ابان فترة حكمهم، ، حيث تم احراق الكتب العربية المترجمة واتلافها في مرحلة غليان الانتقام الصليبي، بمجرد أن تم الاستيلاء على الأندلس من جديد -كرمز لاستأصال كل أثر تاريخي لمرورالعرب هناك- عندما أصدررئييس أساقفة اسبانيا الكاردينال أكزيميس مرسوما يقضي بحرق ثمانين ألف مخطوط عربي فىالأماكن العامة بغرناطة، على سبيل المثال، بينما تذكر لنا المصادر التاريخية بأن مكتبة الحكم الخليفة الأندلسي كانت تضم وحدها ستمائة ألف مجلد مفهرسة في أربعة وأربعين سفرا، في حين أن المكتبة الملكية بباريس التي كانت أكبرمكتبة فىأوروبا (ولا تزال الى يومنا هذا) والمتأخرة عن مكتبة الحكم بأربعة قرون، لم تكن تحتوي الا على تسعمائة كتاب أزيد من ثلثيها في اللاهوت، وحتى ما تم الابقاء عليه من مصادرعربية، أفرغها الغرب من مضمونها الحقيقي الروحي والعلمي، واختزلت الى مجرد دلائل تقنية وفنية مادية فارغة المحتوى والمضمون مثل (خوارزميات ابو بكر الخوارزمى فى الالهيات والكونيات والكوسمولوجيا التي تحولت الى مجرد تقنيات رياضية وحسابية أسموها اللوغاريتمات بدل اسم صاحبها الحقيقي(الخوارزميات)، وأخذناها عنهم خطئا-أوقصدا- كما ضاعت معها كتب قيمة حول السماع والموسيقى، وشروحات مستفيضة حول نظريات زرياب (الكوسمولجية) في الموسيقى ونهجه العلمي في تثبيت أركان المدرسة العراقية في غرب العالم العربي الاسلامي بالأندلس والمغرب العربي

 

 والشاهدهنا، هوأنه مع كل هذه الكوارث المتلاحقة على العالم العربي، فان مشايخ القراء من المجودين – تلك الشريحة الفنانة المهمشة والمغمورة- هم الذين حافظوا خلال هذه المراحل كلها على أصالة السماع والموسيقى العربية، اذ كانوا هم بحق مؤسسي النهضة الموسيقية والغنائية بمصر وبلاد الشام -مثلا- من أولئك المعممين ومن مشايخ الأزهرمن العلماء والمقرئين مثل الشيخين الشيخ شهاب الدين والشيخ محمد عبد الرحيم المسلوب اللذين كانا مقرئان ومنشدان في الموالد النبوية، وبرع المسلوب خاصة في التلحين، بل وتفوق على بعض الأندلسيين في تلحين الموشحات الأندلسية، في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، حيث أعادا احياءما يسمى بالدورالغنائي أو فن الدور المستنبط من قواعد التجويد والقراءات، فتخلصت الحنجرة العربية من جديد، منذ بدايات القرن العشرين من مستنقع ألحان وتطريب عصر الانحطاط، الذي أغرقته فيه الحشرجات الصوتية وأساليب العجمة الاغريقية واللكنة التركية والرطانة الفارسية والفهاهة الغجرية التي سيطرت على الآذن العربية في المشرق لمئات السنين، حيث احتفط المجودون المجهولون من حفظة التراث الشفهي الموسيقي المتواتر(عبر فن التجويد) بهذا التراث الفني الضخم الذي كان يتداول فقط في مناسبات المآثم، واحتفالات الأفراح التي يرافقها عموماانشاد قصائد المديح النبوي من طرف هؤلاء المشايخ أنفسهم، علىنمط المقامات القديمة الأصيلة اتي قعد لها الموصليان (الأب والابن زمن الرشيد ببغداد) وطورها تلميذهما زرياب، ثم نقلها الأندلسيون في هجراتهم وطردهم من الفردوس المفقود بعد سقوط غرناطة في آخر القرن الخامس عشر الميلادي

 

 ولا بد من التذكير هنا على سبيل المثال لا الحصر، أن فطرة هؤلاء المشايخ الدينة الصافية، وحساسيتهم الفنية النقية، جعلتهم يتبوؤون مكانة خاصة في قلوب العامة والخاصة، اذ صنعوا في السماع والغناء شبيه ما صنعه محمود سامي البارودي في الشعر، الذي ثارعلى الطريقة العثمانية، ورد الشعر العربي الى مراحله الحضارية الأولى الأصيلة المعروفة لدي الفحول الأوائل مثل الفرزدق، وجرير، والبحتري، وأبي تمام، والمعري، والمتنبي، ... ولاعجب في ذلك، فالغناء اقترن عند العرب دوما بالشعر، حسب تفسير العلامة ابن خلدون في مقاربته السوسيو-ثقافية لكلام العرب فيقول :

