قضايا وآراء

المشهد والظل لهيام الفرشيشي / محمد عيسى المؤدب

 

الواقع والحلم

هنالك ثنائية مركزية اشتغلت عليها هيام الفرشيشي في " المشهد والظل " وهي الواقع والحلم: حيث صورت الكاتبة الواقع باعتماد دواخل الشخصيات المتعددة بإثارة الخيال وخاصة لتمتين الصلة بين الواقع والحلم، لتتجاوز واقعا بدا رديئا في المجتمع التونسي.

لماذا على الحلم؟ - ليكون تقنية قصصية كنوع من أنواع التخييل الفني باعتماد الأسطورة واللغة الشعرية والمجازات والاستعارة بحثا عن متنفس وخلاص لأغلب الشخصيات التي تحضر كشخصيات ثقافية بالأساس حيث نجد الرسام والمفكر والكاتب والطالب الدارس للأدب.

 

المكان الرمزي والمكان الواقعي

المكان بشكل عام حاو لقلق الشخصيات من جهة، وهو موثق للتاريخ ولخصائص المدينة العتيقة، في "رحلة البحث عن الهوية" تصور الكاتبة تصاميم البناءات والأزقة وسوق الجزارين، وساحة باب سويقة في الماضي وما طرأ عليها من تحولات في هذا العصر الحديث.

كما يحضر المكان كمنفذ لما تعيشه الشخصية من حيرة الواقع والفنطازيا، والمشهد والظل.

والمكان أيضا وعاء للفكرة والأحداث الغريبة والعجيبة في قصة " خطوات القط الأسود " . وللمكان أيضا بعد نقدي لفضح واقع الصحافة مثلما وقع في قصة "المشهد والظل " حيث تنتقل الكاتبة أو الصحفية إلى قرية جبلية في يوم ماطر، في طريق زلقة، ويكون الحريق هو الحدث لفضح ممارسات رئيس التحرير ورجل الأعمال، حيث يقوم الإعلام بتغطية الحقائق واستغلال الضعفاء في قرية منسية: " كانت تتمتع بإجازة قصيرة حين هاتفها رئيس التحرير طالبا منها إجراء تحقيق ميداني في إحدى القرى الجبلية التي تعرضت إلى حريق كاد يفتك بها. تساءلت: " هل سأتصل بالمزارعين المتضررين؟ ". وصلها صوته آمرا: " بل بالسيد سامي الرشيد، إنه سيتبرع بمبلغ مالي كبير كتعويض عن خسائر الفلاحين "..

 

الملامح الفنية للمشهد والظل

تنفتح المجموعة القصصية " المشهد والظل " على فنون عديدة مثل الشعر والفن التشكيلي مع شيوع الطرح الفكري والتحليل النفسي للشخصيات وتوضيح ملامح توترها عبر الصراع الداخلي والخارجي، تعدد الرواة، مشاركتهم في الأحداث والتعليق عليها، اعتماد السرد الخارجي مع تحليل بسيكودرامي للشخصيات، التركيز في كل قصة على شخصية مركز السرد لكشف معالمها باعتماد الوصف الخارجي والباطني. وفي فن التشكيل الحكائي للقصص هناك إلحاح على الأبعاد النفسية للشخصيات والتدرج في رسم معالم التأزم الداخلي. والتركيز على المفرد الغائب.

 

وأكد ذلك الأديب المصري إبراهيم جادالله بقوله: " تلعب هيام الفرشيشي لعبتها كمطرزة ماهرة تحيل النسيج الذي من لون واحد إلى مشهدية متنوعة تستقبلها عين المتلقي بارتياح، ودون لهاث أو تعثر في البحث عن دال أو مخيال غائب أو رؤية مضببة. إن لعبة هيام الفرشيشي اللغوية والتقنية متجادلة بشكل سلس وفعال يصل لحد العفوية المقصودة مع موقف اجتماعي ورؤية خاصة للناس والأشياء والكون في إطار من علاقات جمالية متجاوزة ومتجادلة في الآن مع هذا الموقف الاجتماعي وتجاوز البلاغة السهلة للغة مع مشهدية تثمرها نصوصها لكفيل بالإشارة إلى كاتبة قصة عربية ذات مواصفات لا تشبه غيرها ولا يشبهها غير، كاتبة ترتاد أفقا جديدا وببلاغة جديدة للغة والحدث وطرائق الحكي المتفردة معا."

 

خروج عن قوالب الكتابة النسائية

خرجت هيام الفرشيشي عما يسمى بالكتابة النسوية التونسية والعربية التي تنغلق على ذاتها ولا تبارح هموم الذات إذ أكدت على هموم اجتماعية وفكرية وربما هي فلسفية.

واشتغلت على كسر حاجز الذاتية أو قضايا المرأة الكلاسيكية: العزلة، الخوف، المجتمع الذكوري، لأن الكاتبة تتقمص شخصيات جديدة تعبر عن مشاغل اجتماعية وحضارية وسياسية بأسلوب معمق يعتمد على دراسة دقيقة وتجربة ومعايشة في الريف والمدينة.

 

نصوص منفلتة

يرى شوقي العنيزي أنه عادة ما يكتب كتاب القصة قصة قريبة من الشعر ومن التكثيف ولا تحتمل تعدد الأصوات وزوايا النظر، واشتغال على عدد من الشخصيات على عدد من الخلفيات، فكل شريحة لها سجلها اللغوي وتعدد عوالمها. وشبه هذه القصص بنوى لروايات مطولة اأو قصص مطولة، وغير مستغرب أن تطالعنا هيام برواية بعد سنة أو سنتين أو بعد مدة زمنية.

وبتعدد الشخصيات، تعدد القضايا، تنويع الضمائر، تعدد بنية التشكيل الحكائي في القصة القصيرة في قصص هيام، خرجت عن الطوق الأكاديمي للقصة القصيرة القائمة على وحدة الموضوع لنمط الرواية المتوسعة في السرد والوصف والحوار، المتعددة في مستوى الضمائر والرواة. وأجمل النصوص هي النصوص المنفلتة.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1783 الخميس 09/ 06 /2011)

 

 

في المثقف اليوم