قضايا وآراء

المذهب"صفر"الغربي في مواجهة المخاض العربي 1 / الطيب بيتي العلوي

-إنطلقوا، (في الأرض)...أيتها النخب الفرنسية...، 

 إستولواعلى إفريقيا...،خذوها....،ممن؟من لا أحد....!"

-الرب يعطي الأرض  للرجال –(لا للبهائم) !

والرب وهب الأرض كلها لأوربا،فاستحوذواعليها...!، حولواالكادحين من عمالكم إلى مُلاَك وإقطاعيين ومستغلين، ومستعمرين..!" ويضيف الكاتب:"...وكان هذ الخطاب "الرسمي"في مراحل بداية منقبات الكولونياليات الغربية ...صفحة 87من كتاب: (تاريخ الأختلافات واختلاف التاريخ (أو حق الجنوب في الإختلاف وعدم الإمتثالHistoire Des Differnces,, Differnces d’histoire الصادر عام 2002 للأنثروبولوجي الفرنسي والمستشارالدولي(الإقتصادي والتقني) بمنظمات :حوارات :شمال./جنوب  :كلير ميشالونClaire  Michalon

 

مقدمة تمهيدية:

لامراء في أن تعريف أي مذهب ما،-بعيداعن إطاره الفلسفي،أوالعقدي،وفصله عن أصول سياق نشأته التاريخية- ليعد ضربا من اللعب اللفظي،والدجل الفكري،لأن المذاهب الإنسانية ،-بمجرد نشأتها من مصادرها الأصلية- تصبح بمثابة أنهار تشق طريقها–عمقا-في أرضية وأتربة الأمم،ولاتتوقف أوتغيض،إلا إذا ما جف معينها...

مسوغات خلفيات عودة المذهب "صفر"في زمن الربيع العربي:

وبالرغم من أن التفكيرالفلسفي الغربي يتسم بالثراءوالتعقيد والتنوع والكثرة،بل يتسع ويتشعب في بدايات كل قرن ليعيد صياغات رؤاه المستحدثة المستجيبة لحاجياته الجديدة، التي مهما تضاربت--ظاهريا- !.... فإنها ترتد- دائما- إلى تصورالغرب الكوسمولوجي الكوني الذي حدده مسبقا منذ سقراط

-وكماعلمنا جهابدة المنظرين والمفكرين في جامعة السوربون،وسجلتها معاجم الغرب المتخصصة في علوم الإنسان،وما تعلمناه خاصة في(قسم الدراسات العليا للأنثروبولوجيات بجناح ريشيليو الشهير) في مجالات :علم الاجتماع الديني،وتاريخ الأديان،والديانات المقارنة،وعلوم اللسنيات ...،فقد تبين لنا  يسرالتعرض لمثالب الشعوب"الدونية"..ومدى توفرالمراجع والمصادروالبيبليوغرافيات لتقزيمها والحط من قدرها،بتلك النظرة الوليدة للفكرالأوروبي المركزي:الأحادية الواحدية... !،والحصرانية الهجومية !، والنفاحية المدعية تفسير كل شىء!،بقانون شمال أحادي مستكبرومتعالي، لا يقبل الآخر إلاعبرمكبراته الخاصة،مع الإصرارعلى نهج الإنغلاق"الشرنقي"وعدم الإنفتاح على"الآخر"للأخذ أوالإقتباس أوالإعتبارأوالحوارمع حضارات وثقافات حضارات الشرق القديمة،أوحضارات أمريكا اللاتينية من المكسيك إلى البيرو،(ولا يوجد مرجع واحد رصين إسمه"التسامح الغربي"la  tolérance occidentale في فرنسا على سبيل المثال ( وكأن المعنى الإيتيمولوجي للفلسفة،-الذي يعني المحبة أو البحث عن الحكمة،والذي كان يعني–نظريا-"المعرفة"- سواء عند الإغريق أوعند اللاتين وضع فقط للهيلينيين-(وكان سقراط وتلميذه أفلاطون يصليان شاكران آلهات الأولمب كونهما ولدا أثينيان ولم  يكونا من همج برابرة "خارج الصورالإثيني")،حيث ما فتئ الفلاسفة بدءا من هيراقليطس يؤكدون على"محبة الحكمة"والشغف بها، والبحث عنها،وكأنهاحكرعلى أقوام اللاتين والأغارقة الإثينيين"وحدهم  منذ الزمن السرمدي، وغاية التنويريين منذ القرن الثامن عشر،والمطلب الحصري للحداثيين لما بعد الحربين،وغاية هؤلاء وأولائك الحفاظ على مفهوم"الحضارة" بالإصطلاح على أنها: "الهيلينية-التوارتية" التي يُعرفها الغرب كونها  معجزة البشرية الأولى وعبقريتها الأوحد

 

ما هو المذهب "صفر" الغربيla doctrine zéro ؟

ومن هذا المنطلق فإن المذهب"صفر"الغربي–كمبدأ وكإختيار(فلسفي-عقدي- سياسي)غربي محض، يكاد يكون هو"مربط الفرس"في الفكرالغربي منذ نشأته في أثينا إلى اليوم، بالرغم من تداعي وتهافت معظم السلالات الفلسفية الكبرى عبرالعصور،حتى غدت معظم المصطلحات الفلسفية  الهيلينية،معميات في نظرالكثيرمن عمالقة فلاسفة القرن التاسع عشر،وبقيت عقيدة"اللاختيار-في الفكرالغربي ،هاجس المفكرين–وظلت مفهمة "اللاعودة"و"الصفر"هي سيف أوقليدس المسلط على الرقاب بالتكرارالممجوج"لنهاية التاريخ"الذي وصل غايته في القرن التاسع عشرعند الفرنسيين والألمان والأنغلوساكسون:(أوغوست كونت،هيغل ،سبنسر)،...حيث أن الفيلسوف الوضعي الفرنسي"أوغيست كونت"إعتبرأن التاريخ الإنساني-هكذا !- وليس فقط التاريخ الأوروبي!-قد انتقل من المرحلة التيولوجية والميتافريقية –وهما تمثلان عنده مرحلة ما قبل التاريخ ، ليوصل –هذا العبقري الفرنسي -البشرية–وبجرة قلم-إلى المرحلة الوضعية Stade positive التي إعتبرها بالحرف الواحد،بمثابة "الديانة الجديدة"للبشرية "(والمضحك في الأمر،هوان كل  التنظيرات الغربية الوقحة المحقرة للحضارات والثقافات والإثنيات  تتم في أجمل الشقق الفاخرة الباريسية واللندنية والبرلينية ،ومعظم هؤلاء العباقرة لم يزوروا عواصم تلك الحضارات "الدنيا" ولا يعرفون لغاتها)

أما الألمان، فيرون عن طريق"هيغل"بأن إنتصارنابليون على بروسيا في معركة ييناIENAعام 1806كان بمثابة إنتصارالبشرية على نفسها-هكذا !–وبالتالي فتمثل الثورة الفرنسية–عنده-نهاية التاريخ والتطورالإيديولوجي للإنسانية (ولم يعش هذا الهيغل ليشهد  الإندحارات المخزية لنابليون في أوروبا وبيت المقدس ومصر،ونهايته المأساوية في سجنه المنفرد في جزيرة "سانت هيلينا"وتنكرالفرنسيين له في ما بعد وكرههم الشديد له)

 

-واعتبرماركس،أن نهاية التاريخ، سيتحقق بالمجتع الشيوعي،او المشاعي الذي هو آخر مرحلة من مراحل التطورالتاريخي للإنسان

-واعتبرمنظروالنازية من"النتشيين القدامى"والهيدغريين الجدد"بأن إنتصارهتلر في الحرب العالمية الثانية، كان سيكون بمثابة نهاية التاريخ، وبزوغ حضارة الآريين الجددونهاية الشعوب اللقيطة حسب زعمهم !

 

-وكانت مرحلة الستينات من أكثرمراحل ما بعد الحرب-بهرجة وخواء وعبثية- التي طغت فيها مقولات النهايات على يد كل من :ريمون آرون ووالت روستو ودانييل بيل "Daniel Bellعبرنظريات :العالم الصناعي الأوحد" لريمون،ونظرية "مراحل النمو الإقتصادي" لروستو و"مجتمع ما بعد الصناعة"لبيل،ليعلن الغرب إقحام الأنسانية–بالرغم من سلسفيل  أجداد أجداد البشروما قبل أجدادهم الأوائل- في الإنحشار القسري– في"غواتيمالا"عصر سيطرة التكنولوجيا،وهيمنة الآلة والمكننة،وموت المبادئ، ووئد الإنسانية !

 

-وفي السبعينات.. !،وبسبب إرتعاب الغرب من  نتائج حرب أكتوبر/رمضان،وتهديد المرحوم الملك السعودي فيصل–المغتال أمريكيا- بوئد الغرب–صناعيا وحضاريا-عن طريق إيقاف ضخ النفط حتى تحرير القدس-ليصلي فيها-،وأن تنسحب إسرائيل إلى ما قبل حرب 67، ....تم إرغام العرب–المنتصرين لأول مرة منذ عام48- بإيقاف الحرب ومد إسرائيل عبرجسر جوي مباشر بالعتاد الحربي،وهددت أمريكا زمنها بضرب مصر بالنووي-فظهرت أطروحات كيسنيغرلنهاية الإيديولوجيا(أي نهاية الناصرية) ونهاية التاريخ(أي نهاية مصر التاريخي وفلسطين التاريخية وتاريخ المنطقة برمتها، وبداية التاريخ العبري الجديد،وهيمنة التاريخ الأمريكي كل تواريخ الأمم - حسب اطروحات كيسينغر-)، فكان ما كان من إغتيال الملك السعودي-رحمه الله- وإستنباث مسلسلات الشؤم على الأمة مع عار"كامب ديفيد"الساداتي، وبداية خيانات السادات وتدليساته الإبليسية على المصريين والأمة جمعاء التي ورثها-بحق حسني مبارك-الذي بز في الخيانات والتدليس كل أقرانه من الدمى العربية،بإشاعةخرافة نظرية "آخرالحروب"مع الكيان الصهيوني ومع الغرب"ثم ماعاشته الأمة وعاينته من الأمورالعجيبة في تصاعد الخيانات "السايسكوبية العربية"على عهد حسني مبارك الذي دخل مزبلة التاريخ ببناء الحائط الفولاذي لإغتيال أكثرمن مليون ونصف فلسطيني في قطاع غزة(ولست أدري إذا كان هذا الرجل-كمسلم-يؤمن بأنه ليس بين الله وبين دعوات المظلومين حجاب)

 

-ولن نكررهنا هذاءات فوكوياما في أطروحاته:"نهاية التاريخ"،فهو لم يأت بجديد سوى التكرارالممض الثقيل لكانط وهيغل وماركس وكيسنغر،بالدعوة إلى"الدولة العالمية الليبرالية"التي تتردد اليوم–بشكل سافر-على لسان ساركوزي وميركل وكاميرون وبليربضرورة  تنفيذ "الحكومة العالمية الجديدة" التي سترشد البشرية من جديد ،والتي ستكون عاصمتها-للغرابة- القدس-(فانظر لماذا؟)

 

ارتباط المذهب "صفر" بالتلمودية":

-وعطفا على كل ما سبق...،وإعتمادا على التمحيص"الأنثروبو-تاريخي"...،فيمكننا التأكيد على أن كل المراحل الإنتقالية للغرب،تتمحوركلها حول نظرية واحدة هي: نظرية "المذهب صفر" Doctrine Zéroالتي هي"المحرك الأساس للماكينة الغربية المهولة و" اللازمة" الغنائية والموسيقية في السامفونية الغربية البشعة ،و النوتة التي تعزف عليها الحضارة الغربية، منذ أن قعد وأصل"للمذهب صفر"أرسطو"معلم الإسكندرالأكبر،ثم سرى هذا المذهب على أعنة التاريخ الغربي،حيث يتم  تفعيله بقوة وبسرعة كلما تهدد كيان الغرب،حتى أصبح هذا المذهب من لوازم البقاء الغربي التي تترجمها رحلاته المضنية الفلسفية التاريخية الكبرى،وخاصة عندما وجد ضالته في "التلمودية"الداعية إلى"النقاء العرقي"و"الصفوة"و"الأخيار"و"الأطهار"والخُلًص" ومزعمة "شعب الله المختار"التي غذت إنحرافات الفكرالغربي منذ القرن الخامس الميلادي(1)،تلك الفترة التى إتسمت بهيمنة الأفلاطونية الحديثة والفيثاغورية، وتسرب طلاسم غنوصيات الشرق ،وغرمزات كهان  الزرادشية والمانوية المنتجة،"للهيرمونوتيكية"Hérmetisme(التي هي مزيج هجين عجيب لأخلاط "كيماوية" غريبة من غنوصيات الشرق:الصين والهند وفارس وسجع كهان :التوراتية  بقرائتهاالتلمودية ،)التى أخذت على عاتقها تبني ابتداع منهج "التأويلات الرمزية الإستسرارية"للإنجيل،تمهيدا لبروزمذهب القبالة"الخفائي"مهادنة للفلسفة الإغريقية-من جهة،وإتقاء لضرباتها وإنتقاداتها من جهة ثانية(ولا يوجد-للغرابة-أي مبحث أكاديمي جامعي رسمي رصين ينتقد اليهودية،بل أصبح ذلك من المحرمات الكبرى تعاقب عليها القوانين الأوروبية"العلمانية والعقلانية"تحت جنحة جرم اللاسامية، بينما يمكنك أن تعبث بالمسيحية والإسلام ما شاء لك العبث)،حيث حولت الفاتيكان النصرانية الحقة –تحت ضربات التلمودية-الى ما يسمى بالماسيحانية الغربية التي اهتمت بخلافات الرجال وفتنهم،لا بأقاويل المسيح عليه السلام،قصد تطويع النصرانية للأغراض والأهداف اليهودية الخفية،ولإحتوائها-من جهة أخرى-كما تبين لاحقا عبرالتاريخ في ظهورالإصلاحية "الكالفانية"البروتستانتية،والتجمعات الدينية"التحتية"Sous Religionsالسرية المغلقة،مثل المحافل الماسونية المتنوعة(في الغرب والشرق) لإقصاء الديانات الحقة ومسخها بالقراءات التحريفية "القبالية"التي تغلغلت في الإتجاهات الفلسفية الغربية اللاعقلانية منذ القرن الثامن عشر،فوجدت مسارها الأخيرعلى يد الألمانى"لايبنتز"الفيلسوف اليهودي واللاهوتي والرياضي والفيزيائي والفلكي،الذي حاول التوفيق بين أفلاطون وأرسطو"الفيلسوفان الإلهيان"وبين ديكارت،وجون لوك، الدوغماتيان العقلانيان

 

وأخيرا وليس آخرا،... فإن الأحداث السياسية اليومية في المنطقة، -في زمن الربيع العربي، وإن شئت فسمه زمن المخاض العربي-، تتسارع يشد بعضها بتلابيب بعض، ولا أحد يدعي السيطرةعليها..أويمنكه إكتناه يقينية نهاياتها !..

والقضايا الكونية الكبرى يتعملق شنارها.... ! وتتقزم الحلول... وتتزئبق الرؤى... !

-ويتخبط  الغرب وتتكاثر أخطاؤه وهناته.... ! تترجمها الخطابات الإنفعالية الهوجاء للسياسيين الصهاينة،....وتفضحها مهازل "هوليوديات'"سيد البيت الأبيض التي أصبحت خطاباته ممجوجة وممقوتة –حتى من طرف معظم الأمريكيين أنفسهم – !

-وتحركات ثعالبة مجموعة بروكسل والناتوأضحت "قردانية"وسقيمة، وألاعيبهم سمجة و مكشوفة... !

-وفرص حروب كبرى: إقليمية وكونية،أصبحت أكثر بداهة وضرورة... !

ولذا…. فإن التوليفة الإمبريالية:(الإسرائيلو-أوربية-أمريكية) تجد نفسها–ولأول مرة منذ ما بعد الحرب الباردة- تحاصرها الأحداث العربية في الزاوية الركينة-

ومن حسن الفطن–غربيا- من هذا المنظور-:التخطيط ليل نهارلقلب الطاولة على المنطقة كلها وبأي ثمن أو..... الطوفان !

ومن هذه الزاوية،.... فلا يملك الغرب سوى تفعيل نظرية "تاتشير-ريغان"المسماة "تينا :TINA :

TINA = (T)here (I)s (N)o (A)lternative

(to USA-style faux damocracy and vulgar capitalism

بمعنى :

إما أن تقبل البشرية الهيمنة، وقبول الطريق "الملكي" الغربي الأوحد....! أوالنهاية.... !

للبحث صلة

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1783 الخميس 09/ 06 /2011)

 

 

في المثقف اليوم