 

 ....أما العرب، فكان لهم -أولا-فن الشعر، يؤلفون فيه الكلام أجزاء متساوية على تناسب بينها في حروفها المتحركة والساكنة، ويفصلون الكلام في تلك الأجزاء تفصيلا، يكون كل جزء منها مستقلا بالافادة، لا ينعطف علىالآخر، ويسمونه البيت، فتلائم الطبع بالتجزئة والتناسب في المقاطع، ثم بتأدية المعنى المقصود، .فامتاز من بين كلامهم بحظ من الشرف ليس لغيره، لأجل اختصاصه بهذا التناسب، وجعلوه ديوانا لأخبارهم وحكمهم وشرفهم، ومحكا لقرائحهم فى اصابة المعنى، واجادة الأساليب واستمروا على ذلك.... واستطرد يبين العلاقة المحكمة ما بين الشعر العربي والنغم وارتباطه به فقال:

 ...وتغنى الفتيان في قضاء حوائجهم، فرجعوا الأصوات وترنموا، وكانوا يسمون الترنم اذا كان بالشعر غناء، واذا كان بالتهليل تغبيرا، لأنه يذكر بغابرالأيام وهو الباقي، أى بأحوال الآخرة -حسب تعليل أبي اسحاق الزجاج-يؤكد ابن خلدون-، وربما ناسبوا في غنائهم بين النغمات مناسبة بسيطة، كما ذكر ابن رشيق، وكانوا يسمونه بالسناد، وهكذا شأن العرب فى بداوتهم وجاهليتهم ... انتهى كلام ابن خلدون

 

 والأغرب من ذلك، أن المشايخ المعممين هم الذين كونوا الأفندية و المطربشين ، فمشايخ البارودي نفسه كانوا مشايخ وفقهاءأزهريين في التلقين

 

 كمااكتسب عبده الحامولي، أكبر مطرب عصر النهضة قبل حوالي مائتي عام علمه وقواعد الطرب ورهافة حسه من المشايخ والقراء الأزهريين،

 

 ومحمد القصبجي أخذ عن والده الشيخ المقرئ علي القصبجي، القواعد الأولى في علوم المقامات وقواعد الغناء والتلحين

 

 والشيخ المقرئ والفقيه أبو العلا محمد هو أول ملحن طابق ما بين اللحن والأداء في عصره، وتبعه في ذلك سيد درويش متتلمذا عليه، وهو مكتشف أم كلثوم الأول- التي هي ثلاثة أرباع الغناء العربي الحديث كما يقول أهل الاختصاص، وهو الذي وضعها على الدرب الغنائي والموسيقى عندما كان صوتها ما زال متأرجحا ما بين سذاجة الطفولة ونضارة الشباب، مما جعلها تتبوؤ مكانة خاصة في تاريخ الغناء العربي منذ العصر العباسي، لأنها غنت من القصائد العربية ما لم يغنه أحد قبلها، ولابعدها، بسبب ثقافتها العربية الأصيلة المأخوذة عن الفقهاء والمقرئين، والتحامها مع لغة الأزهريين المتينة الصافية، من حيث القواعد والنطق، وتعلمت الأداء والحس الفني والروحي والانفعال مع الكلمة من مشايخ قراء زمنها

 

 والشيخ سيد دوريش غني عن البيان، بدأحياته الفنية مقرءا، ثم منشدا صوفيا ومسمعا في الموالد

 

 والموسيقارمحمد عبد الوهاب درب صوته الخام الطري غي صباه في الموالد والانشاد في الطريقة الصوفية الشعرانية الشاذلية، ولا غرابة في ذلك، فهو حفيد القطب الصوفي الكبير المعروف واحد أعمدة التصوف عبد الوهاب الشعراني و أخذ عن شيخ المقرئين، وأعجوبة زمانه في التجويد الشيخ علي محمود الذي خطا خطوات هائلة في التلحين والغناء، ولم يتخل مع ذلك عن التجويد، بينما تخرج على يد هذا الشيخ المقرئ رعيل من الملحنين والمطربين والقراء مثل سيد مكاوي الذي بدأ حياته مقرءا ومجودا مجيدا في المساجد ومنشدا في الطرق الصوفية، ثم محمد عبد الوهاب في قفزته النوعية في الأداء الغنائي، والتطوير الموسيقي الذي أصبح أمة وحده في مجال الموسيقى والمغنى

 

 وأخيرا ليس آخرا فكم لهؤلاء المجودين الأفاضل المعممين، من أفضال على هذه الأمة فنيا وروحيا عندما انشغلوا واشتغلوا بهذا الفن السماوي الذي اسمه التجويد ذلك الفن السماوي

 

 د .الطيب بيتي العلوي / باحث مغربي في الأنثروبولجيا / باريس

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1156 الاربعاء 02/09/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم